الأدب الفرنسي من القرن الثامن عشر

عودة للموسوعة

الأدب الفرنسي من القرن الثامن عشر

Voltaire
Rousseau

الأدب بين 1774 - 1789

أنجب الأدب الفرنسي في الحقبة القصيرة الواقعة بين 1774، 1789 بعض الآثار المذكورة التي مازالت تجد القراء وتحرك العقول: منها "الحكم" لشامفور، وبول وفرجيني لبرناردان دسان-بيير، والعلاقات الغرامية الخطرة لشودرلودلاكلو، ومجلدات رستيف دلابريتون الكاشفة على مل فيها من فوضى. تلك كانت جزراً انبعثت من بحر أدبي يموج بالمدارس والمخطات، ومجموعات القراء، والمحاضرات، والصحف، والمجلات، والنشرات، والخط، فيض من المداد فيه الزبد وفيه الخمير لم يعهد العالم له نظيراً من قبل. ولم يكن يلم بالقراءة من الشعب الفرنسي غير قلة قليلة(72)، ومع ذلك كان الملايين منهم متعطشين للفهم جياشين بالأفكار. واتسع الطلب على الموسوعات، وخلاصات الفهم الوافية، وملخصات الفهم، وكان جماعة الفلاسفة والمصلحون يعلقون الآمال العراض على نشر التعليم.


التعليم

Louis XV
Louis XVI
الأدب الفرنسي
بالتصنيف
تاريخ الأدب الفرنسي

العصور الوسطى
القرن السادس عشر - القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر -القرن التاسع عشر
القرن العشرون - المعاصر

كتـّاب الفرنسية

قائمة زمنية
كتـّاب حسب تصنيفهم
روائيون - كتاب مسرحيات
شعراء - كتاب منطقات
كتاب السيرة القصيرة

بوابة فرنسا
بوابة الأدب
     

وكان أكثر التعليم لا يزال في أيدي رجال الدين رغم إقصاء اليسوعيين وإشراف الدولة على المدارس. أما الجامعات المتصلة في تنطقيدها الدينية والسياسية فكانت قد تبلدت وساءت سمعتها، وكانت في نهاية القرن بادئة لتوها في الالتفاف إلى العلوم. غير حتى المحاضرات العامة في الفهم كانت تجد رواداً حريصين عليها، وكانت المدارس التقنية في ازدياد. وكان جميع تلاميذ الكليات تقريباً من الطبقة الوسطى، أما شباب النبلاء فآثروا إحدى الأكاديميات الحربية الأثنتي عشرة التي أنشأها سان-جرمان عام 1776 أوبعده (وفي واحدة منها-بمدينة بريين- كان نابليون بونابرت يتلقى دروسه). ويروون حتى طلبة الكليات "كثيراً ما ألفوا التنظيمات لتأييد المظاهرات السياسية"(73)، ولما كان عدد خريجي الكليات في تلك الفترة يجاوز طاقة الاقتصاد الفرنسي على استخدامهم، فقد بات الخريجون العاطلون مصدراً للسخط والتذمر، وألف هؤلاء الرجال نشرات أججت نيران الثورة.


المخطات

Marie Antoinette
The Toilet of Venus (1751) typifies the superficially pleasing elegance of Boucher's mature style.

وكان للأغنياء مخطات خاصة في مقار تحسد عليها، تضم خطاً تجلد تجليداً فاخراً وتقرأ أحياناً. أما أفراد الطبقتين الوسطى والدنيا فكانوا ينتفعون بالمخطات المتنقلة، اويشترون خطهم-وكلها تقريباً ورقية الغلاف-من الأكشاك أوالحوانيت. وفي 1774 قدر المبيع من الخط في باريس بأربعة أمثال المبيع في لندن الآهلة بعدد أكثر كثيراً من السكان(74)، وذكر رستيف دلابريتون حتى القراءة قد جعلت عمال باريس "عنيدين"(75).

