تاريخ اليابان

عودة للموسوعة

تاريخ اليابان

يبدأ تاريخ اليابان المدون (المكتوب) منذ القرن الخامس بعد الميلاد للميلاد، عندما شرع اليابانيون في استعمال نظام الكتابة المأخوذ عن جارهم الكبير: "الصين". إذا أولى المدونات عن التاريخ الياباني والتي زالت محفوظة إلى اليوم والمسماة "وقائع الأحداث القديمة" أوالـ"كوجيكي" (古事記)، يرجع تاريخها إلى سنة 712 م. ثاني أبرز المراجع التاريخية هي "مدونات بلاد اليابان" أو"نيهون شوكي" 日本書紀 ح 720 م. تروي هاتان المدونتان الأحداث أوالأساطير التى صاحبت تأسيس الإمبراطور "جينمو-تينو" (神武天皇) ح 660 ق.م لبلاد اليابان (حدثة "تينو" مرادفة للفظ الإمبراطور) ، وحسب هذه المدونات فإن "جينمو" ليس إلا سليلاً لآلهة الشمس "أماتيراسوأومي-كامي" (天照大神). كما تمضى المدونتان بعدها في سرد وقائع وأحداث التاريخ السياسي للبلاد، كسيرة قيام البلاد كوحدة مستقلة وغيرها. هذا من جهة، وعلى الجانب الآخر من الضفة تطلق الحوليات الصينية للفترة نفسها على اليابانيين وصف "البرابرة"، كما يرد كونهم كانوا يدفعون جزية للأباطرة الصينيين.

يعتقد حتى شعب الإينوينحدر من أحد الشعوب البدائية التي سكنت أرخيبل اليابان.

الحضارات البدائية

Polished stone axes, excavated at Hinatabayashi B site, Shinano city, Nagano. Pre-Jōmon (Paleolithic) period, 30,000 BC. Tokyo National Museum.

لازال الفهماء وإلى يومنا هذا لم يحددوا بعد أصول السكان الأوائل لأرخبيل اليابان، إلا حتى المؤكد حتى الشعب الياباني نشأ نتيجة خليط لعدة أجناس كانت تتميز عن بعضها بعلامات فارقة: الجنس الأول، شعب بدائي قديم كان موجودا خلال القترة الجليدية، ما بين 30.000 و20.000 ق.م.، ثم جنسين على الأقل، ممن قدموا إلى الجزيرة خلال هذه الفترة – كانت اليابان، آسيا، وأمريكا موصلين معاً ببترة جليدية واحدة-، الأول منهما قادماً من جنوب القارة الآسيوية والآخر، من سهول سيبيريا والصين على الأرجح.

تاريخ اليابان مسرحية لم تكمل بعد، قد تم منها ثلاثة فصول : فصلها الأول- بغض النظر عن القرون البدائية الأسطورية- هواليابان البوذية الكلاسيكية (522- 1603 ميلادية) التي دخلتها المدنية فجأة على أيدي الصين وكوريا، والتي هذبها الدين وصقلها، فخلقت آيات الأدب الياباني والفن الياباني في العصر الذي يدونه التاريخ؛ والفصل الثاني من المسرحية هواليابان الإقطاعية الآمنة التي تنسب إلى توكوجادا شوجاتى (1603 - 1868) والتي اعتزلت العالم وحصرت نفسها في نفسها، لا ترغب لنفسها شيئاً من اتساع الرقعة ولا تنشد تبادلاً تجارياً مع الخارج، قانعة بالزراعة منصرفة إلى الفن والفلسفة؛ أما الفصل الثالث فهواليابان الحديثة، التي كشف عنها الستار أسطول أمريكي سنة 1853، والتي اضطرتها العوامل الداخلية والخارجية اضطراراً حتى تضرب بسهم في التجارة والصناعة، وأن تبحث عن خامات من الخارج وأسواق في الخارج، وتقاتل قتالاً مستميتاً في سبيل التوسع، محاكية في ذلك بلاد الغرب في نزعتها الاستعمارية وطرائقها في هذا السبيل، مهددة بذلك سيادة الجنس الأبيض وسلام العالم؛ وإن سوابق التاريخ كلها لتدل على حتى الفصل التالي من المسرحية سيكون قتالاً . لقد تفهم اليابانيون مدنيتنا دراسة فاحصة لكي يتشربوا معاييرها ثم يفوقوها، فقد يحدث من الحكمة حتى تدرس مدنيتهم في صبر يشبه صبرهم في دراسة مدنيتنا، حتى إذا تأزم الأمر على نحويضطرنا إما إلى حرب أوتفاهم معهم، كان في مقدورنا حتى نصل معهم إلى تفاهم.


الفصل الأول: أبناء الآلهة

كيف خلقت اليابان - أثر الزلازل


في البداية كانت الآلهة، هكذا يقول أقدم ما دُوّن عن اليابان من تاريخ(1) وكانت الآلهة تولد ذكراً وأنثى، ثم تموت، حتى صدر الأمر في النهاية من شيوخ الآلهة إلى اثنين منها، هما "إيزاناجى" و"إيزانامى". وهما أخ وأخت من الآلهة، حتى يخلقا اليابان، فوقفا على جسر السماء العائم، وقذفا في المحيط برمح مرصع بالجوهر، ثم حملاه إلى السماء فتقطرت من الرمح قطرات أصبحت هي "الجزر المقدسة"؛ وشهدت الآلهة ما تصنعه الضفادع في الماء، فتفهمت منها سر اتصال الذكر بالأنثى، ومن ثم التقى "إيزاناجى" و"إيزانامى" التقاء الزوجين وأنسلا الجنس الياباني، وولدت "أماتيراسو"- إلهة الشمس- من عين "إيزاناجى" اليسرى، وكذلك من حفيدها "ننيجى" نشأت سلسلة متصلة مقدسة حلقاتها هم جميع أباطرة "دي نيبون" (أي اليابان العظمى)، فمنذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا لم تشهد اليابان إلا هذه الأسرة الحاكمة الإمبراطورية .

كان الرمح المرصع بالجوهر قد قطر أربعة آلاف ومائتين وثلاثاً وعشرين قطرة، لأن هذا هوعدد الجزائر التي يتألف منها أرخبيل الجزر الذي هواليابان : من هذه الجزر ستمائة مـأهولة، لكن ليس بينها إلا خمس لها حجم جدير بالاعتبار؛ أما أكبرها فهي "هوندو" أو"هونشو" ويبلغ طولها 1130 ميلاً ومتوسط عرضها 73 ميلاً، ومساحتها واحد وثمانون ألف ميل مربع، وهي تعادل نصف مساحة الجزر كلها، ويشبه مسقطها- كما يشبه تاريخها الحديث- مسقط إنجلترا وتاريخها: فقد حمتها البحار المحيطة بها من الغزوات، وحملتها سواحلها الطويلة التي يبلغ مداها ثلاثة عشر ألف ميل على حتى تكون أمة بحرية، فكأنما قضى عليها المؤثر الجغرافي والضرورة التجارية حتى تبسط لنفسها سيادة واسعة على البحار؛ وتلتقي الرياح والتيارات البحرية الدافئة الآتية من الجنوب، بالهواء البارد الهابط من قمم الجبال، فينتج عن ذلك في اليابان مناخ إنجليزي تملؤه الأمطار، وتكثر فيها الأيام الغائمة بالسحب(4)، ومن ثم تمتلئ أنهارها القصيرة السريعة الانحدار، ويزدهر فيها النبات وتزدان المناظر، فهناك- إذا ما بعدت عن المدن والمساكن العتيقة القذرة- ترى نصف البلاد جنة عدن في ازدهارها، وليست جبالها أكداساً مركومة من الصخر والقذر، بل هي ذوات أشكال فنية، تكاد تبلغ في تخطيطها حد الكمال، كما هي الحال في فوجي.

