في ندوة علمية احتضنتها قسنطينة: تأكيد على أهمية العمل العربي المشترك لتحقيق الأمن الغذائي

أبرز خبراء خلال الندوة العلمية حول الأمن الغذائي في الوطن العربي، التي احتضنتها قسنطينة أمس، أهمية هذا اللقاء كونه ينعقد في ظرف إقليمي معقد بات يهدد الأمن الغذائي للمنطقة، في ظل ندرة الموارد المائية وزيادة موجات الجفاف، مؤكدين ضرورة تعزيز التعاون والعمل العربي المشترك وتبادل الخبرات والمعارف، للاستجابة للتحديات المطروحة وتطبيق أفضل الممارسات في مجال الزراعة والتنمية الريفية، بما يحقق الاكتفاء الغذائي للشعوب العربية التي تستورد 43 بالمئة من حاجياتها من القمح.

تغطية: ياسمين بوالجدري

الملتقى الذي احتضنته المدرسة الوطنية العليا في البيوتكنولوجيا، حضره 60 خبيرا قدموا من أكثر من 12 دولة لتقديم مشاريع وتدارس مقترحات، قصد الاستجابة للتحديات التي يفرضها الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية والمشاكل الاستراتيجية التي يشهدها العالم، وتتضمن الندوة 4 ورشات حول مجالات مصادر المياه التقليدية وغير التقليدية، الزراعة في سياق التغيرات المناخية، المصايد والاستزراع المائي، والبيوتكنولوجيا والتقلبات الغذائية.
وشمل اليوم الأول عرض مشروع «برنامج حركية»، لتعزيز القدرات عبر الحركية التقنية العلمية في مجال الأمن الغذائي في الوطن العربي، من طرف الباحثين قريمس سمير وعمار عزيون، ومشروع «برنامج تربوي» لتطوير ونشر ثقافة التنمية المستدامة ذات الصلة بالأمن الغذائي في الوطن العربي، في الوسط المدرسي، من قبل الأستاذة مريم هند بن مهدي. وسيعرف اليوم الثاني من الندوة العلمية الصياغة النهائية للمشاريع المقترحة، وعرضها في جلسة مفتوحة، قبل اختتام الفعاليات بتلاوة «بيان قسنطينة».

* مدير المنظمة العربية للتنمية الزراعية إبراهيم آدم الدخيري
ندرة الموارد المائية تزيد الحاجة للاستدامة الزراعية
أكد المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، إبراهيم آدم الدخيري، في كلمة ألقاها بالمناسبة، أن انعقاد الندوة يجسد الوعي العربي عبر القمة الواحدة والثلاثين التي عقدت في الجزائر وكلفت الأمانة بإعداد إستراتيجية للأمن الغذائي، مضيفا أن قضايا الأمن الغذائي في المنطقة كثيرة ومتعددة.
وقال الدخيري إن العالم العربي يواجه تحديات منها القضاء على الجوع وضمان الحصول على غذاء آمن، إضافة إلى التحديات البيئية وتغير المناخ الذي يهدد الأمن الغذائي في العالم، كما تطرق إلى تأثير حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني في بعض الدول العربية، على قضايا الأمن الغذائي.
وتابع الدكتور الدخيري، بأن ندرة الموارد الطبيعية وخاصة المياه، يزيد الحاجة لتعزيز الاستدامة الزراعية والتنوع في النظم لاسيما النظام الغذائي، إلى جانب تطوير البحوث والتكنولوجيا في القطاع الزراعي لتحسين الإنتاج والمنتجات ومنه ضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للفلاحين والعمال، والقضاء على الفقر والحد من الهجرة من الريف إلى المدن، مضيفا أن جائحة كورونا أثرت على إمدادات الغذاء في المنطقة العربية، لتتعرض هذه الأخيرة لتحد آخر هو اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
واستطرد المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية بالقول «مع وجود هذه التحديات فإن المنظمة يحذوها الأمل أن يحقق هذا الملتقى العلمي الأول مبتغاه بالخروج بمقترح مشروعات تنموية حقيقية قابلة للتطبيق والتنفيذ». وأعرب المتحدث عن أمله في تحقيق نجاح كبير للملتقى وتعزيز الهدف المنشود ببلوغ الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وهو هدف أكد أنه يتطلب جهدا مشتركا وتعاونا وثيقا بين جميع البلدان العربية وكافة الشركاء، فالأمن الغذائي، مثلما أبرز، ليس مسؤولية دولة واحدة بل هو مسؤولية مشتركة في منطقتنا وبين جميع الفاعلين في المستويات المختلفة العلمية والبحثية.
وأضاف الدخيري أن الوضع الحالي ينطوي على تحديات كبيرة، لكن توحيد الجهود المتضافرة التي يبذلها الجميع إضافة إلى تسخير التكنولوجيا الحديثة والبحوث العلمية، سيمكن من مواجهة العديد من المشكلات التي كانت تمثل في الماضي عقبات صعبة نحو تحقيق الأمن الغذائي.
ويرى المتحدث أن الحوار والتعاون بين الدول العربية يمكن أن يسهم في تحقيق هذا الهدف من خلال التعاون والتنسيق الذي يمكن من تبادل الخبرات والمعرفة، وتطبيق أفضل الممارسات في مجال الزراعة والتنمية الريفية، مضيفا في هذا الإطار «أود أن أتوجه بشكري إلى حكومة الجزائر على استضافتها لهذا اللقاء الهام جدا وأشكر كل شركاء التنمية على الجهود المبذولة في الوصول إلى هدفنا المشترك وهو تحقيق الأمن الغذائي للشعوب العربية». وأكد الدخيري أن ندوة قسنطينة تشكل فرصة فريدة لتبادل الأفكار والخبرات من أجل تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة العربية، معربا عن ثقته في أن النقاشات ستكون بمثابة محرك قوي للتغيير والتحسين.

