رد الفعل السعودي على ثورة اليمن

عودة للموسوعة

رد العمل السعودي على ثورة اليمن

البداية

فيعشرة سبتمبر 1962 توفى امام اليمن احمد فتولى الحكم ابنه وولي عهده الأمير محمد البدر ، وفي 26 من الشهر ذاته قامت الثورة في اليمن. فقد استغلت مجموعة من الضباط المناوئين للحكم الملكي برئاسة عبد الله السلال فرصة تغيير الامامة فأطاحت بالبدر واستولت على السلطة. وحصل النظام الجمهوري الجديد على تأثييد فوري من مصر. وعند ابتداء هشر نوفمبر 1962 كانت 26 دولة قد اعترفت بالجمهورية العربية اليمنية.

صادرت الحكومة الجمهورية أراضي وقصور وجزء من الممتلكات الأخرى لأسرة حميد الدين وكبار أنصارها. وأعرب النظام الجديد حتى جميع مواطني البلد متساوون في الحقوق بصرف النظر عن انتمائهم الديني أوالقبلي ، وألغي الرق ، وبدأ بإحلال المحاكم المدنية محل الشرعية ، وأخذ يفتح مدارس عامة جديدة.

غدت ثورة اليمن تحذيرا للعائلة المالكة الحاكمة في السعودية ، اذ كانت فيها جميع العناصر الموضوعية للوضع الذي ادى الى الإنفجار الثوري في البلد المجاور : النظام الاقطاعي الاستبدادي وفئته الحكومية الفاسدة ، وانتشار الفقر والجوع بين السكان الذين كانوا قد تحملوا للتوفي فترة 1958 – 1960 أعباء تنظيم الاقتصاد المالية التي تجسدت في انخفاض مستوى المعيشة وزيادة البطالة. واهم من هذا كله انهظهرت في اوساط الضباط والموظفين والتجار وذوي المهن الحرة والعمال والطلبة فئة وسطى نشيطة من الاشخاص الذين اعتنقوا أفكار التحرر الوطني والاجتماعي بصيغتها المتنوعة – الماركسية والناصرية والبعثية – واخذويلحون في المطالبة بالتغيير. وكان المد الثوري في البلدان العربية أنذاك في تصاعد.

غير ان تطور الأحداث في اليمن والاستقرار النسبي للنظام السعودي ، بينا ان شطرا ضئيلا فقط من السكان كان يسعى للتغيير ، وان جزءا اقل كان مستعدا للعمل الحاسم من اجل التغيير. فالمجتمع عموما ، سواء في السعودية أوفي اليمن ذاته ، لم يكن قد تخطى بعد المستوى الاقطاعي القبلي ، وكانت جماهير السكان تؤثر التنظيم الاجتماعي السائد وتقتنع بالمؤسسات الاجتماعية القديمة وتنساق وراء التنطقيد ، وبالتالي وراء الزعماء المحافظين ، ولم تكن تعهد بل ولا ترغب حتى تعهد أي فكر غير الاسلام بالصيغة التي كان عليها في القرون الوسطى . وادى ذلك كله إلى تسهيل مهمة النظام السعودي في البقاء (بدعم هائل من الولايات المتحدة وسائر البلدان العربية) وتقديم العون للقوى الملكية في اليمن.


التجأ الإمام البدر الى السعودية ، وتجمع في المناطق المتاخمة لليمين كبار انصار النظام الملكي والاقطاعيون وشيوخ القبائل اليمنيون. وزودت الحكومة السعودية الملكيين بالمال والسلاح, واغدقت الاموال على القبائل المناوئة للجمهورية وساندت التحركات المعادية للجمهورية داخل اليمن. عادت السعودية لتقف في معسكر واحد مع بريطانيا, في مكافحة الجمهورية اليمنية. فقد ايدت سلطات الاحتلال البريطانية الملكيين خوفا من تأثير الجمهورية اليمنية على عدن والمحميات وتزايد نفوذ مصر الناصرية في شبه الجزيرة العربية. وفيما بعد حصل الملكييون في اليمن على تأييد جميع من الاردن وايران. في بداية تشرين الاول (اكتوبر), وبناء على طلب السلال, بدأت مصر بنقل قواتها الى اليمن جوا وبحرا. وفيخمسة تشرين الاول سمحت السعودية للملكيين بتشكيل حكومة منفى في جدة. وفي 11 من الشهر تحدث نائب رئيس الجمهورية اليمنية عبد الرحمن البيضاني عن "حالة حرب" مع السعودية.

في تشرين الاول (اكتوبر) هرب عدد من الطيلرين السعوديين المكلفين بنقل شحنات عسكرية إلى حدود اليمن, هربوا إلى مصر حيث طلبوا اللجوء السياسي. وكان قد وصل مصر طيار اردني قادما من الطائف, حيث ارسل الملك حسين عددا من الطائرات الاردنية لمساندة النظام السعودي. وقصفت الطائرات المصرية تجمعات الملكيين والمرتزقة الذين حشدوا لتأييدهم. وزعمت الحكومة السعودية ان الطائرات المصرية قصفت في أواخر تشرين الاول (اكتوبر) ومطلع تشرين الثاني (نوفمبر) مخيمات الملكيين في نجران وجيزان. ويبدوان القصف قد حصل بالعمل, ولكن من الملفت للنظر ان الصحفيين الاجانب الذين نقلهم السعوديين إلى جيزان لم يجدوا أثرا لقنابل أوصواريخ.

لفترة من الوقت احجمت السلطات السعودية عن استخدام طائراتها الحربية, وتولت قوات من الحرس الوطني حراسة المطارات. ويقول الصحفي الامريكي شميدت ان "الفئات العليا من المجتمع السعودي كانت منقسمة على نفسها حول ما اذا كان ينبغي الاتفاق مع النظام الجديد في صنعاء أوتأييد الامام في الجبال. وقد سقط ستة من اعضاء الحكومة السعودية, وهم جميعاً لا ينتمون إلى الارستقراطية, مذكرة يوصون فيها بالاعتراف بالجمهوريين. أما الفريق الآخر, وكان بزعامة الأمير خالد, فقد بدأ عملا بمساعدة الملكيين. وكان الملك سعودي كالعادة, متذبذباً بين الدعم النشيط للملكيين والاعترتف الحذر بالثوريين".

أثناء هذا الوضع غير المستقر عاد ولي العهد فيصل في 24 تشرين الاول (اكتوبر) من نيويورك حيث ترأس الوفد السعودي إلى الأمم المتحدة, ووعد بدعم من الولايات التحدة الامريكية أثناء زيارته البيت الأبيض. وذكر شميدت ان "ولي العهد اكتشف ان الوزراء غير الاستقراطيين الذين يمثلون في الواقع الطبقة المتوسطة الجديدة في السعودية, كانوا انهزاميين. ونظراً لضعف ايمانهم بمستقبل السعودية وقدرتها على الاصلاح وحماية نفسها, فقد أخذوا يتسقطون بأن يتمكن الرئيس عبد الناصر من إحراز النجاح في استراتيجيته الواضحة الرامية إلى استثمار الثورة اليمنية والتهديد العسكري لهم بنية النظام الملكي السعودي, وكان بعض الشباب من افراد الاسرة الحاكمة يشاطرون هذه النزعات الانهزامية".

قررت العائلة السعودية الحاكمة رص صفوفها للقاءة الخطر. وكان غالبية الامراء يميلون إلى حرمان سعود من أي دور فعال في السياسة. فقد غدا الملك شخصاً غير مرغوب فيه نتيجة لتفشي الفساد والاسراف في الابهة, كما ان سمعته انحطت في انظار المحافظين بسبب صلاته و"الامراء الاحرار". كما ان واشنطن كانت تؤثر فيصل, لانها لم تنس تصريحات سعود واعماله ذات الطابع القومي في الفترة الاولى لتسلمه السلطة وفي سنتي 1961 و1962. وازاء ضغط الامراء وفهماء الدين اضطر الملك في 25 تشرين الاول (اكتوبر) 1962 إلى تعيين فيصل رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية.

