عبد الباسط عبد الصمد

عبد الباسط عبد الصمد يتلو

الشيخ عبد الباسط بن محمد بن عبد الصمد بن سليم (1927 - 30 نوفمبر 1988) قارئ القرآن المعروف. وكان أفضل المقرئين علي الإطلاق. وهومن أصحاب المدارس التي تفردت في أسلوبها. لقب بالحنجرة المضىية، وصاحب النصيب الأكبر من الشعبيه والحب لدي جموع المسلمين علي مستوي العالم.فهوصوت السماء أوالصوت الملائكي صاحب الصوت الأخاذ الذي تملك قلوب الجميع. جاب بلاد العالم سفيراً لكتاب الله، وكان أول نقيب لقراء مصر سنة 1984.

ولادته ونسبه

ولد عبد الباسط عبد الصمد سنة 1927 بقرية المراعزة، مركز أرمنت، محافظة قنا بجنوبى صعيد مصر. حيث نشأ في بقعة طاهرة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويدا. فالجد الشيخ عبد الصمد كان من الأتقياء والحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد هوالشيخ محمد عبد الصمد، كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظا وتجويداً.

أما الشقيقان محمود وعبد الحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما الأصغر سنا. عبد الباسط، وهوفي السادسة من عمره كان ميلاده بداية تاريخ حقيقي لقريته ولمدينة أرمنت التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.

التحق الطفل الموهوب عبد الباسط بكتّاب الشيخ محمد الأمير بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن ماقد يكون الاستقبال، لأنه توسم فيه جميع المؤهلات القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يتلى بالبيت ليل نهار بكرة وأصيلا. حفظ القران الكريم على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته . أخذ القراءات على الشيخ المتقن محمد سليم حمادة.

لاحظ الشيخ (الأمير) على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملة من المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه من القرآن وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب، ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع. وأثناء عودته إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الشيخ حملت بصوته القوي الجميل متمتعاً بأداء طيب يستوقف جميع ذي سمع حتى الملائكة الأبرار.

يقول الشيخ عبد الباسط في مذكراته:

”

كان سني عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفاً بوزارة المواصلات، وكان جدي من الفهماء فطلبت منهما حتى أتفهم القراءات فأشارا علي حتى أمضى إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ (محمد سليم) ولكن المسافة بين أرمنت إحدى مدن جنوب مصر وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جداً، ولكن الأمر كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر، وقبل التوجه إلى طنطا بيوم واحد فهمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى (أرمنت) ليستقر بها مدرساً للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت واستقبله أهل أرمنت أحسن استقبال واحتفلوا به لأنهم يفهمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل الفهم والقرآن، وكأن القدر ساق إلينا هذا الرجل في الوقت المناسب. وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم (بأصفون المطاعنة) فكان يحفظ القرآن ويفهم علومه والقراءات. فمضىت إليه وراجعت عليه القرآن كله ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص بفهم القراءات السبع.

“

بعد حتى وصل الشيخ عبد الباسط الثانية عشرة من العمر انهالت عليه الدعوات من جميع مدن وقرى محافظة قنا وخاصة أصفون المطاعنة بمساعدة الشيخ محمد سليم الذي زكّى الشيخ عبد الباسط في جميع مكان يمضى إليه، وشهادة الشيخ سليم كانت محل ثقة الناس جميعاً.

زيارته للسيدة زينب

في عام 1950م مضى ليزور آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعترته الطاهرين وكانت المناسبة التي قدم من أجلها مع أحد أقربائه الصعايدة هي الاحتفال بمولد السيدة زينب والذي كان يحييه عمالقة القراء المشاهير كالشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبد العظيم زاهر والشيخ أبوالعينين شعيشع وغيرهم من كوكبة قراء الرعيل الأول بالإذاعة.

بعد منتصف الليل والمسجد الزينبي يموج بأوفاج من الناس القادمين من جميع مكان من أراتى مصر كلها.. أستأذن أحد أقارب الشيخ عبد الباسط القائمين على الحفل حتى يقدم لهم هذا الفتى الموهوب ليقرأ عشر دقائق فأذن له وبدأ في التلاوة وسط جموع غفيرة وكانت التلاوة من سورة الأحزاب، عم الصمت أراتى المسجد واتجهت الأنظار إلى القارئ الصغير الذي تجرأ وجلس مكان كبار القراء ولكن ما هي إلا لحظات وانتقل السكون إلى ضجيج وصيحات رجت المسجد (الله أكبر)، (ربنا يفتح عليك) إلى آخره من العبارات التي تصدر من القلوب مباشرة من غير مونتاج.

وبدلاً من القراءة عشر دقائق امتدت إلى أكثر من ساعة ونصف خيل للحاضرين حتى أعمدة المسجد وجدرانه وثرياته انعملت مع الحاضرين وكأنهم يسمعون أصوات الصخور تهتز وتسبح بحمد ربها مع جميع آية تتلى بصوت شجي ملائكي يحمل النور ويهز الوجدان بهيبة ورهبة وجلال.

دخوله الإذاعة المصرية

مع نهاية عام 1951 طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبد الباسط حتى يتقدم إلى الإذاعة كقارئ بها ولكن الشيخ عبد الباسط أراد حتى يؤجل هذا الموضوع نظراً لارتباطه بالصعيد وأهله ولأن الإذاعة بحاجة إلى ترتيب خاص. ولكن ترتيب الله وإرادته فوق جميع ترتيب وإرادة.

كان الشيخ الضباع قد حصل على تسجيل لتلاوة الشيخ عبد الباسط بالمولد الزينبي والذي به خطف الأضواء من المشاهير وتملك الألباب وقدم هذا الإنضمام للجنة الإذاعة فانبهر الجميع بالأداء القوي العالي الرفيع المحكم المتمكن وتم اعتماد الشيخ عبد الباسط بالإذاعة عام 1951 ليكون أحد النجوم اللامعة والكواكب النيرة المضيئة بقوة في سماء التلاوة.

بعد الشهرة التي حققها الشيخ عبد الباسط في بضعة أشهر كان لابد من إقامة دائمة بالقاهرة مع أسرته التي نقلها من الصعيد إلى حي السيدة زينب ليسعد بجوار حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تسببت في شهرته والتحاقه بالإذاعة وتقديمه كهدية للعالم والمسلمين والإسلام على حد قول ملايين الناس.

بسبب التحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديووتضاعف إنتاجها وانتشرت بمعظم البيوت للاستماع إلى صوت الشيخ عبد الباسط وكان الذي يمتلك (راديو) في منطقة أوقرية من القرى كان يقوم بحمل صوت الراديولأعلى درجة حتى يتمكن الجيران من سماع الشيخ عبد الباسط وهم بمنازلهم وخاصة جميع يوم سبت على موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى الثامنة والنصف مساءً. بالإضافة إلى الحفلات الخارجية التي كانت تذاع على الهواء مباشرة من المساجد الكبرى.

شهرته

وعن بداية شهرة عبد الباسط روى الشيخ البطيخي فنطق: في شهر رمضان كان الشيخ عبد الباسط يحيي لياليه في دواوين القرية ولا يرد أحدا يطلب منه حتى يقرأ له بضع آيات من القرآن، ثم بدأ بعدها في التنقل بين المحافظات، وفي إحدى المرات قرأ في مجلس المقرئين بمسجد الحسين (رضي الله عنه) بالقاهرة، وعندما اتى دوره في القراءة كان من نصيبه ربع من سورة النحل، وأعجب به الناس حتى إذا المشايخ كانوا يُلوحون بعمائمهم وكان يستوقفه المستمعون من حين لآخر ليعيد لهم ما قرأه من شدة الإعجاب، ثم تهافت الناس على طلبه حتى طلبته سوريا ليحيي فيها شهر رمضان فرفض إلا بعد حتى يأذن له شيخه.

ويضيف الشيخ عبد الصبور: كنا ذات مرة في زيارة إلى الحرم المكي وكان شيخ الحرم المكي في ذلك الوقت يقرأ من سورة البقرة إلى سورة الأنعام بقراءة ورش عن نافع فرتل قائلا: "ونطق لهم نبيهم إذا الله قد بعث لكم طالوت ملكا" وقرأ في الركعة الثانية: "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا" فحرص الشيخ عبد الباسط على حتى يقابله ليصحح له سهوه في القراءة، فنطق له: كان ينبغي حتى تقرأ وتقول: نبيئهم، بدلا من نبيهم، وأشد وطائا بدلا من أشد وطئا، فقد قرأت في الآية الأولى بقراءة حفص ولم تقرأ بقراءة ورش فأقره الشيخ على هذا السهوفي القراءة وطلب منه حتى يبقى في الحرم المكي معهم.

زياراته العالمية

بدأ الشيخ عبد الباسط (رحمة واسعة )رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952م فانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغير شهر رمضان.

كانت بعض الدعوات توجه إليه ليس للاحتفال بمناسبة معينة وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أوفدت إليه لإقامة حفل بغير مناسبة وإذا سألتهم عن المناسبة التي من أجلها جاء الشيخ عبد الباسط فكان ردهم (بأن المناسبة هووجود الشيخ عبد الباسط) فكان الاحتفال به ومن أجله لأنه كان يضفي جواً من البهجة والفرحة على المكان الذي يحل به.

وهذا يظهر من خلال استقبال شعوب دول العالم له استقبالاً رسمياً على المستوى القيادي والحكومي والشعبي. حيث استقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه وهوينزل من الطائرة. وفي جاكرتا بدولة اندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلومتر مربع فامتلأ الميدان اللقاء للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفا على الأقدام حتى مطلع الفجر.

وفي جنوب أفريقيا عندما فهم المسئولون بوصوله أوفدوا إليه فريق عمل إعلامي من رجال الصحافة والإذاعة والتليفزيون لإجراء لقاءات معه وفهم رأيه عما إذا كانت هناك تفرقة عنصرية أم لا من وجهة نظره، فكان أذكى منهم وأسند جميع شيء إلى زميله وابن بلده ورفيق رحلته القارئ الشيخ أحمد الرزيقي الذي رد عليهم بكل لباقة وأنهى اللقاء بوعي ودبلوماسية أضافت إلى أهل القرآن مكاسب لا حد لها فرضت احترامهم على الجميع.

كانت أول زيارة للشيخ عبد الباسط خارج مصر بعد التحاقه بالإذاعة عام 1952 زار خلالها السعودية لأداء فريضة الحج ومعه والده. واعتبر السعوديون هذه الزيارة مهيأة من قبل الله فهي فرصة يجب حتى تجنى منها الثمار، فطلبوا منه حتى يسجل عدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة. لم يتردد الشيخ عبد الباسط وقام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف، (لقب بعدها بصوت مكة).

ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي زار فيها السعودية وإنما تعددت الزيارات ما بين دعوات رسمية وبعثات وزيارات لحج بيت الله الحرام.

ومن بين الدول التي زارها الهند لإحياء احتفال ديني كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك. فوجئ الشيخ عبد الباسط بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنّوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى حتى انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثراً بهذا الموقف الخاشع.

لم يقتصر الشيخ عبد الباسط في سفره على الدول العربية والإسلامية فقط وإنما جاب العالم شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وصولاً إلى المسلمين في أي مكان من أرض الله الواسعة، ومن أشهر المساجد التي قرأ بها القرآن هي المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بالسعودية والمسجد الأقصى بالقدس وكذلك المسجد الإبراهيمي بالخليل بفلسطين والمسجد الأموي بدمشق وأشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم، فلم تخل جريدة رسمية أوغير معتمدة من صورة وتعليقات تظهر أنه أسطورة تستحق التقدير والاحترام.

تكريمه

يعتبر الشيخ عبد الباسط القارئ الوحيد الذي نال من التكريم حظاً لم يحصل عليه أحد بهذا القدر من الشهرة والمنزلة التي تربع بها على عرش تلاوة القرآن الكريم لما يقرب من نصف قرن من الزمان نال خلالها قدر من الحب الذي جعل منه أسطورة لن تتأثر بمرور السنين بل حدثا مر عليها الزمان زادت قيمتها وارتفع قدرها كالجواهر النفيسة ولم ينس حياً ولا ميتاً.

فكان تكريمه حياً عام 1956 عندما كرمته سوريا بمنحه وسام الاستحقاق ووسام الأرز من لبنان والوسام المضىي من ماليزيا ووسام من السنغال وآخر من المغرب وآخر الأوسمة التي حصل عليها كان بعد رحيله من الرئيس محمد حسنى مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام 1990م.

السقم والوفاة

تمكن سقم السكر منه وكان يحاول مقاومته بالحرص الشديد والالتزام في تناول الطعام والمشروبات ولكن تضامن الكسل الكبدي مع السكر فلم يستطع حتى يقاوم هذين السقمين الخطيرين فأصيب بالتهاب كبدي قبل رحيله بأقل من شهر فدخل مستشفى الدكتور بدران بالجيزة إلا حتى صحته تدهورت مما دفع أبناءه والأطباء إلى نصحه بالسفر إلى الخارج ليعالج بلندن حيث مكث بها أسبوعاً وكان بصحبته ابنه طارق فطلب منه حتى يعود به إلى مصر.

توفى يوم الأربعاء 30 نوفمبر 1988، وكانت جنازته وطنية ورسمية على المستويين المحلي والعالمي، فحضر تشييع الجنازة جميع سفراء دول العالم نيابة عن شعوبهم وملوك ورؤساء دولهم تقديراً لدوره في مجال الدعوة بكافة أشكالها.