الصحف

فونتنل
L’Encyclopédie
مونتسكيو
ديدرو
إمانويل جوزيف سييس

أما الصحف فكانت تنموعدداً وحجماً وتأثيراً. وكانت صحيفة "الگازيت دفرانس" القديمة، التي أنشئت في 1631، لا تزال الأداة الرسمية-وغير الموثوق بها-في نقل الأنباء السياسية. وكانت صحيفة "المركيز دفرانس" التي بدأت في 1672 باسم "المركيز جالان" توزع في 1790 ثلاثة عشر ألف نسخة، وهوتوزيع كان يعد ممتازاً؛ وقد وصفها ميرابوبأنها أكفأ الصحف الفرنسية(76). وفي 1777 صدرت "الجورنال دباري" - وهي أول الصحف اليومية الفرنسية، أما صحيفة "المونيتور يونيڤرسال" الأوسع شهرة فلم تصدر إلا في 24 نوفمبر 1789. وكان هناك الكثير من الصحف الإقليمية، مثل "الكوربيه دپروڤانس" التي كان يحررها ميرابوالابن.

وكانت النشرات أوالكراريس فيضاناً غامراً اكتسح في النهاية جميع شيء أمامه. ففي الشهور الأخيرة من عام 1788 صدر منها نحو2.500 في فرنسا(77).

وكان لبعضها تأثير تاريخي، مثل كراسة أبيه سييس "ما الطبقة الثالثة" أوكراسة كامي دمولان "فرنسا الحرة". حتى إذا اتى يوليومن عام 1789 وجدنا الصحافة أعظم قوة في فرنسا. وقد وصفها نكير في 1784 بأنها "قوة غير مرئية تملي أوامرها على المدن والمحاكم على السواء، وحتى في قصور الملوك، رغم أنها بلا مال، وبلا سلاح، وبلا جيش"(78). ولعبت الأغاني دوراً في الدعوة والتحريض، وقد وصف شامفور الحكومة بأنها ملكية مقيدة بالأغاني الشعبية(79).

ڤولتير في عمر 24
بومارشيه
ماريڤو



شامفور

أنطوان فرانسوا پريڤو
كانديد
الصفحة الأولى من طبعة 1753من Manon Lescaut.
Pierre Ambroise Choderlos de Laclos
جاك-هنري برناردان

وطوى تيار الثورة شامفور نفسه فانتقل من كونه "شخصاً سقمياً عنه" في البلاط إلى المشاركة في اقتحام الباستيل. وقد ولد لبدال ريفي (1741)، وقدم إلى باريس وكسب قوته بالحيلة والظرف. وكانت النساء يسكنه ويطعمنه لا لشيء إلا للاستمتاع بإثارة حديثه، وقد خط عدة مسرحيات، أبهجت إحداها ماري أنطوانيت كثيراً فأقنعت الملك بأن يمنحه معاشاً قدره ألف ومائتا جنيه. وعين سكرتيراً لأخت للويس السادس عشر، وتلقى راتباً إضافياً قدره ألفا جنيه في العام. وبدا حتى جميع شيء يربطه بالقضية الملكية، ولكن في 1783 التقى بميرابو، فما لبث حتى انقلب لاذعاً للحكومة. وهوالذي اقترح على سييس العنوان اللافت الذي وضعه على كراسته الشهيرة.

وفي هذه الأثناء، وبوحي من لارشفكوكو، وفوفنارج، وفولتير، دون بإيجاز وعلى عجلة "حكماً" أفصحت عن نظرته الساخرة إلى العالم. وقد نطقت مدام هلڤتيوس التي ظلت تستضيفه في بيتها بسيفر طوال سنين أربع "حدثا جرى حديث بيني وبين شامفور في الصباح، كان الحزن يغمرني بقية اليوم"(80). وقد رأى الحياة خدمة ينخدع بها الأمل "أن الأمل دجال لا يفتأ، يحتال علينا، أما أنا فإن سعادتي لم تبدأ إلا يوم طلقت الأمل"(81). "لوحتى الحقائق القاسية، والاكتشافات المحزنة، وأسرار المجتمع-التي تتألف منها فهم رجل الدنيا الذي بلغ الأربعين-عهدها هذا الإنسان نفسه وهوفي العشرين، لأصابه اليأس، أولبات إنساناً فاسداً عن عمد"(82).