شكل فيصل الحكومة الجديدة في 31 من تشرين الاول وفي تشرين الثاني طرح برنامجاً من عشرة بنود:

- "تعتقد حكومة صاحب الجلالة ان الوقت قد حان الآن لاصدار نظام اساسي للحكم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة خلفائه الراشدين حيث يضع في وضوح تام المبادئ الاساسية للحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم وينظم سلطات الدولة المتنوعة وعلاقة جميع جهة بالاخرى وينص على الحقوق الاساسية للمواطن ومنها حقه في حرية التعبير عن رأيه في حدود العقيدة الاسلامية والنظام العام ..." (تلى هذا المبتر عبارات مبهمة تعد ب"تطوير" مجلس الشورى). "ومما يساعد على بلوغ هذا الهدف السامي ان قواعد شريعتنا السمحة مرنة متطورة صالحة للقاءة جميع الظروف وقابلة للتطبيق في جميع زمان ومكان حسب متطلبات ذلك الزمان والمكان".

- اعلن فيصل ان الحكومة درست ايضاً مسألة نظام الادارة المحلية ووعدت باصدار احكام بهذا الخصوص عما قريب. 3.نص البرنامج على حرص " حكومة صاحب الجلالة على انقد يكون للقضاء حرمته ومكانته فهومناط القسط ورمز العدالة". واعلن عن نية الحكومة في اصدار احكام حول استقلالية الهيئات القضائية وتشكيل وزارة للعدل تكون النيابة العامة تابعة لها.

- "ولما كانت نصوص الكتاب والسنة محددة ومتناهية بينما وقائع الازمنة وما يستجد للناس في شئون دنياهم امور متطورة وغير متناهية, ونظراً لأن دولتنا الفتية تقيم حكمها ... على اساس الكتاب والسنة نصاً وروحاً, فقد أصبح لزاما علينا ان نمنح الفتيا عناية اكبر وانقد يكون لفقهائنا وفهمائنا حملة مشاعل الهدى دور ايجابي فعال في درس ما يستجد من مشاكل الامة بغية الوصول إلى حلول مستمدة من شريعة الله ومحققة لمصالح المسلمين, ولذلك كله فقد قررت حكومة حضرة صاحب الجلالة تأسيس مجلس للإفتاء يضم عشرين عضواً من خيرة الفقهاء والفهماء".

- "ان حكومة صاحب الجلالة لتشعر شعوراً تاما بواجبها للعمل بكل جد واهتمام انشر دعوة الاسلام وتثبيت نادىئمه والذود عنه قولاً وعملاً".

- قررت الحكومة "ان تقوم حالا باصلاح وضع هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يتسار مع الاهداف الاسلامية الرفيعة".

- اعلنت الحكومة ان احدى المهمات الكبرى تتمثل في "النهوض بالمستوى الاجتماعي للأمة" بما في ذلك اعتماد مجانية الطب والتعليم ودعم المواد الاستهلاكية الضرورية والضمان الاجتماعي. "وعندما تقدم الدولة لطائفة العمال فيها نظاماً يحميهم من البطالة, نكون بذلك قد وصلنا إلى المستوى الاجتماعي الذي لا يزال يراود كثيراص من دول العالم المتحضر وحققنا عملياً اهداف العدالة الاجتماعية الحقة دون ان تطغى الدولة على حريات الناس الفردية اوتسلبهم اموالهم وحقوقهم ... انها تسعى جادة إلى إجراء تعديلات هامة في شكل الحياة الاجتماعية وإلى توفير الوسائل للتسلية لميع المواطنين".

- نضمن حكومة صاحب الجلالة بأن التطور الاقتصادي والتجاري والاجتماعي الذي ساد مجتمعنا في السنوات الاخيرة لا يزال في كثير من مجالاته يفتقر إلى التنظيم ولذلك فإن مجموعة كبيرة من الانظمة الهامة ستأخذ طريقها تباعاً إلى الصدور". وجرى التأكيد على ضرورة استحداث هيئات مستقلة لمتابعة تطبيق هذه الانظمة.

- واتى في البرنامج ان "الانتعاش المالي والتطور الاقتصادي هوشغل الحكومة الشاغل ... فقد اتخذت حكومة صاحب الجلالة وسوف تتخذ اجراءات هامة وحاسمة لوضع رامج اصلاحية ملموسة ينتج عنها انتعاش دائم للحركة الاقتصادية".

- ونص البرنامج على ضرورة إلغاء الرق بشكل مطلق وحظره وعتق العبيد جميعا.

وبذا فإن ولي العهد ورئيس الوزراء قد طرح برنامجا لتعزيز وصيانة النظام الاقطاعي الملكي دون إجراء تغيرات جوهرية في أسسه. ان العبارات المبهمة حول صدور نظام أساسي مستمد من القرآن والسنة مع مراعاة التغيرات في المجتمع, وحول النظام القضائي وإصلاح وضع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أثارت إستياء الكثير من السعوديين, وغير ذلك مما ورد في البرنامج الجديد كان يهدف إلى إخماد النزعات الثورية في أوساط جزء من السكانم وإرضاء أنصار الإصلاحات المعتدلة. ووعد رئيس الحكومة الطبقة البرجوازية المتنامية بإصدار أنظمة جديدة وتشكيل "هيئات مستقلة" لمتابعة تطبيقها, وضمان الانتعاش الاقتصادي. ووعد فيصل فئات واسعة من السكان بتحسين وضعهم المعاشى وتخفيض الاسعار وتقديم مختلف الخيرات الاجتماعية وحمايتهم من البطالة. وتمشياً مع روح العصر عثر فيصل ان من الضروري التأكيد على وسائل التسلية البريئة مبتعداً بذلك عن الزهد الصارم. وأخيراً فقد اشار البرنامج إلى اعتزام إلغاء الرق الذي أصبح من أقبح رموز النظام السعودي. لم ينفذ برنامج فيصل أبداً من حيث العموم. وفيما بعد لم تعد وسائل الاعلاموالاصدارات الرسمية السعودية تذكر هذه الوثيقة الهامة خشية جلب الانظار للوعود المنسية حول الاصلاحات.

وكانت مختلف إجراءات الحكومة ذات طابع محدد للغاية. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1962 صدر مرسوم بإلغاء الرق, والتزمت الحكومة بموجبه بدفع سبعمائة دولار عن جميع عبد وألف دولار عن جميع أمة. وفيسبعة تموز (يوليو) 1963 بلغ العدد الاجمالي للعبيد الذين طالب اسيادهم بدفع تعويض عنهم 1682 عبداً, فدفعت الحكومة التعويضات واعتقتهم. واعتبر سائر العبيد معتوقين تلقائياً بعد التاريخ المذكور الذي حدد كأجل نهائي لدفع التعويضات. وكان الجزء الأساسي من المعتقوين من عبيد العائلة المالكة. وذكرت مجلة "نيوزويك" ان "غالبية أسياد العبيد تجاهلوا عرض الحكومة لان مبلغ التعويض كان يقل مرتين عن ثمن العبد في سوق الرقيق".

وفي العادة كان العبد المعتوق يضطر إلى البقاء عند اسياده السابقين, لصعوبة ايجاد عمل في بلد فيه يكثر فيه العاطلون عن العمل, أويبقى دون مقومات العيش. توصل فيصل والمقربون إليه, بأنفسهم أوبنصح من الخبراء الامريكان, إلى استنتاج حول ضرورة تدخل الحكومة بنشاط أكبر في الحياة الاقتصادية. والمقصود بذلك تأسيس قطاع عام في الاقتصاد. صدر في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1962 مرسوم يقضي بتأسيس الهيئة العامة للبترول والموارد المعدنية (بترومين) لدى وزارة الصناعة البترولية والتعدينية, برئاسة الوزير. واوكلت إلى الهيئة اعمال استخراج ونقل وترويج النفط وسائر الموارد المعدنية. ولهذا الغرض ترتب تأسيس شركات أوقيام الهيئة نفسها باستثمار رأسمال في الشركات القائمة بالعمل. كما كلفت بترومين بمهمة تطوير الصناعة البتروكيمياوية بالاستفادة من الغاز الطبيعي.

في مطلع عام 1963 صدرت انظمة المصرفين الصناعي والزراعي في السعودية. ونصت ميزانية سنة 1962- 1963على زيادة كبيرة في الاعتمادات المخصصة لاغراض التعليم والصحة. نهاية ازدواجية السلطة. مبايعة فيصل ملكاً. بعد حتى أعربت حكومة فيصل الاحكام العهدية في الأول من كانون الثاني (يناير) 1963, شرعت تنكل بالمعارضة. واعتقلت الشخصيات ذات الميول الاصلاحية, بالاضافة إلى إلقاء القبض على عدد من الضباط المظليين بتهمة التآمر ضد نظام الحكم. ولكن جبهة التحرير الوطني صعدت من نشاطها في الخارج.

