شهيد (إسلام)

عودة للموسوعة

الشهيد في اللغة : الحاضر، والشاهد: العالم الذي يبين ما فهمه، ومنه قول الله تعالى: 'وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ..... [البقرة : 143] حدثة شهيد مشتقة من الجذر الثلاثي شهد، وينطق أستشهد أي طلبت شهادته لتأكيد خبر قاطع أومعاينة، وأستشهد في سبيل كذا أي بذل حياته تلبية لغاية كذا.

الشهيد في الاصطلاح الشرعي: من توفي من المسلمين في سبيل الله دون غرض من الدنيا.

الشهيد في الإسلام: اتى لفظ الشهيد في القرآن الكريم لمرة واحدة بهذا المعنى في قوله تعالى:" وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً [النساء : 72]وهوقول منسوب للمبطلين ساقه الله تعالى في القرآن للبلاغ، وكان وعد الله تعالى لمن يقتل في سبيله ( يستشهد) مغفرة ورحمة كاملة لا ثواب بعدها إلا الجنة نطق تعالى "وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران : 157] واما ماورد باللفظ " شهيد" من غير ذلك فلا علاقة له بهذا المعنى .
بشكل أساسي يطلق لقب الشهيد في  الإسلام على من يقتل أثناء حرب مع العدو، سواء أكانت المعركة جهاد طلب أي لفتح البلاد ونشر الإسلام فيها، أم جهاد دفع أي لدفع العدوالذي هاجم بلاد المسلمين. وقد ذكر محمد رسول الله: (من اغتال دون دينه فهوشهيد ومن اغتال دون ماله فهوشهيد ومن اغتال دون دمه فهوشهيد ومن اغتال دون نفسه في سبيل الله). وكذلك من توفي غريقا أومحروقا فهوشهيد.

الشهيد في الديانات الأخرى

الشهيد في اليهودية

يستعمل اليهود لفظة قدوش هاشم (تقديس اسم الله) على الأعمال التي ترضي الله بشكل كبير وتعتبر التضحية بالنفس من أجل الديانة اليهودية إحدى أبرز ركائزها. تطلق لفظة الشهيد غالبا على القتلى اليهود في الحروب المكابية والحروب التي تلتها ضد الرومان. كما تطلق اللفظة على اليهود الذين تم قتلهم لأسباب دينية على مر العصور.

الشهيد عند المسيحيين

تطلق لفظة شهيد في المسيحية على جميع من اغتال بسبب تبشيره بالديانة المسيحية أوإيمانه بها. وتطلق لفظة شهداء الكنيسة على المسيحيين الأوائل الذين تم اضطهادهم عن طريق الرومان أو البارثيين.

مراتب الشهداء

شهداء الاخرة المكرمين بالرحمة والمغفرة بوعد الله تعالى وهم الاحياء عند ربهم لقوله جل وعلا:وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [البقرة : 154] وهم المحددون بعمل القتال في سبيل الله لا لغرض في الدنيا لقوله تعالى "فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَويَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء : 74] هذه الفئة من الشهداء كان وعد الله عليه حقا ان يدخلهم الجنة لقوله جل شأنه"إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 111]
وهناك فئة من الشهداء ذكرها رسول الله صلوات الله عليه كما اتى في الحديث " (من اغتال دون دينه فهوشهيد ومن اغتال دون ماله فهوشهيد ومن اغتال دون دمه فهوشهيد ومن اغتال دون نفسه في سبيل الله). وكذلك من توفي غريقا أومحروقا فهوشهيد"
اما شهداء الدنيا :
فاولئك ليس لهم عند خلاق، فهم شهداء النفاق من يموتون دفاعا عن عقيدة سياسية أوحزبية أوفداء لرئيس أوحبيب أوما دون ذلك.

سبب تسمية الشهيد شهيداً

للفهماء في ذلك أقوال شتى منها:

1. لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة.

2. لأن الله ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة.

3. لأنه يشْهَد (يرى) عند خروج روحه ما أُعدّ له من الكرامة.

4. لأنه يُشْهَد له بالأمان من النار.

5. لأن ملائكة الرحمة تشهده عند موته .وتشهد له بحسن الخاتمة.

6. لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره.

7. لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه.

8. لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل.

مكانة الشهيد

نطق الله تعالى"إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَأيَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 111]وذلك الوعد الحق الذي يبينه القرآن لمكانة الشهيد عند ربه فقد فاز فوزا عظيما، والفوز العظيم هوأعلى مراتب الجنة عند الله بصحبة الانبياء وعلى حوض النبي محمد صلوات الله عليه.
وهوفي آية أخرى نطق رب السموات والارض"... وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَويَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء : 74]وذلك هوالفوز المذكور في الآية السابقة، أما المكانة الأولى الاظهر في القرآن المجيد فهي الحياة عند الله بمجرد الشهادة فالشهداء لايموتون "وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [البقرة : 154]
وخير بيان للوعد بالجنة كفوز عظيم هوقوله تعالى"إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 111]

الشهيد في القرآن

نطق تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) (سورة آل عمران).
ونطق تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(سورة النساء: الآية 74).

