نموذج العمل الداخلي للتعلق

عودة للموسوعة

نموذج العمل الداخلي للتعلق هوطريقة نفسية تحاول وصف تطور التصوّرات الذهنية، خاصة مدى تقدير الذات، وتسقطات ردود عمل الآخرين. اتى هذا النموذج نتيجة للتفاعلات مع مقدمي الرعاية الأولية التي أصبحت داخلية (أوباطنية)، وبالتالي فهي عملية تلقائية. طبّق جون بولبي هذا النموذج في نظرية التعلق من أجل شرح كيف من الممكن أن يتصرف الأطفال وفقًا لهذه التصورات الذهنية، وهوجانب هام من الجوانب العامة لنظرية الارتباط.

توجه نماذج العمل الداخلي السلوك المستقبلي، وتولد تسقطات عن كيفية استجابة رموز التعلق لسلوك الفرد، عملى سبيل المثال، يشير الوالد الذي يرفض حاجة الطفل إلى الرعاية إلى أنه يجب تجنب العلاقات الوثيقة بشكل عام، مؤديًا ذلك إلى أنماط تعلق عسيرة التكيف عند الطفل.

التأثيرات

يعتبر بولبي الشخصية الأكثر تأثيرًا في فكرة نموذج العمل الداخلي للتعلق، فهوالذي وضع الأساس لهذا المفهوم في ستينات القرن العشرين، وقد تأثّر بكل من التحليل النفسي، وخاصة نظرية العلاقة بالموضوع، وأحدث الأبحاث في فهم الأخلاق والتطور ومعالجة المعلومات وقتها.

في نظرية التحليل النفسي، كانت هناك فكرة عن وجود عالم داخلي أوتصوّري (اقترحه فرويد)، واستبطان للعلاقات. وفقًا لفرويد، تتطور المخططات الأولى من التجارب المتعلقة بتلبية الاحتياجات من خلال رمز التعلّق. وجادل بأن التصوّر الذهني الناتج هونسخة داخلية من عالم خارجي، يُصنع من الذكريات، ويلعب التفكير فيه دور التجربة. اقترح فايربيرن وفينيكوت بأن هذه الأنماط المبكرة من العلاقات ستصبح داخليةً، وستحكم العلاقات المستقبلية.

على أي حال، فقد حظيت الجوانب التطورية الأخلاقية للنظرية باهتمام أكبر. كان بولبي مهتمًا بقلق الانفصال، والترابط عند الحيوانات، ولاحظ حتى الكثير من سلوكيات الرّضع تتضافر وتهدف إلى الحفاظ على القرب من مقدم الرعاية. واقترح حتى أطفال البشر مثل الثدييات الأخرى التي لا بد حتى تمتلك نظام سلوك تحفيزي تعلّقي يعزّز فرص البقاء. لاحظت أينسورث التفاعل بين الأم والرضيع، وتوصلت إلى استنتاج بأن الاختلافات الفردية في ردود العمل على الانفصال لا يمكن تفسيرها ببساطة من خلال غياب أووجود مقدم الرعاية، بل يجب حتى تكون نتيجة لعملية إدراكية.

على أي حال، كان فهم النفس المعهدي ما يزال في بدايته عندما طوّر بولبي نظرية التعلّق الخاصة به، وفقط في عام 1967 اقترح نيسر نظرية التصوّر الذهني اعتمادًا على مخططات أدت فيما بعد إلى تطوير نظرية المخطط. وقيل إنه قد تكون هذه المخططات أساس بنية نماذج العمل الداخلي.

صيغ مصطلح نموذج العمل الداخلي في وقت مبكر جدًا من قبل كرايك في عام 1943، وكان ما أطلق عليه اسم نموذج العمل الداخلي نسخة أكثر تفصيلًا وحداثة من فكرة التحليل النفسي للعالم الداخلي. ادّعى بشكل أساسي حتى البشر لديهم تصوّر على مدى صغير، أونموذج للواقع، ولتصرفاتهم المحتملة داخل عقلهم.

باختصار، جدّد بولبي صياغة فرويد حول تطوير العلاقات في مجالات البحث الحديثة (مثل فهم الأحياء التطوري، وفهم الأخلاق، ونظرية معالجة المعلومات) مستمدًا فكرة كرايك عن التصورات باعتبارها تشكّلًا مستقلًا بحد ذاتها، واستخدم نماذج ديناميكية، ونظرية بياجيه للتطور المعهدي.

الوظيفة

هناك الكثير من الوظائف المفترضة لنموذج العمل الداخلي للتعلّق، سواء بالنسبة لفكرة أصولها التطورية، أوحالتها الوظيفية الضمنية.

اقترح بوبلي حتى سلوك البحث عن القُرب تطوَّر بسبب ضغط الانتقاء، من أجل البقاء. يساعد وجود نموذج عمل داخلي صحي الرضيعَ على الحفاظ على القرب من مقدم الرعاية الخاص به في وجه التهديد والخطر، ويُعد هذا أمرًا هامًا خاصة بالنسبة للأنواع التي تملك فترة تطور كبيرة مثل البشر، بسبب عدم النضج النسبي للرضيع عند الولادة، ستمتلك السلالة التي تنجح في الحصول على علاقة قريبة مع مقدمي الرعاية فرصة أكبر في البقاء. لذلك تكون الرابطة العاطفية الوثيقة مع مقدم الرعاية الصحية أمرًا حاسمًا من أجل الحماية من الأذى الجسدي، بالتالي يتوسط نموذج العمل الداخلي نظرية التعلق. يُطبّق هذا التنظيم من خلال نظام السلوك التحفيزي، محفزًا بذلك الرضع ومقدمي الرعاية للبحث عن القرب. يُنظّم تطبيق الرعاية بشكل خاص من خلال عمليات سلوكية مكمّلة لبحث الرضع عن القرب، على سبيل المثال، يبتسم الطفل، ويشعر البالغ بالثواب كنتيجة.

يخدم امتلاك نموذج داخلي مناسب، أوتصوّر للذات ولمقدم الرعاية، الوظيفةَ التكيفية من أجل ضمان التفسير والتنبؤ المناسبَين، والاستجابة للبيئة. أكّد كرايك حتى الكائنات القادرة على تكوين نماذج عمل داخلية معقدة تملك بشكل خاص فرصة أكبر للبقاء. وحدثا كان نموذج العمل الداخلي يحاكي الواقع بشكل أفضل، حدثا كانت قدرة الفرد على التخطيط والاستجابة أفضل. تبعًا لبولبي، يشكل الأفراد نماذج لكل من العالم، والنفس في داخلهم، لتساعدهم هذه النماذج التي كانت في البداية نتاج لتجارب محددة للواقع في الاهتمام بالعالم وإدراكه وتفسيره في المستقبل، وهويولّد بدوره تسقطات معينة لأحداث مستقبلية ممكنة، مما سينتج عنه سلوك ملائم وحكيم. بالتالي وجود تصورات مناسبة وكافية للذات ولمقدمي الرعاية سيشكل وظيفة تكيفية.

في النهاية، إذا كان الرضيع يستطيع حتى يتأكد من وجود رمز تعلق بالقرب منه سيكون أقل عرضة للخوف؛ بسبب وجود قاعدة آمنة يوفرها مقدم الرعاية، مما سيجعل استكشاف البيئة، وبالتالي التعلّم، ممكنًا. يُعد هذا الإحساس بالأمان الهدف الرئيسي لكل نماذج العمل. بحثت أينسورث في ظاهرة القاعدة الآمنة وفي أسلوبها الغريب الذي يستخدم الرضيع فيه أمه كقاعدة آمنة. يوفر نظام التعلق للطفل شعورًا بالأمان بالاعتماد على هذه القاعدة التي تدعم استكشاف البيئة، وبالتالي تدعم الاستقلال، فالطفل المتعلق بشكل آمن سيحقق بدوره توازنًا بين الحميمية والاستقلال، ويتوافق ذلك مع توازن بين نظام التعلق الذي يخدم وظيفة الحماية، واستكشاف البيئة الذي يسهّل التفهم.

يمكن شرح وظيفة أنماط التعلق الأخرى بمصطلح عدم التوازن بين الحميمية والاستقلال، وهوالانشغال بأحد هذه الأهداف أكثر من الآخر. الهدف الأساسي الراسخ هوالحميمية عند الأطفال المنشغلين، والاستقلالية، أوحماية الذات عند الأطفال الرافضين، وفي حالة الطفل الخائف يوجد هدف راسخ متعارض لتحقيق جميع من الحميمية والاستقلالية في نفس الوقت، أوطريقة لتجنب الصراع بسبب عدم وجود مرونة نسبية بالمقارنة مع التعلق الآمن.

يعمل نموذج العمل الداخلي بشكل كبير خارج نطاق الوعي، قد تكون هذه الجوانب اللاشعورية مهمة بشكل خاص من أجل وظيفة الحماية الذاتية، وتخدم كآلية دفاعية في وجه نماذج متعارضة، فمثلًا يعمل أحدها في اللاوعي لمنع أي تهديد للذات. يسبب هذا غالبًا تعلّقًا رافضًا ومتجنّبًا، إذ ستؤدي الأفكار المتناقضة لمقدم الرعاية كالحب والإهمال إلى آلية دفاعية، تنطوي على التقليل من الحاجة للحميمية، وعدم الاعتماد على رمز التعلق، والتأكيد على الاستقلالية.

مراجع

  1. ^ Verschueren, Karine; Marcoen, Alfons; Schoefs, Veerle (1996). "The Internal Working Model of the Self, Attachment, and Competence in Five-Year-Olds". Child Development. 67 (5): 2493–2511. doi:10.1111/j.1467-8624.1996.tb01870.x. ISSN 0009-3920.
  2. Bretherton, Inge (1990). "Communication patterns, internal working models, and the intergenerational transmission of attachment relationships". Infant Mental Health Journal. 11 (3): 237–252. doi:10.1002/1097-0355(199023)11:3<237::aid-imhj2280110306>3.0.co;2-x. ISSN 0163-9641.
  3. ^ Main, Mary; Kaplan, Nancy; Cassidy, Jude (1985). "Security in Infancy, Childhood, and Adulthood: A Move to the Level of Representation". Monographs of the Society for Research in Child Development. 50 (1/2): 66–104. doi:10.2307/3333827. JSTOR 3333827.
  4. . Cassidy, Jude., Shaver, Phillip R. New York: Guilford Press. 1999. ISBN . OCLC 40489212. مؤرشف من الأصل في 27 يناير 2020. صيانة CS1: آخرون (link)
  5. ^ Fivush, Robyn (2006). "Scripting attachment: Generalized event representations and internal working models". Attachment & Human Development. 8 (3): 283–289. doi:10.1080/08912960600858935. ISSN 1461-6734. PMID 16938709.
  6. . Greenberg, Mark T., Cicchetti, Dante., Cummings, E. Mark. Chicago: University of Chicago Press. 1990. ISBN . OCLC 20824061. مؤرشف من الأصل في 27 يناير 2020. صيانة CS1: آخرون (link)
  7. ^ Bartholomew, Kim; Horowitz, Leonard M. (1991). "Attachment styles among young adults: A test of a four-category model". Journal of Personality and Social Psychology. 61 (2): 226–244. doi:10.1037/0022-3514.61.2.226. ISSN 0022-3514.
  8. Pietromonaco, Paula R.; Barrett, Lisa Feldman (2000). "The internal working models concept: What do we really know about the self in relation to others?". Review of General Psychology. 4 (2): 155–175. doi:10.1037/1089-2680.4.2.155. ISSN 1089-2680.
تاريخ النشر: 2020-06-01 19:09:34
التصنيفات: العلاقات الشخصية, تاريخ الصحة النفسية في المملكة المتحدة, تحليل نفسي, علاقات بين الأشخاص, علم الأحياء التطوري, علم السلوك الحيواني, فلسفة الحب, نظرية التعلق, نظرية العلاقة بالموضوع, نمو الإنسان, صيانة CS1: آخرون, مقالات يتيمة منذ يناير 2020, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة علم النفس/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«أسعار الفائدة» تضرب سوق الأسهم الأمريكية.. انخفاض حاد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:21:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

إيبارشية المنيا تنظم كرنفال سنوي للأطفال

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:19:00
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

سبوت| فريق العمل: هدفنا تدشين موقع إلكتروني بمواصفات عالمية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:18:57
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

العبد ووسوسة القلب

المصدر: الجماعة.نت - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:20:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

إتحاف المحب بنفحة من فضل الحبيب صلى الله عليه وسلم

المصدر: الجماعة.نت - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:20:23
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

هدم 200 عقار كليًا بمنطقة الجيارة وحوش الغجر بمصر القديمة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:18:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

شباب ملتقى لوجوس يزور ديري درنكة والمحرق بأسيوط

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:18:54
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

العدالة والتنمية: تصرف الرئيس التونسي يخدم مخططات التجزئة والتقسيم

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:19:34
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

صناعة الحرية (12).. ها هو السجن ثم ماذا بعد؟

المصدر: الجماعة.نت - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:20:25
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

ملتقى شباب لوجوس يزور ديري درنكة والمحرق بأسيوط

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:18:55
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

المفتي يوجه نصيحة للأزواج بعد زيادة حالات الطلاق

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:21:09
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

أبرز تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي في أسبوع 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-27 00:18:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

تحميل تطبيق المنصة العربية