في خريف 1962 قصد سعود اوروبا للعلاج, فاخذ فيصل يعمل بنشاط لاحكام سيطرته على السلطة, وعين اخاه الشقيق عبد الله قائداً للحرس الوطني واخاً آخر حاكماً للرياض. عاد سعود إلى الرياض في 27 نيسان (ابريل) 1963 ولكنه غداً في عزلة. فقد طالبه 39 من اخوته بتسليم فيصل السلطة العملية, على ان يظل ملكاً, فغادر سعود البلاد.

اثر ذلك عزل فيصل جميع ابناء سعود من المناصب الحكومية الهامة, وعين محلهم اخوته الثلاثة خالد وفهد وسلطان, وعمه الامير مساعد بن عبد الرحمن الذي كان من خلصائه. وبعد ذلك ابعد ولي العهد عن العاصمة جزءاً كبير من الحرس الملكي الذي كان مؤلفاً من ثلاث كتائب مزودة بالدبابات والمدافع المضادة للجووتدرب غالبية ضباطه في الولايات المتحدة. وكان جنود الحرس الملكي يتقاضون رواتب عالية ويحصلون على دور وبتر اراضي وسلفة للبناء. ونقل فيصل كتيبتين من الحرس الملكي (كتيبة مشاة وكتيبة مدرعات) إلى الحدود السعودية اليمنية في الجنوب, ودمجها في الجيش النظامي. سمح للملك سعود بالعودة شريطة الا يتدخل في شؤون البلد, فاضطر إلى الموافقة وعاد إلى السعودية في 13 ايلول (سبتمبر) 1963.

في 22 آذار (مارس) 1964 قام سعود بمحاولة يائسة لاستعادة السيطرة على الدولة, فطالب بوضع السلطة التطبيقية بكاملها تحت اشرافه. رفض فيصل وحشد الحرس الوطني لمؤازرته. وفي 25 آذار نصح مفتي الديار السعودية الملك بالموافقة على مطالب ولي العهد, فرفض الملك املا في الحصول على دعم وحدات الحرس الملكي المتبقية تحت امرته. وحينذاك اصدار فيصل امرا إلى الحرس الوطني بتطويق القصر. وكانت القوى غير متكافئة بالمرة, فاستسلم الحرس الملكي. في 29 آذار (مارس) اصدار الفهماء فتوى ايدها افراتد الاسرة المالكة, حول تسليم السلطة باكملها لفيصل على ان يبقى سعود ملكاً بالاسم فقط.

واثر هذه الفتوى اصدر مجلس الوزراء سلسلة من القرارات في 28-30 آذار, تقضي بالغاء سيطرة الملك على الحرس الملكي وحرسه الخاص, وتسليم التشكيل الاول لوزارة الدفاع والثاني لوزارة الداخلية. والغى مجلس الوزراء البلاط وقلص إلى النصف المخصصات السنوية للملك, فجعلها 183 مليون ريال سعودي (الدولار الامريكي = 4.5 ريال). ولم يعد بامكان سعود ادارة شؤون الدولة, واحيلت جميع صلاحيات الملك لولى العهد فيصل. وسقط 68 اميراً من الاسرة المالكة مذكرة تؤيد احالة السلطة إلى فيصل. لقد كانت احداث آذار (مارس) عام 1964 تكراراً لانقلاب عام 1958, مع فارق واحد وهوان سعود حاول في هذه المرة ابداء نوع من المقاومة ولكنه اخفق.

بدأ فيصل في صيف 1964 يمهد للاطاحة باخية غير الشقيق عن العرش نهائياً. وفي 24 تشرين الاول (اكتوبر غادر جدة متوجهاً إلى الرياض, والتقى في الطريق بزعماء البدو. واجتمع الامراء وشيوخ القبائل وفهماء الدين في العاصمة, حيث عرضوا على سعود التنازل عن العرش والكف عن ممارسة النشاط السياسي.

في 28 تشرين الاول (اكتوبر) 1964 اجتمع فهماء الدين في منزل مفتي اليار السعودية محمد بن ابراهيم آل الشيخ, ثم عقدوا اجتماعا مع الامراء في فندق "الصحراء" بالرياض. ويذكر دى غورى ان عد المشاركين في الاجتماعيين بلغ زهاء مائة امير و65 عالما, اى جميع الفئة العليا من الهرم السياسي الديني في السعودية. صادق مجلس الوزراء في تشرين الثاني (نوفمبر) على قرارين: فتوى الفهماء بمبايعة فيصل ملكا, ورسالة سقطها جميع افراد الاسرة المالكة تبايع فيصل ملكا وتدين له بالولاء. كما والىالملك الجديد اعضاء مجلس الشورى وممثلوا اهم المحافظات. وتوجه اعضاء الحكومة برئاسة خالد إلى سعود لاعلامه بالقرار. وفي أربعة تشرين الثاني (نوفمبر) اقسم الحرس الوطنى يمين الولاء لفيصل. ولكن سعود ظل مترددا آملا في حدوزث معجزة, فهدد بحرمانه من املاكه ووضعه تحت الاقامة الجبرية اذا استمر متعنتا. حينذاك سقط سعود تنازله عن العرش, وفي كانون الثاني (يناير) 1965 غادر البلاد, بعد ان ادى يمين الولاء لاخيه. وفي آذار (مارس) 1965 عين فيصل اخاه غير الشقيق الامير خالد وليا للعهد.

انتهت بذلك فترة الصراع على السلطة بين آل سعود والتي استمرت ست سنوات. وفي العام الاول لتوليه الحكم جمع فيصل بين منصبي الملك ورئيس الوزراء, وتولى السلطة التطبيقية العملية وكان يقوم بتعيين الوزراء واعفائهم ويقبل استنطقتهم. وصار جميع الوزراء خاضعين مباشرة للملك الذي غدت لديه عمليا سلطة كبيرة مماثلة والده عبد العزيز.

المعارضة في الستينات ومطلع الستينات: ادت ثورة اليمن والمجابهة المصرية السعودية إلى تصاعد مؤقت في نشاط مجموعة الامير طلال. فقد اعلن في 23 تشرين الاول(اكتوبر) 1962 عن تشكيل جبهة التحرير العرية ونشر برنامجها. وذكر طلال ان التنظيم الجديد سيناضل من اجل اقامة نظام ديمقراطي في السعودية والغاء االرق هناك ويعمل في سبيل اعادة النظر في اتفاقيات الامتيازات النفطية بغية حماية مصالح البلد وانشاء شركة وطنية لاستخراج النفط, ويكافح في سبيل الوحدة العربية وضد الاحلاف الامبرالية والقواعد العسكرية. وقد راعى الامير فيصل الكثير من مطالب طلال وادراجها في بيانه البرنامجي.

في مطلع الستينات وضعت الصيغة التنظيمية لمجموعة معارضة اخرى وهي اتحاد ابناء الجزيرة العربية (اتحاد شعب الجزيرة العربية فيما بعد), وترأسها ناصر السعيد, العامل السابق في ارامكو. واعلنت المنظمة انها تمثل جميع فصائل الكادحين, بمن فيها العمال والفلاحون والطلاب والموظفون والجنود والضباط والاطباء. ووزعت المنظمة في جدة والرياض ومكة منشورات مناهضة للحكم الملكي. ودعت المنظة في اذاعة موجهة من القاهرة إلى تصفية الحكم الملكي السعودي وتأسيس جمعية وطنية تمثل جميع فئات الشعب, كما اعلنت عن تأييد لعبد الناصر وتنديدها بالملك حسين. وبعد ثورة اليمن انتقلت قيادة الاتحاد من القاهرة إلى صنعاء. وانشأت المنظمة قيادة عليا للعمل في السعودية, كان من بين اعضائها ناصر السعيد. بديهي ان مجموعتى طلال (الاقطاعيون واليبراليووالبرجوازية التجارية) وناصر السعيد "الفءات الوسطية" كانت متباينتين من حيث التؤكيب الاجتماعي والتطلعات السياسية واساليب النضال, وكانت تتبادلان التهجمات.

اما جبهة التحرير الوطني فقد حاولت توحيد القوى المعارضة, وفي كانون الاول (ديسمبر) 1962 اندمجت بجبهة التحرير العربية, حيث صار اسم التظيم الجديد جبهة التحرير الوطني العربية وانتخب طلال امينا عاما لها. وشرعت هذه الجبهة بنشر موادها في صحيفة "الكفاح" اللبنانية تحت ركن "صوت الجبهة". وكان برنامجها يضم المطالبة بالحكم الدستوري اليمقراطي وانتخاب هيئات السلطة وحرية الفكر والحدثة وحرية الاجتماع والتنظيم السياسي والنقابي, وحق الكادحين في الاضراب والتظاهر, واجراء تغيير جذري في الجهاز الحكومي, ونشر التعليم ومكافحة الامية وتعليم النساء اسوة بالرجال, وتصنيع البلد وتوزيع الاراضي الاميرية على الفلاحين, وتطوير الصحة وتوفير الخدمات الصحية لجميع المواطنين, واقامة التعاونيات الزراعية, وتحسين وسائل المواصلات وتعزيز الجيش وتجهيز باحدث الاسلحة, واعادة النظر في اتفاقيات النفط لصالح العربية السعودية, وانشاء شركة وطنية لاستخراج وتكرير النفط, والدفاع عن الوحدة العربية والنضال ضد الاحلاف الامبريالية والقواعد العسكرية, واتباع سياسة الحياد الايجابي والتعايش السلمي واقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع جميع البلدان.

بيد ان مجموعة طلال امسحبت في ىب (اغسطس) 1963 من جبهة التحرير الوطني العربية, ومنذ ذلك الحين اخذت تسمى مجددا جبهة التحرير الوطني. وقد تدهورت علاقات "الامراء الاحرار" بالرئيس عبد الناصر وخاصة بعد ان اخذت اذاعة اليمن تدعوإلى "تصفية جميع افراد الاسرة السعودية المالكة دون استثناء". وفي شباط (فبراير) 1964 عاد طلال إلى الرياض بعد ان كان اخوته قد وصلوا اليها قبل شهر من ذلك. وبذا انفرط عقد "الامراء الاحرار", ولم يسمع منذ ذلك شئ عن نشاطهم السياسي. لم تتمكن المعارضة الديمقراطية الثورية المنظمة من احراز نجاح داخل البلد. وفي كانون الاول (ديسمبر) 1962 اعتقل 40 من الضباط الشباب الذين خططوا للقيام بانقلاب. وفي شباط (فبراير) 1963 اكتشفت اجهزة الامن السعودية مجموعة جديدة توحد الوطنيين.

شهد البلد اضطرابات عمالية في فترة 1962-1966. ففي عام 1962 توقف عمال المطابع المصريون في جدة عن العمل احتجاجا على التهجمات ضد مصر. وفي عام 1963 اضرب السعوديون والبحرانيون العاملون لدى احد المقاولين في المنطقة الشرقية. وفي العام نفسه جرى إضراب في معمل للأسمنت. وإضراب عمال النفط في المنطقة المحايدة مطالبين بتقليص اسبوع العمل من 48 إلى 40 ساعة. وفي عام 1964 قاطع عمال ارامكومطاعم الشركة وحوانيتها, ونظموا مظاهرة. وبالرغم من صدور مرسوم عام 1965 الذي يحظر جميع انواع الاتحادات والروابط العمالية وحتى العقود الجماعية, فان تسعمائة من عمال ارامكوبرهنوا عام 1966 على وجود نوع من التنظيم لديهم, وحملوا إلى مخط الشكاوى التابع لمجلس الوزراء عريضة تتضمن مطالب اقتصادية.

بيد ان جميع هذه النشاطات لم تكن ذات طابع جماهيرى. وحتى مطلع عام 1967 لم تكن هناك بوادر تدل على ان النظام السعودي قد تعرض لخطر جدى يذكر من قبل المعارضة السرية. وكانت السلطات تعلن بين الحين والحين عن اعتنطق افراد بتهمة القيام "بنشاط هدام" أو"الانتماء إلى منظمات سرية معادية للنظام". وفي كانون الاول (ديسمبر) 1965 اعلنت وزارة الداخلية عن اعتنطق 65 شخصا بتهمة "النشاط الهدام", ووجهت ل34 شخصا تهمة "الانتماء إلى منظمة سرية انحرفت عن الصراط المستقيم, وترمى إلى الاخلال بأمن البلاد". وبعد ان سجل المتهمون اقرار تحريريا اعلنوا فيه انهم مذنبون وطلبوا العفو, اطلق الملك سراحهم ولكن حظر عليهم مزاولة وظائف حكومية, وابعد الاجانب منهم. وكانت هناك مجموعة ثانية تتألف من 31 شخصا اتهموا ب"الشيوعية" واتباع "المبادئ الهدامة". وحكم على 19 منهم بالحبس لمدد تتراوح بين 5و15 سنة.

فيتسعة كانون الثاني (يناير) 1967 اعلت عن القاء القبض على "مخربين مدربين", واتهموا بتنظيم تفجيرات في مؤسسات حكومية عديدة منها وزارة الدفاع ومبنى البعثة العسكرية الامريكية وقصور الامراء والقاعدة العسكرية القريبة من حدود اليمن. وزعم ان المخرين ليسوا من المواطنين السعوديين, بل انهم متسللون من جمهورية اليمن. وفي آذار (مارس) اعدم 17 منهم علنا في الرياض (ببتر رؤسهم) وطرد من البلد ما يزيد على 600 يمنى.

في كانون الاول (ديسمبر) 1966 انتقل الملك السابق سعود من اوروبا إلى القاهرة, سرعان ما غدا واضحا انه لم يفقد الامل في استعادة عرشه بمساعدة ... الرئيس عبد الناصر. ومن سخريات القدر ان سعود كان من الد خصوم الرئيس المصرى, وسبق ان اتهم بتنظيم مؤامرة لاغتيال عبد الناصر. وتحدث سعود في سلسلة لقاءات من اذاعة القاهرة سمى فيها فيصل ب"عميل للامبرايالية" واتهمه بأنه ... تحالف مع الاستعمار ضد اشقائه العرب. وقد اثارت تأكيدات سعود حول امله في العودة إلى البلد "بأي ثمن", تكهنات بأنه يخطط لتنظيم غزوعسكري للسعودية بمساعدة القبائل الموالية له.

في نيسان (ابريل) 1967 وصل سعود إلى صنعاء في زيارة استغرقت ثلاثة ايام. وقد رحب به عبد الله السلال باعتباره "الملك الشرعى" للسعودية. وبعد العدوان الاسرائيلى في حزيران (يونيو) 1967, الذي جرى اثره تقارب مصرى سعودى وتقرر وقف العمليات العسكرية في اليمن, توقفت حملة سعود وغادر إلى اوروبا في ايلول (سبتمبر). ولكنه عاد إلى مصر في تشرين الثانى (نوفمبر), إلا انه لا تتوفر معلومات عن نشاطه السياسي لحين وفاته في شباط (فبراير) 1969.

ابان حرب حزيران جرت في رأس تنورة والظهران مظاهرات معادية لاسرائيل وامريكا. وهاجم المتظاهرون في الظهران القنصلية الامريكية. وجرت اثر ذلك حملة اعتنطقات, وتذكر بعض المصادر ان عدد ا من المعتقلين قد قتلوا. وطرد من البلد مئات الفلسطنيين. وفى اواخر حزيران (يونيو) نظم المستخدمون العرب في ارامكواضرابا جزيئا استمر بضعة ايام.

شهدت سنة 1968 انحسارا وقتيا في المعارضة الداخلية والخارجية للملك فيصل. وسحبت القوات المصرية من اليمن, وتخلت مصر عن دعم المعارضة داخل المملكة لقاء دعم مالى ومساعدات أخرى من السعودية. اثارت سياسة التغييرات التدريجية والحذرة التى اجراها الملك فيصل استياء داخل الاسرة الحاكمة, سواء لدى اولئك الذين اعتبروا التغييرات مغالية في اليبرالية والديناميكية, أوالذين اعتبروها بطيئة للغاية وغير حاسمة. وكان لكل وجهتى النظر هاتين انصار بين الامراء, مما أدى إلى احتكاكات مبعثها التنافس الشخصي. وحصل نوع من التوتر داخل العائلة المالة بسبب سوء صحة الملك فيصل والصراع الخفى على الارث السياسي المحتمل. وقد اجريت لفيصل عملية جراحية في جنيف في تشرين الاول (اكتوبر) عام 1970. وبديهي ان حالته الصحية اثارت المسألة التالية: أى من كتل الامراء ستكون لها الحدثة الفصل في حالة وفاة الملك أواعتزاله. وأصبح الشخص الثالث في العائلة, بعد ولى العهد خالد, فهد بن عبد العزيز وهومن مجموعة قوية من الاشقاء المنتسبين إلى عائلة السديرى من جهة الأم.

عملت سراً في السعودية خلال الستينات ومطلع السبعينات بضع منظمات ديمقراطية ثورية هى جبهة الوطنى السعودية واتحاد شعب الجزيرة العربية, بالاضافة إلى المجموعات الجديدة مثل الحزب النجدى الثورى الذي اعلن عن اعتزامه النضال ضد "الطغمة الرجعية الحاكمة", والجبهة القومية الديمقراطية في العربية السعودية المكونة من بعثيين وناصريين سايقين. وكانت مراكز نشاط هذه القوى خارج المملكة, ومن المحتمل انه كان لها اعضاء نشطاء داخل البلد.

في الخامس من حزيران (يونيو) 1969 نظمت مجموعة كبيرة من الضباط السعوديين, وغالبيتهم من سلاح الطيران, محاولة انقلاب. وزعم ان الضباط كانوا يعتزمون اغتيال الملك فيصل واخاه قرب نجران. وفيستة شباط (فبراير) بدأت تدريبات مشهجرة للمظليين الامريكان والسعوديين قرب جدة, وشارك فيها مائة مظلى امريكى وصلوا من المانيا الغربية.

اتسع نطاق الحرب الاهلية في اليمن والنزاع السعودى المصرى. وقام السعوديون بتمويل الملكيين وتزويدهم بالاسلحة والذخائر والمؤن والمواد الطبية. وفي كانون الاول (ديسمبر) وصل تعداد القوات المصرية في اليمن إلى 13 الفا, وفي شباط (فبراير) 1963 بلغ عشرين الفا, كما اوفدت مصر إلى اليمن اطباء ومفهمين ومهندسين زراعيين وفنيين.

في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1962 وجه الرئيس الامريكى جون كندى رسائل إلى رئيس الوزراء السعودى فيصل والملك الاردنى حسين ورئيس الجمهورية العربية المتحدة عبد الناصر والرئيس اليمنى السلال, ضمنها تصوراته حولسبل حل نزاع اليمن. وقد تجاهل الرئيس الامريكى الامام وحاشيته. واقترح كندى على الجمهورية العربية المتحدة سحب قواتها المسلحة من اليمن, وفي اللقاء اقترح على السعودية والاردن ومشايخ وسلاطين اتحاد جنوب الجزيرة (الذي شكله البريطانيون عوضا عن محميات جنوب اليمن), وقف المساعدات للملكيين. وفي اليوم نفسه اعلن فيصل عن رفضه اقتراح كندى. وفي اليوم التالى رفض الرئيس جمال عبد الناصر بدوره اقتراح كندى, اعلن انه لن يوافق على سحب القوات المصرية من اراضى اليمن إلا إذا زال الخطر الذي يهدد اليمن الجمهورى. ولم يوافق على مبادرة كندى إلا الرئيس اليمنى عبد الله السلال.

يبدوان واشنطن اعتبرت قضية الملكيين ميؤوسا منها في خاتمة المطاف. وفي 14 كانون الاول (ديسمبر) 1962 اعلنت حكومة الجمهورية العربية اليمنية انها ستغلق السفارات والبعثات الدبلوماسية لجميع ابلدان التي تعترف بالجمهورية. وفي 19 كانون الاول اعلنت وزارة الخارجية الامريكية رسميا عن اعتراف الولايات المتحدة باليمن الجمهورى.

في اوائل عام 1963 خاض الجمهوريين اليمنيون المدعومين من قبل القوات المصرية معارك ضارية ضد الملكيين والمرتزقة المتسللين من السعودية ومحميات جنوب اليمن البريطتنية. وكانت وحدات الملكيين المشكلة بمساعد السعودية وبريطانيا جزئياً, تتآلف آنذاك من زهاء اربعين الف شخص, ولها قواعد تموين ومعسكرات على اراضى السعودية وجنوب اليمن. ورغم ذلك فقد تمكن المصريون والجمهوريون ف يشباط – آذار (فبراير – مارس) 1963 من تحرير مدينيتى مأرب وحريبفي شرق اليمن من الملكيين. بيد ان وحدات الملكيين كانت تتسلل باستمرار إلى اراضى اليمن عبر الجبال والصحارى. وكانت هناك مناطق في الجبال واقعة تحت سيطرة المتمردين التامة. وقد تحولت الحرب الاهلية داخل اليمن في الواقع إلى حرب بين الجمهورية العربية المتحدة والسعودية واستنزفت الطرفين.

يقول شميدت:" لودرسنا باهتمام فترة السنوات الاربع لوجدنا ان كلا من الطرفين بذل جهودا مستميتة للخروج من المأزق. وقام المصريون بأول هذه الجهود في شباط – آذار (فبراير – مارس) عام 1963 أثناء ما يسمى ب"هجوم رمضان", حينما تمكنوا من الاستيلاء على الجوف في شمال شرقى اليمن ومدينتى مأرب والحريب في الجزء الشرقى من البلد. واتى الجهد الثانى, الذى قام به الملكيون, بعد فترة فصل القوات. ففى كانون الثانى – شباط (يناير – فبراير) 1964 تمكن الملكيون من ان يبتروا لبضعة اسابيع الطريق بين صنعاء والحديدة وهوالشريان الرئيسى الذى يغذى الجيش المصرى .. أما الجهد الثالث فقد بذله المصريون في صيف العام ذاته بتحشيدهم قوات في الشمال الغربى, حيث جرت في آب – ايلول (اغسطس – سبتمبر) اكبر العمليات الهجومية وذلك في منطقة حرض. وكان هدف العملية يتمثل في اغلاق الحدود مع السعودية واسر الامام اوقتله. ولكن لم يتحقق اى من هذه الاهداف. وفى هذه الاثناء هيأ الملكيون في الشمال والشمال الشرقى الظروف لشن اكبر هجماتهم, وقاموا بالجهد الرابع خلال فترة السنوات الاربع. وبعد الانهيار التام لاتفاقية الاسكندرية بين الملك فيصل والرئيس جمال عبد الناصر, منى الجمهوريون بهزيمة ادت إلى عقد اتفاقية جدة في آب (اغسطس) 1965 وانسحاب المصريين من شمال وشرق اليمن".

في ربيع عام 1963 اتفقت الرياض والقاهرة على ضرورة انهاء العمليات الحربية في اراضى اليمن وفص القوات. وفي نيسان (ابريل) 1963 اتفقت الجمهورية العربية المتحدة والسعودية والجمهورية العربية اليمنية على السماح لمراقبين من هيئة الامم المتحدة بدخول اليمن. وفي تموز (يوليو) 1963 وصلت وحدات الامم المتحدة شمال اليمن واقامت نقاط سيطرة في عدد من المناطق. وقامت دوريات جوية وبرية من قوات الامم المتحدة بالكشف على مناطق الحدود غير ان مردود هذه العمليات كان ضئيلا للغاية.

في مطلع آذار (مارس) 1964 اتفق وفدان من مصر والسعودية على عقد لقاء بين رئيس الوزراء فيصل والرئيس عبد الناصر لوضع خطة ملموسة لانهاء الحرب في اليمن. وقد عين موعد اللقاء في نيسان (ابريل) ولكنه ارجئ بسبب احتدام الصراع على السلطة بين فيصل وسعود. واصرت الجمهورية العربية المتحدة على ان تعترف السعودية بالجمهورية العربية اليمنية وتكف عن مساعدة الملكيين اليمنيين, على ان يعقب ذلك انسحاب القوات المصرية من اليمن. ولكن السعودية ظلت تعترف بالامام البدر حاكما شرعيا لليمن, وتسوف في بدء المفاوضات الرسمية التى كانت لتعنى اعترافها بأنها طرف في النزاع اليمنى, واصرت على ان يتم اولا اعترافها بأنها طرف في النزاع اليمنى, واصرت على ان يتم اولا الانسحاب غير المشروط لجميع القوات الاجنبية (اى المصرية) من اليمن. ولم تدرج السعودية في عداد هذه القوات وحدات المرتزقة العاملة إلى جانب الملكيين, والتى لم تكن من الناحية الشكلية ضمن جيش اى من الدول. وفي هذا الظرف لم يعد هناك جدوى من عمل بعثة الامم المتحدة, المرابطة في اليمن من تموز (يوليو) 1963, فغادرت البعثة وقوات الامم المتحدة البلد في مطلع ايلول (سبتمبر) 1964.

كان ثمة خطر تحول النزاع في اليمن إلى حرب حقيقية بين الجمهورية العربية المتحدة والعربية السعودية. وقد نشرت صحيفة "النهار" البيروتيوفي مطلع ايلول (سبتمبر) 1964 لقاءة مع فيصل نطق فيها ان القوات المسلحة السعودية يمكن ان تدخل اراضى اليمن بطلب من الامام. وكان ذلك تهديدا سافرا, إلا ان السعودية لم تكن تمتلم القوات الكافية للقيام بمثل هذه العملية. ظل الموقف المصرى على حاله, ولكن تم خلال المفاوضات المصرية السعودية التي جرت في مؤتمر القمة العربي بالاسكندرية في ايلول (سبتمبر) 1964, الاتفاق على ان يتولى البلدان التوسط بين الجمهورين والملكيين لتسوية النزاع.

في 2 و3 تشرين الثانى (نوفمبر) 1964 عقد في مدينة اركويت بالسودان مؤتمر حضره ممثلون عن الجمهورية العربية اليمنية والملكيين, وتقرر خلاله وقف اطلاق النار ابتداء من تشرين الثانى 1964, بيد ان هذه الهدنة لم تدم اكثر من يومين. ادت العمليات الحربية الطويلة الامد في اليمن إلى خلق صعوبات كبيرة ليس للجمهورية العربية اليمنية فحسب, بل ولمصر والسعودية ايضا. وقد ازداد تعداد القوات المصرية الموجودة في اراضى اليمن من ثلاثة الاف إلى خمسين الفا. وخلال الفترة الممتدة من تشرين الاول (اكتوبر) 1962 إلى ربيع عام 1965 فقدت مصر زهاء 15 الف قتيل في اليمن. كما اغتال عشرات الآلاف من اليمنيين. وقد اتت الحرب على خزانة مصر وقوضت اقتصادها. ولم تنشر الحكومة السعودية معلومات عن نفقاتها ولكن من المؤكد انها انفقت مبالغ طائلة.

لقد بالغ عبد الناصر في تقدير قواه, بارساله قوات لمساعدة الجمهوريين. ويبدوانه افترض بأن العملية وسوف تستغرق بضعة اسابيع أوعدة أشهر على أكثر تقدير. وكانت النتائج المحتملة لهذه العمليات تبدوله جديرة بالجهود : طرد البريطانيين من جنوب اليمن, بما فيه عدن, والانفجار الثورى في السعودية الذى يمكن ان يؤدى إلى قيام نظام ديمقراطى ثورى صديق له في هذا البلد الغنى بالنفط, والضغط على مواقع الغرب في حوض الخليج. ولكن امد الحرب طال. ولم يكن المجتمع اليمنى مهيئا بعد للتغيرات الثورية العميقة التى بدأت في البلد. وكان للملكيين مواقع قوية داخل اليمن ودعم كبير الخارج. كما ان الجنود المصريين, من ابناء الفلاحين الذين تربوا في وادى النيل وحوضه, لمقد يكونوا مكيفين بالشكل المطلوب لخوض عمليات في الجبال والصحارى. وقد ازداد تعداد القوات المصرية إلى 60 -70 الفا عام 1967.

بيد ان كلا من مصر والسعودية كان يربط بمصير اليمن حسابات تتعدى حدود اليمن وحتى الجزيرة العربية كلها. صارت القضية اليمنية من البنود الاساسية لمجمل السياسة العربية لكل من البلدين. ابتداء من اواخر عام 1964 استغلت الجمهورية العربية المتحدة نجاحاتها العسكرية المؤقتة في اليمن فاتخذت موقفا اكثر تشددا ازاء السعودية. وبدأت ترتسم معالم نزعة ازدياد دور القيادة المصرية في ادارة شؤون الدولة في الجمورية العربية اليمنية.

في اواخر حزيران (يونيو) 1965 اشار عبد الناصر إلى انه اذا لم تسفر المفاوضات السعودية المصرية عن نتائج ملموسة فان مصر يفترض أن تضطر إلى تصفية بؤر العدوان بالقوة. واثيرت في الجمهورية العربية اليمنية مسألة الاراضى التى صارت جزءا من السعودية, وهى عسير (منطقة جيزان) ونجران. وسعت الصحف المصرية للبرهنة على عائدية هذه الاراضى لليمن.

ضعفت مواقف مصر في الجمهورية العربية اليمنية إلى حد كبير في اوساط عام 1965. واخذ يتزايد في المعسكر الجمهورى نفوذ الجناح المحافظ ذى الميول المناوئة لمصر, والمعتمد على شيوخ القبائل وفهماء الدين وبعض فئات التجار. ولم تتحقق آمال زعماء مصر في حدوث تعقيدات في الوضع السياسى الداخلى للسعودية. وفي اليمن بدأ الملكيون الذين سلحتهم السعودية وايران يهاجمون, بينما كان الجمهوريون والمصريون يسلمون مسقطا اثر آخر .

هكذا كانت الاوضاع في لحظة انعقاد لقاء الرئيس عبد الناصر بالملك فيصل في جدة في 22 آب (اغسطس) 1965, والذى تكلل في 24 من الشهر بعقد اول اتفاقية مصرية سعودية تهدف إلى تسوية النزاع في اليمن. ولم يشارك في المفاوضات الجمهوريون ولا الملكيون.

نصت اتفاقية جدة لعام 1965 على منح الشعب اليمنى حق البت في مسألة نظام الدولة عن طريق استفتاء شعبى على ان يجرى في موعد اقصاه 23 تشرين الثانى (نوفمبر) 1966, وعقد مؤتمر لجميع القوى الوطنية والساسة المتنفذين في اليمن وذلك يوم 23 تشرين الثانى (نوفمبر) 1965 في مدينة حرض لصياغة قرار حول نظام الحكم للفترة الانتنطقية السابقة للاستفتاء العام, وتشكيل حكومة مؤقتة لادارة شؤون البلد اثناء الفترة الانتنطقية, وتحديد طابع الاستفتاء, وتكليف السعودية ومصر مسؤولية الاشراف على تطبيق مقررات المؤتمر. وكان ينبغى على السعودية ان توقف فورا المساعدات العسكرية للملكيين اليمنيين, وتمنع استخدام اراضيها لشن عمليات عسكرية ضد اليمن الجمهورى. والتزمت مصر بسحب قواتها المسلحة من اراضى اليمن خلال عشرة اشهر ابتداء من 23 تشرين الثانى (نوفمبر) 1965. وتقرر ايقاف العمليات الحربية في اليمن وتشكيل لجنة مشهجرة للتسوية السلمية من ممثلى البلدين.

لقد بين مؤتمر جدة ان كلا من مصر والسعودية كان على استعداد لتقديم تنازلات للطرف الاخر لتحريك قضية حقن الدماء في اليمن. ويبدوانه تم في جدة التوصل إلى اتفاق حول عزل الرئيس اليمنى عبد السلال والامام البدر عن الحياة السياسية لفترة طويلة. ومما يؤكد هذه التسقطات ان السلال غادر إلى القاهرة والبدر إلى الطائف فور عقد الاتفاقية. وقد افتتح مؤتمر حرض في 23 تشرين (نوفمبر) عام 1965. ومنذ اواخر عام 1965 بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا ببيع السعودية كميات كبيرة من الاسلحة والطائرات النفاثة, الامر الذى اعتبره عبد الناصر عملا معاديا لمصر.

في اوائل آذار (مارس) 1966 استأنف الملكيون العمليات الحربية, فانهوا بذلك الهدنة التى تم الاتفاق عليها في جدة. ولم تكن العمليات العسكرية لمصر والجمهوريين موفقة, فاصبحوا محصورين في مثلث صنعاء – تعز – الحديدة.

في 22 آذار (كارس) 1966 اعلن عبد الناصر عن نيته ابقاء القوات المصرية في اليمن حتى يتعزز الجيش الجمهورى إلى حد يؤهله للدفاع عن بلده. وفي ايار (مايو) 1966 اكد عبد الناصر مجددا ان الجمهورية العربية المتحدة لن تقتصر على ضرب القواعد التى تستخدم ضد اليمن في نجران وجيزان, بل وستحتلها إذا واصلت السعودية عملياتها العدوانية ضد الجمهورية اليمينية.

قام الملك فيصل بزيارة رسمية للولايات المتحد لمدة ثلاثة ايام ابتدأت في 21 حزيران (يونيو) 1966. وعند حلول صيف 1966 كانت الاوساط الحاكمة في السعودية قد تمكنت من تحسين علاقاتها مع عدد من الانظمة الملكية في العالم الاسلامى, وعقد اتفاقيات حول استلام اسلحة واعتدة بريطانية وامريكية. تفاقمت الخلافات داخل الجمهورية العربية اليمنية, وفي آب (اغسطس) 1966 حاول رئيس وزارئها العمرى الحيلولة دون عودة السلال من القاهرة التى كان قد مضى فيها عشرة أشهر. وقد قمعت حركة العمرى وعاد السلال إلى السلطة.

ظلت العلاقات السعودية المصرية في اوج التوتر. وفيتسعة شباط (فبراير) 1967 اغلقت الحكومة السعودية فروع "بنك القاهرة" وبنك "مصر" في جدة. واصدرت الحكومة المصرية بدورها مرسوما يقضى بمصادرة جميع الاموال المنقولة للملك فيصل وافراد الاسرة الحاكمة في مكصر. ووضع الحجز على اموال 40 شركة سعودية و31 من رعايا السعودية . نهاية المجابهة مع مصر. احدث العدوان الاسرائيلى في حزيران (يونيو) 1967 وهزيمة مصر تغييرا جذريا في الوضع داخل اليمن. فقد بدأت مصر منذ 12 حزيران سحب قواتها المسلحة – 15 الف إنسان و150 دبابة وكل المدفعية الثقيلة – من هناك .

وفي ظروف التنامى المنبتر النظير لمشاعر العداء لاسرائيل في العالم العربى, اضطرت الاوساط السعودية الحاكمة إلى التضامن مع مصر بوصفها ضحية للعدوان الاسرائيلى, وذلك رغبة منها في الحفاظ على سمعتها في العالم العربى والاحتفاظ بالسلطة داخل البلد. وفي 31 آب (اغسطس) 1967, واثناء انعقاد مؤتمر القمة العربى في الخرطوم, سقط الرئيس عبد الناصر والملك فيصل اتفاقية حول التسوية السلمية في اليمن. ونصت الاتفاقية على ان تسحب مصر جميع قواتها من اليمن خلال ثلاثة اشهر, وتعهدت السعودية بوقف المساعدات للملكيين.

وفي مؤتمر الخرطوم بترت الكويت والسعودية وليبيا وعدا بأن تقدم لمصر والاردن اللتين تضررتا أكثر من غيرهما نتيجة للعدوان الاسرائيلى, مساعدة سنوية مقدارها 135مليون جنية استرلينى, خصص 95 مليونا منها لمصر و40 مليون للاردن. وتعهدت الكويت بدفع 55 مليون استرلينى والسعودية بدفع 50 مليونا وليبيا 30 مليونا (107). غير ان السعودية حذرت من انها لن تنفذ وعدها الا بعد انجاز انسحاب القوات المصرية من اليمن. في العاشر من تشرين الاول (اكتوبر) 1967 اعلن ان القوات المصرية قد سحبت كلها تقريبا من صنعاء, وان آخر وحدة يفترض أن تغادر الحديدة فيتسعة كانون الاول (ديسمبر) 1967.

وضع انسحاب القوات المصرية الجمهورية العربية اليمينية في موقف قاسي لان السعودية واصلت تقديم عون كبير للملكيين, بما في ذلك تدريب التشكيلات العسكرية للقبائل التي تؤازرهم داخل اراضيهم. وكانت اتفاقية الخرطوم التي سقطتها مصر بعد العدوان الاسرائيلى تعنى حل القضية وفق الشروط التي املتها السعودية عمليا. وادى انسحاب القوات المصرية إلى تعقيد اوضاع الجمهوريين, وبخاصوا الجناح اليسارى التقدمى. وادى ذلك بدوره إلى تزايد نشاط الملكيين المستندين إلى دعم السعودية التى واصلت نهج خنق الثورة اليمنية . العلاقات بين السعودية والجمهورية العربية اليمنية واليمن الجنوبى (1967-1973). اثر توقيع اتفاقية الخرطوم جرى في الجمهورية العربية اليمينة انعطاف حاد إلى اليمن. في الاول من تشرين الثانى (نوفمبر) 1967 غادر السال إلى بغداد. وفى ليلة الخامس من الشهر بسطت القوى اليمنية سيطرتها على صنعاء والمدن الاخرى. وكان مصير السلال قد تقرر بانسحاب القوات المصرية من اليمن.

تسلمت منطقيد السلطة في البلد فئة اقطاعية وعشائرية تسعى للتعاون مع السعودية والدول الامبرالية. وفيثمانية تشرين الثاني 0نوفمبر) 1967 اعلن رئيس الوزراء الجديد العينى ان حكومته موافقة على التفاوض مع ممثلى الملكييين, بمن فيها عائلة الامام, بشرط الابقاء على النظام الجمهورى. وكان مصير سلالة حميد الدين هوالاشكال المستعصى بين الملكيين والزعماء الجدد في الجمهورية العربية اليمنية.

انتقل الملكيون إلى الهجوم وطوقوا صنعاء. ولما ادرك الجمهوريين ان المسألة صارت مسألة حياة أوموت, شرعوا مطلع كانون الاول 0ديسمبر) بتشكيل فصائل المقاومة الشعبية من الطلاب والموظفين والعمال والحرفيين والتجار. وبلغ عدد المتطوعين عشرين الفا فصاروا ركيزة في الداخل الامر الذى جاز للجيش بهجريز جهوده على الجبهات, كما رفد بوحدات من المتطوعيت. استمر حصار صنعاء سبعين يوما, وزاد الجمهوريون عن العاصمة وابعدوا الملكيين عنها وانتقلوا إلى الهجوم.

ابتداء من شباط (فبراير) 1969 لم تعد السعودية تصر على عودة الامام البدر إلى اليمن. وغدت مسألة مصير عائلة حميد الدين العقبة الرئيسية, أوالوحيدة على الاصح, في طريق تسوية النزاع اليمنى وفق شروط ترتضيها السعودية. وقد وقع تغير حاد إلى الاسوأ في موقف الاوساط الحكومية السعودية من عائلة الامام, وذلك بسبب التغيرات التى جرت داخل معسكر الجمهوريين.

قام رئيس الوزراء العمرى بحل فصائل المقاومة الشعبية التى زادت عن صنعاء في شتاء 1967-1968 وضعت أكثر الجمهوريين ثباتا, وفي آيار (مايو) 1968 قام رجال القبائل بتجريد الفصائل من السلاح. وقد قمعت محاولة الانقلاب التى قام بها الجمهوريون اليساريون, ونفى قائدها العسكرى عبد الوهاب عبد الرقيب الذى قاد عملية الدفاع عن صنعاء طوال سبعين يوما. وفي كانون الثانى (يناير) عام 1969 عاد عبد الرقيب إلى صنعاء وقام بمحاولة فاشلة أخرى لإزاحة العمرى من منصب رئيس الوزراء, وقتل. لقد اوقف اليمنيون في الجمهورية العربية اليمنية التطور الثورى في البلد. واصبح النظام الجمهورى المحافظ هناك خصما لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية, الامر الذى كان من مصلحة فيصل, فقرر التخلى عن محاولات اعادة نظام الامامة, وقلص المخصصات التى تمنح لعائلة حميد الدين.

توقفت العمليات الحربية في شمال اليمن في اوساط نيسان (ابريل) 1970. ونصت اتفاقية سقطتها السعودية والجمهورية العربية اليمنية في الشهر المذكور على تخلى الحكومة اليمنية عن الكثير من منجزات الثورة. وبدأ "تطهير" الجيش وهيئات امن الدولة في اليمن من العناصر اليسارية, وعاد من السعودية الكثير من الملكيين الذين تبوأ عدد منهم مناصب في هيئات السلطة العليا.

في 23 تموز (يوليو) 1970 اعترفت السعودية رسميا بالجمهورية العربية اليمنية. واعقب ذلك اعتراف بريطانيا بها في 29 من الشهر ذاته. وفي مطلع آذار (مارس) 1971 سقطت الجمهورية العربية اليمنية والسعودية اتفاقية حول الدفاع المشهجر. قام رئيس وزراء الجمهورية العربية اليمنية الحجرى بزيارة إلى الرياض في آذار (مارس) عام 1973. ونص بلاغ سعودى يمنى مشهجر صدر في آذار على ان الحدود بين البلدين "ثابتة ونهائية" رغم ان معاهدة الطائف المعقودة في آذار (مارس) 1934 بين الملك ابن سعود والامام يحيى قد ذكرت ان اليمن وافق على وضع عسير ونجران وجيزان "تحت اشراف" السعودية. وكانت فترة المعاهدة 20 سنة, وفي عام 1953 وافق الامام احمد على تمديد مفعولها لعشرين سنة اخرى. إلى غير ذلك فعندما دنا عام 1973 موعد انتهاء مفعول المعاهدة, حصلت السعودية على تنازل هام جداً من الجمهورية العربية اليمنية, بحملها على الاعتراف بأن عسير ونجران وجيزان قد اصبحت من اراضى السعودية بشكل نهائى.

ظل النفوذ السعودى هوالسائد في الالجمهورية العربية اليمنية خلال السبعينات. وادى التقارب مع الرياض إلى تحسين علاقات اليمن الشمالى بالولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا الغربية, وإلى اضعاف روابط التعاون مع البلدان الاشتراكية.

كان اهتمام السعودية في منطقة جنوب الجزيرة مهجرزا في الاساس على اليمن الشمالى في الستينات. ولكن الامور تغيرت بحصول اليمن الجنوبى علىالاستقلال عام 1967. وبما ان العائلة الحاكمة السعودية اعتبرت شبه الجزيرة بأكمله دائرة لنفوذها, فقد كانت راغبة في المساهمة في اقتسام الهجرة الاستعمارية البريطانية, خاصة وان بريطانيا لم تعارض توطد النفوذ السعودى في مستعمراتها السابقة. ورأت الاوساط البريطانية الحاكمة في النظام الملكى السعودى خير حليف لها في سبه الجزيرة. لايستبعد ان تكون الرياض قد خططت لانشاء اتحاد تابع للسعودية عوضا عن محميات عدن الشرقية, بل ولعلها كانت ترغب حتى في ايجاد منفذ مباشر للمملكة إلى المحيط الهندى. كما كان من المزمع ان تقدم السعودية مساعدة مالية لاتحاد جنوب الجزيرة المكون اساساً من امارات محمية عدن الغربية التى كان الحكام البريطانيون يعتزمون ان يسلموا حكومتها منطقيد السلطة بعد انسحابهم من جنوب اليمن.

ابان الفترة الاخيرة, حينما تضافر النضال في سبيل الاستقلال الوطنى مع النضال في سبيل التحولات الاجتماعية, اضطر الكثير من الاقطاعيين إلى الهرب إلى السعودية حتى قبل اعلان استقلال اليمن الجنوبى. وتسلمت منطقيد السلطة في جنوب اليمن الجبهة القومية وهى منظمة ديمقراطية ثورية. أما رابطة الجنوب العربى وهى المنظمة السياسية للاقطاعيين, فقد اعتبرت غير شرعية, ونقلت نشاطها بأكمله تقريباً إلى السعودية. وكانت وكانت هناك منظمة اخرى مالت تدريجيا إلى السعودية, وهى جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل, وانتقلت إلى الجمهورية العربية اليمنية حيث اتخذت من تعز مقرا لها.

استغلت السعودية المصاعب الاقتصادية لجنوب اليمن والخلافات داخل الجبهة القومية واستياء القوى اليمنية, لافتعال عصيانات ضد الحكومة. وفي صيف 1968 حدثت حركات عصيان في حضرموت وبيجان ومناطق اخرى. واشتد التدخل السعودى اثر 22 حزيران (يونيو) 1969, بعد ان تسلم منطقيد السلطة في جنوب اليمن الجناح اليسارى للجبهة القومية الذى سار بالبلد ف يطريق التحولات الاجتماعية السياسية العميقة.

في 27 تشرين الثانى 0نوفمبر) 1969 هاجمت وحدات من الجيش النظامى السعودى نقطة الوادى في حضرموت على الحدود بين السعودية وجنوب اليمن. وقد صدت القوات المسلحة في اليمن الجنوبى الهجوم وردت السعوديين على اعقابهم, غير ان اشتباكات الحدود استمرت. ساهمت السعودية في انشاء ما يسمى ب"الجيش الانقاذ الوطنى" من الماعرضين الذين فروا من اليمن الجنوبى, على اراضيها المتاخمة لحدود هذا البلد. وجرت محاربة حكومة الجبهة القومية تحت شعار "انقاذ البلد من نفوذ الشيوعية الحمراء". وفي 25 شباط (فبراير) 1971 اتحدت جبهة تحرير جنوب اليمن ورابطة الجنوب العربى فشكلتا منظمة القوى الوطنية لجنوب اليمن وانبثقت عنها "لجنة انقاذ جنوب اليمن" التى قامت صلات مع "جيش الانقاذ الوطنى". وكانت هذه المنظمات تمول من قبل السعودية وتحظى بمساندة سلطات الجمهورية العربية اليمنية. وقد تحولت فصائلها المسلحة إلى مرتزقة للسعودية مرارا إلى اراضى جنوب اليمن في سنتى 1971 و1972.

انعقد في آذار (مارس) عام 1972 المؤتمر الخامس للجبهة القومية للدولة – وانبثق عن المؤتمر التنظيم السياسى – الجبهة القومية. واعلن عن سعى التنظيم للاستناد في نشاطه إلى مبادئ الاشتراكية الفهمية وتشكيل حزب طليعى من طراز جديدز وصار عداء السعودية لليمن الجنوبى يتخذ صبغة ايدولوجية واضحة المعالم. جرت في ايلول (سبتمبر) 1972 حرب حدود واسعة النطاق بين اليمنين, ولكن البلدين اتفقا على انهاء العمليات الحربية في 29 تشرين الاول (اكتوبر), أى بعد شهر تقريبا من بدئها.

وحينما تيقنت السعودية من استحالة اسقاط النظام الوطنى اليمقراطى في جنوب اليمن بالقوة, اقامت معه علاقات دبلوماسية, ولكنها لم تحد عن مواقع العداء لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.


المصادر

ألكسي ڤاسيلييڤ (1986). تاريخ العربية السعودية. موسكو، الاتحاد السوڤيتي. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:48:57
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, ثورة اليمن, العلاقات السعودية اليمنية, العلاقات السعودية المصرية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"أمازون" توقف التوظيف في فروعها في ظل الأزمة الاقتصادية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:49
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 100%

الرئيس الإماراتي ونائبه يعزيان الملك سلمان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:51
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 89%

بوريل: يجب ألا نسمح لروسيا بالتدخل في شؤون دول غربي البلقان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:43
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 97%

وصول وزير الخارجية الروسي إلى الإمارات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:52
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 100%

الخارجية الروسية: واشنطن تسعى جاهدة لصدام سيبراني

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:46
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 95%

موسكو: لن نبادر إلى استخدام الأسلحة النووية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:44
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 99%

لابيد يهنئ نتنياهو بفوزه في الانتخابات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:45
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 100%

مدافع برشلونة جيرارد بيكيه يعلن اعتزاله بشكل مفاجئ

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:55
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 86%

كييف تعلن تدمير 278 مقاتلة روسية.. وتتبادل أسرى مع موسكو

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:17:11
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 91%

الأمم المتحدة: 343 مدنياً ضحايا الألغام في اليمن خلال 5 أشهر 

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:17:42
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 94%

باكو تعلن عن قصف أرمني لمواقع أذرية على الحدود

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:47
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

مانشستر يونايتد يفوز على سوسييداد ويكتفي بالوصافة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:18:04
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 96%

زاخاروفا تتهم لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالتحيز

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:50
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

مقتل عنصر في "العمال الكردستاني" شمال العراق بقصف تركي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:55
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 97%

واشنطن تقترح على موسكو خيارات بديلة لتبادل السجناء

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-03 21:16:47
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 90%

تحميل تطبيق المنصة العربية