حوارات «البوكر».. الروائى العراقى أزهر جرجيس: الأدب سِجل المدينة وصرخة المهمشين فى وجه العالم

- تستهوينى لغة إحسان عبدالقدوس السلسة.. وقرأت المؤلفات الكاملة لنجيب محفوظ

- خططت لكتابة نص طويل يروى آلام المهمشين فكان رواية «حجر السعادة»

- «حجر السعادة» تقدم ظاهرة مجتمعية تنتهى بثورة على الواقع المعيش

فى هذا الحوار الذى أجرته «الدستور» مع الروائى العراقى أزهر جرجيس، نناقش روايته «حجر السعادة»، الصادرة عن «دار الرافدين»، التى وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية فى دورتها لهذا العام، متطرقين للحديث عن رؤيته الفكرية لفن السرد ودوره فى الواقع المعيش. 

عمل «جرجيس» صحفيًا فى العراق وألّف كتابًا بعنوان «الإرهاب.. الجحيم الدنيوى» كان سببًا فى تعرضه لمحاولة اغتيال، على إثرها اضطر للهروب إلى سوريا ثم المغرب إلى أن استقر فى النرويج.

كتب الروائى العراقى مجموعتين قصصيتين هما: «فوق بلاد السواد»، و«صانع الحلوى»، فضلًا عن روايته الأولى «النوم فى حقل الكرز» التى أتبعها بروايته «حجر السعادة».

■ ما الشرارة الأولى التى انطلقت منها فكرة رواية «حجر السعادة»، هل تمثلت شخصية كمال فى مخيلتك أولًا أم كان السياق العام للرواية هو المنطلق؟

- مخيلة المغلوبين على أمرهم هى ما تمثلت لى أولًا قبل المضى فى متن الحكاية. منذ وقت ليس بالقصير وصورة الذين يتعرضون إلى السخرية والتنمر وما ينتج عنه من أرواح مهشمة، تعتمل فى رأسى، وهى شرارة الرواية الأولى. لقد خططت لكتابة نص طويل يروى آلام هؤلاء المهمشين فى أزقة الحياة، وقد جاء السياق متسقًا مع ما خططت.

■ لمَ اخترت أن يجرى السرد كاملًا على لسان بطل الرواية المهزوم «كمال» بكل ضعفه وهشاشته وسلبيته التى ساقها القدر إليه؟ هل أردت أن تكون الرواية تصويرًا لأنماط متنوعة من التهميش على مستويات عدة عبر عين واحد من المهمشين بضراوة؟

- لقد كان علىّ اختيار شخصية هشة طحنتها الويلات، إذ لا يجيد الحديث عن الآلام إلا من عاشها، وكمال توما عاش المحنة من الألف إلى الياء. لقد جعلته ناطقًا باسم المقهورين لأنه واحد منهم، عاش آلامهم بتفاصيلها، بل زاده أنه عاشها باختلاف المدينة والناس، والزمان كذلك.

■ وهل استقيت شخصيات الرواية بالكامل من الخيال أم أنهم نماذج من الشارع العراقى احتفظت بهم فى ذاكرتك خلال فترة تواجدك بالعراق؟

- لا توجد شخصية روائية من ورق، كما لا وجود لشخصية واقعية تمامًا، دائمًا ما تكون أمرًا بين أمرين، أو هكذا ينبغى. دائمًا ما أخلط بين الواقع والخيال فى نصوصى، وهذه لعبة روائية قديمة، تثير الفضول لدى القارئ وتحفزه على التساؤل. 

فى بغداد، كما فى الموصل وباقى المدن العراقية، الكثير ممن هو على شاكلة كمال توما، النموذج الإنسانى السائر قرب الحائط والحالم بالسلامة، وما فعلته فى «حجر السعادة» أنى التقطت تفاصيل حيواتهم ومزجتها بقصة خيالية تتبع حياة مصور فوتوغرافى مغمور يدعى كمال توما.

■ إن كان البطل المهزوم «كمال» فى الرواية قد عاش حياته عاجزًا عن المواجهة مستكينًا إلى حلول مُسكِّنة؛ حجر يلوكه فيمنحه استقرارًا وسعادة مؤقتين.. فهل أردت أن تجعل تخلصه من ذلك الحجر فعلًا مدفوعًا بحالة الثورية التى شهدتها البلدان العربية ومعبرًا عنها؟ 

- المتتبع لحياة كمال توما يجد أنه عاش فى صراع مع الذات، وأن ركونه لـ«الموروث» لن يدوم طويلًا، على أنه لا يمثل حالة فردية، بل ظاهرة مجتمعية لا بد أن تنتهى بثورة على الواقع المعيش، وهذا ما حدث.

