ثورة علاجية

الإنسان في حرب لا هوادة فيها مع أمراضه السقمية أوالجسدية منذ فجر البشرية .. لكن الإكتشافات الطبية والكيميائية والجزيئية والوراثية والإكلينيكية ولاسيما خلال العقد الماضي .. قد مكنت الباحثين من التعهد علي آليات الكثير من الأمراض كالسرطان والإيدز والزاهيمر ونخر العظام . وهذا ما جعل الفهماء يحاولون التوصل الي علاجات ناجعة من خلال وجود زوايا عديدة ومنظور أفضل من الأبحاث والتقصي ورؤية شاملة ومتعددة . وتلعب علوم الحاسوب والبيولوجيا الجزيئية دورا رئيسيا في هذا التطور الفهمي الواعد . لأن التكنولوجيا تختصر حاليا الوقت البحثي .ويشهد الطب ثورة علاجية غير مسبوقة منذ أواخر العقد الماضي عندما دخلت البشرية عصر الجينات مما يجعل الأدوية التقليدية قد عفا عليها الزمن . فالتكنولوجيا الحيوية والبيولوجية الجزيئية من خلال الخريطة الجينية يفترض أن تستحدث أدوية جينية وطرق جديدة للتشخيص للأمراض وعلاجها وكيفية تعاطي هذه الأدوية ، مما سيغير وجه الصناعات الدوائية والرعاية الصحية للبشر .فالخريطة الجينية (الجينوم البشري) قد تعهد من خلالها الفهماء علي الجينات التي تسبب الأمراض . وهذا ما جعلهم يحاولون التوصل الي تطوير أدوية جديدة ولاسيما بعدما صنعوا الأنسولين البشري جينيا وأنتجوه في المعامل وبكميات تفوق إحتياجات سقمي السكر وبكفاءة عالية ولا يسبب حساسية أونشوء أجسام مضادة كما يحدث في الإنسولين الحيواني.ولاشك حتى إكتشاف دواء أوتطويره مسألة توليها شركات الدواء أهمية بالغة وبسرعة ولاسيما بالنسبة للأمراض المزمنة . وكان في صناعة الدواء التقليدية يقضي الصيادلة والباحثون الأسابيع والشهور والسنوات لصنع عدة مركبات محدودة للغاية آملين في حتىقد يكون إحداها دواء لعلاج سقم ما . والآن يقوم الباحثون بأبحاثهم مستعينين بالإنسان الآلي والحاسوبات وقواعد المعلومات الحيوية التي تسهم حاليا في التعهد علي الأنزيمات والمستقبلات بالجسم والتي تستهدف لاستقبال الدواء المعالج . لأن صور الجزيء المستهدف علاجيا يصور بالأبعاد الثلاثية .لأنها ستكون متاحة من خلال قواعد بيانات معلوماتية . وحاليا توجد مخطات لأشكال الجزيئات الموجودة في أي مسقط نشط يستهدف في جسم الإنسان. وعندماقد يكون هناك دواء حديث قوي ومعالج ، فهناك برامج كومبيوتر قادرة علي إقراره وتداوله. لأنها تري أي تعديلات تجري فيه لتحسينه ، بعدها يقوم الفهماء في معاملهم بتصنيع هذه المادة العلاجية الجديدة من خلال الإنسان الآلي لعمل آلاف المركبات منها في هذا الوقت واختبارها يوميا . وهذا ما يعهد حاليا بالكيمياء التوفيقية (التوليفية) (Combinatorial chemistry ) التي تختصر الوقت في انتاج دواء حديث . لهذا يتسقط إنتاج أدوية كثيرة ومتنوعة وبكميات . وتنفق صناعة الدواء البلايين لإستحداث أدوية وقد لا تستخدم هذه الأدوية لتأثيراتها الجانبية السيئة . لأن التأثير العكسي لمعظم الأدوية قد يحدث سببا في موت الكثيرين مستقبلا . فمستقبل الدواء الآن يساق الي حلبة الجينات . لأن المشروع الجيني البشري المعاصر يفترض أن يحقق مستقبل الأدوية من خلال التعهد علي آلاف المواقع المستهدفة من هذه الأدوية مع إستحداث طرق غير تقليدية عند فهمنا لكيمياء الجسم نتيجة المواكبة لهذا التطور .لأن ثمة طرقا مستحدثة يفترض أن تظهر جليا في طرق العلاج المستهدف في الجسم . فالإنسولين البشري وبيتا أنترفيرون مازال المريض يتعاطاهما بالمحاقن (السرنجات ) العادية . لكن الفهماء توصلوا الي محاقن غازية نفاثة وبلا سنون (إبر)تدفع جزبئات الدواء تحت الجلد ولا يحس المريض بأي ألم . وقريبا سيكون الإنسولين كنقط الغسن . فيدخل الجسم شبكة الأوعية الدموية الكثيفة بالعينين .وكثير من الأدوية تؤخذ عن طريق الشهيق لتصل بسرعة الي الرئة ثم لمجري الدم . وإنتاج ادوية حديثة مكلف للغاية .. لهذا لابد للشركات المنتجة تحقيق ربحية سريعة . فتفرض سلطتها الإحتكارية علي البشر والسقمي . لهذا غالبا ما تتدخل السلطات الحكومية للحد من أسعار الأدوية تشجع إنتاجها باللإسم الفهمي وليس بالإسم التجاري. ففي أمريكا نجد حتى 66%من الإدوية تباع بالإسم الفهمي وبلا ماركة تجارية . ويقوم الأطباء بوصفها بالاسم الفهمي لتحقيق المنافسة في الأسعار بين الشركات المنتجة لنفس الدواء .وليس بالضرورة حتى تكون تكلفة الدواء رخيصة حتيقد يكون الدواء رخيصا . وقد يحدث رغم هذا مرتفع الثمن ليحقق ربحية عالية وثابتة للشركات الكبري المنتجة للإنفاق منها علي التطوير . لأن من بين جميع 100مادة تكتشف لا يختار منها سوي عدد لا يتعدي عدد إصبع اليد وغالبا ما بصل دواء أودواءان للفترة النهائية لتجربتهم علي البشر . فأي دواء حديث يستغرق أبحاثه سنوات ينفق فيها الملايين حتي يبدأ إختباره علي البشر ولاسيما وأن الأبحاث فيها مخاطرة برأس المال لعدم وجود ضمان العائد المادي من ورائها . لأن الدواء ليس سلعة عادية كالسيارات أوالمياه الغازية مثلا. فلقد أصبحت صناعة الدواء صناعة إستراتيجية لدواعي إنقاذ حياة البشر ومكافحة الأمراض التي تداهمهم .لهذا يتسقط حتى تصل مبيعات الأدوية عام 2002حوالي 500 بليون دولار. لأنها صناعة متنامية بنسبة 8%. لهذا بدأت الشركات الكبري في الإندماج للقاءة العولمة وحرية التحاور العالمية والحماية الفكرية ولاسيما وأن كثيرا من شركات الدواء الصغيرة تمارس القرصنة الدوائية وتقليد الأدوية العالمية وشراء موادها الخام رخيصة جدا وأقل فاعلية من الدواء الأم وتنافسه برخص ثمنها ولاسيما في الدول النامية ومن بينها مصر.وهذه الشركات أخذت تتجه إلي مجالات صناعية جديدة من خلال تكنولوجيا الهندسة الجزيئية مستخدمة برامج كومبيوتر ونظم برمجة للمعلومات لتنظيم التكوين الجزيئي للأدوية وتسريع طرق البحث مع مضاعفة الأبحاث في الجينات . وهذه الصناعة لابد من تكتل الشركات الكبري للإنفاق عليها والحد من المنافسة . ولاسيما وأن تقنية هذه الصناعة تتطلب أموالا ضخمة لتطويرها والإنفاق بسخاء عليها. وتعتبر تقنية صناعة الدواء ثالث سلعة تصديرية في إنجلنرا بعد نفط بحر الشمال وبيع محطات توليد الكهرباء.