الشهيد في السُنَّة

روى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:َ "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ "(رواه البخاري، الحديث الرقم 2606). وفي رواية: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ "(رواه مسلم، الحديث الرقم 3488). وعن النبي صلى الله عليه وسلم نطق: يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه(سنن أبوداود، الحديث الرقم 2160). وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَقُولُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا،يا ترى؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالا وَدَيْنًا. قَالَ: أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ: قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2936). قيل: أكرم الله والد جابر ومسماه عبد الله بن حرام، بهذه الكرامة، لأنه كان عنده بنات، لم يتبرم بهن، رباهن، وأكرمهن، ويوم استشهد، أبلغ أبنه جابراً بأنه مقتول، وأوصاه بهن خيراً، كما أوصاه حتى يقضي دينه، يضاف إلى ذلك تمثيل المشركين به. وعن جَابِرَ قَالَ: "جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍوأَوْ أُخْتُ عَمْرٍوقَالَ فَلِمَ تَبْكِي أَوْ لا تَبْكِي فَمَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا" (رواه البخاري، الحديث الرقم 1211). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلايَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ".(رواه أبوداود، الحديث الرقم 2158).
وعن أنس رضي الله عنه: حتى النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نطق: "إذا وقف العباد للحساب. اتى قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة فقيل: من هؤلاء ،يا ترى؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء مرزوقين" (رواه الطبراني بإسناد حسن). ذكر السيف في الحديث؛ لأنه السلاح الغالب استعماله في ذلك الوقت، ويلحق به السلاح المستعمل اليوم. فشهداء عصرنا يأتون يوم القيامة، حاملين سلاحهم الذي استخدموه، من بندقية، ومدفع رشاش، ومسدس، وقنبلة، وغيرها.

أمن فتنة القبر

عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً" (رواه النسائي، الحديث الرقم 2026). أفاد الحديث: حتى الشهيد لا يسأله الملكان في قبره. لأن القصد بسؤالهما، فتنة الميت وامتحانه، والشهيد قد امتحن بأهوال الحرب وفزعاتها، وتعرضه للموت وهوثابت حتى استشهد. فكان ذلك امتحاناً كافياً في الدلالة على قوة إيمانه، وذلك للشهيد المخلص. عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"الْقَتْلَى ثَلاثَةٌ مُؤْمِنٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُمْتَحَنُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ. وَمُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مُمَصْمِصَةٌ مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَايَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ. وَمُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَإِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ فَذَاكَ فِي النَّارِ إِنَّ السَّيْفَ لا يَمْحُو النِّفَاقَ" (سنن الدارمي، الحديث الرقم 2304). وعبارة إذا السيف محاء للخطايا: يفيد حتى الشهيد تُمحى عنه ذنوبه، لأنه بذل نفسه لله، فجوزي بتكفير ذنوبها. والمعنى: حتى الكافر إذا اغتال مسلماً لم يهجر عليه ذنباً، لأن الشهيد تكفر ذنوبه كلها، أما المقتول في غير الجهاد فلا تمحى ذنوبه بقتله، ولوكان مظلوماً، نعم يكفر عنه بعضها، باعتبار القتل مصيبة نزلت به. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية ،يا ترى؟ ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله (سورة الزمر: الآية 68): "من الذين لم يشأ الله حتى يصعقهم ،يا ترى؟ نطق: هم شهداء الله" (الحاكم النيسابوري). أفاد الحديث: حتى الشهداء هم المستثنون من الصعق في الآية. نطق بذلك جماعة من الفهماء. عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: النَّبِيُّ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:َ "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالا أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاء" (رواه البخاري، الحديث الرقم 2582).

ذنب لا تكفره الشهادة

تقدم في الأحاديث السابقة حتى الشهيد يُغفر له في أول دفعة من دمه، وأن ذنوبه تكفر باستشهاده. إلاّ أنه يستثنى منها الدَّين، للذين كان يقدر على الوفاء به ولم يعمل، وذلك، لما رواه عبد الله بن عمروبن العاص: حتى رسول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نطق: "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ" (رواه مسلم، الحديث الرقم 3498). عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أنّ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r كَيْفَ قُلْتَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لِي ذَلِكَ" (رواه مسلم، الحديث الرقم 3497). أفاد الحديث: حتى جبريل عليه السلام هبط خاصة ليخبر النبي اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حتى الدَّين لا يُغفر للشهيد، لأنه حق لآدمي، لم يتنازل عنه، فإن هجر الشهيد ما يُقضي منه دينه، أوأوصى بأن يقضى عنه، كما أوصى عبد الله ابنه جابراً، حين خرج في غزوة أُحد، أوقضاه عنه أحد أقاربه، أو بعض المسلمين، فإن الله يغفر له، ولا يعاقب عليه. أمّا الدَّين إذا أخذه المرء في حق واجب، لفاقة أوعسر، ثم مات، ولم يهجر له وفاء، فإن الله تعالى لا يحجبه عن الجنة برحمته تعالى، شهيداً كان أو غيره. لأن على الحاكم فرضاً حتى يؤدي عنه في هذه الحالة، لقول رسول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ" (رواه البخاري، الحديث الرقم 2133). فإن لم يؤد عنه السلطان، فإن الله تعالى يقضي عنه، ويرضي خصمه. وأمّا من استدان في سفه، أوسرف، فمات ولم يوفه أوهجر له وفاء، ولم يوص به، أوقدر على الأداء فلم يوفه، فهذا الذي يُحبس به صاحبه عن الجنة، حتى يقع القصاص بالحسنات والسيئات ممن استدان.

أرواح الشهداء في الجنة

نطق تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (سورة آل عمران: الآية 169). عن ابن عباس t، نطق: نطق رسول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ" (سنن أبوداود، الحديث الرقم 2158) هذه الآية نزلت في شهداء أحد. وقول رسول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشهداء: "أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلاعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا" (رواه مسلم، الحديث الرقم 3500). ونطق رسول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ"(رواه البخاري، الحديث الرقم 2606). ونطق نبي اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ" (رواه الترمذي، الحديث الرقم 1586). وقَالَ الرسول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا" (رواه أحمد، الحديث الرقم 2268). وقد يتساءل المرء: كيف من الممكن أن تكون روح المؤمن في حوصلة الطير؛ فذلك حبس لها، وتضييق عليها،يا ترى؟ والجواب: بأن الطير مركبة لها، كما يركب أحدنا سيارة تحمله من مكان إلى آخر. نطق أحد الفهماء في الجواب عن ذلك، إذا الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر. فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله، أعاضهم عنها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها. ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أوكطير، ونسمة الشهيد في جوف طير.

أقسام الشهداء

اتفق الفهماء على حتى الشهداء ثلاثة أقسام:

شهيد الدنيا والآخرة

فهوالشهيد الكامل الشهادة، وهوأحمل الشهداء منزلة عند الله. وأفضلهم مقاماً في الجنة، وهوالمسلم المكلف الطاهر، الذي قُتل في المعركة مخلصاً لله

النية، مقبلاً غير مدبر، سواء قتله أهل الحرب أوالبغي أوقطاع الطريق، أوعثر في المعركة وبه أثر القتل، أوقتله مسلم أوذمي ظلماً بآلة جارحة ولم

تجب بقتله دية وكان موته فور الإصابة، أووُجد قتيلاً عند انكشاف الحرب ولم يُفهم سبب موته؛ سواء أكان عليه أثر دم أم لا، وسواء توفي في الحال

أوبقي زمناً ثم توفي بعد ذلك، وسواء أ أكل وشرب ووصى أم لا، وسواء أكان رجلاً أوامرأة بالغاً أوغير بالغ. أوهوشهيد المعركة هوالمسلم الذي

سقط قتيلاً بين الأعداء في أثناء المعركة ومات فور إصابته. ولا فرق بين حتىقد يكون قتله بقذيفة مدفع، أوصاروخ، أورصاصة بندقية أومسدس، أو

قنبلة طائرة أولغم في أرض أوسيف أورمح أوسكين أوعصا أودبابة تسير على جسده، أوبأي وسيلة أخرى مباشرة أوغير مباشرة في القتل.

ولوكان المقاتل يركب سيارة أودبابة أوطائرة، في أثناء المعركة، وهوقائم بعمل يتصل بالمعركة، وتدهورت السيارة أوالدبابة أوهوت الطائرة سواء

كان ذلك بعمل العدوأوغير عمله، فقتل، فهوشهيد معركة، كذلك والأصل في ذلك شهداء أحد إذ لم يقتلوا كلهم بالسيف والسلاح بل منهم من

دمغ رأسه بحجر، ومنهم من اغتال بالعصا، ومع ذلك فقد عمّهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بهجر الغسل.

ولوقاتل العدوالمقاتلين حتى ألقاهم في بحر أونهر أوبركة فماتوا أوتوفي بعضهم فهم شهداء معركة. ومن قتله المسلمون في المعركة خطأ، أواغتال نفسه

في المعركة بيده خطأ، كأن رمى قنبلة على الأعداء فأصابته وقتلته فهوشهيد معركة. وإذا جُرِح أحد المقاتلين في المعركة وحُمِل حياً من ساحتها، ولم يعش

عيشة مستقرة بعدها، كأن يبقى فاقد الوعي ثم مات، وهوعلى هذه الحال، فهوشهيد معركة.

وإذا أغار العدوعلى جماعة من المسلمين سواء أكانوا عسكريين أم مدنيين، وسواء كانوا في معركة أوفي مدينة أوفي قرية أوفي مضارب البدوفقتل

منهم أناساً؛ فإن جميع قتيل منهم شهيد، له حكم شهيد معركة.

شهيد الدنيا

هومن غل من الغنيمة أوتوفي مدبراً، أومن قاتل لتُفهم شجاعته، أوطلباً للغنيمة فقط.

ولعل جميع قتيل في المعركة، لم يكن مخلصاً لله، فهومن شهداء الدنيا، فإذا كان الباعث له، ليس الجهاد في سبيل الله، وإنما شيء من أشياء الدنيا، فإنه

لا يحرم نفسه من الأجر والثواب فحسب، بل إنه، بذلك، يعَّرض نفسه للعذاب يوم القيامة، فعن أبي هريرة نطق: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ

كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم، الحديث الرقم 3527).

شهيد الآخرة

هومن أثبت له الشارع الشهادة، ولم تجر عليه أحكامها في الدنيا، أي أنه كباقي الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وقد جعلهم الشارع في حكم

الشهداء، لخصلة خير اتصفوا بها، أولمصيبة أصابتهم فقدوا فيها حياتهم. وقد ذكر الفهماء، بناء على ما ورد من أحاديث، حتى شهداء الآخرة كثيرون،

عدها السيوطي ثلاثين، وأوصلها بعضهم إلى الخمسين فمن ذلك:

طالب الشهادة، والمطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، وصاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت بالنفاس، والمقتول دون ماله، والمقتول

دون مظلمته، أودون دينه أوأهله أودمه، والميت بالغربة، والمواظب على قراءة آخر سورة الحشر العامل بما فيها، وطالب الفهم، والمقتول صبراً،

والمقتول بسبب قوله حدثة الحق للحاكم.

وفيما يلي تفصيل ذلك:

أنواع شهداء الآخرة

طالب الشهادة

نطق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ِمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِه (رواه مسلم، الحديث الرقم 3532).

وفي رواية: مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ (رواه مسلم، الحديث الرقم 3531).

ويفيد الحديث، حتى من طلب الشهادة صادقاً بأنقد يكون قصده الجهاد في سبيل الله لنصرة دينه، ثم توفي على فراشه، فإن الله يخط له أجر شهيد،

ويبعثه في زمرة الشهداء. لأن الله فهم صدق نيته وشرف قصده. والقرآن يؤيد هذا، وذلك حتى الهجرة قبل فتح مكة، كانت مفروضة، يعصي تاركها.

وكان بعض الصحابة يموت في الطريق، قبل وصوله إلى المدينة. فأنزل الله تعالى: "وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ

أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" (سورة النساء: الآية 100). أي فقد حصل له أجر المهاجر، وخط في زمرة المهاجرين.

جملة من الشهداء

نطق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ،يا ترى؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ

قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ،يا ترى؟ قَالَ: مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ

مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ" (رواه مسلم، الحديث الرقم 3539).

ونطق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ

شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ" (رواه أبوداود، الحديث الرقم 2704).

عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نطق: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (رواه البخاري،

الحديث الرقم 2617).

عن عقبة بن عامر: حتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نطق: "خَمْسٌ مَنْ قُبِضَ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيدٌ الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ فِي سَبِيلِ

اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالنُّفَسَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ" (رواه النسائي، الحديث الرقم 3112).

يتبين مما تجاوز حتى من شهداء الآخرة كذلك:

من توفي بالطاعون

وهووباء معروف، صحت الأحاديث فيه: أنه شهادة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َ قَالَ "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" (رواه

البخاري، الحديث الرقم 2618).

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ نطقت: سألتُ، رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الطاعون. فنطق: "أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ

رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ"(رواه البخاري،

الحديث الرقم 5293).

وعن عائشة رضي الله عنها نطقت: نطق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا تَفْنَى أُمَّتِي إِلا بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ

عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ،يا ترى؟ قَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ" (رواه أحمد، الحديث الرقم 23965).

ولعل الحديث يقصد الفارَّ من بلد أصيب بالطاعون إلى بلد آخر، فيتسبب بذلك في نقل الوباء إليه؛ ومن ثم يريد النبي r حصر السقم وآثاره في مكانه

دون حتى يتعدى إلى غيره.

المبطون

وهوالذي يشتكي بطنه من إسهال، أواستسقاء أونحوذلك. ينطق، بطن بضم الباء وكسر الطاء: إذا اشتكى بطنه، فهومبطون. أومن توفي بقرحة

المعدة، أوبالسل، أوبأزمة قلبية، أوبأي داء في البطن. عن رسول الله نطق: "مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ لَمْ يُعَذَّبْ فِي قَبْرِهِ" (رواه الترمذي، الحديث الرقم 984)

الغريق

إذا سافر الشخص في البحر، سفراً مباحاً، أوسفر طاعة، ثم هاج البحر، فغرق فإنهقد يكون شهيداً، وكذلك المائد في البحر، وهوالذي يصيبه القيء

الشديد، أويصاب بدوار البحر بسبب اضطراب السفينة بالأمواج فيسقط، وذلك لقوله (ص) : "الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ"(رواه

أبوداود، الحديث الرقم 3132) وكذلك من شرق وهويشرب فمات فإنه يعد غريقاً. أمّا لوركب البحر عاصياً لأبويه، أوأحدهما، أوقاصداً سرقة،

أوقتلاً أوغير ذلك من المعاصي فغرق فإنه لاقد يكون شهيداً، بل هوعاص بحسب نيته.

المطعون

وهوالذي يُطعن بالرمح مثلاً، فيموت من تلك الطعنة، فهوشهيد.

صاحب الهدم

وهومن توفي تحت الهدم، فإنه شهيد.

صاحب ذات الجنب

وذات الجنب: دمل أوخّراج كبير يظهر في باطن الجنب، وينفجر إلى الداخل، قلما يسلم صاحبها. وذوالجنب: الذي يشتكي جنبه بسبب ذلك الدمل،

أوالخارج وهويسمى"دبيلة".

صاحب الحريق

وفي رواية ]وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ[ (موطأ مالك، كتاب الجنائز: الحديث الرقم 493) يعني حتى المسلم إذا توفي محترقاً بالنار، غير منتحر، فإنهقد يكون شهيداً. ولو

أحرقته نار قنبلة أوسوائل كيميائية، أوغازات، أونحوها من الأسلحة الحديثة، فإنه شهيد كذلك.

المرأة تموت بجمع

وهي التي تموت بالنفاس، وولدها في بطنها.

قيل: التي تموت بالنفاس، سواء ألقت ما في بطنها، أولا.

وقيل: التي تموت عذراء، لم يمسها الرجال.

وقيل: التي تموت قبل حتى تحيض.

والسليم الأول: يؤيده قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ" (رواه أحمد، الحديث الرقم 15426).

وهذا مقيد بإذا كان النفاس من نكاح شرعي.

المقتول دون ماله

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي،يا ترى؟ قَالَ: فَلا تُعْطِهِ

مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي،يا ترى؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي،يا ترى؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ،يا ترى؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم، الحديث

الرقم 201).

وفي رواية: قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي قَالَ فَانْشُدْ بِاللَّهِ قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ

فَانْشُدْ بِاللَّهِ قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ فَانْشُدْ بِاللَّهِ قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ فَقَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ" (رواه النسائي، الحديث الرقم 4014).

يبين هذا الحديث حكم الصائل الذي يريد أخذ مال الرجل بالقوة والغلبة. فأمر صاحب المال حتى يناشده الله، ويستحلفه به، ثلاث مرات فإن أبى

لرابع مرة وأصر على أخذ ماله، قاتله ودافع عن حقه. فإن قتله الصائل، كان شهيداً ودخل الجنة، لأنه قُتل، وهويدافع عن حقه. وإن اغتال هو

الصائل، ولج النار لأنه ظالم متعد، يريد أخذ مال الناس بغير حق.

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍورَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد" (رواه البخاري، الحديث الرقم

2300).

المقتول دون مظلمته

عن سويد بن مقرن رضي الله عنه، نطق: نطق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"(رواه النسائي، الحديث الرقم 4028).

مَظْلَمة: بفتح الميم واللام: ما أُخذ من الشخص ظلماً، كأرض أوبهيمة، أوثياب، وما أشبه ذلك. عن عبد الله بن عمروبن العاص، عن النبي صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نطق: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ فَيُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ إِلاّ قُتِلَ شَهِيدًا" (رواه أحمد، الحديث الرقم 6619).