وقد سخر شامفور من العقل، وهوالذي اتى في ختام عصر العقل، ورأى فيه سيداً على العاطفة أقل منه أداة للشر. "أن الإنسان في حالة المجتمع الراهنة يظهر أكثر فساداً بسبب عقله منه بسبب عواطفه المشبوبة"(83). أما عن النساء "فمهما بلغ سوء أي رأي الرجل فيهن، فما من امرأة لا يسوء رأيها فيهن على رأيه"(84). والزواج فخ، "أن الزواج والعزوبة كليهما مجلبة للعناء: وينبغي حتى نفضل منهما ما ليست متاعبه بغير دواء"(85). "أن النساء لا يمنحن للصداقة إلا ما يقترضنه من الحب"(86). و"الحب الذي يوجد في المجتمع ليس إلا تبادل أوهام واحتكاك بشرتين"(87).

فلما خرج شامفور من القصور والبيوت الفاخرة إلى شوارع باريس اشتد تشاؤمه. "باريس، مدينة اللهوواللذة، حيث يموت أربعة أخماس الناس حزناً... المكان الذي تفوح نتنه وليس فيه إنسان ينبض قلبه بالحب"(88).

والعلاج الوحيد لهذه الأحياء الفقيرة هوالعقم. "من سوء حظ النوع الإنساني، وحسن حظ الطغاة، حتى الفقراء والتعساء لا يملكون غريزة الكبرياء التي يملكها الفيل، فهولا يتوالد وهوأسير"...(89).

وكان أحياناً يسترسل في الحلم بمثل أعلى "من الضروري الجمع بين النقائض: حب الفضيلة دون اكتراث للرأي العام، والميل للعمل دون اكتراث للشهرة، وحب المرء لصحته دون اكتراث للحياة"(90). وقد خطر له في بضع سنين حتى يضفي على الحياة معنى بتكريس نفسه للثورة، ولكن خمس سنين من التعامل مع ميرابو، ودانتون، ومارا، وروبسبيير، أحيت يأسه من حديث وبدا له يومها حتى شعار الثورة "الحرية، والمساواة، والإخاء" أصبح معناه "كن أخي وإلا قتلتك"(91). واختار الانضمام إلى صفوف الجيروند، وراح يسوط الزعماء الأكثر تطرفاً بنادىبته المتهورة. فقبض عليه، ثم أفرج عنه بعد قليل. فلما رأى نفسه مهدداً بالقبض عليه ثانية، ضرب نفسه بالرصاص وطعن نفسه. ومد في أجله حتى 13 أبريل 1794 ثم توفي بعد حتى نطق لسييس، "أني منطلق في النهاية من هذا العالم الذي لا بد فيه للقلب أما حتى ينكسر أويتقسى".

برناردان

أندريه شنييه.

وإذا كان تأثير فولتير هوالغالب عند شامفور، فإن تأثير روسوكان كاملاً وسافراً في جاك-هنري برناردان دسان-پيير. ففي الحادية والثلاثين (1768) كلف بوصفه مهندساً بمهمة حكومية في الأيل دفرانس، المسماة الآن موريتيوس. وفي تلك الجزيرة الجبيلة، المطيرة، الكثيرة الثمر، عثر ما خاله "حالة طبيعية" التي تخيلها روسو-رحالاً ونساء يعيشون ملتصقين بالأرض لم تلوثهم رذائل المدينة. فلما عاد إلى فرنسا (1771) أسبح صديقاً مخلصاً لجان-جاك، وتفهم حتى يحتمل غضباته، وأن يرى فيه مخلصاً ثانياً للبشرية. وفي كتابه "رحلة إلى الأيل دفرانس" (1773) وصف حياة سكان الجزيرة البسيطة وإيمانهم الديني الذي يشددهم. وقد رأى أسقف أكس في هذا الكتاب انتقاضاً سليماً على ڤولتير، وحصل للمؤلف على معاش ملكي قدره ألف جنيه. واستجاب برناردان بكتاب عنوانه "دراسات للطبيعة" (1784)، وآخر عنوانه "توافقات الطبيعة" (1796)، وصف فيهما عجائب حياة النبات والحيوان، وزعم حتى الأمثلة الكثيرة للتوفيق، والهدف، والخطة، تثبت وجود عقل أعلى. وفاق روسوفي تمجيده للوجدان فوق العقل. "كما تقدم العقل أتانا بالدليل على تفاهتنا، وبدلاً من حتى يهدئ أحزاننا بأبحاثه، فهوكثيراً ما يزيدها بنوره.. أما الوجدان... فيعطينا دافعاً سامياً، وهوإذ يخضع عقولنا يصبح أنبل الغرائز وأكثرها إشباعاً في حياة البشر"(93).

وقد ألحق برناردان بالطبعة الثانية من "الدراسات" (1788) رواية سماها "پول وڤرجيني" ظلت واحدة من عيون الأدب الفرنسي خلال التقلبات الكثيرة التي اعترت الذوق الأدبي، وخلاصتها حتى امرأتين فرنسيتين حبليين تنزلان موريتيوس، إحداهما توفي زوجها، والأخرى هجرها حبيبها. وتلد الواحدة بول والأخرى فرجيني. ويشب الطفلان ويترعرعان في واد في الجبل، وسط مناظر رائعة ينتشر فيها أريح الأزهار الطبيعية. ويشكل أخلاقهما حب الأم وتعاليم الدين. حتى إذا بلغا الحلم أحب أحدهما الآخر- إذ ليس حولهما أحد غيرهما. وتبعث فرجيني إلى فرنسا لتتسلم إرثاً، وهوأمر لا يحدث كثيراً في الحالة الطبيعية. فيعرض عليها هناك الزواج والثراء العريض إذا أقامت في فرنسا، ولكنها ترفضهما لتعود إلى موريتيوس وبول. ويعدوبلوهابطاً إلى الشاطئ ليرى سفينتهما وهي تدنومن البر، وتغمره الفرحة بخواطر الحب والسعادة، ولكن السفينة تجنح إلى مياه ضحلة فترتطم بالقاع وتحطمها عاصفة. وتغرق فرجيني وهي تحاول الوصول إلى البر، ويموت بول حزناً عليها.

والكتيب قصيدة منثورة، رواها المؤلف ببساطة في الأسلوب، ونقاء وموسيقى في اللغة لا يفوقها كتاب في الأدب الفرنسي. ووافقت تقواه ورقة عاطفته مزاج الجبل، ولم يزعج أحداً حتى لهاتين المرأتين الفاضلتين ولطفليهما عبيداً(94). وهلل القوم لبرناردان خلفاً أصيلاً لروسو، وخطت إليه النساء بنغمة الإعجاب الحار التي طيبت من قبل خاطر مؤلف "إميل". وحذا برناردان حذوروسوفلم يستغل شهرته، بل تجنب مخالطة المجتمع، وعاش عيشة هادئة بين الفقراء. وهجرته الثورة دون حتى تمسه بسوء. وفي إبان عنفها تزوج وهوفي الخامسة والخمسين من فيليستيه ديدو، البالغة اثنتين وعشرين ربيعاً، فولدت له طفلين سميا بول وفرجيني. وبعد حتى ماتت فيليستيه تزوج ثانية وهوفي الثالثة والستين من شابة تدعى ديزيريه وبيلبو، رعته في حب حتى توفي في 1714. وقبل رحيله شهد بزوغ نجم شاتوبريان الذي تلقى من يديه مشعل الرومانسية والتقوى الفرنسيتين وحمله إلى القرن التاسع عشر.


آخرون

جورج-لوي لوكلرك، كونت بوفون، بريشة فرانسوا-اوبير درويه.
سان جوست.
روبسپيير.
جورج-جاك دانتون

هذا وقد ظهرت في هذا العصر خط أقل شأناً لم يعد الناس يقرءونها اليوم، ولكنها شاركت في إعطاء الجيل صوته ولونه. ومن ذلك حتى الأبيه جان-جاك بارتلمي أصدر وهوفي الثانية والسبعين (1788) كتاباً سماه "رحلة الفتى أناخارسس في اليونان" بعد حتى عكف على تأليفه ثلاثين عاماً، وقد زعم الكتاب أنه وصف لطبيعة اليونان وآثارها ومؤسساتها وعاداتها وعملاتها في القرن الرابع قبل المسيح، كما رآها رحالة سكوذي. وقد صعد الكتاب إلى قمة الموجة الكلاسيكية، وكان من أبرز الخط الكلاسيكية الناجحة في ذلك العصر، وكاد يرسي أصول فهم العملات في فرنسا.

ونافس شعبيته كتاب آخر هو"الأطلال، أوتأملات في ثورات الإمبراطوريات" الذي أصدره الكونت كونستانتان ده ڤولني في 1791 بعد حتى قضى أربع سنوات من الرحلة في مصر والشام. وحين رأى حطام الحضارات القديمة تساءل "من يستطيع حتى يؤكد لنا حتى مثل هذا الخراب لنقد يكون يوماً ما مصير بلادنا؟" وقد نتردد الآن في إعطاء جواب متفائل عن هذا السؤال، ولكن ڤولني الذي اتى في ختام عصر العقل، والذي ورث كما ورث كوندوريسيه جميع آماله البشرية، أبلغ قراءه حتى سقوط تلك الإمبراطوريات القديمة مرده جهل شعوبها الذي نجم عن صعوبة نقل الفهم من إنسان إلى آخر ومن جيل إلى جيل. أما الآن فقد ذللت هذه الصعوبات باختراع الطباعة. فكل ما يلزم منذ الآن لتفادي تدمير الحضارة هوبث الفهم على نطاق واسع، الأمر الذي يفضي بالناس والدول إلى المواءمة بين دوافعهم غير الاجتماعية والصالح العام. وفي هذا التوازن بين القوى ستخلي الحرب مكانها للتحكيم، "وسيصبح النوع الإنساني بأسره مجتمعاً عظيماً واحداً، أسرة واحدة تحكمها روح وقوانين عامة، وتتمتع بكل السعادة التي في مقدور الطبيعة البشرية"(95).

نيكولا-إدم ريتيف

والآن نصل إلى سيرة عجيبة هي سيرة نيقولا-إدمون رستيف دلابريتون، الذي لقبه بعض معاصريه "روسوالبالوعات" و"فولتير خادمات المخادع"، وهومؤلف نحومائتي كتاب، طبع الكثير منها بيديه وبمطبعته، وبعضها فيه فحش متعمد، وكلها يؤلف صورة تفصيلية لأخلاق وعادات الطبقات الدنيا في عهد لويس السادس عشر.

ففي كتاب "حياة أبي" (1779) أعطانا وصفاً صور فيه أباه إدمون في صورة مثالية مشربة بالحنان، هذا الأب تذكر حتى له "طلعة هرقول ورقة صبية"(96). أما الإبن فقد سجل حياته هوفي ستة عشر كتاباً مستفيضة عنوانها "مسيونيقولا" (1794-97)، اختلطت فيها الحقيقة بالخيال عن تقلبات حياته وغرامياته وأفكاره.

وقد ولد في بيت بمغرسة (1737) في ساسيه "التي سمى قسم منها لابريتون)، على عشرين ميلاً من أوكسير، ويروى أنه حين بلغ الحادية عشرة أصبح أباً لأول مرة(97). وفي الرابعة عشرة أحب جانيت روسو، وكان في السابع عشرة، وبدأ إعجابه الذي امتد طوال حياته بأقدام الأنثى "مان شعوري نحوها رقيقاً كما كان حاداً.. وكانت قدمها الجميلة شيئاً لا أستطيع مقاومته"(98). ولعل الرغبة في تخليصه من شراك كهذه هي التي أوحت بإيفاده إلى أوكسير (1751) ليعمل تلميذاً لطابع. وسرعان ما أغوى زوجة مفهمه، ولكن لا سند لنا لهذه الواقعة غيره. ثم يقول إنه في الخامسة عشرة كان له خمس عشرة "خليلة". وبعد أربع سنين من هذه الرواية انتقل إلى باريس، وهناك استخدم طابعاً باليومية يكسب فرنكلين ونصفاً في اليوم، وهوأجر مكنه من الحصول على طعامه ودفع أجر مومس بين الحين والحين، وكان إذا قلت موارده نام مع الخادمات(99). وفي 1760 حين كان في السادسة والعشرين تزوج امرأة تكاد تقاربه خبرة، واسمها أجنيس لوبيك، ثم تبين حتى كليهما غير وفي لصاحبه. وتم طلاقهما في 1784، لا بسبب هذه الزلات، بل لأن كليهما سقط في شرك التأليف، وكانا يتنافسان على الورق والمداد والشهرة.

وكان نيقولا قد بدأ حياته محرراً في 1767 بقصته "قدم فانشيت" التي كانت قدم الصبية هي "أبرز ملامحها Piéce De Résistance" وكان أول عمل أدبي ناجح له هو"الفلاح المنحرف" (1775) وهويقص بالرسائل كيف من الممكن أن انحرف الفلاح إدمون بعد انتنطقه إلى باريس متأثراً بحياة المدينة وفسوقها. فليفهمه ملحد يدعى جودي داراس حتى الله أسطورة وأن الأخلاق أكذوبة، وأن جميع اللذات مشروعة، وأن الفضيلة عبء ثقيل لا مبرر له على الحقوق الطبيعية لرغباتنا، وأن أول واجباتنا حتى نعيش ملء حياتنا ما استطعنا العيش(100). وقبض على أراس، فيقول له إدمون "يوجد إله"، ويشنق أراس غير نادم ولا تائب. وقد سمى أحد معاصري المؤلف هذا الكتاب "علاقات الناس الغرامية الخطرة"(101)، ومضى رستيف إلى أنه سيعيش ما عاشت اللغة الفرنسية(102)وفي كتاب مرافق سماه "الفلاحة المنحرفة" (1784) واصل الهجوم على انعدام المسئولية الأخلاقية ومفاسد حياة المدينة. وقد استخدم حصيلته من خطه ليحمل مقامه درجة أواثنتين على السلم الاجتماعي الفاسق.

أما أبرز أعمال رستيف فهو"المعاصرات" الذي طال حتى بلغ خمسة وستين مجلداً (1780-91). وكان لهذه القصص القصيرة عنوان فرعي جذاب هو"مغامرات أجمل نساء عصرنا"-وفيه وصف لحياة وغراميات وآداب بائعات الزهر، وبائعات القسطل، وبائعات الفحم، والخياطات، والحلاقات، بلغ من الواقعية والدقة مبلغاً أعطى للنساء الحقيقيات حتى يتبين أنفسهن فيه ويلعن المؤلف حين يلقينه في الشوارع(103). ومثل هذا المشهد العريض من الحياة البشرية لم يقدمه محرر في الأدب الفرنسي حتى اتى بلزاك. وقد أدان النقاد إدمان رستيف على "الموضوعات المنحطة"، ولكن سياستيان مرسييه، الذي كان كتابه "لوحة باريس". (1781-90) يعرض مسحاً للمدينة أفضل ترتيباً، حكم بأنه "أعظم قصاصينا غير منازع"(104).

وقبيل نشوب الثورة بدأ رستيف يسجل في "ليالي باريس" (1788-94) الأحداث التي شهدها (أوتخيلها) في جولاته الليلية. وهنا أيضاً كان أبرز ما لاحظه الأعماق السفلى لباريس-الشحاذين، والحمالين، والنشالين، والمهربين، والمقامرين، والسكارى، وخاطفي الأطفال، واللصوص، والمنحرفين، والبغايا، والقوادين، والمنتحرين. وقد زعم حتى حظه من السعادة كان ضئيلاً، ومن الشقاء موفوراً، وصور نفسه بطلاً منقذاً في حالات كثيرة. وقد ألم بالمقاهي القريبة من الباليه-رويال، ورأى الثورة تتشكل، وسمع كامي ديمولان يدعوالناس دعوته المشهورة إلى حمل السلاح، ورأى الدهماء الظافرين يجوبون المدينة عرضين رأس دلوني مأمور سجن الباستيل المفصول عن جسده، ورأى النساء يزحفن على فرساي لأسر الملك(105). ثم لم يلبث حتى مل العنف والإرهاب وعدم الأمان. وتعرض غير مرة لخطر القبض عليه، ولكنه نجا بإعلانه الولاء للثورة. أما في مجالسه الخاصة فكان يندد بهذا كله ويتمنى لوأمكن "رد لويس السادس عشر الطيب إلى مكان السلطة"(106). وقد عنف في لوم روسولأنه أطلق العنان لانفعالات الشباب والجهال والعاطفيين، "أن كتابه أميل هوالذي رمانا بهذا الجيل المغرور، العنيد، الوقح، المتصلب، الذي يعلوصوته على من هم أكبر منه سناً فيسكتهم".

