وانگ يانگ‌منگ (王陽明, 1472-1529) هوفيلسوف صيني كونفوشي حديث مثالي من أسرة منگ. وكان كذلك مسؤولاً ومربياً وخطاطاً وقائداً عسكرياً. وبعد ژوشي Zhu Xi، يـُعتبر عموماً أبرز مفكر كونفوشي جديد، بتفسيراته للكونفوشية التي نفت الثنوية العقلانية للفلسفة الارثوذكسية لژوشي. ويـُعهد بإسم يانگ‌منج شيان‌شنگ أويانگ‌منج زي (وكلاهما يعني "الأستاذ الألمعي يانگ‌منج") في الدوائر الأدبية.

بعث الفلسفة

نشأت مدارس فكرية منافسة لمدرسة كونفوشيوس خلال الخمسة عشر قرناً الخالية، وحدثت في الحياة العقلية لهذا الشعب الخصيب حركات قوية أثارت لديه أعنف الجدل حول هذه الآراء والآراء المناهضة لها. ولم تقف المبادئ البوذية التي تسربت إلى نفوس الصينيين عند عامة الشعب وطبقاته الوسطى، بل وصلت إلى الفلاسفة أنفسهم، فآثر معظمهم الآن طريقة العزلة والتأمل، وبلغ من بعضهم حتى احتقروا كنفوشيوس لاحتقاره الفلسفة ما وراء الطبيعة، ونبذوا الكيفية التي كان يتبعها في معالجة مشاكل الحياة والعقل، وعابوا عليها أنها طريقة خارجية فجة إلى حد كبير، وأضحت كيفية التأمل الذاتي هي الطريقة المستحبة في دراسة الكون والكشف عن خفاياه، وظهرت لأول مرة نظرية فلسفة الفهم بين الصينيين، وصار الأباطرة يتخذون الفلسفة البوذية أوالدوَّية وسيلة يتحببون بها إلى الشعب أويسيطرون بها عليه، ولاح في وقت من الأوقات حتى سلطان كنفوشيوس على العقلية الصينية قد انقضى عهده إلى غير رجعة.

لكن جوشي أنجاه من هذا المصير. وكما حتى شنكارا قد طعم الفلسفة العقلية التي سادت الهند خلال القرن الثامن عشر الميلادي بما كان للأبانيشاد أحياناً من فراسة وبُعد نظر؛ وكما حتى أكويناس Aquinas في أوربا قد مزج في القرن الثالث عشر مبادئ أرسطووالقديس بولس فأخرج منها الفلسفة الكلامية التي كانت لها الغلبة والسيادة خلال العصور الوسطى، كذلك عمل جوشي في الصين في القرن الثاني عشر، إذ أخذ حكِم كنفوشيوس المتفرقة غير متماسكة، وأقام منها طريقة فلسفية بلغت من النظام حدا أرضى ذوق هذا العصر الذي ساد فيه الفهماء وبلغت من القوة درجة جعلت أتباع كنفوشيوس يتزعمون الحياة السياسية والعقلية في الصين طوال سبعة قرون.

وكان أبرز ما ثار حوله الجدل الفلسفي في ذلك الوقت معنى فقرة في كتاب الفهم العظيم يعزوها جميع من جوشي ومعارضيه إلى كنفوشيوس، فكان المتجادلون يتساءلون: ما معنى هذا المطلب العجيب القائل بأن نظام الدول يجب حتى يقوم على تنظيم أحوال الأسرة، وأن يقوم تنظيم الأسرة على تهذيب الإنسان لنفسه، وأن تهذيب النفس يقف على الإخلاص في التفكير، وأن الإخلاص في التفكير ينشأ من "انتشار الفهم إلى أبعد حد" وذلك عن طريق "البحث عن حقائق الأمور؟".

وكان جواب جوشي عن ذلك حتى هذه الفقرة تعني بالضبط ما يفهم من ألفاظها؛ تعني حتى الفلسفة والأخلاق وسياسة الحكم يجب حتى تبدأ كلها بدراسة الحقائق دراسة متواضعة. وكان يقبل بلا معارضة أومناقشة النزعة الإيجابية التي اتصف بها المفهم الأكبر؛ ومع أنه كان يجهد نفسه في دراسة فهم أصول الكائنات الحية دراسة أطول مما كان يرتضيه كنفوشيوس لوأنه كان حيا، فقد أوصله هذا الدرس إلى حتى يمتزج الإلحاد بالتقوى مزجاً غريباً لعله كان يعجب حكيم شانتونج. وكان جوشي يعترف بوجود شيء من الاثنينية المتناقضة في الحقائق الواقعية كما كان يعترف بها كتاب التغيرات الذي كانت له على الدوام السيطرة على فهم ما وراء الطبيعة عند الصينيين؛ فهويرى حتى اليانج والين- أي الفاعلية والانفعالية، أوالحركة والسكون - يمتزجان في جميع مكان امتزاج الذكورة والأنوثة، ويؤثران في العناصر الخمسة الأساسية: الماء والنار والتراب والمعادن والخشب ليوجدا منها ظواهر الخلق؛ وأن اللي والجي- أي القانون والمادة - وكلاهما عنصر خارجي، ويتعاونان معاً للتحكم في جميع الأمور واكتسابها صورها. ولكن من فوق هذه الصور شئ يجمعها ويؤلف بينهما، وهوالتاجي- أي الحقيقة المطلقة أوقانون القوانين غير البشرى، أوبناء العالم. جوشي يقول: إذا هذه الحقيقة المطلقة هي التين أوالسماء الذي تقول به الكنفوشية الصادقة. وكان يرى حتى الله هوعملية عقلية في الكون منزه عن الشخصية أوالصور المحسوسة، وأن "الطبيعة إذا هي إلا القانون" (18).

ويقول جوحتى قانون الكون السالف الذكر هوأيضاً قانون الأخلاق والسياسة. فالأخلاق الفاضلة هي الانسجام مع قوانين الطبيعة، وخير أنواع السياسة هوتطبيق قوانين الأخلاق على أعمال الدولة، والطبيعة في جميع معانيها تنتهي إلى الخير، وطبيعة الناس خيرة، واتباع سنن الطبيعة هوسر الحكمة والسلام. "وقد أبى جواما وشوحتى يقتلع الأعشاب التي كانت أمام نافذة بيته ونطق إذا ما يدفعها إلى النماء هوبعينه الذي يدفعني" (19). ولربما افترض القارئ من هذه الأقوال حتى جوشي كان يرى حتى الغرائز هي الأخرى طيبة صالحة وأن على الإنسان حتى يطلق لها العنان. ولكنه لم ير هذا بل كان يندد بها ويقول إنها هي المظهر الخارجي للمادة "جي" ويطلب بإخضاعها لحكم العقل والقانون "لي" (20). وقد يحدث في هذا شئ من التناقض ولكن الإنسان لا يستطيع حتىقد يكون عالماً أخلاقيا ومنطقيا معاً.

لقد كان في هذه الفلسفة كثير من الناقض، ولكن هذا التناقض رغم كثرته لم يثر ثائرة كبير معارضيها وهووانج يانج - منج صاحب الشخصية الظريفة الفذة. ذلك حتى وانج لم يكن فيلسوفاً فحسب بل كان إلى جانب ذلك قديساً تملكته نزعة التأمل التي اتصفت بها البوذية المهايانية ، وسرت عاداتها إلى أعماق نفسه. وقد بدا له حتى غلطة جوشي الأساسية ليست فيما يقوله عن الأخلاق بل في طريقته، ولقد كان يرى حتى البحث عن حقائق الأمور يجب ألا يبدأ بدراسة الفهم الخارجي بل بما هوأعمق من هذا العالم وأكثر منه إظهاراً للحقائق وهودراسة النفس الداخلية كما يقول الهنود. ذلك حتى العلوم الطبيعية في بلاد الفهم كلها إذا اجتمعت لا تستطيع حتى تفسر حقيقة غصن خيزران أوحبة أرز، وفي هذا يقول:

قلت لصديقي تشين في السنين الخالية: "إذا كان لابد للإنسان حتى يبحث جميع ما تحت قبة السماء لكيقد يكون حكيما أوإنساناً فاضلا، فكيف يستطيع إنسان في الوقت الحضر حتى يستحوذ على هذه القدرة العظيمة؟" ثم أشرت إلى أعواد الخيزران التي أمام خيمتي وطلبت إليه حتى يفحص عنها ويرى نتيجة فحصه. فواصل تشين نهاره بليله يبحث في عناصر الخيزران، وأضنى عقله وتفكيره بهذا البحث ثلاث أيام كاملة، حتى نضب معين جهوده العقلية وسئم العمل. وظننت في بادئ الأمر حتى منشأ عجزه حتى جهوده وقواه لم تكن كافية لهذا العمل، فأخذت أنا على عاتقي حتى أقوم بهذا البحث، وقضيت فيه ليلى ونهاري ولكني عجزت عن فهم كنه الخيزران. وبعد حتى واصلت العمل سبعة أيام انتابني السقم أنا أيضاً من فرط ما أجهدت نفسي وفكري؛ فلما التقينا بعدئذ نطق كلانا لصاحبه في حسرة: "إنا لا نستطيع حتى نكون حكيمين أوفاضلين" (21).

ومن أجل هذا تخلى وانج يانج - منج عن درس طبيعة الأمور، بل تخلى أيضاً عن دراسة أمهات الكتاب القديمة، فقد بدا له حتى قراءة الإنسان قلبه وعقله وتأملها في عزلته يهيئان له من مسببات الحكمة أكثر مما تهيئه له دراسة جميع الخط والأمور المادية" (22). ولما نفي إلى برية جبلية يسكنها أقوام همج وتنتشر فيها الأفاعي السامة اتخذ له من المجرمين الذين فروا إلى هذه الأصقاع أصدقاء وأتباعاً، وفهمهم الفلسفة وطهي لهم طعامهم وأنشد لهم الأناشيد. وفي ذات مرة، بينما هوقائم بالحراسة في منتصف الليل، قفز من كوخه على حين غفلة وصاح قائلا: "لاشك في حتى طبيعتي وحدها كافية. ولقد أخطأت حين أخذت أبحث عن مبادئ في الأمور المادية وفي شئون الخلق". ولم يكن رفاقه واثقين من أنهم يدركون ما يرمي إليه ؛ ولكنه لم يلبث حتى أرشدهم إلى الغاية المثالية التي كان يرمي إليها فنطق: "إن العقل نفسه لينطوي على القانون الطبيعي، وهل في الكون شئ يوجد مستقلا عن العقل،يا ترى؟ وهل ثمة قانون لا صلة له بالعقل؟" (23) ولم يستدل من هذا على حتى الله مكن تصوير الخيال، بل كان يعتقد أنه قوة أخلاقية غامضة ولكنها قادرة على جميع شئ، وأنها أعظم من حتى تكون إنساناً فحسب، ولكنها قادرة على حتى تحسن بالعطف والغضب على الخلق(24).

المصادر

الهامش

المراجع

• Chan, Wing-tsit (translated and compiled). A Source Book in Chinese Philosophy. Princeton, NJ: Princeton University Press, 1963.
• Needham, Joseph (1986). Science and Civilization in China: Volume 5, Part 7. Taipei: Caves Books, Ltd.
• Antonio S. Cua (1982). The Unity of Knowledge and Action: A Study in Wang Yang-ming's Moral Psychology. University of Hawaii Press. ISBN 0-8248-0786-3.
• Wang Yang Ming in the Internet Encyclopedia of Philosophy

انظر أيضاً

• الكنفوشية الحديثة
• Tu Wei-Ming
• جوشي
• Huo Long Jing