لقد ركن كمال إلى «حجر» أخرس ظنًا منه بأنه سينجيه من محنته ويصنع له سعادة دائمة، ولم يكن يدرى أن هذه الموروثات ليس من شأنها منح الحلول، قدر ما تسببه من كسل للمؤمنين بها. تكاسل «كيمو» كان منشأه الاعتماد على «حجر السعادة» ولم يتنبه إلا بعد وطر من الزمان، فكان لا بد من ثورة على الموروث.

■ ركزت معظم فصول الرواية على الجانبين الإنسانى والاجتماعى عبر تتبع طفولة كمال المعذبة والمشردة بين الموصل وبغداد، فيما كثفت السنوات الأخيرة من تاريخ العراق السياسى، تحديدًا، بما يشبه لقطات كاميرا.. ما دوافعك الفنية والفكرية نحو هذا الخيار؟ 

- الفن خيار جيد للخلاص، والكاميرا كانت واحدة من شخصيات الرواية، لما لها من قدرة على تدوين الواقع بحيادية ووضوح. يمكنك أن تقرأ تاريخ العراق الحديث من خلال ألبوم الصور السميك الذى يتتبع حال البلاد من أيام «الحنطور» إلى أيام «الدبابة»، ستقرأ الحقيقة من خلال وجوه العراقيات والعراقيين قبل وبعد الخراب. لقد أردت لكمال توما أن يكون شاهد عدل من خلال تصويره ما جرى فى بغداد من ألفه إلى يائه، وقد نجح فى مهمته، حسب رأيى.

■ تقدم رواية «حجر السعادة» بصورة ما بانوراما لتاريخ العراق منذ الستينيات وحتى العام ٢٠١٨، فيما لا تنفصل أعمالك السابقة على هذه الرواية عن واقع العراق المرير لا سيما فى السنوات الأخيرة.. فما الذى تود تحقيقه من الكتابة عن ذلك الواقع؟ 

- ما أود تحقيقه من الكتابة عن العراق هو أن تُقرأ حكايتنا، ويسمعها الأحفاد بشكل جيد، علهم يتعلمون كيفية الحفاظ على البلاد التى فرّط فيها الآباء والأجداد من قبل، أو كادوا أن يفعلوا. أعتقد بأن هناك الكثير من الحكايات العراقية لم يُكتب عنها بعد، ولو اطلعت على أرشيف المأساة لوجدته مسبوغًا بسحنة العراقيين. هذه الحكايات والقصص كانت محاصرة بطوق من إعلام السلطة آنذاك، وقد آن لها الأوان أن تظهر إلى العيان وتُقرأ.

■ يقودنى ذلك إلى سؤالك عن الدور الذى تراه لا بديل عنه للأدب من وجهة نظرك.. هل أن يصير العمل الأدبى سجلًا حافظًا للسنوات العاصفة أم أن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم فى الواقع؟ وما رؤيتك فى هذا الصدد؟ 

- لا مانع من الاثنين، فالأدب سِجل المدينة وتاريخها النظيف الذى لم يُكتب بواعز من السلطة، وهى صرخة المهمشين بوجه العالم كذلك. 

لقد عرفنا، على سبيل المثال، ما حدث فى جمهورية الدومينيكان من ظلم وقهر واستبداد من خلال رواية «حفلة التيس» لـ«ماريو فارجاس يوسا»، وأخذنا فكرة مشبعة عن الحكم الديكتاتورى هناك فى الثلث الأول من القرن العشرين، وهذا ما لا يخبرنا به التاريخ جزمًا، وفى ذات الوقت كانت الرواية تتحدث بلسان الضحايا والمهمشين فى مجتمع يسوده الطغيان.

■ إن كانت كتابة الأدب لا تنفصل بأى حال عن التجارب التى عايشها الكاتب وشكلت مخزونه النفسى والفكرى.. فما أبرز المحطات بصورة عامة والمشاهد التى تحتفظ بها ذاكرتك التى ما زالت معينًا لك فى كتابتك السردية؟ وما الأثر الذى تركته الغربة عن بلادك عليك وعلى ما تكتب؟ 

- لقد عشت حياة ليست بالقصيرة، وخضت تجارب كثيرة منها أن تكون جنديًا فى حرب لا تعرف كيف ولماذا اشتعلت، وأن تكون سجينًا لأسباب أعدّت سياسية، علمًا بأنها لم تكن أكثر من قفشات نرويها على ناصية المقهى حول شخص الديكتاتور.

كذلك عشت الهجرة ومآلاتها، وسباق المصير مع حرس الحدود فى غابات أوروبا، كل هذا وذاك منحنى مخزونًا لا بأس به لسرد القصص. أما الغربة فبرأيى هى صاحبة الفضل الأكبر فى ذلك، من خلال توفيرها العزلة المناسبة للكتابة، والابتعاد الجغرافى الذى يعنى بشكل أو آخر قراءة الأحداث بتروٍ وهدوء، والتفكير بطرح الأسئلة حول ما كان ويكون.

■ ما القراءات التى تأثرت بها وتظن بأن أثرها ما زال باقيًا فى وجدانك؟ ومَن مِن الكتّاب العرب تستهويك القراءة لهم أو إعادة قراءة أعمالهم كلما سنحت الفرصة؟ 

- أقرأ كل ما يقع تحت يدى، بغثه وسمينه، وأكثر ما يستهوينى الأدب اللاتينى؛ لعل ماركيز ويوسا أكثر مَن تأثرت بهما وتبهرنى قدرتهما على السخرية. 

أما الكتّاب العرب، فمحمد شكرى وحنا مينه هما أميرا الكتابة عن المعذبين، وقد أعدت قراءة ما كتبا غير مرة. هذا لا يعنى أنى لم أقرأ المؤلفات الكاملة لنجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس، الذى تستهوينى لغته السلسة كثيرًا.

■ هل يمكننا القول إن العناصر التى تحضر فى عملك الروائى مثل التكثيف وجماليات الرمز والغوص فى الأبعاد الإنسانية إلى المدى الأعمق هى حصاد اشتغالك على القصة القصيرة فى أعمال سابقة؟ وهل تتفق مع مَن يعتبرون القصة تدريبًا على كتابة الرواية؟ 

- القصة والرواية جنسان مختلفان، ولا أعتقد بتمرينية الأولى وغائية الثانية. أما البُعد الإنسانى فهو حاضر فى كل الأجناس الأدبية على السواء.

لقد كتبت مجموعتين قصصيتين، سبقهما كتاب مقالات ساخرة، وما زلت حتى اللحظة أعتز بهما، لكن كتابة الرواية تستهوينى أكثر، بما لها من مساحة فى البوح والغور فى التفاصيل التى لا طاقة للقصة القصيرة على حملها.

■ أخيرًا.. ما الوجهة التى ستقصدها مستقبلًا فى كتاباتك؟ هل ستسير على النهج ذاته الذى اتبعته فى أعمالك السابقة سواء فنيًا وموضوعاتيًا خاصة مع الإشادة والترحاب اللذين قوبلت بهما تلك الأعمال؟ 

- ما زالت بعض الحكايات لم تُكتب بعد، وما زال العالم غير مطلع على أزقة الوجع العراقى، غير أن هذا لا يعنى نسخ التجربة، بل تطويرها والمضى بها حتى نهاية المشروع.

«حجر السعادة».. الكاميرا تروى تحولات بغداد

فى عالم يُسحق فيه المهمشون وتضيع أصواتهم دون أن تجد أذنًا تصغى إليها أو تُعيرها بعضًا من الاهتمام، تصير فكرة السعادة أمنية طوباوية قد لا تراود هؤلاء المسحوقين الطامعين فقط فى بعض من الاستراحة من رحلة ألم طويلة وممتدة. 

من هذا المنطلق، يسترجع كمال توما؛ بطل رواية «حجر السعادة» للروائى العراقى أزهر جرجيس، فصولًا قاسية من طفولته عانى خلالها صنوفًا من عبثية الأقدار ظلت تتقاذفه من ألم إلى آخر ومن قسوة إلى ما يليها، حتى إن أقل الأمنيات كانت عصيّة على التحقق. 

واعتمادًا على تقنية الاسترجاع، يدور السرد فى الرواية على لسان بطلها منذ أن كان طفلًا إلى أن صار فى الستينيات من عمره، ليقدم فى الآن ذاته صورة بانورامية للتاريخ العراقى على مدار ما يقرب من ستة عقود.

القاسم الأكبر من العمل يركز على الطفل المُهمّش والمقصى والمنبوذ من الجميع، فالوجه الأكثر قسوة للحياة يعاينه الطفل باكرًا مع الأسرة؛ موضع الدفء المفتقد ومرسى النبذ الأول، لتتشعب تلك القسوة يومًا بعد الآخر حتى يجد «توما» ذاته قطعة بالية ملقاة على الطرقات يدهسها الجميع بلا رحمة. 

فى الجزء الثانى من الرواية؛ الذى شهد شباب «توما» وكهولته وحياته فى فترة مضطربة من تاريخ العراق، ستصير الكاميرا بطلًا مرافقًا له من خلال عمله مصورًا وحافظًا ليوميات مدينة «بغداد» وتحولاتها. ومع ذلك، فإن دور الكاميرا فى الرواية يتجاوز وظيفة السارد لتصبح لقطات الكاميرا المختلفة وزوايا التصوير المتعددة جانبًا من آلية عمل الرواية. 

تاريخ الخبر: 2023-05-10 00:22:01
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

أول تعليق إسرائيلي رسمي على موافقة حماس على مقترح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:26:03
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

مويس يغادر منصبه كمدرب لوست هام في نهاية الموسم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:56
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

أول تعليق إسرائيلي رسمي على موافقة حماس على مقترح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:58
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

مويس يغادر منصبه كمدرب لوست هام في نهاية الموسم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:50
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية