صهيب الرومي
سابق الروم ينتشر خطأ بين كثير من العامة وبعض الخاصة حتى الصحابي الجليل " صهيب الرومي " أصله من الروم نطق الحافظ ابن عساكر : صهيب بن سنان بن مالك بن عمروبن عقيل بن عامر أبويحيى وينطق أبوغسان النمري الرومي البدري المهاجري . " السير " ( 2 / 18 ) فأبوه من بني نمير، وأمه من بني تميم
فقبل البعثة بحوالي عشرين سنة كان والد صهيب سنان بن مالك النميري والياً على ((الأبلة))، من قبل كسرى ملك الفرس. وذات يوم، أغار الروم على الأبلة بلد أبيه، فأسروا أهلها، وأخذوه عبدًا، وعاش العبد العربي وسط الروم، فتفهم لغتهم، ونشأ على طباعهم، ثم باعه سيده لرجل من مكة يدعى عبد الله بن جنادىن، فتفهم من سيده الجديد فنون التجارة، حتى أصبح ماهرًا فيها، ولما رأى عبد الله بن جنادىن منه الشجاعة والذكاء والإخلاص في العمل، أنعم عليه فأعتقه.
وعندما أشرقت في مكة شمس الإسلام، كان صهيب ممن أسرع لتلبية نداء الحق، فمضى إلى دار الأرقم، وأعرب إسلامه أمام رسول الله (، ولم يَسْلَم صهيب من تعذيب مشركي مكة، فتحمل ذلك في صبر وجلد؛ ابتغاء سقماة الله وحبًّا لرسوله (، وهاجر النبي ( بعد أصحابه إلى المدينة، ولم يكن صهيب قد هاجر بعد، فخرج ليلحق بهم، فتعرض له أهل مكة يمنعونه من الهجرة؛ لأنهم رأوا حتى ثراء صهيب ليس من حقه، لأنه اتى إلى بلادهم حينما كان عبدًا فقيرًا، فلا يحق له أنه يخرج من بلادهم بماله وثرائه، وصغر المال في عين صهيب، وهان عليه جميع ما يملك في سبيل الحفاظ على دينه، فساومهم على حتى يهجروه، ويأخذوا ماله، ثم أبلغهم بمكان المال، وقد صدقهم في ذلك، فهولا يعهد الكذب أوالخيانة. وكان صهيب تاجرًا ذكيًّا، فتاجر بماله ونفسه في سبيل سقماة ربه، فربح بيعه، وعظم أجره، واستحق حتىقد يكون أول ثمار الروم في الإسلام، واستحقَّ ما روي عن رسول الله أنه نطق: (صهيب سابق الروم) [ابن سعد]. وشارك صُهيب في جميع غزوات الرسول (، فها هوذا يقول: لم يشهد رسول الله ( مشهدًا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزوة قط إلا كنت فيها عن يمينه أوشماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله ( بيني وبين العدوقط حتى تُوُفِّي. وواصل جهاده مع الصديق ثم مع الفاروق عمر -رضي الله عنهما-، وكان بطلا شجاعًا، وكان كريمًا جوادًا، يطعم الطعام، وينفق المال، نطق له عمر -رضي الله عنه- يومًا: لولا ثلاث خصال فيك يا صهيب، ما قدمت عليك أحدًا، أراك تنتسب عربيًّا ولسانك أعجمي، وتُكنى بأبي يحيي، وتبذر مالك. فأجابه صهيب: أما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في حقه، وأما اكتنائي بأبي يحيى، فإن رسول الله ( كناني بأبي يحيى فلن أهجرها، وأما انتمائي إلى العرب، فإن الروم سبتني صغيرًا، فأخذت لسانهم (لغتهم)، وأنا رجل من النمر بن قاسط. [ابن سعد].
وكان عمر -رضي الله عنه- يعهد لصهيب فضله ومكانته، فعندما طُعن -رضي الله عنه- أوصى بأن يصلي صهيب بالناس إلى حتى يتفق أهل الشورى على أحد الستة الذين اختارهم قبل موته للخلافة؛ ليختاروا منهم واحدًا، ظل صهيب يجاهد في سبيل الله حتى كانت الفتنة الكبرى، فاعتزل الناس، واجتنب الفتنة، وأقبل على العبادة حتى توفي -رضي الله عنه- بالمدينة سنة (38هـ)، وعمره آنذاك (73) سنة، ودفن بالبقيع. وقد روى صهيب -رضي الله عنه- عن النبي ( أحاديث كثيرة، وروى عنه بعض الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم أجمعين-.