المقتول دون دينه أوأهله أودمه

كل واحد من هؤلاء الثلاثة شهيد.

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ قُتِلَ دُونَ

دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيد" (رواه الترمذي، الحديث الرقم 1341).

موت الغربة

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ]مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 1602).

الميت مريضاً

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :َ ]مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيداً، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ[ (رواه

ابن ماجه، الحديث الرقم 1604).

وليس المراد بالحديث مطلق السقم. بل هومحمول على سقم الطاعون. وذلك ما يوضحه الحديثان التاليان: عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ]يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِلَى رَبِّنَا فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْ الطَّاعُونِ فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ إِخْوَانُنَا قُتِلُوا كَمَا قُتِلْنَا وَيَقُولُ

الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا مُتْنَا فَيَقُولُ رَبُّنَا انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَ جِرَاحُهُمْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ وَمَعَهُمْ فَإِذَا

جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ[ (رواه النسائي، الحديث الرقم 3113).

عن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ]يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ نَحْنُ شُهَدَاءُ فَيُقَالُ انْظُرُوا

فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيلُ دَمًا رِيحَ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِك[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 16993).

وللفهماء في تفسير المقصود بالطاعون قولان:

أ. أحدهما

أنه الإسهال الشديد المستمر لقول العرب: أخذه البطن، إذا أصابه الداء.

ب. الثاني

أنه سقم الاستسقاء المعروف، الفشل الكلوي، وهوسقم تضخم أنسجة الجسم كلها نتيجة تجمع السوائل الضارة في مجاري الدم، وتسربها داخل

أنسجة الجسم، وبخاصة في الساقين والرئتين، بعد فشل الكلى.

ومثله من توفي بسبب السل، والأمراض الخبيثة في البطن والصدر، فإنه حين يُصاب بالسقم يظل يُعالج ويصبر على الآلام حتى يلقى ربه صابراً

محتسباً.

قراءة آخر سورة الحشر

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ]مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَرَأَ ثَلاثَ

آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ

الْمَنْزِلَةِ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2846).

وهذه الآيات من آخر سورة الحشر: " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

(21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ

الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

"(سورة الحشر: الآيات 21-24).

ولعل مراد الحديث حتى الاستعاذة والقراءة من الأعمال الصالحة المقبولة إذا اقترنت بحسن التدبر لمعانيها، ثم بالعمل بمقتضاها في تقوى وإخلاص لله

وحسن توكل عليه وثقة به وراتى فيه.

طالب الفهم

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ]مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ[ (رواه الترمذي، الحديث

الرقم 2571).

المقتول صبراً

قتل الصبر: حتى يُقتل الشخص محبوساً مقيداً، وهومنهي عنه في الحيوان. نطق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ]إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ

شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 1329). فإذا كان

الإنسان مأموراً بإراحة الحيوان المذبوح، وذلك بإلاّ يقيد، وإذا كان رسول الله r لعن من يصبر الدجاجة ليرميها، فلا شك حتى تقييد الإنسان حال

قتله،قد يكون أشد تحريماً وأعظم إثماً. ويكون المقتول صبراً، تكفر ذنوبه كلها كالشهيد.

عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ ابْنِ تِعْلَى قَالَ ]غَزَوْنَا مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأُتِيَ بِأَرْبِعَةِ أَعْلاجٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا صَبْرًا قَالَ

أَبُودَأوُد قَالَ لَنَا غَيْرُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ بِالنَّبْلِ صَبْرًا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ دَجَاجَةٌ مَا صَبَرْتُهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَعْتَقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ[ (رواه أبو

داود، كتاب الجهاد: الحديث الرقم 2312).

حدث حتى أوفد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية من عشرة أفراد في مهمة، وكان بينهم خبيب الأنصاري، فسقط أسيراً في أيدي كفار مكة،

فأوثقوه بالحديد، وأصروا على قتله، فطلب منهم حتى يهجروه يصلي ركعتين قبل حتى يقتلوه فعملوا، ]فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ (مَن) سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ

مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 2818).

قائل حدثة الحق للحاكم

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ" (رواه أحمد، الحديث الرقم

18074).

الشخص الذي يقوم إلى إمام جائر؛ فيأمره بالعدل وإتباع الحق، وينهاه عن الظلم والانحراف وهويفهم جوره وبطشه، فيغضب عليه الإمام ويقتله

يكون من سادات الشهداء. لأنه ضحى بنفسه وحياته، في سبيل حدثة حق يقولها، ونصيحة يبذلها.

أحكام الشهداء

غسل الشهيد وتكفينه

الشهيد الذي قُتل بأيدي الكفار في المعركة لا يُغسَّل، عند جمهور الفهماء، وإن كان جُنباً، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يغسَّل حنظلة الراهب، وقد

استشهد جُنباً. ويُكفَّن الشهيد في ثيابه الصالحة للكفن، ويُدفن في دمائه، ولا يُغسل شيء منها؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ]لا تُغَسِّلُوهُمْ

فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 13674)، و]أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدفن شهداء

أُحد في دمائهم، ولم يغسَّلوا[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 1257). ونطق الشافعي: لعل هجر الغسل والصلاة لأنهم يلقون الله بكلومهم.

تعريف الشهيد الذي لا يُغسَّل ولا يصلى عليه

مضى الفقهاء إلى أن: من قتله المشركون في القتال، أوعثر ميتاً في مكان المعركة وبه أثر جراحة أودم، لا يُغسَّل لقوله r في شهداء أحد: ]زَمِّلُوهُمْ

بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 22549). ولم ينقل خلاف في هذا.

ومضى المالكية والشافعية إلى: حتى جميع مسلم توفي بسبب قتال الكفار حال قيام القتال لا يغسل، سواء قتله كافر، أوأصابه سلاح مسلم خطأ، أو

عاد إليه سلاحه، أوسقط عن دابته، أورمحته دابة فمات، أوعثر قتيلاً بعد المعركة ولم يُفهم سبب موته، سواء كان عليه أثر دم أم لا، ولا فرق في

ذلك بين الرجل والمرأة، والحر والعبد، والبالغ والصبي.

الصلاة على الشهيد

اتىت الأحاديث السليمة المصرحة بأنه لا يُصلي عليه، ومنها:

أ. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا

لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ" (رواه

البخاري، كتاب الجنائز: الحديث الرقم 1257).

ب. أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ (سنن أبوداود، كتاب الجنائز: الحديث الرقم 2728).

واتىت أحاديث أخرى سليمة مصَّرحة بأن يُصلي عليه:

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ. عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ

إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ[ (سنن أبوداود، كتاب الجنائز: الحديث الرقم 2806).

وقد اختلفت آراء الفقهاء تبعاً لاختلاف هذه الأحاديث، فأخذ بعضهم بها جميعاً، ورجَّح بعضهم بعض الروايات على بعض وذلك كالتالي:

أ. فممن مضى ممضى الأخذ بها كلها "ابن حزم"، فَجَوَّزَ العمل والهجر نطق: فإن صلي عليه فحسن. وإن لم يصل عليه فحسن. وهوإحدى الروايات عن

أحمد، واستصوب هذا الرأي ابن القيم فنطق: والصواب في المسألة: إنه مخير بين الصلاة عليهم وهجرها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذه

إحدى الروايات عن أحمد، نطق: والذي يظهر من أمر شهداء أُحد: أنه لم يصل عليهم عند الدفن. وقد قُتل معه بأحُد سبعون نفساً، فلا يجوز حتى تخفى

الصلاة عليهم. وحديث جابر بن عبد الله في هجر الصلاة عليهم سليم وصريح، وأبوه عبد الله أحد القتلى يومئذ. فله من الخبرة ما ليس لغيره.

ب. ويرجح أبوحنيفة والثوري والحسن وابن المسيب روايات العمل. فنطقوا: بوجوب الصلاة على الشهيد.

ج. ورجح مالك والشافعي وإسحاق وإحدى الروايات عن أحمد العكس ونطقوا بأنه لا يصلى عليه. نطق الشافعي في الأم: اتىت الأخبار كأنها عيان من

وجوه متواترة حتى النبي r لم يصل على قتلى أُحد، وما روي: أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وأما حديث عقبة بن عامر فقد

سقط في نفس الحديث: حتى ذلك كان بعد ثمان سنين. وكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نادى لهم واستغفر لهم حين فهم قرب أجله مونادىً لهم بذلك، ولا

يدل على نسخ الحكم الثابت.

من جُرح في المعركة وعاش حياة مستقرة ثم مات، يُغسَّل ويُصلَّى عليه، وإن كان يعد شهيداً، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسل سعد بن معاذ،

وصلى عليه بعد حتى توفي بسبب إصابته بسهم بتر أَكحَلَهُ [1] فحُمل إلى المسجد فلبث فيه أياماً ثم انفتح جرحه فمات شهيداً.

من عاش عيشة، غير مستقرة، فتحدث، أواستهلك ثم مات، فإنه لا يُغسَّل ولا يُصلَّي عليه. نطق ابن قدامة في المغني، الجريح: إذا رجلاً نطق: أخذت ماء

لعلي أسقي به ابن عمي إذا وجدت به حياة. فوجدت الحارث بن هشام. فأردت حتى أسقيه. فإذا رجل ينظر إليه، فأومأ لي حتى أسقيه، فمضىت إليه

لأسقيه، فإذا آخر ينظر إليه، فأومأ لي حتى أسقيه حتى ماتوا كلهم. ولم يفرد أحد منهم بغسل ولا صلاة، وقد ماتوا بعد انقضاء الحرب.

وقيل الحكمة في هجر الصلاة عليهم:

أ. حتى الصلاة تكون على الميت، أما الشهداء فهم أحياء، أوحتى الصلاة شفاعة، وهم في غنى عنها لأنهم يشفعون لغيرهم.

ب. واستغنوا بكرامة الله جل وعز عن الصلاة عليهم.

ج. والتخفيف على من بقي من المسلمين لماقد يكون فيمن توفي متأثراً بجراحه.

د. وخوف عودة العدووراتى طلبهم.

هـ. وهمهم بأهليهم وهم أهلية م بهم.

و. وإبقاء أثر الشهادة عليهم والتعظيم لهم، باستغنائهم عن نادىء القوم.

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ]لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا

الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْفَرَائِضِ اللَّهِ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 1592).

ونطق الحنفية: لا يغسل جميع مسلم اغتال بالحديد ظلماً، وهوطاهر بالغ، ولم يجب عوض مالي في قتله. فإن كان جنباً أوصبياً، أووجب في قتله

قصاص، فإنه يغسل. وإن عثر قتيلاً في مكان المعركة، فإن ظهر فيه أثر لجراحة، أودم في موضع غير معتاد كالعين فلا يغسل.

ولوخرج الدم من موضع يخرج الدم عادة منه بغير آفة في الغالب كالأنف، والدبر والذكر فيغسل. والأصل عندهم في غسل الشهيد: حتى جميع من صار

مقتولاً في قتال أهل الحرب أوالبغاة، أوقطاع الطريق، بمعنى مضاف إلى العدوكان شهيداً، سواء بالمباشرة أوالتسبب، وكل من صار مقتولاً بمعنى

غير مضاف إلى العدولاقد يكون شهيداً. فإن سقط من دابته من غير تنفير من العدوأوانفلتت دابة مشرك وليس عليها أحد فوطئت مسلماً، أورمى

مسلم إلى العدوفأصاب مسلماً، أوهرب المسلمون فألجأهم العدوإلى الخندق، أونار، أوجعل المسلمون حسكاً حولهم، فمشوا عليها، في فرارهم،

أوهجومهم على الكفار فماتوا يغسلون، وكذا إذا صعد مسلم حصناً للعدوليفتح الباب للمسلمين، فزلت رجله فمات، يغسل.

ونطق الحنابلة: لا يغسل الشهيد سواء كان مكلفاً أوغيره إلا إذا كان جنباً أوامرأة حائضاً أونفساء طهرت من حيضها، أونفاسها، وإن سقط من

دابته أوعثر ميتاً ولا أثر به، أوسقط من شاهق في القتال أورفسته دابة فمات منها، أوعاد إليه سهمه فيها، فالسليم في الممضى في ذلك كله أنه:

يغسل، إذا لم يكن ذلك من عمل العدو، ومن اغتال مظلوماً، بأي سلاح قتل، كقتيل اللصوص ونحوه يلحق بشهيد المعركة، فلا يغسل في أصح الروايتين

عن أحمد.

ونطق الشافعية، والمالكية: يغسل من قتله اللصوص، أوالبغاة.

أما من توفي في غير ما ذكر من الذين ورد فيهم أنهم شهداء: كالغريق، والمبطون، والمرأة التي ماتت في الولادة، وغير ذلك فإنهم شهداء في الآخرة،

ولكنهم يغسلون باتفاق الفقهاء.

إزالة النجاسة عن الشهيد

مضى الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة إلى: أنه إذا كان على الشهيد نجاسة غير دم الشهادة تغسل عنه، وإن أدى ذلك إلى إزالة دم الشهادة، لأنها

ليست من أثر العبادة، وفي قول عند الشافعية، ولا تغسل النجاسة إذا كانت تؤدي إلى إزالة دم الشهادة.

تكفين الشهيد

مضى الحنفية: إلى حتى شهيد المعركة ـ الذي قتله المشركون، أوعثر بالمعركة جريحاً، أوقتله المسلمون ظلماً ولم يجب فيه مال ـ يكفن في ثيابه، لقوله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ]زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22547)، الثياب التي يكفن بها وتلبس للستر. ولأن الدفن بالسلاح وما ذكر

معه كان من عادة أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يدفنون أبطالهم بما عليهم من الأسلحة وقد نهينا عن التشبه بهم.

وعند المالكية: حتى شهيد المعركة يدفن بثيابه التي توفي فيها وجوباً إذا كانت مباحة وإلا فلا يدفن بها، ويشترط حتى تستره كله فتمنع الزيادة عليها، فإن

لم تستره زيد عليها ما يستره، فإن عثر عرياناً ستر جميع جسده. ولا يدفن الشهيد بآلة حرب وهي معه كدرع وسلاح.

ونطق الحنابلة: إذا شهيد المعركة يجب دفنه في ثيابه التي اغتال فيها، ولوكانت حريراً على ظاهر الممضى، وينزع السلاح، ولا يزاد في ثياب الشهيد ولا

ينقص منها، ولولم يحصل المسنون بها لنقصها أوزيادتها.

نطق الشافعية: يكفن شهيد المعركة ندباً في ثيابه، لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر ، نطق: ]رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ فِي حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ

فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ قَالَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ rَ[ (سنن أبوداود، الحديث الرقم 2726) والمراد ثيابه التي توفي فيها واعتاد لبسها غالباً، وإن لم تكن ملطخة

بالدم، ويفهم من عبارتهم أنه لا يجب تكفينه في ثيابه، التي كانت عليه وقت استشهاده، بل هوأمر مندوب إليه فيجوز حتى يكفن كسائر الموتى، فإن

لم يكن ما عليه سابغاً، أي ساتراً لجميع بدنه، تمم وجوباً، لأنه حق للميت، ويندب نزع آلة الحرب عنه كدرع، وكل ما لا يعتاد لبسه غالباً كجلد.

أما شهداء غير المعركة كالغريق والحريق والمبطون والمطعون فيكفنون كسائر الموتى وذلك باتفاق جميع الفقهاء.

دفن الشهيد

من السنة حتى يدفن الشهداء في مصارعهم، ولا ينقلون إلى مكان آخر، فإن قوماً من الصحابة نقلوا قتلاهم في واقعة أحد إلى المدينة، فنادى منادي

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأمر برد القتلى إلى مصارعهم.

عَنْ جَابِرِ: ]فَبَيْنَمَا أَنَا فِي النَّظَّارِينَ إِذْ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأَبِي وَخَالِي عَادِلَتَهُمَا عَلَى نَاضِحٍ فَدَخَلَتْ بِهِمَا الْمَدِينَةَ لِتَدْفِنَهُمَا فِي مَقَابِرِنَا إِذْ لَحِقَ رَجُلٌ يُنَادِي أَلا

إِنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا بِالْقَتْلَى فَتَدْفِنُوهَا فِي مَصَارِعِهَا حَيْثُ قُتِلَتْ فَرَجَعْنَا بِهِمَا فَدَفَنَّاهُمَا حَيْثُ قُتِلا[ (رواه أحمد، الحديث

الرقم 14743).

دفن أكثر من شهيد في قبر واحد

يجوز دفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد: ]كَانَ النَّبِيُّ r يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ

إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم

1257).

ودفن عبد الله بن عمروبن حرام وعمروبن الجموح في قبر واحد، لما كان بينهما من المحبة، إذ نطق عليه الصلاة والسلام: ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا

في قبر واحد .

شهيد البحر

عَنْ أَبَي اُمَامَةَ َنطق: ]سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيْ الْبَرِّ، وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ فِي الْبَرِّ، وَمَا بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ كَقَاطِعِ

الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الأَرْوَاحِ إِلا شَهِيدَ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إِلا

الدَّيْنَ وَلِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبَ وَالدَّيْنَ[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 2768).

إنما كان لشهيد البحر هذا الفضل العظيم. لما في ركوب البحر من مقاساة الأهوال، واقتحام الأخطار. ومن الأمثال المتداولة المشهورة "راكب البحر

مفقود والناجي منه مولود". ولذلك أفتى كثير من فهماء المالكية بالأندلس، بأن ركوب البحر عذر يُسقط فريضة الحج لعدم سلامة راكبه غالباً في

زمانهم. وإذا كان هذا حال راكب البحر في سفر اعتيادي آمن، فكيف حال راكبه في جهاد العدووقتاله،يا ترى؟ لا ريب حتى الخطر يتفاقم.

شهيد الجو

لشهيد الجومن الفضل، مثل ما لشهيد البحر، لأن في ركوب الطائرة من الأخطار، والتعرض للتميد والقيء. مثل ما في ركوب الباخرة. بل قد يحدث

الخطر في ركوب الطائرة أعظم، فالطائرة تقع أحياناً في مطب جوي، فترتج ارتجاجة، تنخلع لها القلوب. ومن الناس من يختار ركوب الباخرة، على

ركوب الطائرة، لأن الخطر فيها أقل من الطائرة، ومن سقط من سفينة يمكنه حتى يسبح، أما من سقط من طائرة فالأمر يختلف.

المصادر والمراجع

  1. ^ "معلومات عن شهيد (إسلام) على مسقط britannica.com". britannica.com. مؤرشف من الأصل في 06 سبتمبر 2015.
  2. ^ "معلومات عن شهيد (إسلام) على مسقط bigenc.ru". bigenc.ru. مؤرشف من الأصل في 09 ديسمبر 2019.

1. القرآن الكريم.

2. موسوعة الحديث الشريف، شركة صخر العالمية

3. ابن القيم الجوزية، "زاد المعاد في هدي خير العباد"، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1998.

4. ابن حجر العسقلاني، "فتح الباري بشرح سليم البخاري"، المطبعة السلفية، القاهرة، د.ت

5. ابن قدامة، "المغني"، مخطة المنار، القاهرة، 1367هـ.

6. ابن كثير، "تفسير القرآن العظيم"، دار الفكر، بيروت، ط1، 1997.

7. ابن منظور، "لسان العرب"، دار صادر، بيروت، ط1، 1990.

8. البستاني، "كتاب دائرة المعارف"، دار الفهم، بيروت، د.ت.

9. الحاكم النيسابوري، "المستدرك على السليمين"، دار الكتاب العربي، بيروت، د.ت.

10. الخطيب الشربيني، "مغني المحتاج"، دار إحياء التراث، بيروت، د.ت.

11. السيد سابق، "فقه السنة"، دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ط21، 1998.

12. الشافعي، "الأم"، دار إحياء التراث، بيروت، د.ت.

13. عبد الله الغماري، "إتحاف النبلاء بفضل الشهادة وأنواع الشهداء"، عالم الخط، بيروت،

14. محمد خير هيكل، "الجهاد والقتال في السياسة الشرعية"، دار النفائس، عمَّان، الأردن، ط2، 1417هـ.

15. محمد رواس قلعة جي وزميله، "معجم لغة الفقهاء"، دار النفائس، بيروت، ط2، 1998.

16. محمد ناصر الدين الألباني، "سلسلة الأحاديث السليمة وشيء من فقهها وفوائدها"، مخطة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط3، 1995.

17. الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة، للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، 1999، ج1.

18. النووي، "المجموع"، المطبعة المنيرية، القاهرة، د.ت.

تاريخ النشر: 2020-06-02 03:14:04
التصنيفات: شهداء مسلمون, مصطلحات إسلامية, مصطلحات عربية, بوابة اللغة العربية/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة السيخية/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أميركا.. سيناتور جمهوري في الـ89 يفوز بولاية ثامنة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:17:57
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 86%

ليبيا تمنح شحنة بنزين لتونس لدعمها في أزمة الوقود

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:18:07
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 97%

اليوم | ندوة «الانتحال بين الشعر والقانون» على مائدة «الأعلى للثقافة»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:19:14
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 64%

بعد قمع "دموي" لمتظاهرين.. إقالة قائد شرطة بلوشستان بإيران

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:17:59
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 100%

فريق رياضي إيراني يرفض ترديد النشيد الوطني تأييدا للاحتجاجات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:18:00
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 93%

العراق: نحترم اتفاق أوبك+ ونريد رفع العائد المالي لبرميل النفط

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:18:18
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 100%

خسائر الشرقية للتنمية تتراجع 3% إلى 736 ألف ريال بالربع الثاني

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:18:33
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 95%

جيمس ظهير إنجلترا يعلن غيابه عن كأس العالم

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:18:31
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 93%

تقليص ماسك حصته في تسلا يخفض قيمتها السوقية إلى النصف.. في عام واحد

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:18:24
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 96%

نائبة المؤتمر تتقدم بطلب لعودة العمل بمحكمة شمال سيناء

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:19:15
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

التعليم: فتح باب تسجيل المعلمين للمشاركة في امتحانات الثانوية 2023 الأحد

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:19:17
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

إيران تستغل الأطفال في عمليات قمع الاحتجاجات الشعبية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:17:59
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 95%

سامح شكري يستقبل وزير خارجية أيرلندا في شرم الشيخ

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:19:12
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 52%

أميركيون يهجرون تويتر ملجأهم الجديد "Mastodon"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-09 15:18:26
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 97%

تحميل تطبيق المنصة العربية