اليزيدي

أبومحمد اليزيدي (ت. 202 هـ)، هونحوي بصري.

اسمه ونسبه

أبومحمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، المعروف باليزيدي، المقرئ النحوي اللغوي صاحب أبي عمروبن العلاء المقرئ البصري، وهوالذي خلفه في القيام بالقراءة بعده.

خطه

صنف كتاب " النوادر " في اللغة على مثال كتاب " نوادر " الأصمعي الذي صنفه لجعفر البرمكي، وفي مثل عدد ورقه. وكتاب " المقصور والممدود ". ومختصر في النحو. وكتاب " النقط والشكل " .

أخباره وشيوخه وتلامذته

سكن بغداد وحدث بها عن أبي عمروبن العلاء وابن جريح وغيرهما. أخذ فهم العربية وأخبار الناس عن أبي عمرووالخليل بن أحمد، من ومن كان معاصرهما. وروى عنه ابنه محمد وأبوعبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وجماعة من أولاده وحفدته وأبوعمروالدوري وأبوحمدون الطيب بن إسماعيل وأبوشعيب السوسي وعامر بن عمر الموصلي وأبوخلاد سليمان بن خلاد وغيرهم، وخالف أبا عمروفي حروف يسيرة من القراءة اختارها لنفسه. وكان يؤدب أولاد يزيد بن منصور بن عبد الله بن يزيد الحميري خال المهدي ، وإليه كان ينتسب، ثم اتصل ب هارون الرشيد فجعل ولده المأمون في حجره فكان يؤدبه. وكان ثقة، وهوأحد القراء الفصحاء العالمين بلغات العرب والنحو، وكان صدوقاً، وله التصانيف الحسنة والنظم الجيد، وشعره مدون. وحكى عن أبي حمدون الطيب بن إسماعيل نطق: شهدت ابن أبي العتاهية وقد خط عن أبي محمد اليزيدي قريباً من ألف جلد، عن أبي عمروبن العلاء خاصة، ويكون ذلك عشرة آلاف ورقة، لأن تقدير الجلد عشر ورقات، وأخذ عن الخليل من اللغة أمراً عظيماً، وخط عنه العروض في ابتداء وضعه له، إلا حتى اعتماده على أبي عمرولسعة فهم أبي عمروباللغة. وكان أبومحمد المذكور يفهم الصبيان بحذاء دار أبي عمروبن العلاء، وكان أبوعمرويدنيه ويميل إليه لذكائه، وكان أبومحمد المذكور سليم الرواية. ونطق ابن المنادي: أكثرت من السؤال عن أبي محمد اليزيدي ومحله من الصدق ومنزلته من الثقة، لعدة من شيوخنا بعضهم أهل عربية وبعضهم أهل قرآن وحديث، فنطقوا: هوثقة صدوق لا يدفع عن سماع ولا يرغب عنه في شيء، غير ما يتوهم عليه من الميل إلى المعتزلة، وقد روى عنه الغريب أبوعبيد القاسم بن سلام وكفى به، وما ذاك إلا عن فهم منه به، وكان يجلس في أيام الرشيد مع الكسائي في مجلس واحد ويقرئان الناس، وكان الكسائي يؤدب الأمين وهويؤدب المأمون، فأما الأمين فإن أباه أمر الكسائي حتى يأخذ عليه بحرف حمزة، وأما المأمون فإن أباه أمر أبا محمد حتى يأخذ عليه بحرف أبي عمرو. ونطق الأثرم: ولج اليزيدي يوماً على الخليل بن أحمد وهوجالس على وسادة، فأوسع له وأجلسه معه، فنطق له اليزيدي: أحسبني ضيقت عليك، فنطق الخليل: ما ضاق موضع على اثنين متحابين، والدنيا لا تسع متباغضين. وسأل المأمون اليزيدي عن شيء فنطق: لا وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين، فنطق: لله درك! ما وضعت الواوقط في موضع أحسن من موضعها في لفظك هذا، ووصله وحمله. ونطق اليزيدي: دخلت على المأمون يوماً والدنيا غضة، وعنده نعم تغنيه، وكانت أجمل أهل دهرها، فأنشدت:

وزعمت أني ظالم فهجرتني

ورميت في قلبي بسهم نافذ

فنعم هجرتك فاغفري وتجاوزي

هذا مقام المستجير العائد

هذا مقام فتىً أضر به الهوى

قرح الجفون بحسن وجهك لائذ

ولقد أخذتم الفهم من فؤادي أنسه

لا شل ربي كف ذاك الآخذ

فاستعادها الصوت ثلاث مرات، ثم نطق: يا يزيدي، أيكون شيء أحسن مما نحن فيه قلت: نعم يا أمير المؤمنين، نطق وما هوقلت: الشكر لمن خولك هذا الإنعام العظيم الجليل، نطق: أحسنت وصدقت، ووصلني وأمر بمائة ألف درهم يتصدق بها، فكأني أنظر إلى البِدَر وقد أخرجت والمال يفرق. وشكا اليزيدي إلى المأمون حاجة أصابته وديناً لحقه، فنطق: ما عندنا في هذه الأيام ما إذا أعطيناكه بلغت به ما تريد، فنطق: يا أمير المؤمنين، إذا الأمر قد ضاق علي، وإن غرمائي قد أرهقوني، فاحتل لي، فأفكر المأمون، واستقر الأمر على حتى يحضر اليزيدي إلى الباب إذ جلس المأمون في مجلس الأنس وعنده ندماؤه، ويخط رقعة يطلب فيها الدخول أوإخراج بعض الندماء إليه، فلما جلس المأمون جاء اليزيدي إلى الباب ودفع للخادم رقعة مختومة فأدخلها إلى المأمون ففضها فإذا فيها مكتوب:

يا خير إخوان وأصحاب

هذا الطفيلي على الباب

فصيروني واحداً منكم

أوأخرجوني لي بعض أصحابي

فقرأها المأمون على من جاء ونطق: ما ينبغي حتى يدخل مثل هذا الطفيلي على مثل هذا الحال، فأوفد إليه المأمون يقول له: دخولك في مثل هذا الوقت متعذر، فاختر لنفسك من أحببت حتى تنادمه، فلما وقف على الرسالة نطق: ما أرى لنفسي اختياراً سوى عبد الله بن طاهر، فنطق له المأمون: قد سقط الاختيار عليك فصر إليه، فنطق: يا أمير المؤمنين، فأكون شريك الطفيلي فنطق: ما يمكنني رد أبي محمد عن أمره، فإن أحببت حتى تخرج إليه وإلا فافتد نفسك منه، فنطق: على عشرة آلاف درهم، فنطق: لا أحسب ذلك يقنعه منك ومن مجالستك، فلم يزل يزيده عشرة آلاف على عشرة آلاف والمأمون يقول: لا أرضى له بذلك، حتى بلغ مائة ألف درهم فنطق له المأمون: فعجلها له، فخط له بها إلى وكيله ووجه رسولاً، وأوفد إليه المأمون وهويقول: قبض هذا المبلغ في مثل هذا الحال أصلح لك من منادمته على مثل حاله، فقبل ذلك منه، وكان ظريفاً في جميع أحواله. وحكى أبوأحمد بن جعفر البلخي في كتابه حتى اليزيدي المذكور سأل الكسائي عن قول الشاعر:

ما رأينا خرباً نقـ

ـر عنه البيض صفر

لاقد يكون العير مهراً

لاقد يكون، المهر مهر

[ الخرب: بفتح الخاء المعجمة والراء وفي آخرها الباء الموحدة، الذكر من الحبارى، والعير: بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء، وهوالذكر من حمر ]، فنطق الكسائي: يجب حتىقد يكون " مهر " منصوباً على أنه خبر كان، ففي البيت على هذا التقدير إقواء، فنطق اليزيدي: الشعر صواب لأن الكلام قد تم عند قوله " لاقد يكون " الثانية وهي مؤكدة للأولى، ثم استأنف الكلام، فنطق " المهر مهر " وضرب بقلنسوته الأرض، ونطق: أنا أبومحمد، فنطق له يحيى بن خالد البرمكي: أتكتني بحضرة أمير المؤمنين والله إذا خطأ الكسائي مع حسن أدبه من صوابك مع سوء أدبك، فنطق اليزيدي: إذا حلاوة الظفر أمضىت عني التحفظ. وغالب شعر اليزيدي جيد، وقد ذكره هارون بن المنجم في كتاب " البارع " وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك قوله يهجوالأصمعي الباهلي المقدم ذكره:

أبِن لي دعي بني أصمعٍ

متى كنت في الأسرة الفاضله

ومن أنت هل أنت إلا امرؤ

إذا صح أصلك من باهله

ثم نطق ابن المنجم: وهذا البيت من نادر أبيات المحدثين في الهاتى. وله في الهاتى أيضاً:

استبق ود أبي المقا

تل حين تدنومن طعامه

سيان كسر رغيفه

أوكسر عظمٍ من عظامه

ويصوم كرهاً ضيفه

لم ينوأجراً في صيامه

وقد تجاوز في ترجمة أبي العباس المبرد مقطوع من شعره في شيبة بن الوليد. وكان له أخبار ونوادر، فمن ذلك ما رواه أنه أخذ رجل ادعى النبوة فأتي به إلى المهدي فنطق له: أنت نبي فنطق: نعم، فنطق: وإلى من بعثت فنطق: وهل هجرتموني أمضى إلى أحد ساعة بعثت وضعتموني في الحبس، فضحك المهدي واستتابه. وكان لليزيدي خمسة بنين وكلهم فهماء أدباء شعراء رواة لأخبار الناس، وهم: أبوعبد الله محمد وإبراهيم وأبوالقاسم إسماعيل وأبوعبد الرحمن عبد الله وأبويعقوب إسحاق، وكلهم ألف في اللغة والعربية، وكان محمد أسنهم وأشعرهم.

وفاته

توفي سنة اثنتين ومائتين، رحمه الله تعالى، بخراسان، والظاهر أنه كان بمروفإنه كان خرج في صحبة المأمون في بغداد، وكانت إقامة المأمون بمرو، ثم وجدت في " طبقات القراء " لأبي عمروالداني أنه توفي في التاريخ المذكور بمرو، ثم نطق بعد ذلك، ونطق ابن المنادي: وقيل إنه لما بلغ من السن دون المائة بأعوام يسيرة، ومات بالبصرة ودفن بها، والأول أصح، والله أفهم.