إلى غير ذلك تقدم به العمر وندم على أفكار شبابه لا على خطاياه. وفي 1794 عاد فقيراً كما كان، غنياً في ذكرياته وحفدته فقط؛ وقد وضع في المجلد الثامن من "المسيونيقولا" "تقويماً" بالرجال والنساء الذين عهدهم في حياته ومنهم عدة مئات من العشيقات، وأكد من حديث إيمانه بالله. وفي 1800 أبلغت الكونتيسة بوهارنيه نابليون بأن رستيف يعاني شظف العيش وأن حجرته ليس بها نار تدفئها، فبعث إليه نقوداً وخادماً وحارساً، ثم عينه (1805) في وظيفة بوزارة الشرطة. وفيثمانية فبراير 1806 توفي رستيف وقد بلغ الثانية والسبعين. واشهجرت الكونتيسة وعدة أعضاء من المجمع الفرنسي (الذي كان قد رفض انضمامه إليه) مع جمع العامة البالغين ألفا وثمانمائة في تشييعه إلى مثواه الأخير.

الهامش

المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

بيلوغرافيا

  • Robert Mauzi, Sylvaine Menant, Michel Delon, Précis de Littérature Française du XVIIIe Siécle, Presses Universaires de France, 1990
  • Marc Ferro, Histoire de France, Èditions Odile Jacob, Paris, 2001
  • Michel Delon, Pierre Malandain, Littérature française du XVIIIe siecle, Paris, Presses universitaires de France, 1996.
  • Béatrice Didier, Histoire de la littérature française du XVIIIe siecle, Paris, Nathan, 1992.
  • Jean-Marie Goulemot, Didier Masseau, Jean-Jacques Tatin-Gourier, Vocabulaire de la littérature du XVIIIe siecle, Paris, Minerve, 1996.
  • Michel Kerautret, La Littérature française du XVIIIe siecle, Paris, Presses Universitaires de France, 1983.
  • Michel Launay, Georges Mailhos, Introduction à la vie littéraire du XVIIIe siecle, avec la collaboration de Claude Cristin et Jean Sgard, Paris, Bordas, 1984.
  • Nicole Masson, Histoire de la littérature française du XVIIIe siecle, Paris, H. Champion, 2003.
  • François Moureau, Georges Grente, Dictionnaire des lettres françaises. Le XVIIIe siecle, Paris, Fayard, 1995.
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:32:50
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, الأدب الفرنسي, كتب القرن, القرن 18 في فرنسا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

صحيفة إماراتية: مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله غاية إنسانية نبيلة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:07
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 59%

متحدث الصحة يكشف إنجازات مصر لمواجهة كورونا على مدار عامين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:56
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 66%

«الحجار» يعود لغناء تترات مسلسلات رمضان فى «جزيرة غمام»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

اليوم.. البرلمان يواصل جلساته العامة برئاسة «جبالي»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

وزير القوى العاملة يوجه ببحث صرف معاش لورثة مصري بإيطاليا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:57
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

«الصحة» تُطلق حملة لتقديم خدمات الصحة الإنجابية بالمجان في 12 محافظة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:57
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

ققزة في أسعار الذهب عالميا والأوقية تتخطى 2000 دولار

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:10
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

«نيويورك تايمز»: واشنطن تؤمِّن زيلينسكى بمعدات اتصالات مشفرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:55
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

تقرير برتغالى يدعو لزيارة القاهرة: أرض الأحلام وكنز لا يقدر بثمن

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 64%

اليوم.. إطلاق 6 قوافل طبية مجانية ضمن «حياة كريمة»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:57
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 61%

تعرف علي تفاصيل حالة الطقس في مصر اليوم الأثنين 7-3-2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:54
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

أوقاف الإسكندرية تستأنف «جلسات الدوار» بقرى برج العرب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:01
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

اليوم.. محاكمة 8 متهمين بالتخابر مع تنظيم داعش الإرهابي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:03
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

5 حالات تسقط فيهم حق الزوجة في الحصول على نفقة زوجية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:02
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

بعد قليل.. محاكمة حسن راتب وعلاء حسانين في قضية الآثار الكبرى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:03
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 61%

وكيل تعليم مطروح يتابع فعاليات تقييم المدرسة الرسمية للغات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:01
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

مجلس الأمن يُدين الهجوم الإرهابي على مسجد في باكستان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:21:08
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

سعر صرف الدولار مقابل الجنيه الإثنين 7-3-2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:55
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

حظك اليوم لجميع الأبراج الفلكية الإثنين 7 مارس 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 09:20:54
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية