پرولتاريا proletariat ( // من اللاتينية proletarius)، هومصطلح يستخدم لوصف طبقة الأجراء (خاصة العمال الصناعيين) الذين تكمن قيمتهم المادية في قوة العمل (قدرتهم على العمل)؛يطلق على عضوهذه الطبقة الپرولتاري.

استخدم مصطلح الپرولتاريا في المراحل التاريخية السابقة لتشير إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة والمحرومة في المجتمع. وفي القرن التاسع عشر استخدم هذه الحدثة ماركس وأنگلز للدلالة على طبقة العمال الحديثين الذين لا يملكون وسائل إنتاج. ومن ثم هم مضطرون لبيع قوة عملهم إلى مالكي وسائل الإنتاج ـ الرأسماليين وبذلك يصيرون سلعة شبيهة بأي سلعة أخرى، ويتعرضون كسائر السلع إلى جميع نتائج المزاحمة وتقلبات السوق.

والپرولتاريا بالمفهوم الماركسي تختلف عن الطبقة العاملة التقليدية. فهي تضم فئات من جميع الشرائح الاجتماعية، وبرزت في فترة تفسخ النظام الإقطاعي وظهور المجتمع الرأسمالي.

الاستخدام في القانون الروماني

كان تعريف الپرولتاريا في دستور الجمهورية الرومانية، أنها طبقة اجتماعية للمواطنيين الرومانيين من أصحاب الملكيات المحدودة أومن ليس لديهم ملكيات.

استخدام النظرية الماركسية

.

وضع ماركس وأنگلز مؤسسا النظرية من تحليلهما طبيعة التطور التاريخي للمجتمعات الأوربية، الذي يقوم على جدلية التناقض والصراع الطبقي، مقولة المرحلتين اللتين ينبغي على الشغيلة إنجازهما، من أجل تحقيق الشيوعية وهما:

ـ فترة انتنطقية بين المجتمعين الرأسمالي والاشتراكي. وفي هذه الفترة تحدث تحولات اجتماعية واقتصادية جذرية، تقودها سلطة الشغيلة أي دكتاتورية البروليتارية فقط.

ـ الفترة الثانية: هي فترة المجتمع الشيوعي، أي مجتمع الحرية، حيث تزول الطبقات وتتلاشى الدولة[ر]

الفترة اللينينة

وقد أثارت مقولة فترة الانتنطق هذه، أودكتاتورية الپرولتاريا التي أشار إليها ماركس في سياق نقده برنامج گوته جدلاً وحواراً واسعين في أوساط الماركسيين، أوائل القرن العشرين، ولاسيما بعد فوز الثورة البلشڤية في روسيا، بقيادة لينين التي أعطت الپرولتاريا بعدها العملي. وقد كانت مساجلات لينين الثرية مع معارضي الطريق الثوري العنيف الذي سلكته الثورة حول دكتاتورية البروليتارية، وفترة الانتنطق سبيلاً لإنضاج هذه المقولة، واتخاذها المجرى العملي والتطبيقي. ولاسيما في بلد زراعي متخلف صناعياً، بالقياس إلى المجتمعات الرأسمالية المتطورة صناعياً في أوروپا، مثل ألمانية وبريطانية وفرنسة، والتي حلّل ماركس تطورها الاجتماعي والاقتصادي، وبنى مقولاته النظرية واستنتاجاته، على التطورات والمتغيرات الاجتماعية المتسقطة للنظم البرجوازية الأوربية التي تتمتع بقدر كبير من التطور الرأسمالي.

إن فهم مقولة دكتاتورية الپروليتاريا، يتعلق بنظرة الماركسية إلى مسألتي الدولة، وطبيعة فترة الانتنطق التي أشار إليها ماركس، في إطار منظوره لتطور المجتمعات التاريخي.فهويرى حتى المجتمعات البشرية مرت في أطوار وعصور تاريخية كان يحكم تطورها الاجتماعي جدلية التناقض الطبقي. ونجم عن صراع الطبقات خمسة أطوار، ابتداء بفترة المشاعية البدائية إلى فترة العبودية، ففترة الإقطاع، فالرأسمالية، ووصولاً إلى مجتمع بلا طبقات، هوالمجتمع الشيوعي (مجتمع الحرية). وقد خَلص إلى هذه الاستنتاجات، عندما تفهم حالة التطور التاريخي للمجتمعات الأوربية، وأراد تطبيق قوانينها على حركة المجتمعات العالمية، أياً كانت درجة تطورها الاجتماعي والاقتصادي وخصوصياتها الثقافية. ووفق هذا التصور لطبيعة المجتمعات الأوربية، فإنه توَّقع حتى تحدث الثورة الاشتراكية العمالية في أوروپا، وعلى وجه الخصوص في ألمانيا، التي بلغت الرأسمالية فيها فترة متطورة، وشارفت فيها الطبقة العاملة على النضج الثوري استعداداً لفترة الانتنطق من المجتمع الرأسمالي إلى المجتمعين الاشتراكي فالشيوعي.

والدولة عند ماركس، هي أداة قمع بيد الطبقة المسيطرة تستخدمها لتثبيت هيمنتها على الطبقات الأخرى المسحوقة في المجتمع، وقد أوضح أنغلز، رفيق ماركس في تأسيس نظريته، مسألة الدولة على أنها: «الدولة، ليست إلا جهازاً لقمع طبقة من قِبَل طبقة أخرى، والدولة في أحسن الأحوال، شرٌ ترثه البروليتارية المنتصرة في الكفاح من أجل السيطرة الطبقية. وهويشير في سياق حديثه إلى حتى الرعب قد استبد كذلك بالاشتراكيين الديمقراطيين من ديكتاتورية البروليتارية ضارباً المثل كومونة باريس، وهويرى حتى الدولة ليست سوى منظمة موقتة، تستخدم في النضال من أجل تحطيم الأعداء بالعنف، وأنه من التناقض القول بدولة شعبية حرة. ومادامت البروليتارية بحاجة إلى الدولة، فإنها لاتحتاج إليها من أجل الحرية بل لقمع أعدائها. وما إذا يصبح بالإمكان التحدث عن الحرية، حتى تزول الدولة بوصفها دولة».

طبيعة الفترة الانتنطقية

تَتَّسِم الفترة الانتنطقية بخصائص وميزات ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية:

عملى الصعيد الاجتماعي، تتغير العلاقات الاجتماعية وتزول التمايزات الطبقية، نتيجة ممارسة البروليتارية التي تمثل غالبية القوى الشعبية المستغَلَة سلطتها الثورية، وينجم عنها القضاء على امتيازات الطبقة البرجوازية، وتسود علاقات المساواة بين أفراد المجتمع، الذي تعلومصلحته على مصالح الأفراد، إذ لا يجد الفرد مصلحته إلا في إطار مصلحة الجماعة.

وعلى الصعيد الاقتصادي تنجز سلطة البروليتارية تحطيم قوى الاستغلال الرأسمالي والملكية الخاصة، وتحل محلها ملكية الشعب لعناصر الإنتاج، وتتبدل علاقات الإنتاج، من علاقة تقوم على المصلحة الفردية والاستغلال إلى علاقة إنتاج اجتماعية، ولصالح المجتمع.

وعلى الصعيد السياسي، تشهد الفترة الانتنطقية تبدُّلاً في طبيعة القوى السياسية ونشاطها، فالقوى السياسية المتحالفة مع القوى الرجعية والبرجوازية، يجري تدميرها مع تدمير طبقتها الاقتصادية والاجتماعية، وتحل محلها القوى السياسية الثورية المتحالفة تحالفاً وثيقاً مع مصالح الطبقة العاملة، وهي تعد طليعة لها، ويمثّل الحزب الشيوعي فيها دور القائد الذي يعبر عن وعي الطبقة العاملة ويوجهها نحوإنجاز الثورة الاشتراكية.

وحين عهد ماركس وأنگلز قوانين الفترة الانتنطقية، انطلقا من فرضية حتى الثورة الاشتراكية ستنتصر في آن واحد تقريباً في جميع بلدان العالم الكبرى، ولذا فإنهما تحدثا عن الفترة الانتنطقية بصفتها واحدة لجميع الشعوب، وتحدث في وقت واحد على وجه التقريب، وأنها فترة نهائية لعصر الثورة الاشتراكية العالمية. وقدَّر مؤسسا الماركسية حتى الثورة المنتصرة في هذه الحالة ستقيم دكتاتورية واحدة عالمية للبروليتارية وجمهورية عالمية توحد جميع البلدان الاشتراكية.

أما لينين، فقد صاغ آراءه عن فترة الانتنطق، في أوضاع تاريخية جديدة، مستنداً في ذلك إلى أفكار ماركس وأنگلز. ففي رأي لينين، ينبغي حتى تعد فترة الانتنطق في زمن معين، عملية تحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية في إطار بلد واحد، أوبضعة بلدان، ذلك حتى التحول إلى الاشتراكية، هوعصر تاريخي عالمي يضم بلداناً متباينة من البلدان ذات العلاقات الرأسمالية إلى البلدان ذات العلاقات قبل الرأسمالية، وكذلك البلدان ذات المراحل المتباينة من تطور الاشتراكية. وعلى ذلك، فإن تحويل الاقتصاد على أسس اشتراكية، بعد قيام ديكتاتورية البروليتارية، يحتاج مدة طويلة نسبياً. أي فترة انتنطق بكاملها، وبحسب رأي لينين، فإن فترة الانتنطق تعني أنه يوجد في اقتصاد المجتمع عناصر وعلاقات متداخلة من الرأسمالية والاشتراكية، في آن واحد. ويصبح التناقض الرئيسي لاقتصاد فترة الانتنطق هوالصراع بين الاشتراكية الوليدة، والرأسمالية المُحْتَضَرَة، ويُحَلُ هذا التناقض بالقضاء التام على الرأسمالية في هذه الفترة.

ويؤلف قيام دكتاتورية البروليتارية، قانوناً أساسياً، للانتنطق من الرأسمالية إلى الاشتراكية ومن دونها لايمكن بناء العلاقات الاشتراكية وتطويرها، فالبرجوازية التي تملك المعامل والمصانع والتجارة والنقل والأمور المالية وكل المواقع الرئيسية في الاقتصاد، وتملك سلطة الدولة، وتهيمن على أجهزة الأمن والجيش، إضافة إلى وسائل التأثير الإيديولوجي، تكافح كفاحاً عنيفاً وعنيداً في سبيل المحافظة على ملكيتها، والإبقاء على سيطرتها السياسية، وعلى وضعها المتميز في المجتمع. ولهذا، فمن أجل الفوز على قوى هذه الطبقة، لابد للبروليتارية من حتى تقيم دكتاتوريتها، أي سلطتها التي تعتمد على القوة، وتكون مهمتها الدفاع عن مكاسب الطبقة العاملة من الأعداء في الداخل والخارج بأي وسيلة.

وقد قادت تجربة الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، إلى نقل مقولة دكتاتورية البروليتارية، من حيِّز الفكرة إلى حيِّز الواقع والتطبيق. وأدى ذلك إلى بروز قضايا قابلها الفكر الماركسي، تتعلق بأسلوب ممارسة البروليتارية لدكتاتوريتها ومضمون هذه الممارسة.

دكتاتورية الپروليتاريا وعلاقتها بالفترة الانتنطقية

لم يختلف المفكرون الماركسيون بعد ماركس، حول فترة الانتنطق، بل دار الخلاف بينهم حول طبيعة الانتنطق وأسلوبه، وطبيعة سلطة البروليتارية في هذه الفترة. فقد فاجأت الثورة الروسية معظم ماركسيي الأحزاب الشيوعية في العالم آنذاك، وقلبت التسقطات التي كانت تتجه باتجاه حدوث الثورة الاشتراكية في ألمانية، بالنظر لاكتمال الشروط الموضوعية فيها، من حيث التطور الرأسمالي في مرحلته العليا، وطبيعة التناقضات الاجتماعية. وكان الواقع الروسي، يثير أمام المقولات الماركسية مسائل جديدة غاية في التعقيد، ناجمة عن درجة التطور الاجتماعي الروسي، من جهة، وطبيعة النظام الرأسمالي الذي لم يصل إلى فترة متقدمة، من جهة أخرى. ووجود فئات واسعة من الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين الذين لهم مصلحة في الثورة الاشتراكية إضافة إلى العمال الصناعيين الذين يعدون القوى الأساسية للثورة الاشتراكية كما يرى ماركس.

وقد تولى لينين قيادة التجربة الروسية، بكفاية وقدرة عالية، نظرياً وعملياً، واستطاع تطوير المقولات الماركسية وإخضاعها لاجتهادات تنبثق عن معطيات هذا الواقع، وخاض بذلك معارك فكرية واسعة مع نظرائه من الماركسيين في داخل حزبه الشيوعي في روسيا، وخارجها.

وكان لينين يرى أنه في فترة الانتنطق من الرأسمالية إلى الشيوعية، يظل القمع أمراً ضرورياً، ولكنه يغدوقمعاً للأقلية المستثمِرة المستغِلة، من جانب الأكثرية المستثمَرة المستغَلة، ويبقى الجهاز الخاص للقمع (الدولة) أمراً ضرورياً، ولكنها تغدودولة انتنطقية. غير حتى الشعب يستطيع قمع المستثمِرين بمنتهى السهولة بمجرد تنظيم الجماهير المسلحة، على غرار سوفيتيات وممثلي العمال والجنود.

ودكتاتورية البروليتاريا عند لينين حتمية في فترة الانتنطق، وهي ضرورية للانتنطق من الرأسمالية إلى الاشتراكية. لسببين:

ـ لا يمكن التغلب على الرأسمالية واستئصالها من دون قمع مقاومة المستثمِرين الذين لا يمكن تجريدهم دفعة واحدة من ثرواتهم، ومن فوائد تنظيمهم ومعهدتهم، لأنهم سيحاولون حتماً إسقاط سلطة الكادحين الفقراء مدة طويلة نسبياً.

ـ إذا السلطة السوڤيتية، ليست سوى إطار تنظيمي لدكتاتورية البروليتارية، أي دكتاتورية الطبقة الطليعية، التي تشارك في حكم الدولة، وتشرك معها عشرات الملايين من الشغيلة، الذين يتفهمون من تجربتهم حتى يروا في الطليعة المنظمة الواعية أي الحزب، أفضل قائد لهم.

هذه الحتمية والضرورة التي تسوغ العنف الذي تمارسه السلطة الثورية لدكتاتورية البروليتاريا، لم تكن الخيار الوحيد المقبول من الماركسيين جميعهم، فقد كان بعض ماركسيي الأحزاب الشيوعية، ولاسيما في ألمانية، يرون حتى فترة الانتنطق ودكتاتورية البروليتارية يمكن حتى تتم بالخيار السلمي والبرلماني والديمقراطي، في ظل النظام البرجوازي، وأن الطبقة العاملة قد صارت على قَدْر من الاتساع وقوة التأثير، يمكنانها من الحصول على الأكثرية البرلمانية، ومن ثم فرض السلطة العمالية بالطريق الديمقراطي وتحقيق دكتاتوريتها، والإسراع والتوسع في الانتنطق من النظام الرأسمالي إلى النظام الاشتراكي. ولكن التجربة أثبتت إخفاق هذا الاتجاه، فلم يستطع أي حزب شيوعي في أوربة حتى يحقق هذا الخيار. وأخفق كاوتسكي الذي قاد هذا التوجه، ونعته لينين بأنه يميني مرتد عن الماركسية.

دكتاتورية الپروليتاريا والديمقراطية

وضع لينين، أسساً لمنظومة مترابطة ومتناسقة من المفهومات، تنقل الطبقة العاملة من الديمقراطية البرجوازية، إلى ديمقراطية جديدة عادّاً سلطة السوفييت،الإطار التنظيمي لدكتاتورية البروليتارية وهي الصورة الجديدة التي يمارسها عشرات ملايين الكادحين، بمشاركتهم مشاركة مباشرة في حكم الدولة، وتمتعهم بأقصى درجات الديمقراطية في اختيار ممثليهم إلى المجالس التمثيلية للعمال. وقد ربط فترة الانتنطق بشرطين لازمين وهما: دكتاتورية البروليتارية، والطليعة المنظمة الواعية، أي الحزب. وأنه ليس ثمة أي تناقض بين الديمقراطية السوفييتية واللجوء إلى سلطة دكتاتورية البروليتارية. ففي فترة الانتنطق تتطلب السلطة وحدة الإرادة المطلقة، والخضوع لها. وهذا الإخضاع يقتضي الوعي والطاعة المثاليين. وتتحدد مهمة الحزب في حتى يسير في طليعة الجماهير المكافحة، من أجل قيادتها في السبيل القويم. وشدد لينين على ترسيخ صيغة الديمقراطية المركزية داخل المؤسسات العمالية والحزبية. وقد أخذ المسار العملي لتطبيق الديمقراطية الاشتراكية أي دكتاتورية البروليتارية، في النهج اللينيني الاتجاهات الآتية:

ـ إلغاء الشكليات والقيود البيروقراطية كافة، وهجر الجماهير تحدد طريقة الانتخابات ومواعيدها والتمتع بكامل الحرية في سحب تمثيلها.

ـ الناخبون هم جماهير العمال والفلاحين، وحجب حق الانتخاب عن البرجوازيين.

ـ يتكون تنظيم طليعي لجماهير الشغيلة أي البروليتارية، يتيح لها قيادة أوسع، لجماهير المستثمرين وإشراكها في الحياة السياسية.

كان ذلك هوالنموذج الأرقى لممارسة الديمقراطية، من وجهة نظر لينين، فهويبتر جميع صلة بالتشويه البرجوازي للديمقراطية، وهوانتنطق إلى الديمقراطية الاشتراكية.

ولكن الممارسة الديمقراطية، أفرزت سلبيات تجاوز لمنظري الفكر الاشتراكي حتى حذروا منها، وترسخت البيروقراطية ظاهرةً طبعت الأنظمة الاشتراكية التي تعاقبت بعد لينين، في آلية ضحلة فارغة، أفرغت الثورة الاشتراكية من مضمونها الشعبي والديمقراطي. وصادر الحزب ديمقراطية الطبقة العاملة، وصادرت القيادات الحزبية، الديمقراطية داخل الحزب. ونتيجة نموالمركزية وتعاظمها على حساب تراجع الديمقراطية في المؤسسات الحزبية والعمالية، برز دور الأشخاص المتعطشين إلى السلطة.

دكتاتورية الپروليتاريا وقوى التغيير

حين توصل ماركس إلى استنتاجاته حول التطور الاجتماعي التاريخي نحوالاشتراكية، كان يراقب مجتمعات البلدان الرأسمالية المتطورة صناعياً، ويرصد حركة الصراع الطبقي فيها ونموقوة البروليتارية الصناعية، التي تقع على عاتقها قيادة فترة الانتنطق عن طريق سلطتها الدكتاتورية في وجه دكتاتورية الرأسمالية، التي تمتلك القوة الاقتصادية، وتقبض على آلية العمل السياسي بنظامها الديمقراطي البرجوازي. ومن المعلوم حتى الصناعة في ظل الرأسمالية تبلغ درجات كبيرة من التطور والتمركز، تكون أساساً لقاعدة مادية للاشتراكية. ويرى ماركس حتى قيادة فترة التغيير تتصدى لها البروليتارية الصناعية لعدة مسببات منها:

ـ أنها الطبقة الأقوى والأكثر تقدماً في المجتمعات المتمدنة.

ـ وأنها تؤلف أغلبية السكان في البلدان الأكثر تطوراً.

ـ وأن أغلبية السكان في البلدان الرأسمالية المتأخرة، يعيشون بروليتاريين جزءاً من السنة، وفي الأوقات الأخرى يسعون وراء معيشتهم، في الأعمال الثانوية أويعملون أجراء في المؤسسات الرأسمالية.

ولما كانت الثورة البلشفية قد قامت في روسية، التي يتَّسِم اقتصادها بالتخلف الصناعي ويسيطر عليه الطابع الزراعي الإقطاعي. ويتكون مجتمعها من طبقة واسعة من الفلاحين الفقراء والأقنان، فقد حمل لينين شعار التحالف بين البروليتارية والفلاحين، وعد دكتاتورية البروليتارية والفلاحين حتمية، ليس لإتمام الثورة على القيصرية فحسب، بل من أجل الاستمرار بها والقضاء على مقاومة القوى المعادية للثورة والشروع بالانتنطق المباشر إلى الثورة الاشتراكية. وبسبب الأحوال الخاصة بدرجة تطور المجتمع الروسي، وواقع القوى الطبقية المؤَّهلة للتغيير في فترة الانتنطق، فقد أصبح الفلاحون الفقراء حلفاء البروليتارية الصناعية في قيادة هذه الفترة، في دكتاتورية واحدة.

دكتاتورية الپروليتاريا بعد انهيار النظم الاشتراكية

سلَّط الانهيار الكامل للنظم الاشتراكية ـ ولاسيما في الاتحاد السوڤيتي ودول أوربة الاشتراكية ـ الضوء مجدداً على جدوى مقولة دكتاتورية البروليتارية خياراً ثورياً للانتنطق من النظام الرأسمالي إلى النظام الاشتراكي. واستُخدِمت هذه المسألة ذريعة من قبل أولئك الذين قادوا عملية الانهيار، سواء منهم من قاد عملية إعادة البناء (الپيريسترويكا) أم من أعقبهم من حكام.

وصفت دكتاتورية البروليتاريا، بأنها السلطة التي حجبت الديمقراطية، وقمعت حرية المواطن، وشلت إرادة الحزب والطبقة العاملة، وأفسحت في المجال لهيمنة البيروقراطية، التي صارت أداة بيد الزعيم السياسي الذي يمارس دكتاتورية فردية، وقد عجزت البيروقراطية الحزبية عن تطوير النظام وآلياته لمواكبة التطورات الاقتصادية العالمية، وتلبية المتطلبات الاجتماعية، واحتياجات الفرد النفسية والمعنوية، وتطلعاته إلى ممارسة حرية الرأي والتعبير في إطار نظامه السياسي.

حوارات فكرية حول دكتاتورية الپروليتاريا

كان من الطبيعي، حتى يقف أعداء الفكر الماركسي، من مفكري الرأسمالية والبرجوازية المعارضين لمقولة دكتاتورية البروليتارية، وأن يعدوها بعيدة عن الديمقراطية، وأن يعدّوا الأحزاب الماركسية أحزاباً دكتاتورية تمارس السلطة فيها جماعة من الشخصيات القيادية التي تقف فوق الحزب والطبقة والشعب، وأن يروجوا باللقاء لمقولة تناقض دكتاتورية البروليتارية مع الديمقراطية، وأنها تعني نهاية الديمقراطية أياً كان نوعها. وأبدوا شكهم في ولاء الحزب لمصالح الطبقة العمالية، ووجود هوَّة بين سياسة الحزب وإرادة الطبقة التي يصادرها الحزب.

بعد الثورة الفهمية التقنية في القرن العشرين، نما تيار التشكيك في دور الطبقة العاملة القيادي ورأى هذا التيار حتى مسارها الطليعي والثوري، قد تبدل في إطار الثورة التقنية وما أوجدته، من متغيرات في القوى الاجتماعية الفاعلة، وتزداد باللقاء أهمية قيادة نخبة من التقنيين لجميع العمليات الاجتماعية.

ومن أوساط الماركسيين ظهرت آراء معارضة لرأي لينين ونهجه الثوري الجذري. إذ أنكر الماركسيون الإصلاحيون ضرورة التغيرات الجذرية في جميع ميادين حياة المجتمع، وأخذوا بخيار تحول الرأسمالية التدريجي إلى الاشتراكية إبان الفترة الانتنطقية، مع الحفاظ على جميع الخواص الأساسية للرأسمالية والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، واتباع نهج الليبرالية السياسية التي تجعل من الطبقة العاملة وحزبها شريكاً فقط، وعلى قدم المساواة مع القوى الاجتماعية الأخرى، وأخيراً إمكانية تعايش الإيديولوجيات الاشتراكية والبرجوازية في فترة الانتنطق.

أما الماركسيون المتطرفون، فقد كان رأيهم يقوم على فرضية أنه مادام في العالم بلدان لم تتخلص من قيود الرأسمالية، فمن المحال بناء الاشتراكية أوالشيوعية في بلد واحد، أوعدة بلدان..

وقد كان لينين يرى في مجمل الآراء والاستنتاجات التي اتى بها الإصلاحيون واليساريون المتطرفون، أفكاراً تناقض قوانين التاريخ الموضوعية، وتنبئ عن عدم فهم جوهر فترة الانتنطق من الرأسمالية إلى الاشتراكية فالشيوعية. وأنها تنطوي على رغبة في تعويق تطور البلدان الأخرى، وعرقلة التطور الحتمي للتاريخ نفسه، لأن دكتاتورية البروليتارية هي أداة رئيسية لحل جميع مهمات فترة الانتنطق، وبدونها من المحال بناء الاشتراكية.

انظر أيضاً

المصادر

المراجع

• ماركس، أنگلزـ مختارات (دار التقدم، موسكو1969).
• لينين، حول التظيم الاشتراكي للاقتصاد الوطني (دار التقدم، موسكو1973).
• دانيل گرين، روزا لوكسمبورگ (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان).
• روجيه گارودي، في سبيل نموذج وطني للاشتراكية، ترجمة فؤاد أيوب (دار دمشق).

قراءات إضافية

• Blackledge, Paul (2011). "Why workers can change the world". Socialist Review 364. London. Italic or bold markup not allowed in: |journal= (help)CS1 maint: multiple names: authors list (link)
• Hal Draper, Karl Marx's Theory of Revolution, Vol. 2; The Politics of Social Classes. (New York: Monthly Review Press 1978).

وصلات خارجية