محمد مصطفى المراغي

عودة للموسوعة

محمد مصطفى المراغي

الشيخ مصطفى المراغي

محمد مصطفى المراغي (ولد فيسبعة ربيع الآخر 1298 هـ الموافقتسعة مارس 1881م - 1364 هـ/1945) هومن أبناء (المراغة) بمحافظة سوهاج . وقد كان أصغر من حصل علي العالمية، التي حصل عليها عام ١٩٠٤ علي يد أستاذه (الإمام محمد عبده)، الذي رشحه في السنة ذاتها للعمل في السودان وهناك توثقت علاقته بحاكم السودان الإنجليزي دون حتى يؤثر هذا علي مهابة واستقلالية مهنة الشيخ، فقد عهد عن الشيخ المراغي الميل للاعتدال والنفور من العنف، والاستقلال في اتخاذ القرار، وفي السودان تولي المراغي منصب قاضي القضاة في السودان كان ذلك عام ١٩٠٨ وكان عمره آنذاك ٢٨ عامًا.

وحينما كان يشغل هذا المنصب اندلعت ثورة 1919 في مصر، وعلي إثر عودته من السودان تنقل بين الكثير من الوظائف فشغل رئيس التفتيش الشرعي بوزارة الحقانية (العدل) ثم رئيس محكمة مصر الابتدائية الشرعية ثم عضومحكمة مصر الابتدائية الشرعية ثم عضوالمحكمة العليا الشرعية، ثم رئيس لها.

حياته

هومحمد بن مصطفى بن محمد بن عبد المنعم المراغي نسبة إلى مراغة، مركز جرجا، محافظة سوهاج بصعيد مصر. ولد فيسبعة ربيع الآخر سنة 1298 هـ الموافق ل9 مارس سنة 1881م.

وجهه والده، وقد كان على قدر من الفهم والثقافة، إلى حفظ القرآن، ولقنه نصيبا من المعارف العامة ولنجابته بعث به والده لطلب الفهم في الأزهر -بالقاهرة- فتلقى الفهم علي كوكبة من فهمائه وتأثر بأصحاب التيار المجدد-ومنهم شيخه الشاب علي الصالحي- الذي تفهم المراغي عليه علوم العربية، وتأثر بأسلوبه في البيان والتعبير.

اتصل بالشيخ محمد عبده وكانت النقلة النوعية التي حددت مكانته الفهمية، ومستقبله في مدرسة الإحياء والتجديد والإصلاح فلقد تتلمذ على محاضرات الأستاذ الإمام في تفسير القرآن، وتأثر بمنهجه في التوحيد وتنقية العقائد الإسلامية من "شغب" المتحدثين القدامى، وكذلك الحال في البلاغة واللغة العربية التي وصلت في عصره الازدهار، متخطية عصور الجمود والركاكة والانحطاط.

وكان الإمام المراغي معروفًا بين أقرانه وزملائه من الطلبة بالأخلاق الكريمة والحِرص على طلب الفهم وقدوة التحصيل، واعتاد هوونخبة من زملائه حتى يقرؤوا الدروس قبل إلقاء المدرسين لها، ويقرؤوا معها خطًا أخرى وكل مصادر الفهم، ونجح المراغي في امتحان العالمية، وكان ضمن أعضاء اللجنة الشيخ محمد عبده، ورأى المراغي وهويُؤدي الامتحان مريضًا مرتعشًا من الحمَّى، ومع ذلك أجاد في الامتحان، بل كان الأوَّل على زملائه، ونادىه محمد عبده إلى منزله تكريمًا له، والملاحظ أنَّ المراغي نال شهادة العالميَّة "الدكتوراه" وهوفي سن الرابعة والعشرين من عمره، وهي سن مبكرة بالنسبة لفهماء الأزهر.

وقد حصل على العالمية من الدرجة الثانية، وهي نفسها التي حصل عليها أستاذه محمد عبده، وهذه الدرجة تُؤهِّله للتدريس في الأزهر والمدارس التابعة له، ومن أجل هذا عقد الشيخ المراغي لنفسه حلقةً، وراح يُلقي فيها الدروس، ولأنَّه كان جميل العبارة ولطيف الإشارة، غوَّاصًا في بحور المعاني، فقد اشتدَّ الإقبال عليه، وتزاحم عليه الطلاب والفهماء لسماعه.

وأصبح حديث أهل الفهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، غير أنَّه لم يبقَ في حلقات درسه غير ستَّة أشهر غادَر بعدها إلى السودان، ليتولَّى فيها القضاء، لكنَّه كان دائمَ الحنين للرُّجوع إلى الأزهر للإسهام في إصلاحه.


توليه المشيخة

لقد عاش الشيخ المراغي سنين طويلة في وظائف متعدِّدة قضائيَّة وغيرها بعيدًا عن الأزهر، ثم عاد إليه ولم ينسه لحظةً، وفي 22/5/1928، وهذا يومٌ لا يغيب عن ذاكرته، عُيِّنَ شيخًا للأزهر، فكرَّس له وقته، وحشد من أجله طاقته وجهده، واستبدل ما كان من أمر "الجراية" من الطعام والخبز، فقد عيَّن لهم راتبًا يصرفُ شهريًّا بالجنيه.

ولقد تولَّى الشيخ المراغي منصب شيخ الأزهر مرتين: الأولى، وقد ذكرناها، وكان سنُّه وقتها 48 سنة، فأقبل بعزيمة قويَّة على النهوض بالأزهر، ليتبوَّأ المكانة الجديرة به في تاريخ النهضة الإسلامية، فألَّف لجانًا برئاسته واصَلتِ الليل بالنهار في دراسة قوانين الأزهر ومناهجه الدراسيَّة، كما اهتمَّ بالدراسات العُليا فيه، فاقترح إنشاء ثلاث كليَّات عُليا هي: كلية اللغة العربية، كلية الشريعة، وكلية أصول الدين، مع إنشاء أقسام عديدة لكلِّ تخصُّص.

وفي أكتوبر سنة 1929 احتدم الخلاف بين المراغي والملك فؤاد؛ فقدَّم استنطقته، وحاول رئيس الوزراء منعه، لكنَّه أصرَّ على الاستنطقة، واختير الشيخ الظواهري شيخًا للأزهر، ولمَّا استنطق الإمام المراغي لم يخلد إلى الراحة والسكون كما كان يعتقد البعض، بل قضى أكثر من خمس سنوات عاكفًا في بيته على البحث والدراسة ومراجعة آراء المصلحين من قبلُ، وبخاصَّة آراء أستاذه الإمام "محمد عبده"، كما راجع الأسس التي وضعها للإصلاح وما تَمَّ تحقيقُه منها، وما ينبغي تعديله، وذلك في ضوء دراساته العميقة للنهوض بالأزهر.

ثم عاد شيخًا للأزهر مرَّةً ثانية في سنة 1935 مؤيَّدًا من آلاف الفهماء والطلبة، مؤيَّدًا من الحكومة ومن الرأي العام، وباشَر أولاً تطبيق ما استقرَّ عليه رأيه من وجوه الإصلاح في الأزهر، وما رآه في فترته الأولى، وقد حدَّد مهمَّة الأزهر أنَّه هوالمعهد الإسلامي الأكبر، وأنَّ الغرض منه:

1- القيام على حفظ الشريعة؛ أصولها وفروعها، واللغة العربية، وعلى نشرهما. 2- تخريج فهماء لتعليم ما تجاوز في مختلف المعاهد والمدارس، ويتقلَّدون الوظائف الشرعيَّة.

ولقد أُقيم مهرجان كبير لتكريمه لعودته مرَّة ثانية للأزهر، وخطب فيه كثير من الزعماء، وذكروا مواهبه وفضائله، فوقف الشيخ قائلاً: إنما يُنسب الفضل إلى أستاذي محمد عبده، وذكر أنَّه هوالمصباح الذي اهتدى به.

آثاره الفهمية وتأثيره

تقول المصادر أنَّه سافر إلى السودان وتولَّى منصب القضاء أولاً في مديرية دنقلة، ثم إلى مديرية الخرطوم، وفي هذه الفترة كان دائم الاتِّصال بأستاذه الإمام محمد عبده، وللمراغي مواقف شجاعة تدلُّ على عزَّة نفسه وشموخه، وأنَّه من أصل كريم وثري، فلقد سدَّد ديون أرملة أستاذه محمد عبده؛ لأنَّها كانت كريمة جدًّا، فاستدانت، وممَّا يُؤثَر عنه أنَّ راتب القاضي في السودان 14 جنيهًا تعادلُ الآن ستة آلاف جنيه، وقد منح زيادة قدرها ستَّة جنيهات، فرفض قبولها، واحتجَّ على ذلك قائلاً: إنَّ القاضي الإنگليزي يتقاضى راتبًا قدره خمسون جنيهًا، وتستكثرون على القاضي المصري عشرين جنيهًا، وعاد إلى مصر، وطلب منه العودة لكنَّه رفض وقدَّم استنطقته، وفي سنة 1937 عُيِّنَ مفتشًا للدروس الدينيَّة بالأوقاف، ولكنَّه عاد للتدريس بالأزهر، مع الاحتفاظ بوظيفته في الأوقاف.

سنة 1908 زاره لاجان باشا، وكيل حكومة السودان، وعرض عليه أنْقد يكون قاضي القضاة، وبعد محاولات اشترط أنْقد يكون تعيينه بأمر الخديومن مصر، واختار بنفسه لائحة المحاكم الشرعيَّة بالسودان، واختيار القضاة، واختيار الآراء الفقهيَّة التي يحكمون بها، وطلب من كلِّ محاكم السودان أنْ ترسل إليه بيانًا شهريًّا بالقضايا، وكان يُراجعها وينفذ ما يَراه صوابًا، فكان أستاذًا ومرشدًا، وعمل على ترقية القضاء في السودان، فأشرف على القسم الشرعي بالكلية، وزوَّده بأساتذة من فهماء الأزهر، وحمل من كرامة القضاء، وشارك في ثورة 1919، وقاد المصريون الموجودون بالسودان، ونادى كلَّ مصري لأنْ يُسهم بما تجودُ به نفسه لتخفيف المصائب التي أنزلها الإنگليز بالشعب المصري، واعترض الحاكم الإنگليزي بالسودان ودار محادثة بينهما نطق له:

"إني أحدثك كرئيسٍ، وكان المراغي سريعَ البديهة، قويَّ الحجَّة في شجاعة، فردَّ عليه وقد التهب غاضبًا: كنت أفهم أنَّك تفهم واجبك، إنَّه ليس لي رئيس هنا، فأنا الحاكم العام معيَّن بأمرٍ ملكي، وهوحاكم سياسي وأنا قاضي القضاة، ولا إشراف لأحدٍ منَّا على الآخَر"، وهجره وانصرف، فأوفد الحاكم العام إليه يدعوه لتناوُل الشاي معه، وبعد نقاشٍ طويل بينهما أجابه الشيخ المراغي بكلامٍ خلاصته: "إنَّني حوَّلت تيار ثورة المصريين والسودانيين ضد الإنجليز من تيار دموي إلى تيار مالي؛ أي: يجب على الإنگليز إرجاع كافَّة الأوقاف والمباني، وأجراها لهم الإمام بمبالغ شهرية يعود ريعها على الشعب السوداني نفسه. ردَّ عليه الحاكم قائلاً: "اعمل ما تريد، وقد قلت للإنگليز: إنَّ الشيخ المراغي لا يمكن مناقشته أوالتغلُّب عليه، ومن الصعب إقناعه، وكان الشيخ يعتزُّ بكرامته ومنصبه ووطنه، ويبدوهذا جليًّا في موقفه حينما أرادت بريطانيا تتويج ملكها جورج الخامس إمبراطورًا للهند، ورتَّبت حكومة السودان أنْ يُدعى كبار الموظفين إلى انتظار باخرته، على ألا يصعد للباخرة سوى الحاكم العام، أمَّا غيره فيمرُّون بمحاذاة الباخرة، فغضب المراغي وامتنع عن الذهاب إلا إذا صعد مع الحاكم، وأصرَّ على ذلك، فنزلت الحكومة الإنجليزية على رأيه، وأرفق إليه بالموافقه، ولمَّا اشتدَّت الثورة بمصر، والتفَّ المصريون بالسودان حول الشيخ الإمام، قاد جموعَهم في مظاهرة كبيرة، وأخذ يجمع التوقيعات لتأييد زعامة سعد زغلول لزعامة الأمَّة، وهنا ثار حكَّام الإنجليز، واقترحوا أخيرًا بمنحه إجازة من السودان، ورجع إلى مصر مكرمًا.

الشيخ وجورج الخامس

إعتزمت الحكومة البريطانية أثناء احتلالها للهند حتى تحتفل بتنصيب الملك جورج الخامس إمبراطورا على الهند فأصدرت الأوامر إلى الأعيان وكبار الموظفين في السودان حتى يسافروا إلى ميناء سواكن لاستقبال باخرة الملك وهي في طريقها إلى الهند حيث تتوقف لبعض الوقت وكان في مقدمة المدعوين قاضي السودان، وهووقتئذ الشيخ المراغي، وكان البروتوكول يقضي بألا يصعد إلى الباخرة أحد غير الحاكم الإنجليزي، وأما من عداه فيمكثون بمحاذاة الباخرة ويكفي حتى يشرفهم الملك بإطلال عليهم. وفهم الشيخ ذلك الترتيب فأبلغ الحاكم الإنجليزي بأنه لن يحضر لإستقبال الملك ألا إذا صعد مثله إلى الباخرة لملاقاته.

تحرج الإنجليز وكثفوا اتصالاتهم وتغيروا الترتيب مرغمين، وصعد الشيخ المراغي السفينة وقابل جورج الخامس. فنطق بعض الإنكليز والمراسلين مستنكرين : كان ينبغي حتى تنحني للملك كما ينحني جميع من يصافخه فرد الشيخ في اعتزاز بنفسه وبفهمه : ليس في ديننا الركوع لغير الله.


مناصبه

لقد تولَّى الإمام المراغي مناصب كثيرة قبل تولِّيه مشيخة الأزهر، نوجزها فيما يلي:

  1. رئيس التفتيش الشرعي بوزارة الحقانيَّة "وزارة العدل" 1919.
  2. رئيس محكمة مصر الكلية الشرعية 1920، وعضوالمحكمة العُليا الشرعية، ورئيسًا لها، وفي هذه المناصب قام بعدَّة إصلاحات مهمَّة؛ منها: عدم التقيُّد بممضى إذا عثر في غيره ما يُناسب المصلحة العامَّة للمجتمع، وكان القضاة قبلها مُقيَّدين بممضى معيَّن، ونطق لأعضاء للجنة القضاء: "ضعوا من المواد ما يظهر لكم أنَّه موافقٌ للزمان والمكان، وأنا لا أحتاج أنْ آتيكم بنصِّ المذاهب الإسلامية يطابقُ ما وضعتم، إنَّ الشريعة الإسلاميَّة فيها من السماحة والتوسعة ما يجعلنا نجدُ في تفريعاتها وأحكامها من القضايا المدنية والجنائية كلَّ ما يفيدنا وينفعنا في كلِّ وقت وحين، ولقد اختلف الأئمَّة في الآراء الشرعية والفقهية.
  3. استنتج الشيخ المراغي أنَّ التجديد في الأحكام الشرعية ميسور لنا، وأنَّ المسائل الفقهية ما دامت غير بترية فهي قابلة شرعًا للتجديد والتغيير، وهوعلى حق في هذا؛ فإنَّ الشريعة الإسلامية صالحة لكلِّ زمان ومكان، واقتبس الإمام المراغي من كلِّ المذاهب والمجتهدين، وأصدر سنة 1920 "قانون الأحوال الشخصية"، فعدل قانون الطلاق والمواريث... إلخ؛ وبهذا حفظ للأسرة الإسلامية كيانها؛ لأنَّ الأسرة هي أساس المجتمع الصالح.
  4. كان يُراعي في فتاويه وآرائه التيسير في الأمور، آخذًا بنصيحة الإمام محمد عبده: "الفهم هوما ينفعك وينفع الناس".
  5. نادى بفتح باب الاجتهاد، ونادى إلى توحيد المذاهب بقدر الإمكان، فنطق: "يجب العمل على إزالة الفروق الممضىية، وتضييق شقَّة الخلاف بينها؛ فإنَّ الأمَّة في محنةٍ من هذا التفريق، ويجب أنْ يفهم الفقه دراسةً بعيدةً عن التعصُّب لممضىٍ معيَّن، وأنْ تدرس قواعده مرتبطةً بأصوله من الأدلة المنصوص عليها من الكتاب والسُّنَّة.
  6. كما أوصى بوجوب أنْ يترفَّق الفقهاء بالناس في أمور شرعية كثيرة.
  7. حاول التقريب بين المذاهب الطائفية، وتأكيد روابط الصداقة بين المسلمين والعالم، وإيجاد تضامن بين الهيئات الفهمية والتعليمية في البلاد الإسلامية.

مكانته

كان الإمام المراغي - رحمه لله - يُناضل في سبيل إصلاح الأزهر ومناهجه وتجديد أهدافه بين تيَّارات متضاربة عنيفة؛ من ملك مستبدٍّ وأحزاب مُتَناحرة تحرُّريَّة، ولكنَّه على الرغم من كلِّ هذا مضى في طريقه يقتحمُ العقبات ويقول عنه الإمام د.عبدالحليم محمود: عالم ذكي، وشخصيَّة خارقة، مهيب، صاحب رأي في الفهم والسياسة، ونزلوا على رأيه في مواقف كثيرة مهمة، وكثيرًا ما انصت الملك فاروق إلى رأيه، وكان يحضر مجالسه الفهميَّة، وينصره على بعض الأحزاب المناوئه، والجميع يعهد مكانة الإمام المراغي؛ لجرأته في قول الحق، وإنْ أغضب ذلك ذوي السلطان.

وفي الحرب العالمية الثانية أعرب حدثته المشهورة في مسجد الرفاعي أثناء خطبته: "أسأل الله أنْ يجنِّبنا ويلات حربٍ لا ناقة لنا فيها ولا جمل"؛ لأنَّ الإنجليز أرادوا أنْ يزجُّوا بالمصريين معهم في حرب الألمان، ولقد أحدث تصريح الإمام ضجَّة كبرى هزَّت الحكومة المصرية وأقلقت الإنجليز، واتَّصل رئيس الوزراء بالشيخ محاولاً تهدئة الموقف، والإنجليز يعهدون مكانته الدينية ومنزلته عند الشعب، ونادى الإمام باحترام الفهم والفهماء فهم صفوة القوم وعليتهم، وأمر رئيس الوزراء بأنْ يُصدر مرسومًا بتصدُّر الفهماء قابلة كلِّ الاحتفالات الرسميَّة، وللإمام مواقف كثيرة لا يتَّسع المقام لحصرها.

فلقد كان - رحمه الله - فهمًا من أعلام الفهماء، وهذا شيء لا جدالَ فيه، ولا نتجاوزُ الحقيقة إذا قلنا: إنَّ الشيخ المراغي من فهماء الأزهر، ومن الشيوخ الذين شرُف بهم الأزهر لأنهم حافَظوا على مكانة الأزهر معنى لا مبنى؛ لأنهم اعتبروا نفسَه فوق المنصب وليس المنصب فوقهم.

وأمَّا السياسة فقد ظلمت الشيخ، وهذا حقٌّ لا مراء فيه، لقد فرضت نفسها عليه فاستجاب لها؛ لأنَّ السياسة ليست وقفًا على الزعماء يحرم منه فهماء الدِّين، وفصل الدِّين عن الدولة لا يعهدُه الإسلام، وإن اعترف به غيره.

ونعود للحديث عن الإمام المراغي الذي إذا ذُكِرَ اقترن اسمه بالفهم والأزهر والسياسة.

  1. يقترن اسمه بالفهم لأنَّه عالم دِيني مجدِّد، وعقلية خصبة اتىت امتدادًا لعقلية "محمد عبده"، ولوأنَّ هناك بعض التباين بينهما، وكلاهما أدَّى للإسلام أجلَّ الخدمات وأعظم الأعمال التي لا يجحدها إلا مَن حُرِمَ نعمة البصيرة.
  2. يقترنُ اسم الشيخ المراغي بالأزهر والسياسة؛ لأنَّ الشيخ الذي أخرج الأزهر في الآونة الأخيرة من عزلته، وأراده أنْقد يكون كائنًا يسايرُ الحياة ويأخُذ نصيبه من السياسة ولم يعزل الدِّين عن الدنيا.
  3. وإنَّ الأزهر الآن له بصماته على الساحة الداخلية والخارجية ويتماشى مع الأحداث العالمية، وارتفعت أصوات تنكر على الأزهر اشتغاله بالسياسة، لكنَّها ضاعت في مهبِّ الريح.
  4. والشيخ المراغي بفِكره الواعي أهاج ذوي العقليَّات الجامدة الراكدة، لكنَّهم لم يُنكروه عالمًا فقيهًا له مكانة مرموقة وذا شجاعة نادرة.

مؤلفاته

ومع كثرة مشاغل الإمام المراغي والمتاعب والخصومات السياسيَّة إلا أنَّه توجد له مؤلفات ومذكِّرات وخطب كثيرة في الإذاعة والصحف والمجلات في ذلك الوقت، ومن مؤلَّفاته نذكر بعضًا منها لإتمام الفائدة.

  • الأولياء والمحجرون درس فقهي في موضوع الحجر على السفهاء - مخطة الأزهر.
  • تفسير جزء تبارك، لا يزال مخطوطًا.
  • بحث في وجوب ترجمة القرآن الكريم.
  • رسالة الزمالة الإنسانية، مؤتمر الأديان بلندن.
  • بحوث في التشريع الإسلامي في الزواج.
  • تفسير بعض سور القرآن في مناسبات دينيَّة في ليالي رمضان، منها سور لقمان والحديد والعصر، ونشر أغلبها في مجلة الأزهر.
  • الشيخ المراغي، بأقلام الكُتَّاب.

وفاته

لقي الإمام المراغي في حياته متاعب عديدة؛ سواء من الأحزاب والاستعمار وبعض ذوي النُّفوذ، وتغلَّب على كلِّ ذلك بقوَّة إيمانه بالله، وكان حريصًا على الأمانة، صادقًا لا تأخذُه في الحق لومة لائم، ولوكلَّفَه ذلك حياته؛ مثل ما عمل بعض المجرمين في قضيَّة رشوة، وألقوا عليه ماءَ النار، ولكنَّ لله لطَف به، وما وقع معه والملك فاروق في تطليق زوجته الأولى "فريدة"، وأراد أنْ يحرِّم عليها الزواج من غيره، وكان الشيخ يُعالج بالمستشفي فرفض الاستجابة؛ فضاق الملك به، ومضى إليه بالمستشفى، فنطق له الإمام عبارته الخالدة: "أمَّا الطلاق فلا أرضاه، وأمَّا التحريم فلا أملكه"، وطال الجدل، فصاح المراغي قائلاً: "إنَّ المراغي لا يستطيع أنْ يحرم ما أحلَّ الله، وبعد حتى انتكست صحَّة الإمام، وتروي "مجلة المصور" داخل المستشفى قبل وفاته بأيَّام، وكان يقضي وقته في كتابة وتفسير سورة القدر؛ ليُلقي عنها حديثًا في ليلة القدر القادم، ورأته المسقمة ليلة وفاته منكبًّا على كتابة التفسير، فطلبت منه أنْ يستريح فرفض، ثم زاره الطبيب فوجده يتمتَّع بصحَّة جيدة ونبض حسن، ولكنَّه ما كاد ينصرف حتى فاضت روحُه الطاهرة إلى بارئها راضية سقميَّة بعد حياةٍ حافلة بجلائل الأعمال، وذلك في ليلة الأربعاء 14 رمضان 1364هـ/22 أغسطس 1945م، وشُيِّعَ إلى مثواه الأخير في جنازةٍ مهيبة، وحزن عليه العامَّة والخاصَّة.


انظر أيضا

  • محافظة سوهاج

المصادر

  1. ^ "فضيلة الإمام الشيخ محمد مصطفى المراغي". مشيخة الأزهر الشريف.
  • [1]
سبقه:
محمد أبوالفضل الجيزاوي
شيخ الأزهر
1928 - 1945
لحقه:
مصطفى عبد الرازق
تاريخ النشر: 2020-06-04 12:44:02
التصنيفات: مشايخ الأزهر, أزهريون, علماء دين سنة مصريون, مواليد 1298 هـ, مواليد 1881, وفيات 1364 هـ, وفيات 1945, أشخاص من المراغة، سوهاج

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مستجدات قضية البيدوفيل الكويتي الفار من العدالة منذ ثلاث سنوات

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:01
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 73%

وزير الدفاع الروسي يجري تعيينات جديدة بقيادة العملية العسكري

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:22
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

مسؤول يقلل من تأثير العطلة على التقويم الدراسي بالعاصمة السودانية

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:27
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

بحسن نية.. مغاربة ينعشون جيوب جزائريين بـ"أموال حرام"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:54
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 70%

فلسطين تدين مشروع قانون إسرائيلي لسحب الجنسية أو الإقامة من

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:47
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

رسائل من بريد إضراب العزة

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:24
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في الض

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

مقتل 20 شخصًا في هجوم انتحاري في العاصمة الأفغانية بالقرب من

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:35
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

كورونا: 6 إصابات جديدة مع عدم تسجيل أي وفاة خلال الـ 24 ساعة الأخيرة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:43
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

شواط يمنح فريقه مهلة أخيرة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:33
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

رئيس الوزراء الهندى يدعو نيتانياهو لزيارة نيودلهي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:28
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

النادي البنزرتي يفوز على الاولمبي الباجي وديا

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:37
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 69%

مناطق التنمية الجهوية ستشهد استثمارات بقيمة 769.5 مليون دينار

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:25
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

مسيلة: استرجاع 34 رأس غنم سرقت من صاحبها وتوقيف شخصين ببلدية بئر فضة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:51
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 62%

الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع الأمني في غرب أفريقيا

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:21
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

انفجار بالقرب من وزارة الخارجية الأفغانية في كابول

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:41
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

ماذا يوجد داخل رؤوس إعلاميي النظام الجزائري؟

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:50
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 78%

السودان: «وجدي صالح» يدعو إلى بناء جبهة شعبية واسعة لإسقاط الانقلاب 

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:18
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 58%

مسؤول أمريكي: واشنطن تدعم حاجة اليابان للردع العسكري ضد الصي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:53
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

وزيري الداخلية والرياضة يجتمعان ب4 ولاة عشية إنطلاق الشان

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:24:47
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

غريب..السلطات الفرنسية ترفض منح "الفيزا" للفنانة المغربية منال بنشليخة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:52
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 85%

مفجع.. قطار يحول جسد قاصر الى أشلاء بالناظور

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-11 18:23:56
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 76%

تحميل تطبيق المنصة العربية