ولاشك حتى هذه الجزر قد ولدتها الزلازل لا القطرات التي انتثرت من الرياح (6)؛ فليس على الأرض مكان- وربما جاز حتى نستثني أمريكا الجنوبية- قد عانى جميع ما عانته اليابان مـن اضطراب أرضها، فحـدث سنة 599 حتى اهتزت الأرض وابتلعت قرى بأكملها في فمها الضاحك، وهوت الشهب ولمعت المذنَّبات وابيضت الشوارع بالثلج في منتصف يوليو، وأعقب ذلك قحط ومجاعة، وقضى من اليابانيين ألوف الألوف؛ وكذلك وقع سنة 1703 حتى قضى زلزال على اثنين وثلاثين ألفاً في طوكيووحدها، وعادت العاصمة سنة 1885 فتقوض بنيانها من جديد، وانفرجت الأرض عن فجوات واسعة ابتلعت في جوفها ألوفاً، وجعلوا يحملون جثث الموتى في عربات النقل ليقذفوا بها بعيداً جماعات جماعات؛ وفي زلزال 1923 أتت موجة المد وألسنة النار على مائة ألف نفس في طوكيو، وسبعة وثلاثين ألف نفس في يوكاهاما وما يجاورها، وأما كاما كورا- التي طالما أحسنت لبوذا- فكادت تندك من أساسها(7)، مع حتى التمثال النحيل الذي كان قائماً هناك للقديس الهندي (يقصد بوذا) قد لبث وسط هذا الخراب الكامل قائماً كما هو، لم يصبه سوى ارتجاج، كأنما أراد بقيامه ذاك سليماً من الأذى حتى يضرب مثلاً يوضح للناس أبرز تفهم يلقيه التاريخ- وهوحتى الآلهة يمكن لها حتى تصمت في مختلف اللغات؛ ولبث الناس في حيرة تملكتهم حيناً، كيف من الممكن أن ينزل هذا الخراب كله بأرض خلقتها الآلهة وتحكمها الآلهة؛ وأخيراً فسروا هذا الاضطراب بأن سمكة ضخمة تحت الأرض انزعجت في نعاسها فاهتزت(8) ويظهر حتى لم يطرأ ببال أحد إذ ذاك حتى يغادر تلك المدينة التي تعرض ساكنيها لأكبر الخطر؛ ففي اليوم التالي لاهتزاز الأرض بزلزالها العظيم الأخير، استخدم صبية المدارس بتراً من مادة الطلاء المتناثرة أقلاماً، والأحجار الارتوازية المنثورة من بيوتهم المحطمة ألواحاً(9) واحتملت الأمة صابرة هذه الضربات من يد القدر وخرجت من هذا الدمار المتكرر نشيطة نشاطاً لا سبيل إلى الحد منه، ومقدامة على نحوماقد يكون المتفائل إقداماً.


الفصل الثاني: اليابان البدائية

مقوماتها الجنسية - مدنيتها الباكرة - الدين "شنتو" - البوذية - بدايات الفن "الإصلاح العظيم"


لقد ضاعت الأصول اليابانية- كما ضاع غيرها من أصول الأمم- في خليط عام من النظريات، فيظهر حتى الجنس الياباني مزيج من عناصر ثلاثة: عنصر بدائي أبيض اتى عن طريق "الأينويين" الذين وفدوا إلى اليابان من منطقة نهر أمور في العصر الحجري الأخير؛ وعنصر أصفر مغولي اتى من كوريا أوعبرها في نحوالقرن السابع قبل المسيح؛ وعنصر قاتم من الملايووأندونيسيا تسرب إلى البلاد من جزر الجنوب: ففي اليابان- كما في أي بلد آخر- شهدت البلاد خليطاً من عناصر مختلفة قبل حتى تشهد- بمئات السنين- قيام نمط جنسي حديث يتحدث بلغة جديدة وينشئ مدنية جديدة، وكون عملية المزج بين هذه الأجناس لم تبلغ تمامها بعد، تراه ظاهراً في الفوارق التي بين الأرستقراطي الطويل النحيل طويل الرأس، وبين الرجال من الشعب في قصره وبدانته ورأسه العريض.

وتصف الروايات التاريخية الصينية التي ترجع إلى القرن الرابع، تصف اليابانيين بأنهم "أقزام"، ثم تضيف إلى ذلك أنهم "لا يعهدون الثيرة ولا الوحوش الكاسرة؛ وهويَشِمُون وجوههم بزخارف تختلف شكلاً باختلاف المنزلة الاجتماعية، ويلبسون رداء مصنوعاً من بترة واحدة، ولديهم حراب وقِسِىٌّ ورماح في أطرافها حجر أوحديد، وهم لا يلبسون أحذية، ومن خصائصهم طاعة القانون وتعدد الزوجات ويدمنون الشراب وهم طوال الأعمار. ونساؤهم يطلين أجسامهن بالأحمر والقرمزي"(11). وتروى هذه المدَّونات عنهم "أن ليس يقع بينهم سرقة، وقلما يشكوأحد منهم أحداً إلى القضاء"(12)، ولم تكد المدنية تبدأ عندهم، وقد صور "لافكاديوهيرن"- مدفوعاً بصدق نظره وبحبه لذلك العصر القديم- صورها فردوساً لا يشوبها استغلال أوفقر؛ ووصف "فنلوزا" طبقة الفلاحين إذ ذاك بأنها مكونة من سادة عسكريين مستقل بعضهم عن البعض(13)؛ واتىت الصناعات اليدوية إلى اليابان من كوريا في القرن الثالث الميلادي، وسرعان ما انتظمتها نقابات(14)، ودون هؤلاء الصناع اليدويين، كانت تقع طبقة كبيرة من العبيد، جُمع أفرادها من المسجونين وأسرى الحروب(15)، وكان النظام الاجتماعي إقطاعياً إلى حد ما وقبلياً إلى حد ما، فكان بعض الفلاحين يغرسون الأرض عبيداً للسادة أصحاب الأرض، ولكل قبيلة رئيس يكادقد يكون ملكاً عليها(16)، وكانت الحكومة بدائية في تفككها وضعفها.

كانت العاطفة الدينية عند اليابانيين الأولين تجد ما يشبعها في العقيدة بأن لكل كائن روحاً، وفي الطوطمية، وفي عبادة الأسلاف وعبادة العلاقة الجنسية(17)؛ فعندهم حتى الأرواح سارية في جميع شيء- في كواكب السماء ونجومها، في نباتات الحقل وحشراته، والأشجار والحيوان والإنسان(18)، ويعتقدون حتى عدداً لا يحصى من الآلهة يحوم فوق الدار وساكنيها ويرقص مع ضوء المصباح ووهجه إذا رقص(19)، والاتصال بالآلهةقد يكون عندهم بإحراق عظام غزال أوقسقطة سلحفاة، وبفحص العلامات والخطوط التي تحدثها النار، فحصاً تستمد فيه المعونة من الخبراء؛ وتذكر لنا المدونات القديمة الصينية أنه بهذه الطريقة "كان اليابانيون يستوثقون من طيب الحظوظ وخبيثها، ومن ملاءمة الظروف لقيامهم برحلات برية وبحرية أوعدم ملاءمتها"(20). كانوا يخافون الموتى ويعبدونهم، لأن غضبهم قد ينزل بالعالم شراً مستطيراً؛ فلكي يسترضوا هؤلاء الموتى، كان لزاماً عليهم حتى يضعوا لهم النفائس في قبورهم- كأن يضعوا سيفاً إذا كان الميت رجلاً، ومرآة إذا كانت امرأة، وكانوا يؤدون الصلاة ويقدمون الطعام أمام صور أسلافهم في جميع يوم(21) وكانوا يلجأون إلى التضحية البشرية آناً بعد آن توسلاً لإيقاف مطر غزير، أوضماناً لثبات بناء أوجدار، وكان يحدث أحياناً حتى يدفن الأتباع مع سيدهم الذي توفي ليدافعوا عنه في أولى مراحل حياته الآخرة(22).

ومن عبادة الأسلاف نشأت أقدم ديانة قائمة في اليابان، وهي "شنتو" أي "طريق الآلهة" ولها صور ثلاث " : العقيدة المنزلية التي تتجه بالعبادة إلى أسلاف القبيلة، وعقيدة الدولة التي تتجه بالعبادة إلى الحاكمين الأسلاف وهم الآلهة الذين أسسوا للدولة بناءها؛ فكانوا يخاطبون السلف المقدس الأول الذي عنه اتىت سلسلة الأباطرة، ضارعين سبع مرات جميع عام، فيتوجه إليه الإمبراطور نفسه بالنادىء، أومن ينوب عن الإمبراطور؛ ثم كانوا يؤدون له صلاة خاصة إذا ما همت الأمة بالاضطلاع بمشروع تراه استثنائياً في قداسته، مثل الاستيلاء على شانتونج (سنة 1914)(23)؛ ولم تكن ديانة "شنتو" بحاجة إلى تفصيل ممضىي أوطقوس معقدة أوتشريع خلقي، ولم تكن لها طبقة من الكهنة خاصة بها، كلا ولا تمضى إلى ما يبعث العزاء في نفوس الناس من خلود الروح ونعيم الفردوس؛ فكان جميع ما تطالب به معتنقيها حتى يحجوا آناً بعد آن لأسلافهم وأن يقدموا لهم ضراعة الخاشعين، ويعملوا كذلك لإمبراطورهم ولماضي أمتهم؛ وقد حلت عقيدة أخرى محل هذه العقيدة حيناً، لأنها مسرفة التواضع في جزائها التي تعد به، وفي أوامرها التي تلزم بها الناس.

وفي سنة 522 اتىت البوذية- وكانت قد دخلت الصين قبل ذاك بخمسمائة عام- إلى اليابان خلال القارة الآسيوية، فأخذت تغزوأراتىها غزواً سريعاً؛ وقد تآمر عاملان فخطا لها النصر، وهما: الحاجات الدينية عند الشعب، والحاجات السياسية عند الدولة، لأنه لم تكن بوذية بوذا هي التي اتىت إلى اليابان، بما عهدت به تلك البوذية من لا أدرية وتشاؤم وتزمت وشوق إلى النعيم الناشئ عن انمحاء الفرد في الكل، بل اتىتها بوذية "ماهايانا" بآلهتها الوديعة من أمثال "أميدا" "وكوانون"، وباحتفالاتها الدينية البهيجة، واعترافها ببوذيين منتظرين يخلصون البشر، وبخلود الروح الإنسانية، ثم ما خير من ذلك، اتىت هذه البوذية تبث في النفوس بأسلوب لا يقاوم لفرط رقته، جميع فضائل الورع والسلام والطاعة التي يمكن حتى تصوغ الناس صياغة تجعلهم أكثر انصياعاً للحكومة، وراحت تفسح للمظلومين من الأمل والعزاء ما يجعلهم راضين قانعين بشظف عيشهم؛ وتخفف من وطأة الحياة الكادحة وما فيها من برود يشبه برود النثر وفتور العمل المكرور المعاد، بما تبثه في تلك الحياة من شعر متمثلة في الأساطير والصلاة، ومن مسرحية تتمثل في الاحتفالات البهيجة، وهيأت للناس سبيل الوحدة في الشعور والعقيدة، وهما شيئان طالما رحب بهما الساسة، لأنهما أصل النظام الاجتماعي، ونادىمة القوة القومية.

ولسنا ندرى أكانت السياسة أم الورع هوالذي خط النصر للبوذية في اليابان، فلما توفي الإمبراطور "يومى" سنة 586 ، تنازعت وراثة العرش من بعده أسرتان متنافستان، تنازعاً استخدمت فيه السلاح، واعتنقت كلتاهما العقيدة الدينية الجديدة اعتناقاً سياسياً، واستطاع الأمير "شوتوكوتايشي"- الذي ينطق عنه إنه ولد وفي يده تميمة مقدسة- حتى ينتهي بالحزب البوذي إلى النصر، ثم أقام على العرش "الإمبراطورة سويكو". ولبث تسعة وعشرين عاماً (592-621) يحكم الجزر المقدسة أميراً إمبراطورياً ووصياً على العرش وراح يغدق العطاء لمعابد البوذيين، ويشجع رجال الدين البوذي ويعينهم، ويدخل الأخلاق البوذية في صلب القوانين القومية، حتى لقد أصبح بوجه عام للبوذية اليابانية ما كان "أشوكا" لها في الهند, وامتدت رعايته إلى الفنون والعلوم، واستقدم الفنانين ومهرة الصناع من كوريا والصين، وخط التاريخ، ورسم التصاوير، وأشرف على بناء معبد "هوريوجي"، وهوأقدم آية بقيت لنا في تاريخ الفن الياباني.

لكن على الرغم مما هجره هذا الرجل الناشر لأسباب الحضارة من مختلف الآثار، وعلى الرغم من كافة الفضائل التي راحت البوذية تبثها في النفوس أوتبشر بها، فقد طغت على اليابان أزمة أخرى عنيفة، ولم يكن قد مضى على موت "شوتوكو" جيل واحد؛ ذلك حتى أرستقراطياً طموحاً، هو"كاماتاري" قد دبر مع "الأمير تاكا" ثورة في القصر، كانت بداية واضحة لتغير مجرى التاريخ السياسي في "نيبون" (اليابان) حتى ليشير إليها المؤرخون من أبناء البلاد في حماسة وطنية فيصفونها بقولهم "الإصلاح العظيم" (سنة 645)؛ فقد اغتال ولي العهد، وأجلس على العرش ملك كهل لم يكن إلا صورة، وكان الأمر في يد "كاماتاري" باعتباره رئيساً للوزراء، فطفق بمعونة "الأمير تاكا"- حين كان لم يزل ولياً للعهد، ثم حين أصبح هو"الإمبراطور تنشي"- يعيد بناء الحكومة اليابانية بحيث جعلها سلطة إمبراطورية أوتوقراطية؛ وارتفع الحاكم من مجرد كونه زعيماً لكبرى القبائل، إلى سلطة شاملة تسيطر على جميع موظف في اليابان، فهوالذي يعين جميع الحكام، وتدفع له الضرائب كلها مباشرة، وأعرب حتى البلاد كلها ملك يمينه؛ وبهذا سارت اليابان بخطوات سريعة من ارتباط بين القبائل مخلخل العرى ورؤساء قبائل يشبهون أشراف الإقطاع، إلى دولة ملكية وثيقة العرى فيما يربط بين أجزائها.


الفصل الثالث: العصر الإمبراطوري

الأباطرة - الأرستقراطية، تأثير الصين، عصر كيوتوالمضىي - التدهور

منذ ذلك الوقت فصاعداً، جعل الإمبراطور يتمتع بألقاب ضخمة، فكان يسمى أحياناً "تنشي" أو"شمس السماء" على حتى اسمه كان غالباً "تنو" أي "الملك السماوي" ونادراً ما كان يطلق عليه "ميكادو" أي "الباب المجيد"؛ وكان من امتيازه حتى يطلق عليه اسم حديث بعد موته، يعهد في التاريخ باسم خاص يختلف جميع الاختلاف عن الاسم الذي أطلق إبان الحياة؛ ولكي يضمن اتصال النسل الإمبراطوري، كان للإمبراطور الحق في أي عدد شاء من الزوجات أوالرفيقات؛ ولم يكن حتماً حتى يهبط الملك إلى أكبر الأبناء، بل تؤول ولاية العرش من بعده إلى من كان في رأيه هو، أوفي رأي أبطال العصر أقرب أبنائه إلى حتىقد يكون أقواهم، أوأضعفهم على العرش [فيختار أقواهم إذا كان الذي يختار هوالملك، ويختار أضعفهم إذا كان الذي يختار هم أعلام العصر ذووالمصالح الشخصية] وكان الأباطرة في بواكير العصر الكيوتي يميلون إلى الورع، حتى لقد تنازل بعضهم عن العرش ليجعلوا من أنفسهم رهباناً بوذيين، وحرَّم أحدهم السِّماكة على أنها إساءة إلى بوذا(25)؛ لكنك تجد بينهم "يوزي" يشذ عن هذا المجرى، ويتعب الناس بنشاطه، فاتى مثلاً يوضح كيف من الممكن أن تكون الأخطار التي يستهدف لها الملك إذا نشط؛ فكان يأمر الناس حتى يصعدوا الأشجار ثم يرميهم بقوسه ونشابه، ويمسك بالعذارى في الطرقات، ويوثق قيدهن بأوتار قيثارة ويقذف بهن في البرك، وكان مما يمتع جلالته حتى يركب جائساً خلال العاصمة فيلهب الناس بسوطه ليدفعهم إلى العمل، لكن رعيته خلعته عن العرش آخر الأمر بثورة أعربت فيها العصيان السياسي الذي هوبمثابة الخروج على حدود التقوى وهوشيء نادر الوقوع في تاريخ اليابان(26)؛ وحدث سنة 794 حتى انتقلت مراكز الحكومة من "نارا" إلى "ناجاوكا" ثم لم تلبث بعدئذ حتى انتقلت إلى كيوتو(أي عاصمة السلام) فظلت هي العاصمة خلال الأربعة قرون (794-1192) التي يجمع معظم المؤرخين على أنها كانت في اليابان عصرها المضىي، فلما حتى كانت سنة 1190 بلغ سكان كيوتونصف المليون، وهوما لم تبلغه أية مدينة أوروبية في ذلك العصر ما عدا القسطنطينية وقرطبة(27)، وقد خصص جزء من المدينة لأكواخ الناس وحظائر لماشيتهم، والظاهر حتى قد نعم هؤلاء الناس بعيشهم رغم فقرهم المدقع؛ ثم خصص آخر- جعلوه معزولاً بما تقتضيه الحكمة لحدائق العلية والأسرة الإمبراطورية وقصورهم؛ وكان يطلق على حاشية الإمبراطور بحق "سكان ما فوق السحب"(28) لأن تقدم الحضارة وارتفاع الأساليب الفنية كان من نتائجها في اليابان- كما هي الحال في غيرها- ازدياد الفوارق الاجتماعية؛ وبهذا زالت المساواة التقريبية التي كانت تسود الناس في باكورة الأيام، وحل محلها تفاوت لا مندوحة عن وقوعه إذا ما قُسمِّت الثروة المتزايدة بين الناس على قدراتهم المتنوعة وشخصياتهم وامتيازاتهم المتباينة؛ ونشأت أسرات كبيرة، مثل الـ "فويجيوارا" والـ "تايْرا" والـ "ميناموتو" والـ "سوجاوارا"، وهي أسرات كانت تقيم الأباطرة وتخلعهم، ويحارب بعضها بعضاً على النحوالعنيف الذي شهدته أيام النهضة الإيطالية؛ ولقد قرَّب "سوجاوارا متشيزاني" نفسه من قلوب اليابانيين لرعايته للأدب، وهوالآن معبود لديهم بوصفه إلهاً للآداب، وتعطل المدارس تكريماً له في الخامس والعشرين من جميع شهر؛ وكذلك امتاز الشاب "ميناموتوسانيتومو" بإنشائه في الصباح السابق لاغتياله هذه المقطوعة الشعرية الساذجة، التي تمثل الأسلوب الياباني في أنصع صوره:

إذا لم أعد إليك ثانياً

يا شجرة البرقوق التي تجاور داري

فلا تنسي أنت موعد الربيع

وازدهري ما وسعك الازدهار


ولبثت اليابان في عهد "دايجو" المتنوّر (898-930)- وهوأعظم الأباطرة الذين أقامتهم على الحكم قبيلة فوجيوارا، لبثت في عهده تتشرب- بل بدأت تنافس- ثقافة الصين وأسباب ترفها، التي كانت عندئذ في أعلى ذرى ازدهارها في عهد "تانج"؛ ولما كانت اليابان قد استمدت عقيدتها الدينية من "المملكة الوسطى" فقد طفقت تستمد من المعين نفسه لباسها وألعابها وطهيها وكتابتها وشعرها وأساليب حكومتها وموسيقاها وفنونها وبساتينها وعمارتها، بل خُطِّطت عاصمتاها الجميلتان "نارا" و"كيوتو" على غرار "شانجان"؛ فقد استوردت اليابان ثقافة الصين منذ ألف عام، كما تستورد ثقافة أوربا وأمريكا في عصرنا هذا، وهي في هذا تتعجل أولاً ثم تتمهل لتنتقي وتختار ثانياً؛ لكنها تحتفظ بروحها الخاصة وشخصيتها الخاصة غيرة عليهما، ولا تدخر في وسعها جهداً في سبيل مداومة الأساليب الجديدة إلى الأغراض القومية القديمة.

ودخلت اليابان في عهدها "الأنجي" (901-922) الذي يعتبر ذروة العصر المضىي مدفوعة إلـى ذلك الصـعود بحافز مـن جارتها العظيمة، وبوقاية حكومية مستتبـة؛ فتراكـمت الثروة وأتجه إنفاقها نحومسببات حياة مترفة رقيقة تشيع فيها الثقافة بحيث لا يكاد يضارعها في ذلك مثيل حتى اتىت عصور أسرة مديتشي و"صالونات" "التنوير الفرنسي" .

وأصبحت "كيوتو" بمثابة باريس وفرساي في فرنسا، رقيقة قي شعرها وثيابها، رشيقة في أخلاقها وفنونها، تضع للأمة كلها معايير الفهم والذوق، وانفتحت "الشهية" عند الناس على اختلاف صورها وإلى آخر حدودها وآمادها، فابتكر الطهاة صنوفاً جديدة من شهيّ الطعام، وكدسوا الآكال تكديساً ليُشبعوا أصحاب النهم وأرباب الذوق في الطعام على حد سواء، وغُض الطرف عن جرائم الزنا على أساس أنها من أتفه خطايا الإنسان(32)، وتزمَّل جميع سيد أوسيدة بالحرير ونفيس الثياب، وكنت ترى مختلف الألوان متناسقة على جميع كم تلبسها ذراع، وازدانت حياة المعابد والقصور بالموسيقى والرقص كما أشاع الرقص والموسيقى روح الرشاقة في بيوت العِلْية التي كانت تحاط بروائع المناظر الطبيعية من الخارج، وتزدان صقلاً من الداخل بما فيها من آيات البرونز واللؤلؤ والعاج والمضى والخشب الذي حفر حفراً بلغ الغاية القصوى من دقة الحفر(33)؛ لقد ازدهر الأدب إذ ذاك وانحلَّت الأخلاق.

أمثال هذه العصور التي تتلألأ بجوانب الرقة، يغلب ألا تدوم طويلاً، لأنها ترتكز ارتكازاً مقلقلاً على ثروة متراكمة يمكن في أية لحظة حتى تذروها عوامل تذبذب التجارة، وقلق الطبقات المستغَلَّة وتقلبات الحروب؛ وقد أدى إسراف القصر آخر الأمر إلى إفلاس الدولة وارتفعت الثقافة بحيث رجحت كفتها بالقياس إلى القدرة الفهمية، فانتهى ذلك إلى ملء المناصب الإدارية بمتشاعرين عاجزين، وأخذ الفساد يتكاثر تحت أنوفهم المعطَّرة دون حتى يستوقف انتباههم، ثم أصبحت المناصب آخر الأمر تباع لمن يدفع في شرائها أغلى ثمن وازدادت الجــرائم بين الفـقراء بقــدر ما ازدادت أسبـاب التـرف بين الأغنيـاء، وانبث وبـاء اللصوص والقراصنة في الطرقات والبحار، فكانوا ينقضون على جميع فريسة تقع في أيديهم، لا فرق عندهم بين الإمبراطور والشعب، ويسطون على جباة الضرائب فيسلبونهم ما كانوا يحملونه إلى القصر من أموال، ونظمت عصابات من اللصوص في الأنطقيم، بل وفي العاصمة نفسها، وكان يتاح لأخطر مجرم في اليابان- كما هي الحال عندنا- حتى يعيش في رفاهية علنية؛ لأنه كان من القوة بحيث يتعذر على أولى الأمر حتى يقبضوا عليه أويسيئوا إليه(35)، وأهمل الناس عاداتهم وفضائلهم الحربية، وتراخوا في نظامهم العسكري والأهبة للدفاع، بحيث باتت الحكومة مفتوحة الصدر لكل ضربة يسددها إليها من شاء من القراصنة القساة؛ وراحت الأسر الكبيرة تجيَّش لنفسها جيوشها، فبدأت بذلك عهداً من حروب أهلية، ولبثت تناضل بعضها بعضاً نضالاً تسوده الفوضى، جميع منها يحاول حتى يظفر لنفسه بحق تعيين الإمبراطور، وأما الإمبراطور نفسه فكان يزداد جميع يوم ضعفاً على ضعف، في الوقت الذي كان رؤساء القبائل فيه يوشكون حتى يعودوا إلى سابق عهدهم من حيث استقلال جميع منهم بسلطته؛ إلى غير ذلك أخذ التاريخ مرة أخرى يتذبذب على نحوما كان يتذبذب قديماً، بين حكومة قوية مركزية من ناحية، ونظام إقطاعي لا مركزي من ناحية أخرى.


الفصل الرابع: الطغاة

"الشواجنة" - سلطان عسكري في كاماكورا - وصاية هوجوعلى العرش - غزوة قبلاي خان - سيادة أشيكاجا - القراصنة الثلاثة


كان من شأن هذه الظروف القائمة حتى سنحت الفرصة لظهور فئة من الطغاة العسكريين الذين قبضوا بأيديهم على زمام الأمور كلها، في كثير من أجزاء الجزر اليابانية؛ ولم يعترفوا بالإمبراطور إلا على أنه ظاهرة مقدسة في اليابان يحتفظ بها بأقل ما يمكن من النفقات؛ وجعل الفلاحون الذين لم تعد تحميهم من عصابات اللصوص جيوش الإمبراطور ولا رجال شرطته، يدفعون الضرائب لهؤلاء "الشواجنة" أي القادة بدل دفعها للإمبراطور، لأن "الشواجنة" وحدهم هم الذين كانوا يستطيعون حمايتهم من اعتداء اللصوص(36). إلى غير ذلك ساد النظام الإقطاعي في اليابان لنفس الأسباب التي كان قد ساد بسببها في أوربا، وأعني حتى مصادر السلطان في الإقطاعات ازدادت نفوذاً بمقدار ما فشلت الحكومة المركزية النائبة في حفظ الأمن والنظام.

وحدث في سنة 1192 حتى جمع "يوريتومو"- وهوأحد رجال قبيلة ميناموتو- حوله جيشاً من الجند والعبيد، وأقام لنفسه سلطة مستقلة، اتخذت لنفسها اسماً هواسم المكان الذي قامت فيه، وهو"باكوفوكاماكورد" وحدثة "باكوفو" معناها منصب عسكري، وإذن فهي تدل صراحة على نوع الحكومة الجديدة؛ ومات "يوريتومو" العظيم فجأة في عام 1198 أعقبه في الحكم أبناؤه الضعفاء، وذلك- كما يقول المثل الياباني- لأن "الرجل العظيم لا ذرية له"(38) فأقامت أسرة منافسة وصاية لنفسها على العرش عام 1199 ويسمى العهد باسم "وصاية هوجو"، ولبثت تلك الأسرة مدى مائة وأربعة وثلاثين عاماً تحكم "الشواجنة" الذين كانوا بدورهم يحكمون الأباطرة؛ فكانت هذه الحكومة الثلاثية فرصة سانحة لقبلاي خان يحاول فيها غزواليابان؛ فقد وصفها له الكوريون الدُّهاة الذين كانوا يخشون بأسها، فنطقوا إنها من الثراء بحيث تستحق المجهود؛ فأمر قبلاي بناة سفنه حتى يشيدوا له أسطولاً بلغ من الضخامة حداً جعل شعراء الصين يصورون التلال باكية ترثى ما سُلِبَ من غاباتها(39)؛ ويقول اليابانيون- حين يروون حوادث الماضي رواية الفخور ببطولته- إذا النفس بلغت سبعين ألفاً، لكن المؤرخين الذين لا يتأججون بمثل هذه الحاسة الوطنية يكفيهم من العدد ثلاثة آلاف وخمسمائة سفينة ومائة ألف محارب؛ وتبدّى هذا الأسطول الجبار على مبعدة من شواطئ اليابان في أواخر سنة 1291 فخرج سكان الجزر الأبطال ليلاقوه في أسطول لهم بنوه على عجل؛ وهوأسطول ضئيل بالقياس إلى الأسطول المهاجم؛ لكن وقع لهذه الأرمادا، ما وقع للأرمادا التي كانت أصغر منها، وإن تكن أشهر ، وهوحتى هبت "ريح عظيمة" لا تزال مذكورة لما أسدته للناس من جميل، هبت فحطمت سفائن "الخان" الجبار، إذ رطمتها على جوانب الصخور، وأغرقت من بحارته سبعين ألفاً، وأبقت على بقيتهم ليعيشوا حياة الرقيق في بلاد اليابان.

ودارت الدوائر على أسرة "هوجو" عام 1333، إذ أصابتهم السيطرة هم أيضاً بسمومها، وانتهى الأمر إلى انتنطق الحكم الوراثي من أيدي الأبالسة والعباقرة إلى أيدي الجبناء والحمقـى؛ وكان آخـر هذه السلالة رجل يدعى "تاكا توكي" يحب الكلاب حباً شديداً، فيقبلها بدل الضرائب، حتى لقد جمع منها عدداً يتراوح بين أربعة وخمسة آلاف، وأعد لها حظائر زينها بالمضى والفضة وأطعمها بالسمك والطيور، وهيأ لها العربات المزخرفة تحملها للتنزه؛ فوجد الإمبراطور القائم على العرش إذ ذاك، وهو"جودايجو" حتى انحلال حماته فرصة سانحة يستعيد فيها سلطانه الإمبراطوري، وأيدته قبيلتا "ميناموتو" و"أشيكاجا" وقادتا له جيوش حتى ظفرتا له بالنصر على "أسرة الوصاية" بعد سلسلة من هزائم، ومن ثم أوى "تاكا توكي" ومعه ثمانمائة وسبعون من عبيده وقادته، إلى معبد، وجرع كأساً أخيرة من "الساقي" ثم أنزل بنفسه "الهاراكيري" (أي أنه أنتحر)؛ ولقد أخرج أحد الحاضرين أمعاء المنتحر بيديه قائلاً: "إن هذه لتضفي على الخمر طعماً لذيذاً"(40).

وانقلب "أشيكاجاتا كاوجي" على الإمبراطور بعد حتى كان هوالذي أعانه على استعادة سلطته؛ وقاتل الجيوش التي اتىت لإخضاعه قتالاً موفقاً من حيث خطته العسكرية ومؤامرات الخيانة؛ وأزال "جودايجو" عن العرش ليضع مكانه إمبراطوراً صورياً هو"كوجون"، وأقام في كيوتوتلك الحكومة العسكرية المعروفة باسمه "أشيكاجا" والتي ظلت تحكم اليابان مدى مائتين وخمسين عاماً سادتها الفوضى والحرب الأهلية التي لم تنبتر؛ ولا بد لنا حتى نعترف هنا بأن جزءاً من تلك الفوضى كان يرجع إلى الجانب السامي من طغاة "أشيكاجا"- وهوحبهم للفن ورعايتهم له؛ فهاهوذا "يوشيمتسو" قد مل الكفاح فلف يديه نحوالتصوير، حتى أصبح يعد من مصوري عصره الأفذاذ، وارتبط "يوشيمازا" بصلات الود مع كثير من المصورين، وأعان بالمال كثيراً من الفنون، وأصبح في عالم الفن ذواقة دقيقاً، حتى ليعد هواة الآثار الفنية اليوم البتر التي كان قد اختارها هووأتباعه خير ما يستحق الاقتناء(41) لكن مهام الحكم الإداري قد أهملت إذ ذاك، ولم يعد حفظ الأمن والسلام في مقدور القادة العسكريين (أي الشواجنة) الأغنياء، ولا في مقدور الأباطرة الذين حل بهم الإفلاس.

فكان من شأن هذه الفوضى نفسها وما أصاب الحياة من انحلال، ومطالبة الأمة بقادة يهيئون لها النظام، حتى ظهر القراصنة الثلاثة المعروفون في التاريخ الياباني؛ وتقول الرواية إذا هؤلاء الثلاثة- وهم "نوبوناجا" و"هيديوشي" و"أيياسو"- اعتزموا حتى يتعاونوا معاً في شبابهم على إعادة الوحدة لوطنهم، وحلف جميع منهم يميناً على حتى يطيع طاعة الأتباع مَنْ يفوز من زميليه الآخرين بموافقة الإمبراطور على توليه حكومة اليابان(42)؛ وحاول "نوبوناجا" بادئ ذي بدء، لكنه مُني بالفشل، وحاول بعده "هيديوشي" لكنه توفي حين أوشك على النجاح؛ وكان "أيياسو" يرقب فرصته، فاتىته آخر الأمر وحاول بعد زميليه، وأسس الحكومة العسكرية المعروفة باسم "توكوجاوا". وبهذا افتتح عهداً من أطول عهود السلام، وعصراً هومن أخصب عصور الفن، في تاريخ الإنسانية كلها.


الفصل الخامس: "وجه القردة" العظيم

ظهور هيديوشي - الهجوم على كوريا - الاشتباك مع المسيحية

كانت الملكة اليصابات و"أكبر" (في الهند) معاصرين لـ "هيديوشي" العظيم- هكذا قد يحلولليابانيين حتى يذكروا هذه الحقيقة على سبيل التنويه بفضل عظيمهم- كان "هيديوشي" ابن فلاح، يعهده أصدقاؤه، وتعهده رعيته حين أصبح فيما بعد حاكماً، باسم "سارومن كانجا"- ومعناها "وجه القردة" لأنه لم يكن ينافسه في دمامة الوجه أحد حتى ولا كونفوشيوس؛ وكان والداه قد عجزا عن إخضاعه للنظام فبعثا به إلى مدرسة في دير؛ لكن "هيديوشي" سخر من كهنة البوذية سخرية شديدة، وأثار في الدير ضجة وثورة، بحيث انتهى أمره إلى الطرد من مدرسته، فألحق صبياً في كثير من الحرف، وطرد من عمله سبعاً وثلاثين مرة(43)؛ وجعل من نفسه قاطعاً للطريق، لكنه عاد فرأى أنه يستطيع حتى يسلب وهومع القانون أكثر مما يسلبه وهوخارج على القانون؛ ثم التحق بخدمة "الساموراي" (أي حملة السيف) وأنقذ حياة مولاه، وسمح له بعدئذ حتى يحمل سيفاً؛ وانضم إلى أتباع "نوبوناجا" وعاونه بتفكيره وببسالته، حتى إذا ما توفي "نوبوناجا" تولى هوقيادة الثائرين الخوارج على القانون، الذين شنوا حملتهم ليغزوا أرض وطنهم؛ فما انقضت ثلاثة أعوام حتى كان "هيديوشي" قد أصبح حاكماً على نصف الإمبراطورية وظفر بإعجاب الإمبراطور العاجز، وأحس في نفسه من القوة ما يتيح له حتى يهضم في جوفه كوريا والصين؛ وفي ذلك نطق متواضعاً يخاطب "ابن السماء": "لقد اعتزمت حتى أطوي الصين كلها تحت سلطاني، بمعونة الجنود الكوريين وبتأييد من نفوذك الساطع؛ فإذا ما تم لي ذلك، ستصبح الأقطار الثلاثة (الصين وكوريا واليابان) قطراً واحداً؛ وسيتم لي ذلك في يسر كأنما أطوي حصيرة لأحملها تحت ذراعي"(44). لكنه حاول جهده بغير جدوى، لأن رجلاً شيطانياً من الكوريين اخترع قارباً حربياً من المعدن- ولولا سبقه في الزمن لقلنا إنه سرق منا الـ "مونتِور" والـ "مِرِماك"- وبهذا القارب راح يحطم سفن "هيديوشي" المثقلة بجنوده؛ سفينة بعد سفينة، وكان "هيديوشي" قد أنفذها بجنده إلى كوريا (1592)، لقد أغرقت في يوم واحد اثنان وسبعون مركباً، وانقلب البحر بحراً من دماء، ورست أربع وثمانون سفينة أخرى على الشاطئ حيث فر منها اليابانيون وخلفوها وراءهم، فأحرقها الظافرون حتى لم يذروا منها شيئاً؛ وبعد حتى تبادل الفريقان نصراً وهزيمة دون حتىقد يكون فيها ما يفصل بالنصر، أرجأ الفاتحون فتح كوريا والصين حتى القرن العشرين؛ ونطق ملك كوريا عن "هيديوشي" إنه حاول "أن يعبر المحيط في صَدفَة من أصداف المحار"(45).

وإلى حتى يحين ذلك الحين، استقر "هيديوشي" ليستمتع بهذه "الوصاية" التي أسسها لنفسه، وليدير فيها عجلة الحكم، وجمع لمتعته ثلاثمائة غانية، لكنه وهب مبلغاً كبيراً من المال لزوجته الريفية التي كان قد طلَّقها منذ زمن طويل وبحث عن أحد سادته القدماء؛ وأعاد له المال الذي كان قد سرقه منه أيام حتى كان يعمل معه صبياً، وأضاف إلى المال قيمة الربح طوال هذه المدة؛ ولم يجرؤ حتى يطلب من الإمبراطور حتى يوافق له على تلقيب نفسه بلقب "شوجن" (أي حاكم عسكري) لكن معاصريه عوضوه عن ذلك بلقب آخر أطلقوه عليه، وهو"تايكو" أي "الحاكم العظيم"، وهي حدثة غامرت في رحلة من تلك الرحلات "الأوذيسِّيَّة" التي تتعقب آثارها في فهم اللغات، حتى دخلت في ختام رحلتها إلى لغتنا نحن وأصبحت حدثة من حدثاتنا، وهي حدثة Tycoon: ووصف مبشر ديني "هيديوشي"، فنطق: "إنه ماكر ماهر إلى درجة تجاوز جميع معقول، فقد نزع عن الشعب سلاحه بحيلة لطيفة، وهي أنه أمر الناس حتى يجمعوا جميع ما عندهم من أسلحة معدنية ليصنع من مادتها تمثالاً ضخماً- وهوتمثال "دايبوتسو" أي "بوذا العظيم" الذي يقوم في كيوتو- والظاهر أنه لم يكن يعتنق عقيدة دينية، لكنه لم يكن أسمى من حتى يستغل الدين من أجل غاياته في طموحه أوسياسته".

ودخلت المسيحية اليابان سنة 1549 متمثلة في إنسان رجل هوفي طليعة طائفة الجزويت ومن خيرتهم، وأعنى به "القديس فرانسس اكسافير" ولم يكدقد يكون جمعية صغيرة حتى أخذت تزداد ازدياداً سريعاً، بحيث لم يمض جيل واحد بعد قدومه إلا وقد بلغ عدد أعضاء الجزويت سبعين، وعدد من تحولوا إلى المسيحية في الإمبراطورية اليابانية مائة وخمسين ألفاً(47)؛ وكانوا من الكثرة في ناجازاكي بحيث جعلوا ذلك الميناء التجاري مدينة مسيحية، وحملوا حاكمها المحلي "أومورا" على اتخاذ التدابير المباشرة في نشر العقيدة الجديدة(48)؛ يقول "لافكاديوهيرن": "إن البوذية في إقليم ناجازاكي قد طمست طمساً تاماً فكهنتها أصابهم الاضطهاد والتشريد"؛ ففزع "هيديوشي" لهذا الفتح الروحاني للبلاد، وارتاب في حتى تكون وراءه أهداف سياسية، فأوفد رسولاً إلى نائب الجزويت في اليابان، مزوداً بخمسة أسئلة عاجلة:

  1. لماذا وبأي حق أرغم هو(نائب رئيس الجزويت) وأعضاء طائفته الدينية رعية "هيديوشي" على اعتناق المسيحية ؟
  2. لماذا حرضوا أتباعهم وأشياعهم على هدم المعابد ؟
  3. لماذا اضطهدوا كهنة البوذية ؟
  4. لماذا أكلوا هم وبعض البرتنطقيين حيوانات نافعة للإنسان مثل العجول والأبقار؟
  5. لماذا جاز لتجار من بني جلدته حتى يشتروا أفراداً من اليابانيين يتخذونهم عبيداً في جزر الهند الشرقية ؟

ولما لم يقنع "هيديوشي" بالإجابات، أصدر سنة 1587 الأمر الآتي:

بما أننا قد فهمنا من مستشارينا الأمناء حتى طائفة دينية خارجية قد اتىت إلى مملكتنا، حيث جعلت تبشر بقانون يتنافى وقانون اليابان، بل مضىت بها الجرأة إلى تحطيم المعابد التي شيدت باسم (آلهتنا القومية) "كامى" و"هوتوكي" وعلى الرغم من حتى هذه الفتنه تستحق أقسى ألوان العقاب، فإننا مع ذلك راغبون في لقاءة أعضائها بالرحمة، لذلك نأمرهم بمغادرة اليابان خلال عشرين يوماً، وعلى من يعصى تقع عقوبة الموت؛ ولن يصيب أحداً منهم أثناء هذه المهلة ضرر أوأذى، أما إذا بلغ ذلك الأمر ختامه فإننا نأمر بأن يقبض على من يوجد منهم في بلادنا وأن يعاقب على أنه من أخطر المجرمين(51).

وفي وسط هذه المفازع كلها عثر القرصان الأكبر من وقته فراغاً ينفقه في تشجيع رجال الفن، وأن يُسْهم في مسرحيات "لا"؛ وفي تأييد "ركْيو" في جعل الاحتفال بالشاي حافزاً على تشجيع صناعة الخزف الياباني، وحلِيْة هامة تزدان بها الحياة في اليابان؛ ومات سنة 1598 بعد حتى استوعد "أيِياسو" وعداً ببناء عاصمة جديدة في "ييدو"، (وهي الآن طوكيو)، وفي الاعتراف بابن هيديوشي- وهوهيديوري- وارثاً له على وصاية العرش في اليابان.


الفصل السادس: الشوجن (أي الحاكم العسكري) العظيم

أيياسوفي منصب السلطان - فلسفته - أيياسووالمسيحية- موت أيياسو- طائفة الحكام العسكريين من توكوجاوا

مات "هيديوشي" فأعرب "أيياسو" أنه حين حلف اليمين له، لم يشهد على يمينه قطرات من دمه يستقطرها من أصابعه أومن فمه، كما يقضي بذلك تشريع "ساموراي" أي حملة السيف بل استقطر دمه ساعة حلف اليمين من خدش وراء أذنه ومن ثم كان يمينه غير ملزم بالوفاء(52)، والتقى بجماعة من قادته كانوا ينافسونه السلطان، التقى بهم عند سكيجاهارا، فعصف بهم عصفاً في مسقطة انتثر على أرضها أربعون ألفاً من القتلى؛ وأبقى على "هيديوري" حتى بلغ سن الرشد فأصبح بذلك خطراً عليه، وعندئذ أوحى له بالتسليم صيانة لحياته؛ ولما قَرَّعوه على موقفه ذاك، حاصر قلعة أوساكا الجبارة حيث كان هيديوري محصناً، واستولى عليها في الوقت الذي كان الفتى فيه يزهق روح نفسه، ومكّن لنفسه من السلطان كاملاً بأن اغتال أبناء "هيديوري" جميعاً الشرعيين منهم وغير الشرعيين، وبعدئذ نظم "أيياسو" الأمن في مهارة وقسوة كما نظم القتال، وحكم اليابان حكماً بلغ من صلاحيته حتى رضيت اليابان بأن تحكم بأبنائه وعلى مبادئه مدى ثمانية أجيال.

كان رجلاً له أفكاره الخاصة، وكان يتخذ لنفسه من قواعد الأخلاق ما تقتضيه ظروف الساعة؛ فلما اتىته سيدة من أكرم السيدات تشكوإليه حتى أحد رجاله قد اغتال زوجها لكي يظفر بها، أمر "أيياسو" ذلك الرجل حتى يخرج أمعاء نفسه بيده، وبعدئذ اتخذ من السيدة خليلة له(53) وهوشبيه بسقراط في جعل الحكمة الفضيلة التي لا فضيلة سواها، ورسم الطرق المؤدية إليها في ذلك الكتاب العجيب الذي أسماه "التراث" أوالعهد العقلي الذي خلَّفه لأسرته عند موته:

"الحياة شبيهة برحلة طويلة يحمل فيها الراحل حملاً ثقيلاً، فاجعل خطاك وئيدة ثابتة، حتى لا تتعثر، واقنع نفسك بأن النقص والتعب هما نسيج الحياة الطبيعي عند من تفنى حياته، ولنقد يكون في حياتك ما يمد لك في سبيل السخط أواليأس فإذا ما نَزَتْ في قلبك نزوات الطموح، فتذكر أيام الشقاء البالغ حده الأقصى، التي اجتزتها في ماضي حياتك؛ فالصبر هوأس السكينة والطمأنينة إلى الأبد؛ انظر إلى السخط نظرتك إلى عدوك؛ فإذا اقتصر فهمك على كيف من الممكن أن تَهزِم، ولم تفهم كيف من الممكن أن تنهزم، فالويل لك، ويا سوء سبيلك في الحياة الدنيا؛ فاكشف عن الخطأ في نفسك قبل حتى تكشف عنه في سواك"(54).

أما وقد ظفر لنفسه بالسلطان بقوة السلاح، فقد قرر حتى اليابان لم تعد بها حاجة إلى مواصلة الحروب، وكَرَّسَ نفسه للنهوض بما يقيم السلام من وسائل وفضائل، ولكي يباعد بين "الساموراي" (أي حملة السيف) وبين عاداتهم العسكرية، شجعهم على دراسة الأدب والفلسفة والخلق الفني، إلى غير ذلك ازدهرت الثقافة في اليابان في ظل حكمه الذي نشره في ربوع البلاد؛ وتدهورت الروح العسكرية، وقد خط يقول: "إن الشعب هوأساس الإمبراطورية"(55). واستثار في قلوب خلفه الرحمة والرأفة "بالأرمل والأرملة واليتيم ومن لا أنيس له" لكنه لم يتصف بالميول الديمقراطية، حتى لقد مضى إلى حتى أفدح الجرائم جميعاً هوالعصيان، "فالزميل" الذي يخرج على صفوف الزملاء من طبقته، لابد من الفتك به فور ساعته، ولا مندوحة من اغتال أسرة الثائر بأسرها(56)، ومن رأيه حتى النظام الإقطاعي هوأفضل نظام يمكن وضعه لبني الإنسان كما هم في حقيقة طبائعهم، لأنه يهيئ اتزاناً معقولاً بين السلطة المركزية والسلطة المحلية، كما يقيم نظاماً طبيعياً وراثياً تتسق به الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وهوكذلك يضمن استمرار المجتمع دون حتى يتعرض لسلطان الحاكم المستبد، ولا بد لنا من الاعتراف هنا بأن "أيياسو" قد نظم في بلاده أكمل صورة عهدها الإنسان لحكومة تقوم على نظام الإقطاع(57).

وهو- ككل سياسي آخر- قد فكر في الدين على أنه أداة للنظام الاجتماعي قبل حتىقد يكون أي شيء آخر، وأحزنه حتى يرى حتى اختلاف الناس في عقائدهم الدينية قد قضى على نصف هذا الخير الاجتماعي بما أحدثته العقائد المتعادية من فوضى؛ وقد كانت العقيدة التقليدية للشعب الياباني- وهي خليط مضطرب من الشنتوية والبوذية- كانت هذه العقيدة التقليدية من وجهة نظره السياسية الخالصة، رباطاً بالغ القيمة يربط الجنس الياباني في وحدة روحية ونظام خلقي وولاء وطني، وهوعلى الرغم من أنه نظر إلى المسيحية بادئ ذي بدء بعين التسامح وبأفق عقلي فسيح كاللذين عهدا عن "أكبر" في (الهند) وأبى حتى يفرض عليها ما كان يفرضه عليها "هيديوشي" من أوامر يعلن بها غضبه منها، إلا أنه عاد فضاق بها صدراً لتعصبها، ولاتهامها القاسي للديانة القومية بأنها وثنية، وما أحدثته بتعصبها الجامح من شحناء لم تقتصر على حتى تكون بين المعتنقين المسيحية وبقية أفراد الأمة، بل امتدت فدبت بين معتنقي الديانة الجديدة أنفسهم ؛ ثم ثار في صدره السخط آخر الأمر لما عهد حتى المبشرين بالمسيحية كانوا أحياناً يُستخدمون طلائع للفاتحين وأنهم كانوا في أجزاء متناثرة من أرض الوطن يتآمرون على الدولة اليابانية(58)؛ فأمر سنة 1614 بتحريم العبادة المسيحية أوالتبشير بتعاليمها في اليابان، وطالب المعتنقين لهذه الديانة من الأهالي إما حتى يغادروا البلاد وإما حتى يرتدوا عن عقيدتهم الجديدة، واستطاع قساوسة كثيرون حتى ينجوا بأنفسهم من طائلة هذا القانون، وألقي القبض على طائفة منهم، ولكن لم يُعدم أحد منهم في حياة "أيياسو"، فلما قضى نحبه، صبَّ سادة الحكومة غضبهم على المسيحيين، وأعقب ذلك موجةٌ وحشية من الاضطهاد الديني، كان من أثرها حتى أمحت المسيحية من بلاد اليابان محواً تاماً تقريباً، ولما كان عام 1638 تجمعت البقية الباقية من المسيحيين، وبلغ عددها سبعة وثلاثين ألفاً، في شبه جزيرة "شيمابارا" وحصنتها ووقفت وقفة أخيرة دفاعاً عن حرية العبادة؛ فأوفد لها "أبيمتسو"- حفيد أيياسو- قوة كبيرة مسلحة لإخضاعها؛ وبعد حصار دام ثلاثة أشهر سقطت الحامية في أيدي اليابانيين، وذبح المعتصمون بها ذبحاً في الشوارع، لم يبق منهم على قيد الحياة إلا مائة وخمسة أشخاص.

مات "أيياسو" في نفس العام الذي توفي فيه شكسبير؛ وخلَّف هذا الحاكم العسكري القوى سلطانه إلى ابنه "هيديناميا" مصحوباً بنصح سهل وهو: "ارْعَ أبناء الشعب، وحاول حتى تكون فاضلاً، ولا تهمل أبداً في حماية البلاد"؛ وكذلك قدم النصح إلى الأشراف الذين وقفوا إلى جانب سريره ساعة احتضاره، فكان نصحاً على أحسن ما تجرى به التنطقيد كما عُرفت عند "كونفوشيوس" و"منشيوس" إذا نطق لهم: "لقد بلغ ابني الآن سن الرشد، ولست أشعر بأي قلق على مستقبل الدولة، ولكن إذا ما اقترف خلفي خطأ فادحاً في إدارة حكومته، فتولوا أنتم زمام الأمور بأيديكم، فليست البلاد مِلْكاً لرجل واحد، لكنها وطن للأمة بأسرها، وإذا ما أضاع حفدتي سلطانهم بسبب أخطائهم، فلن آسف على ضياعه منهم"(60).

لكن حفدته ملكوا زمام أنفسهم على نحوأحسن جداً مما كان ينتظر عادة من ملوك عصرهم حتى يعملوا خلال أمد طويل من الزمن؛ أما "هيديتارا" فقد كان رجلاً متوسط القدرة لا يصدر عنه الأذى؛ ثم اتى "أييمتسو" مثلاً لصورة أقوى من صور أفراد هذه الأسرة، فاستطاع بشدته حتى يحبط حركة نهضت لإعادة النفوذ الحقيقي إلى الأباطرة الذين كانوا لم يزالوا يملكون ولكنهم لمقد يكونوا يحكمون؛ وأغدق "تسونايوشي" إغداقاً في رعايته لرجال الأدب، ورعايته للمدرستين المتنافستين العظيمتين في عالم التصوير. وهما "كانو" و"توسا" اللتان زَيَّنتا عصر "جنروكو" (1688-1703)؛ واتى "يوشيموني" فجندّ نفسه للغاية التي ما انفكت الإنسانية تهدف لها حيناً بعد حين، وهي محوالفقر، وكان ذلك في نفس الوقت الذي كانت ميزانية حكومته تعاني فيه عجزاً جاوز المألوف؛ فاستقرض من طبقة التجار قرضاً طائلاً، وهاجم إسراف الأغنياء، وخفض نفقات حكومته خفضاً نزع به نحوجانب الزهد الرواقي، الذي مضى به إلى حد إخراجه سيدات القصر الخمسين اللائي كن أجمل السيدات، واكتفى في ثيابه بلبس القطن، وفي نومه بحصير مما يرقد عليه الفلاحون، وفي طعامه بأبسط ألوان الطعام؛ ووضع صندوقاً أمام قصر المحكمة العليا ليضع فيه الشاكون شكاواهم، ونادى الناس إلى نقد السياسة الحكومية أوموظفي الحكومة على أي نحوشاءوا؛ فلما قدم رجل يدعي "ياماشيتا" عريضة اتهام لاذع يهاجم بها الحكومة من أساسها، أمر "يوشيموني" بالاتهام فَقُرِأ على مسمع من الملأ، وكافأ محررها على صراحته بأجزل العطاء(61).

ولقد قرظ "لافكاديوهيرن" حكمه في ذلك العهد فنطق: "إن عصر "توكوجاوا" كان أسعد العصور التي شهدتها الأمة في حياتها الطويلة"(62).

ويميل التاريخ إلى الأخذ بهذا الرأي نفسه، ولوعلى سبيل الترجيح، لأن التاريخ لن يبلغ في فهمه بالماضي مبلغ اليقين؛ فكيف يستطيع الإنسان إذا نظر إلى اليابان اليوم، حتى يتصور حتى هذه الجزر التي تضطرب أعصابها اليوم اضطراباً كانت منذ قرن واحد مضى، يسكنها شعب فقير لكنه قانع، ويتمتع بعصر طويل من السلام في ظل حكومة تقوم عليها طبقة عسكرية، ويتجه بمجهوده- في عزلته الهادئة- نحوأسمى غايات الأدب والفن ؟!.


الفترات التاريخية

سفينة من عصر جومون الوسيط (3000-2000 ق.م.).
دوتاكومن فترة يايوي، القرن الثالث الميلادي.
Iron helmet and armor with gilt bronze decoration, Kofun period, 5th century. Tokyo National Museum.
Mural painting on the wall of the Takamatsuzuka Tomb, Asuka, Nara, 8th century
The Great Buddha at Nara, 752 AD.
A handscroll painting dated circa 1130, illustrating a scene from the "Bamboo River" chapter of the Tale of Genji.
Japanese samurai boarding Mongol ships in 1281.
A group of Portuguese Nanban foreigners, including the missionary Francis Xavier 17th century, Japan.
Stone foundation of the main tower at Edo Castle.
Japan's first treatise on Western anatomy, published in 1774, an example of Rangaku.
Landing of Commodore Perry, officers & men of the squadron, to meet the Imperial commissioners at Yoku-Hama (Yokohama?) July 14 1853. Lithograph by Sarony & Co., 1855, after W. Heine.
Samurai of the Satsuma clan, during the Boshin War period. Photograph by Felice Beato


يجب الإنتباه إلى المؤرخين لم يتفقوا في تحدد بداية ونهاية هذه الفترات وبعضها متداخل مع الآخر، مما يخلق إشكال في بعض الأحيان:

  • فترة جومون (縄文時代) مابين (8000 ق.م.-300 ق.م.)
  • فترة يايوئي (弥生時代) مابين (300 ق.م.– 300 م.)
  • فترة كوفون (古墳時代) مابين (300 م.-593 م.)
  • فترة أزوكا (飛鳥時代) مابين (593 م.-710 م.)
  • فترة نارا (奈良時代) مابين (710 م.-784 م.)
  • فترة هييآن (平安時代) سنوات (794-1185 م.)
  • فترة كاماكورا (鎌倉時代) سنوات (1185-1333 م.)
  • فترة موروماتشي (室町時代) سنوات (1338-1573 م.)
    • حروب أونين (応仁) فترة (1467-1477 م.)
    • فترة المقاطعات المتحاربة أو"سن غوكوجيدائي" (戦国時代) الفترة (1480-1573 م.)
  • فترة أزوتشي-موموياما (安土桃山時代) سنوات (1573-1603 م.)
  • فترة إيدو(江戸時代) سنوات (1603-1868 م.)
    • إستعراش مييجي (明治維新)
  • فترة مييجي (明治時代) سنوات (1868-1912 م.)
  • فترة تائيشوسنوات (1912-1926 م.)
  • فترة شو-وا سنوات (1926-1989 م.)
  • فترة هييسيي سنوات (1989-.... م.)

حكام اليابان

  • قائمة الأباطرة
  • قائمة الشوغونات

شخصيات تاريخية

  • "شوتوكوتائيشي" (聖德太子) ع(574-622 م.)
  • "فوجي-وارا نوميتشيناغا" (藤原道長) ع(966-1028 م.)
  • "تائيرا نوكييوموري" (平清盛) ع(1118-1181 م.)
  • "ميناموتونويوريتومو" (源頼朝) ع(1147-1199 م.)
  • "ميناموتونويوشي-تسونه" (源 義経) ع(1159-1189 م.)
  • "أشيكاغا تاكا-أوجي" (足利 尊氏) ع(1305-1358 م.)
  • "أشيكاغا يوشي-ميتسو" (足利義満) ع(1358-1408 م.)
  • "تاكيدا شين-غن" (武田 信玄) ع(1521-1573 م.)
  • "أوئي-سوغي كن-شين" (上杉謙信) ع(1530-1578 م.)
  • "أودا نوبوناغا" (織田 信長) ع(1534-1582 م)
  • "تويوتومي هيده-يوشي" (豊臣秀吉) ع(1536-1598 م)
  • "توكوغاوا إيئه-ياسو" (徳川 家康) ع(1543-1616 م)
  • "أوكوبوتوشيميتشي" (大久保 利通) ع(1830-1878 م.)
  • "كيدوتاكايوشي" (木戸孝允) ع(1833-1877 م.)
  • "سائيغوتاكاموري" (西郷 隆盛) ع(1827-1877 م.)
  • "إيتوهيروبومي" (伊藤 博文) ع(1841-1909 م.)
  • "مييجي تينو" (明治天皇) ع(1852-1912 م.)



فترات التاريخ الياباني

تقسيم متعارف عليه لفترات التاريخ الياباني:

التواريخ الفترة Period Subperiod Major Government
30,000 BC – 10,000 BC Japanese Paleolithic   غير معروف
10,000 BC – 3000 BC Ancient Japan جومون   local clans
900 BC - 250 AD (overlaps) يايوي   local clans
c. 250 - 538 AD Yamato Kofun   Yamato clans
538 - 710 AD Classical Japan ياماتو أسوكا
710 - 794 Nara   Imperial Court in Nara
794 - 1185 Heian   Imperial court in Heian
1185 - 1333 Feudal Japan Kamakura   شـُگونية كاماكورا
1333 - 1336 استعادة كـِمـّو   امبراطور اليابان
1336 - 1392 Muromachi Nanboku-cho شـُگونية أشيكاگا، اودا نابوناگا، تويوتومي هيديوشي،
1392 - 1573 Sengoku period
1573 - 1603 Azuchi-Momoyama
1600 - 1867 Early Modern Japan Edo   شـُگونية تـُكوگاوا
1868 - 1912 اليابان المعاصرة Meiji   ملكية محدودة (الامبراطور مـِيـْجي)
1912 - 1926 Taishō ديمقراطية تايشو limited monarchy (Emperor Taishō)
1926 - 1945 Shōwa Expansionism limited monarchy (Emperor Shōwa)
1945 - 1952 اليابان المحتلة Supreme Commander Allied Powers
1952 - 1989 Post-occupation parliamentary democracy; Emperor is symbol of state
1989 - present هـِيـْسـِيْ  

مواضيع ذات صلة

  • موراساكي شيكيبو(紫 式部) ح. (973-1025 م.)
  • سيرة جنجي
  • سيرة الهائيكي (平家物語)

مصادر

  • "تاريخ بلاد اليابان"
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:09:31
التصنيفات: تاريخ اليابان, اليابان

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

طقس الثلاثاء..استمرار الأمطار في مناطق من المملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:19:07
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 76%

الـ”OCP” يستحوذ على حصة 50 في المائة من شركة إسبانية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:19:09
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 75%

بدء المرحلة الثانية لتنسيق القبول بالمدن الجامعية بجامعة الأزهر 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:54
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

فيديو يثير ضجة في مصر.. شيرين في وصلة رقص مع شاب

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:21
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 88%

ماذا ننتظر في العام 2023 من التحولات الكبرى

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:14
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 97%

كيف تتعامل ياسمين صبرى مع الشائعات؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:20:47
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

ماذا لو لم يذهب الرئيس السادات إلى القدس؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:15
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 99%

ناسا: اصطدام مركبة فضائية بكويكب بغرض تحويل مساره

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:20:48
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

خبيرة آثار تكشف النقراشي باشا طالب باسترداد رأس تمثال نفرتيتى عام ١٩٤٦

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:56
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

شاهد أندر شجرة بالعالم في اليمن.. تنزف سائلاً أحمر كالدم

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:18
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 96%

إيران: ثورة مهسا أميني تهز مؤسسة النظام بقوة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:13
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 87%

إيران اليتيمة !

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:18:16
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 100%

توصية مجلس المنافسة بشأن ارتفاع أسعار المحروقات بالمغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-27 03:19:11
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 76%

تحميل تطبيق المنصة العربية