* مدير المركز العربي لدراسات المناطق الجافة نصر الدين العبيد
الدول العربية لا  تنتج سوى 43 بالمئة من احتياجاتها من القمح
من جهته، قال المدير العام للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة «أكساد»، نصر الدين العبيد، إن انعقاد هذه الندوة العلمية الهامة حول الأمن الغذائي يأتي في إطار توصيات وقرارات الدورة الواحدة والثلاثين للقمة العربية المنعقدة في الجزائر، والتي أولت مسألة الأمن الغذائي العربي أهمية خاصة، وأدرجته ضمن الاهتمامات ذات الصلة بالأمن القومي العربي، كما أكدت على تعزيز العمل العربي المشترك وأهمية تضافر الجهود من أجل تعزيز القدرات العربية الجماعية في مجال الاستجابة للتحديات المطروحة على الأمن الغذائي، البشري، المناخي، الصحي والطاقوي، قصد مواجهة هذه التغيرات.
وأضاف المتحدث أن «أكساد» التي تعتبر الجزائر عضوا مؤسسا وفاعلا فيها، كانت من أولى المنظمات العربية والدولية المتخصصة التي أولت اهتماما لقضايا الأمن الغذائي العربي بمشاريعها التنموية المختلفة وبأبحاثها ودراساتها المتخصصة، كما كانت سباقة في تسليط الضوء على التغيرات المناخية وانعكاساتها السلبية على الأمن الغذائي، موجها تقديره للجزائر ومبادرتها بعقد ندوة قسنطينة استكمالا لجهودها في قمة نوفمبر.
وتابع العبيد أن ندوة قسنطينة تنعقد في ظروف عالمية وعربية بالغة الصعوبة والدقة، أبرزها ما تواجهه المنطقة من تهديد لأمنها الغذائي في ندرة الموارد المائية المتاحة وتفاقم آثار التغير المناخي والتصحر وموجات الجفاف التي يزيد تكرارها وتكبر شدتها، وما زاد في الأمر تعقيدا وصعوبة، بحسبه، جائحة كورونا وما أفرزته الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأكد العبيد أن منظمة «أكساد» تعمل منذ تأسيسها قبل نحو 50 عاما على تحقيق الأمنين الغذائي والمائي وتحسين النظم البيئية والزراعية، حيث تمكنت من استنباط أكثر من 87 صنفا من القمح والشعير ذي الكفاءة الإنتاجية المرتفعة، وأكثر تحملا لظروف الجفاف ودرجات الحرارة التي تزداد سنة بعد سنة، كما اعتمدت الجزائر أكثر من 15 صنفا من القمح اللين والصلب، وأصناف الشعير.
وفي هذا الإطار، وبيّن المتحدث أن إنتاج الدول العربية جميعا من الحبوب، لا يزيد عن 60 مليون طن بما يمثل 42 بالمئة فقط من إجمالي الاحتياجات، أما بالنسبة للقمح، فقد بلغ الإنتاج 28 مليون طن وهي كمية لا تلبي سوى 43 بالمئة من الاحتياج الكلي.
ويضيف السيد العبيد أنه تم استنباط أصناف من الأشجار المثمرة والنباتات الرعوية الأكثر تكيفا مع بيئات المناطق الجافة والهامشية وذات القيمة العلفية الجيدة، ويتم العمل على نشر التطبيقات الزراعية المبتكرة والذكية مناخيا، مثل نظام الزراعة الحافظة التي تهدف لتحسين إنتاجية الأرض والمياه وزيادة غلة الأنواع المحصولية في البيئات الجافة وشبه الجافة، ورفع قدرة الترب الزراعية على احتجاز الكربون فيها.
كما نفذت «أكساد»، مثلما يبرز مديرها العام، العشرات من المشاريع في المنطقة العربية لتأمين المياه اللازمة للري التكميلي وسقاية الماشية خلال فترات الجفاف وتحسين الكفاءة الإمدادية لإنتاج اللحم والحليب، وكذلك تناسلية حيوانات المزرعة كالأغنام والماعز الشامي والإبل، مع تحسين قدرتها على التكيف مع آثار التغيرات المناخية.
وتطرق المتحدث إلى مشروع «دراسة التغيرات المناخية في المنطقة العربية وتأثيرها على الموارد المائية السطحية والجوفية»، والذي تم إنجازه بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، وكان من أهم نتائجه أن معدل ارتفاع درجات الحرارة سيصل وفق سيناريو الانبعاثات الغازية الأسوأ، إلى 2.15 درجة مئوية بحلول عام 2045 حتى 2060، وإلى نحو 4 درجات في فترة نهاية القرن.
ويتابع الخبير، بالقول إنه لا بد من العمل على الحد من التأثيرات السلبية الناتجة عن التغيرات المناخية في القطاع الزراعي من خلال تغيير مواعيد الزراعة وتطبيق الممارسات التي تجعل هذا القطاع أكثر إنتاجية وتحسن من عوامل إدارة الموارد الطبيعية، كاشفا أن هيئته ستتقدم خلال الندوة بمجموعة من المشاريع الهامة في مجالات المياه والحبوب والمراعي والثروة السمكية.

* الباحثة في العلوم الفلاحية والبيئية فطوم لخضاري
يجب استحداث مجلس عربي للأمن الغذائي
ألقت الباحثة في العلوم الفلاحية والبيئية، الدكتورة فطوم لخضاري، محاضرة بعنوان «الأمن الغذائي في الوطن العربي تحدي الحاضر والمستقبل»، أبرزت فيها التحديات التي يواجهها قطاع الزراعة في ظل التحولات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية، حيث قالت إن جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية، نبهتا إلى أهمية الأمن الغذائي، خصوصا أن روسيا وأوكرانيا لوحدهما يوفران 30 بالمئة من احتياجات السوق العالمية، منها 50 بالمئة توجه للدول العربية.
وحذرت الخبيرة من وصول البلدان العربية إلى مرحلة نقص الموارد الغذائية الأساسية والمدخلات الزراعية وحتى المواد الأولية التي تستغل في السلسلة الغذائية، مؤكدة أن الإنتاج الفلاحي يبقى الأساس في ضمان الأمن الغذائي للدول، لكن الملاحظ بحسبها، وجود فجوة بين الإنتاج والاستهلاك، خاصة ما تعلق بالحبوب والبذور الزيتية واللحوم.
وفي هذا السياق، تظل مردودية الهكتار الواحد من القمح، باعتباره الغذاء الأساسي، ضعيفة في معظم الدول العربية، بحسب الدكتورة لخضاري، التي نوهت إلى أن الإنتاج يتحسن في الجزائر لكنه مرتبط بتوسيع المساحات الزراعية، لتستطرد بالقول إن 60 بالمئة من المساحات المزروعة في الوطن العربي، تزرع حبوبا، ورغم ذلك تُسجل بلداننا عجزا، داعية إلى الاستثمار أكثر في قطاع الصيد البحري وتربية المائيات.
وتضيف الخبيرة أن قلة الإنتاج ترافقه زيادة في الاستهلاك في ظل ارتفاع متوسط الطلب على الغذاء في المنطقة العربية مع زيادة نسبة نمو السكان بمعدل 2.5 بالمئة، مؤكدة أنه  وحتى في حالة الوفرة المالية فإن التبعية للأسواق العالمية هي في حد ذاتها تهديد للأمن الغذائي، ما يتطلب بذل جهود أكبر.
وبينت المتحدثة أن متوسط الحصة الغذائية اليومية للفرد العربي يتراوح ببين 2600 و3500 حريرة، 89 بالمئة منها تأتي من مصادر نباتية، وهو مستوى قالت الباحثة إنه لا بأس به رغم الفروقات بين بعض البلدان بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية، إلى جانب تسجيل زيادة أعداد الأفراد الذين يجدون صعوبة في الحصول على غذاء صحي ابتداء من سنة 2011 فيما تعقدت الأمور أكثر بعد الجائحة.وذكرت الباحثة في العلوم الفلاحية والبيئية، أن البلدان العربية تقع في منطقة جغرافية تقل فيها الأمطار، وهي معروفة بشدة الحرارة ومعرضة أكثر لمخاطر الجفاف والتصحر، ما نجم عنه نقص المياه ودفع بالدول إلى تحلية مياه البحر، مقترحة استحداث مجلس عربي للأمن الغذائي لوضع إستراتيجية مناسبة والمتابعة للوصول إلى أمن غذاء مستدام.
 ي.ب

تاريخ الخبر: 2023-05-29 00:24:20
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

العيون.. تخليد الذكرى الـ 68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 00:25:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

جرسيف .. الاحتفاء بالذكرى ال68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 00:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية