غزوة خيبر ذكر ابن إسحاق أنها كانت في محرم من السنة السابعة للهجرة، وذكر الواقدي أنها كانت في صفر أوربيع الأول من السنة السابعة للهجرة، بعد العودة من صلح الحديبية، ومضى ابن سعد إلى أنها في جمادى الأولى سنة سبعٍ، ونطق الإمامان الزهري ومالك: إنها في محرم من السنة السادسة، وقد رجح ابن حجر قول ابن إسحاق على قول الواقدي.

معالم الغزوة

كانت الغزوة بعد عشرين يوماً من صلح الحديبية، وكان عدد المقاتلين المسلمين وقتها ألف وثمان مائة مقاتل فقط لأن الرسول محمد قرر حتى يقاتل معه في هذه المعركة جميع من كان في صلح الحديبية فقط وهم الذين يفترض أن يُقسم عليهم الغنائم أما من زاد عليهم فله ثواب الجهاد فقط وليس له غنائم. وهي التي فيها نطق: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبُ الله ورسوله ويُحبُّه الله ورسوله يفتح الله عليه وليس بفرار"، فلما كان من الغد نادى علياً وهوأرمد شديد الرمد فنطق:"سر"، فنطق : يا رسول الله ما أبصر موضع قدمي ، فتفل عليه الصلاة والسلام في عينيه وعقد له اللواء ودفع إليه الراية ونطق: "خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك " فنطق: على ما أقاتلهم يا رسول الله نطق :" على حتى يشهدوا حتى لا اله إلا الله وأني رسول الله فإذا عملوا ذلك فقد حقنوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم عند الله تعالى". إن هذه الغزوة توضح مفهمًا عامًا لخطة المصطفى لتوحيد جزيرة العرب تحت راية الإسلام، وتحويلها إلى قاعدة لنشر الإسلام في العالمين، فقد خطط محمد -عليه الصلاة السلام- ألا يسير إلى مكة إلا بعد حتىقد يكون قد مهد شمال الحجاز إلى حدود الشام، وأن تكون المستوى الأخيرة هي الاستيلاء على خيبر وغيرها من المراكز اليهودية شمال الحجاز وخاصة خيبر وفدك ووادي القرى؛ ليحرم القبائل المحيطة به من أي مركز يمكن حتى يعتمدوا عليه في مهاجمة الدولة الإسلامية الناشئة.

مدينة خيبر

ومدينة خيبر هي مدينة مليئة بالحصون وبها ماء من تحت الأرض وطعام يكفيها سنوات وبها عشرة آلاف مقاتل من اليهود منهم آلاف يجيدون الرمي، وكانت خيبر ممتلئة بالمال وكان اليهود يعملون بالربا مع جميع البلدان. كانت خيبر هي وكر الدس والتآمر، ومركز الاستفزازات العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، فلا ننسى حتى أهل خيبر هم الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا في الاتصال بالمنافقين - الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي - وبغطفان وأعراب البادية، وكانوا هم أنفسهم يستعدون للقتال، وقد عاش المسلمون بسببهم محنًا متواصلة، اضطرت المسلمين إلى الفتك ببعض رؤوسهم أمثال سلام بن أبي الحقيق وأسير بن زارم، ولكن كان لابد من عمل أكبر من ذلك إزاء هؤلاء اليهود، وما كان يمنع النبي من مجابهتهم إلا وجود عدوأكبر وأقوى وألد ألا وهوقريش. اختلفت تلك الغزوة عما قبلها من غزوات؛ إذ أنها أول غزوة تأتى بعد سقطة بني قريظة وصلح الحديبية لتدل بذلك على حتى الدعوة الإسلامية قد دخلت فترة جديدة من بعد صلح الحديبية.

دوافع الغزوة

لما اطمأن محمد من أقوى أجنحة الأحزاب الثلاثة، وهوقريش، وأمن منه تماماً بعد صلح الحديبية أراد حتى يحاسب الجناحين الباقيين ـ اليهود وقبائل نجد ـ حتى يتم الأمن والسلام، ويسود الهدوء في المنطقة، ويفرغ المسلمون من الصراع الدامي المتواصل إلى تبليغ رسالة الله والدعوة إليه. ولما كانت خيبر هي وكرة الدس والتآمر ومركز الاستفزازات العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، كانت هي الجديرة بالتفات المسلمين أولًا.

معوقات

إن الجديد في تلك الغزوة وما يختلف عن الغزوات السابقة، هي حصون اليهود وقلاعهم التي أقاموا بها، فمحاولة الهجوم عليهم تتطلب جهداً ضخماً وتعبئة مناسبة ومؤونة كافية للجيش لفترة طويلة، والمسلمون لا يملكون هذه الطاقات في لقاء اليهود الذي قيل عنهم: "وهم أهل الحصون التي لا ترام، وسلاح وطعام كثير، ولوحصروا لسنين لكفاهم، وماء متوفر يشربونه في حصونهم، وما أرى لأحد بهم من طاقة". كما حتى المسلمون لم يسبق لهم من قبل خبرة في قتال أهل الحصون إلا ما كان من بني قريظة يوم حربهم.

الغزوة

بداية المسير

خرج محمد وأصحابه بروح إيمانية عالية، مخلصين لله موقنين بالنصر، مستبشرين بالغنيمة التي وعدهم الله إياها وهم في طريق عودتهم من الحديبية، في قوله تعالى:  وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا   ولم يسمح النبي للمنافقين وضعفاء الإيمان الذين تخلفوا في الحديبية بالخروج معه، فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة، تصديقًا لقوله تعالى:  وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا  إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا  لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا   نطق الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "يعني مغانم خيبر لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبية فتح خيبر وأنها لهم خاصة، من غاب منهم ومن حضر".

وثارت الحمية في قلوب المسلمين لقتال عدوهم، لم يفتّ في عضد المسلمين كثرتهم وقوتهم؛ إذ كانت يهود خيبر لا يظنون حتى رسول الله يغزوهم لمنعتهم وحصونهم وسلاحهم وعددهم، كانوا يخرجون جميع يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفاً ثم يقولون: محمد يغزونا،يا ترى؟ هيهات، هيهات. ولم يثن من عزمهم مَنعة حصونهم، بل تحركوا إلى خيبر تملؤهم الثقة بالله، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، وتدفعهم عقيدتهم الصافية وإخلاصهم لإعلاء حدثة الله، فانطلقوا مهللين مكبرين رافعين أصواتهم بذلك، حتى أمرهم رسول الله حتى يرفقوا بأنفسهم، ونطق لهم: "إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهومعكم". وسار الجيش في طريقه إلى خيبر ونزل عامر بن الأكوع رضي الله عنه يحدوبالقوم يقول:

ونزل الجيش بقيادة النبي بواد يُنطق له الرجيع، وكان بين اليهود وبني غطفان، وذلك ليحولوا بينهم وبين حتى يمدوا أهل خيبر، وقد سمعوا بخروج النبي لخيبر، فجمعوا جموعهم، وخرجوا ليظاهروا اليهود، فلما ساروا مسافة، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسًا، فظنوا حتى المسلمين قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، وأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين الرسول وبين خيبر، وكفى الله المؤمنين مؤونة قتالهم.

ولما أشرف الجيش الإسلامي على خيبر، وقف النبي يدعوربه ويستنصره، فنطق: "اللهم رب السماوات السبع وما أظلَلْن، ورب الأرَضين السبع وما أقلَلْن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشياطين وما أضللن، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها".

وقدم المسلمون خيبر، وروحهم المعنوية كأفضل ماقد يكون، سموًا وبذلًا وتضحيةً في سبيل الله وكان قدومهم ليلًا، "وكان النبي إذا أتى قومًا بليل، لم يُغِر بهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتِلِهم، فلما رأوه نطقوا: محمد والله، محمد والخميس. فنطق النبي: "خرِبَت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذَرين" . وقد حقق النبي بذلك عنصر مفاجأة اليهود، حين رأوا جحافل الجيش الإسلامي مرابطة أمام مدينتهم فأسقط ذلك الاضطراب بينهم، وارتدوا إلى حصونهم هاربين فزعين.

الزحف نحوخيبر

حاصر المسلمون حصون خيبر متأهبين لقتال اليهود، وقد أخذوا أسلحتهم وأعدُّوا عدتهم لذلك، وأراد رسول الله حتى يستثير همم أصحابه للقاءة أعدائهم، وأن يحفز في نفوسهم البذل وحب الله ورسوله، فنطق: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". وعند ابن اسحاق رحمه الله: "يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار". فبيّن النبي لصحابته شرطين رئيسين للحصول على النصر بإذن الله وهما: حب الله تعالى ورسوله، والثبات في المعركة وعدم التولي في الزحف. وتطلع الصحابة رضوان الله عليهم إلى نيل هذا الشرف، وتمناه جميع واحد منهم، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في سليمه: "فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجوحتى يعطاها، فنطق: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: هويا رسول الله يشتكي عينيه. نطق: "فأوفدوا إليه". فأُتي به فبصق رسول الله في عينيه ونادى له فبرأ". ثم سلَّمه الراية، وأوصاه بدعوة اليهود إلى الإسلام قبل مداهمتهم وقتالهم، فالدعوة إلى الله ليست طالما السلم فقط، بل قد تكون والمسلم في قلب المعركة، فالمسلم داع إلى الله تعالى قبل حتىقد يكون مقاتلًا، والدعوة إلى الله هي الأصل، والهداية خير من القتل فنطق له محمد: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حتىقد يكون لك حُمْر النعم". والتقى الجمعان وأبدى المسلمون من ضروب الشجاعة والتضحية في سبيل الله ما أذهل اليهود، وجعلهم يستميتون في الدفاع عن أنفسهم وعن حصونهم. وفتح الله على رسوله أول الحصون حصن ناعم، ثم فتح بعده حصن القَموص، ثم جعل النبي يفتح حصون خيبر واحدًا تلوالآخر، وحدثا فتح حصنًا يهرب شراذم اليهود إلى الحصن الذي يليه، حتى انتهى إلى آخر حصونهم: الوَطِيح والسُلاَلم، فحاصرهم حصارًا شديدًا، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ورأوا حتى الدائرة عليهم، سألوا النبي حتى يحقن دماءهم وأن يسيِّرهم فعمل. ثم سألوه حتى يبقيهم على زراعة أرض خيبر لقاء نصف ما يخرج من ثمارها فأعطاهم ذلك، على حتى يخرجهم متى شاء، وكان النبي قد حاز الأموال كلها: الشِّق ونَطَاة والكَتِيَبة وجميع حصونهم. وقد جرت أثناء القتال مبارزات عديدة، أظهر فيها المسلمون شجاعةً وإقدامًا عظيمين، وكان النصر فيها حليف المسلمين، ورأى اليهود منهم ما زلزلهم وقذف الوهن في قلوبهم.

قبل المعركة

وصل الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى خيبر، وبدأ الرسول يفهم الموقف، فمن أيِّ الحصون يدخل خيبر،يا ترى؟ فخيبر تعبير عن منطقة ذات حصون كثيرة، وفيها الحصون الكبيرة والحصون الصغيرة، والحصون الكبيرة ثمانية حصون رئيسية؛ فخمسة من هذه الحصون في منطقة، وثلاثة في منطقة أخرى، والخمسة حصون الأولى هي خط الدفاع الاستراتيجي الأول لليهود، وتنقسم إلى: ثلاثة في منطقة تسمى النَّطَاة، واثنين في منطقة تسمى الشَّق، أما حصون النطاة فكانوا بالترتيب الآتي: ناعم، ثم الصعب بن معاذ، ثم قلعة الزبير. وكان حصن ناعم من الحصون القوية في خيبر، واقترب الرسول من هذا الحصن، وأوفد علي بن أبي طالب ليدعوهم إلى الإسلام.

لم يستجب اليهود لدعوة المسلمين لهم بالدخول في الإسلام، وأصروا على القتال، بل أخرجوا أحد قادتهم الكبار ليحارب المسلمين، وكانت عادة الحروب القديمة حتى يبدأ القتال بمبارزة بين فارسين من كلا الجيشين، والمنتصر في هذه المبارزة يُعطي دفعة معنوية كبيرة لفريقه إذا انتصر في هذه اللحظات الأولى من القتال؛ أخرج اليهود أحد أبطالهم، وكان من أشد الفرسان في تاريخ العرب بصفة عامَّة، وهذا الرجل كان اسمه مَرْحَبًا، وكان رجلاً عملاقًا ضخم الجثة، وخرج للقتال وطلب المبارزة، فخرج له عامر بن الأكوع، وسَرْعان ما دارت المبارزة بين الاثنين، وضرب عامر بن الأكوع مَرْحبًا اليهوديّ ضربة كبيرة، ولكن الضربة طاشت ولم تصل إلى مَرْحَب، وأكملت الطريق إلى رُكبة عامر فَقُتل بسيفه، فاستشهد ، فنطق الصحابة: قد اغتال نفسه. وتأثر الصحابة بهذا الموقف، بل وصل الأمر إلى حتى بعض الصحابة نطقوا: حبط عمله. وكأنه اغتال نفسه بإرادته. ولكن الرسول علق بعد ذلك على هذه الحادثة، وأثنى على عامر بن الأكوع، ونطق : "إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ"، وجمع بين إصبعيه ، ثم نطق: "إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلُهُ"؛ يعني نادرًا من العرب الذي سار في أرض المعركة مثل عامر بن الأكوع.

هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

•  •

شخصيات محورية  •  •  •

•  •

مدن مقدسة  • مواقع مقدسة  • الخلافة الإسلامية  •  •  • الفتوحات الإسلامية  •  •  •  •  •  •  •

أعياد ومُناسبات الأعياد في الإسلام  • مناسبات إسلامية  •

ولكن ما وقع كان في الحقيقة أزمة، وحدث نوع من الهزَّة عند المسلمين، وارتفعت الروح المعنوية عند اليهود، ووقف مَرْحَب القائد اليهودي يطلب القتال من حديث بعد حتى ارتفعت معنوياته في هذه اللحظات الأولى من القتال، فخرج له البطل الإسلامي علي بن أبي طالب حاملًا راية المسلمين في غزوة خيبر، ودار بينهما قتال شديد عنيف، ثم مَنَّ الله على علي بن أبي طالب بالنصر، كما تنبأ بذلك الرسول، وقتل علي بن أبي طالب مَرْحبًا، وكان قتله إشارة كبيرة إلى حتى النصر سيكون للمسلمين إذا شاء الله؛ لأن هذا الرجل كان أقوى رجلٍ في اليهود، وكان اليهود لا يتخيلون أبدًا حتى يقتله أحدٌ من المسلمين. وخرج أخومرحب -وكان اسمه ياسرًا وكان يريد الثأر لأخيه، وكان من عمالقة اليهود أيضًا- يطلب القتال، فخرج له الزبير بن العوام، واستطاع الزبير بن العوام حتى يقتل ياسرًا أخا مَرْحب، وكان ذلك بداية الفوز للمسلمين.

احتدام القتال

احتدم اللقاء بين الصحابة وبين اليهود، فهذا اللقاء لم يكن ساعة أوساعتين، ولكنه استمر عِدَّةَ أيام متصلة، وهذا غريب في عُرْف القتال؛ فكما رأينا قبل ذلك في بدر وفي أُحد وفي غيرها كان اللقاء يومًا واحدًا، ولكن في هذا اللقاء الشديد دارت المعركة أكثر من يوم حتى تسلل اليهود من حصن ناعم وهجروه فارغًا للمسلمين، وكان هذا التسلل ليلاً، وانتقلوا إلى الحصن الذي وراءه، وتحصنوا في حصن الصعب بن معاذ، واحتل المسلمون حصن ناعم، وكان هذا إضافةً كبيرة للجيش الإسلامي في غزوة خيبر. وتوجه الرسول إلى حصن الصعب، وحاصر الحصن حصارًا شديدًا، وكان حصن الصعب بن معاذ أشد خطورةً وصعوبة من حصن ناعم، وأحكم المسلمون الحصار على حصن الصعب بن معاذ.

ومع حتى الحصار كان شديدًا، ومع حتى فتنة الحرب كانت كبيرة، إلا حتى الله أراد حتى يبتلي المؤمنين، فأسقطهم في أمر قاسي إلى جوار صعوبة الحرب، وهوأمر الجوع؛ إذْ ولج المسلمون في جوع شديد جدًّا لدرجة حتى الصحابة نطقوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء؛ فأصبح الموقف حرجًا للغاية.

وعندما ازداد الجوع على المسلمين، قام بعض رجال الجيش الإسلامي بذبح بعض الحمير للأكل. والحقيقة حتى العرب كانت تأكل الحمير في ظروف معينة، ولم يكن الأمر محرمًا على المسلمين في ذلك الوقت، ونصبوا القدور، ولم يكن هذا بفهم الرسول، ولما رأى الرسول النيران مشتعلة نطق: "عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟".

فهويفهم أنه ليس مع الجيش لحم يطبخ، ولا شيء يوقد عليه نار، فنطقوا: يا رسول الله، نوقد هذه النيران على لحم. فنطق: "أَيُّ لَحْمٍ؟" فنطقوا: لحوم الحُمُر. يعني لحوم الحمر التي تُستخدم في النقل، وهذه الحمير لم تكن محرَّمة على المسلمين حتى هذه اللحظة، ولكن الرسول في هذا الموقف الصعب قام ونَهَى عن أكل لحوم الحُمُر الأهليَّة، ونطق: "لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا". وإنه لموقف قاسي حقًّا، فالصحابة في ضائقةٍ وجوع شديد، وبدأت اللحوم تنضج ورائحة اللحوم بدأت تظهر، والصحابة متشوِّقون للأكل، ثم أتى النهي من عند رسول الله. وهذا النهي لا ينصاع له إلا مؤمن تام الإيمان، وبفضل الله فإن جميع الجيش -بلا استثناء- قد نجح في هذا الاختبار، ولم يأكل أحد من هذه اللحوم، بل إذا الرسول لم يكتفِ بتحريم الأكل من لحوم الحُمُر الإنسيَّة، وإنما نطق: "أَهْرِيقُوهَا واكْسِرُوهَا"؛ ليختفي جميع أثر لهذه اللحوم، فسأل بعض الصحابة: أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا،يا ترى؟ يعني بدل الكسر نغسل القدور، فنطق : "أَوْ ذَاكَ".

في ظل هذه الأزمة الكبيرة وبعد استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الرسول، لجأ المسلمون لجوءًا كاملاً إلى الله، وهذا من أبلغ الفوائد في الأزمات، لجوء المسلمين الصادقين إلى الله؛ ليفتح لهم أبواب الرحمة. ووقف المسلمون يدعون مع الرسول، هويدعووهم يؤمِّنون، فنطق: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا".

سقوط حصن الصعب وقلعة الزبير

وبفضل لجوء المسلمين إلى الله ، اتى النصر من السماء؛ ففي اليوم التالي فتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وهذا من أغنى حصون خيبر بالطعام والشراب، وما لذَّ من ألوان الطعام المتنوعة، ووجدوا فيه الطعام والوَدَك كما نادى رسول الله، وأكل الناس وشبعوا واستكملوا الحرب، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى حصن قلعة الزبير، وهوالحصن الثالث في المنطقة؛ وحصن قلعة الزبير من أمنع الحصون أيضًا في هذه المنطقة، وكما يقول الرواة: لا تقدر عليه الخيل والرجال؛ لأنه فوق قمة جبل ومن الصعب الوصول إليه.

وفرض الرسول عليه الحصار، وظل الحصار ثلاثة أيام، ثم ألقى الله الرعب في قلب رجل من اليهود فأتى وتسلل من الحصن، واتى إلى الرسول وطلب الأمان، ونطق له: يا أبا القاسم، إنك لوأقمت شهرًا تحاصرهم ما بالوا بك، إذا لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم دون حتى يشعر المسلمون بهم. ونطق اليهودي: فإن بترت مشربهم عليهم خرجوا لك؛ لأنهم لا يستطيعون حتى يعيشوا من غير ماء. فوصل الرسول إلى هذه المياه وبترها عن اليهود، فخرجوا إليه وقاتلوا قتالاً شديدًا، واستمر القتال حتى انتصر المسلمون وافتتحت قلعة الزبير، وكان القتال في منتهى الضراوة.

فتح قلعة أبي

وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي اغتال المبارز الثاني هوالبطل المشهور أبودُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء. وقد أسرع أبودجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجري قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول.

فتح حصن النَّزَار

كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصاري جهدهم في هذا السبيل، ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع الأربعة السابقة. وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لمقد يكونوا يجدون سبيلا للاقتحام فيه. أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، وللاشتباك مع قوات المسلمين، ولكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة. وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي بنصب آلات المنجنيق، ويبدوحتى المسلمين قذفوا به القذائف، فأسقطوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخري، بل فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم. وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي ناحية النَّطَاة والشَّقِّ، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخري إلا حتى اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر.

فتح الشطر الثاني من خيبر

ولما أتم رسول الله فتح ناحية النطاة والشق، تحول إلى أهل الكتيبة التي بها حصن القَمُوص: حصن بني أبي الحُقَيْق من بني النضير، وحصن الوَطِيح والسُّلالم، واتىهم جميع فَلِّ كان انهزم من النطاة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن. واختلف أهل المغازي هل جري هناك قتال في أي حصن من حصونها الثلاثة أم لا،يا ترى؟ فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص، بل يؤخذ من سياقه حتى هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير حتى يجري هناك مفاوضة للاستسلام. أما الواقدي، فيصرح تمام التصريح حتى قلاع هذا الشطر الثلاث إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن حتى تكون المفاوضة قد جرت لاستلام حصن القموص بعد إدارة القتال، وأما الحصنان الآخران فقد سلما إلى المسلمين دونما قتال. ومهما كان، فلما أتي محمد إلى هذه الناحية ـ الكتيبة ـ فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يومًا، واليهود لا يخرجون من حصونهم، حتى همّ محمد حتى ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا محمد الصلح.

المفاوضة

وأوفد ابن أبي الحُقَيْق إلى محمد: أنزل فأحدثك،يا ترى؟ نطق: (نعم)، فنزل، وصالح على حقن دماء مَنْ في حصونهم من المقاتلة، وهجر الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين محمد وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء ـ أي المضى والفضة ـ والكُرَاع والْحَلْقَة إلا ثوبًا على ظهر إنسان، فنطق محمد: "وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إذا كتمتموني شيئًا"، فصالحوه على ذلك ، وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر.

قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد

وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالًا كثيرا، غيبا مَسْكًا فيه مال وحُلُي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير. نطق ابن إسحاق: وأتي محمد بكِنَانة الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد حتىقد يكون يعهد مكانه، فأتي رجل من اليهود فنطق: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة جميع غداة، فنطق محمد لكنانة: (أرأيت إذا وجدناه عندك أأقتلك؟) نطق: نعم، فأمر بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبي حتى يؤديه. فدفعه إلى الزبير، ونطق: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه محمد إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة ـ وكان محمود اغتال تحت جدار حصن ناعم، ألقي عليه الرحي، وهويستظل بالجدار فمات ـ. وذكر ابن القيم حتى محمد أمر بقتل ابني أبي الحقيق، وكان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال هوابن عم كنانة. وسبي محمد صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، وكانت عروسًا حديثة عهد بالدخول.

معجزات النبي

إن في هذه الغزوة حادثتين، جميع منهما ثابت بالحديث السليم تعدان من الخوارق العظيمة التي أيّد الله بها محمد: أولاهما: أنه تفل في عين علي بن أبى طالب وقد كان يشتكى منها فبرأت في الوقت نفسه حتى كأن لم يكن به وجع؛ الثانية: ما أوحى الله إليه من أمر الشاة المسمومة عندما أراد الأكل منها، ولأمر ما تجاوز قضاء الله تعالى فابتلع بشر ابن البراء لقمته قبل حتى ينطق محمد بأنها مسمومة فكان قضاؤه في ذلك، ولعل في ذلك مزيداً من بيان ما اختص الله تعالى به نبيه من الحفظ والعصمة من أيدي الناس وكيدهم تطبيقاً لوعده جل جلاله: "والله يعصمك من الناس".

قسمة الغنائم

وأراد محمد حتى يجلي اليهود من خيبر، فنطقوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه الأرض، نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أفهم بها منكم، ولم يكن لمحمد ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون حتى يقوموا عليها، فأعطاهم خيبر على حتى لهم الشطر من جميع غرس، ومن جميع ثمر، ما بدا لمحمد حتى يقرهم، وكان عبد الله بن رواحة يخرصه عليهم. وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهمًا، جمع جميع سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لمحمد والمسلمين النصف من ذلك وهوألف وثمانمائة سهم، للنبي سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر، وهوألف وثمانمائة سهم، لنوائبه وما يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفا وأربعمائة، وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد. ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر نطق: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن عائشة نطقت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر، ولما عاد النبي إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل.

الزواج بصفية

ذكرنا حتى صفية جعلت في السبايا حين اغتال زوجها كِنَانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي اتى دحية بن خليفة الكلبي، فنطق: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، فنطق: امضى فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فاتى رجل إلى النبي فنطق: يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، نطق: "ادعوه بها". فاتى بها، فلما نظر إليها النبي نطق: "خذ جارية من السبي غيرها)، وعرض عليها النبي الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها"، حتى إذا كان بسد الصهباء راجعًا إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروسًا بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسَّوِيق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها. ورأى بوجهها خضرة، فنطق: "ما هذا؟" نطقت: يا رسول الله، رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي. فنطق: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة. ولم يخرج النبي من خيبر حتى طهرت صفية من حيضها، فحملها وراءه فلما صار إلى منزل على ستة أميال من خيبر مال يريد حتى يعرس بها، فأبت عليه, فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء هبط بها هناك فمشطتها أم سليم، وعطرتها، وزفتها إلى النبي وبنى بها، فسألها: «ما حملك على الامتناع من النزول أولا» فنطقت: خشيت عليك من قرب اليهود، فعظمت في نفسه، ومكث محمد بالصهباء ثلاثة أيام، وأولم عليها ونادى المسلمين، وما كان فيها من لحم وإنما التمر والأقط والسمن، فنطق المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أوما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ له خلفه ومد عليها الحجاب، فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين.

قتلى الفريقين في معارك خيبر

وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشْجَع، وواحد من أسْلَم، وواحد من أهل خيبر والباقون من الأنصار. وينطق: إذا شهداء المسلمين في هذه المعارك 81 رجلاً. وذكر العلامة المنصورفوري 91 رجلاً، ثم نطق: إني وجدت بعد التفحص 32 اسمًا، واحد منها في الطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد توفي لأجل أكل الشاة المسمومة، وواحد اختلفوا هل اغتال في بدر أوخيبر، والسليم أنه اغتال في بدر. أما قتلي اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً.

وادي القُرَي

ولما فرغ محمد من خيبر، انصرف إلى وادي القري، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب. فلما نزلوا استقبلتهم اليهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل مِدْعَم ـ عَبْدٌ لمحمد ـ فنطق الناس: هنيئا له الجنة، فنطق النبي : ("كلا، والذي نفسي بيده، إذا الشَّمْلَة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا"، فلما سمع بذلك الناس اتى رجل إلى النبي بشِرَاك أوشراكين، فنطق النبي: "شراك من نار أوشراكان من نار". ثم عَبَّأ النبي أصحابه للقتال، وصَفَّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحُبَاب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حُنَيْف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم نادىهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، حتى اغتال منهم أحد عشر رجلاً، حدثا اغتال منهم رجل نادى من بقي إلى الإسلام. وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعًا كثيرًا. وأقام محمد بوادي القري أربعة أيام. وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وهجر الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها ـ كما عامل أهل خيبر.

تَيْمَـــاء

ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فَدَك ووادي القُرَي، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم محمد، وأقاموا بأموالهم. وخط لهم بذلك كتابًا وهاك نصه: "هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، حتى لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد."

العودة إلى المدينة

ثم أخذ محمد في العودة إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فحملوا أصواتهم بالتكبير: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" فنطق محمد: "أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا". وفي مرجعه ذلك سار النبي ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، ونطق لبلال: "اكلأ لنا الليل"، فغلبت بلالاً عيناه، وهومستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك النبي، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلي الفجر بالناس، وقيل: إذا هذه السيرة في غير هذا السفر. وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يظهر حتى رجوعالنبي كان في أواخر صفر أوفي ربيع الأول سنةسبعة هـ.

الدروس المستفادة من الغزوة

الإخلاص في الجهاد

اتى رجل من الأعراب إلى النبي، فآمن به، واتبعه، فنطق: أهاجر معك،يا ترى؟ فأوصى به بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر، غنم رسول الله شيئًا فقسمه، وقسم للأعرابي فمنح أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما اتى دفعوه إليه، فنطق: ما هذا،يا ترى؟ نطقوا: قسم قسمه لك رسول الله فأخذه فاتى به للنبي فنطق: ما هذا يا رسول الله،يا ترى؟ نطق: «قسم قسمته لك» نطق: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على حتى أرمي هاهنا، وأشار إلى حلقه، بسهم، فأموت فأدخل الجنة، فنطق: إذا تصدق الله يصدقك، ثم نهض إلى قتال العدو، فأُتي به إلى النبي، وهومقتول، فنطق: «أهوهو؟» نطقوا: نعم. نطق: «صدق الله فصدقه». فكفنه النبي في جبته، ثم قدمه، فصلى عليه، وكان من نادىئه له: «اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، قُتل شهيدًا، وأنا عليه شهيد».

نال الجنة بلا سجدة

اتى عبد أسود حبشي من أهل خيبر، كان في غنم لسيده، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم: ما تريدون،يا ترى؟ نطقوا: نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي، فسقط في نفسه ذكر النبي، فأقبل بغنمه إلى رسول الله فنطق: ماذا تقول،يا ترى؟ وما تدعوإليه،يا ترى؟ نطق: «أدعوإلى الإسلام، وأن تشهد حتى لا إله إلا الله وأني رسول الله، وألا تعبد إلا الله» نطق العبد: فما لي إذا شهدت وآمنت بالله عز وجل، نطق: «لك الجنة إذا مت على ذلك». فأسلم ثم نطق: يا نبي الله، إذا هذه الغنم عندي أمانة، فنطق رسول الله: «أخرجها من عندك وارمها بـ (الحصباء) فإن الله سيؤدي عنك أمانتك» فعمل فرجعت الغنم إلى سيدها، عملم اليهودي حتى غلامه قد أسلم، فقام رسول الله في الناس، فوعظهم وحضهم على الجهاد، فلما التقى المسلمون واليهود اغتال فيمن اغتال العبد الأسود واحتمله المسلمون إلى معسكرهم فأدخل في الفسطاط فزعموا حتى رسول الله اطلع في الفسطاط، ثم أقبل على أصحابه، ونطق: «لقد أكرم الله هذا العبد، وساقه إلى خيبر، ولقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين، ولم يصل لله سجدة قط».

تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية

عن ابن عمر رضي الله عنهما: حتى رسول الله نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية. وصح عنه تعليل التحريم بأنها رجس وهذا مقدم على قول من نطق من الصحابة إنما حرمها لأنها كانت ظهر القوم وحمولتهم فلما قيل له فني الظهر وأكلت الحمر حرمها وعلى قول من نطق إنما حرمها لأنها لم تخمس وعلى قول من نطق إنما حرمها لأنها كانت حول القرية وكانت تأكل العذرة وكل هذا في "السليم" لكن قول رسول الله إنها رجس مقدم على هذا كله لأنه من افترض الراوي وقوله بخلاف التعليل بكونها رجسًا.  قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  .

حل أكل لحوم الخيل

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما نطق: نهى رسول الله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر، ورخص في الخيل.

حرمة وطء السبايا غير الحوامل قبل استبراء الرحم

ومن دروس هذه الغزوة قوله : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها». والاستبراء إنماقد يكون بأن تطهر من حيضة واحدة فقط، ولا تجب عليها العدة وإن كانت متزوجة من كافر سواء توفي أوبقي حيًّا؛ لأن العدة وفاء الزوج الميت وحداد عليه، ولا يحد على الكافر كما فهمت.

مشاركة المرأة في غزوة خيبر

روت أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار نطقت: أتيت رسول الله في نسوة من بني غفار فقلن: يا رسول الله قد أردنا حتى نخرج معك إلى وجهك هذا -وهوالسير إلى خيبر- فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا، فنطق: على بركة الله، نطقت: فخرجنا معه، نطقت: فوالله لنزل رسول الله إلى الصبح ونزلت عن حقيبة رحله، نطقت: وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها، نطقت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى محمد ما بي ورأى الدم نطق: «ما لك،يا ترى؟ من الممكن أنك نفست؟» نطقت: قلت: نعم،يا ترى؟ نطق: «فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحًا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك» نطقت: فلما فتح الله خيبر رضخ لنا من الفيء، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها وعلقها بيده في عنقي، فوالله لا تفارقني أبدًا، وكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت حتى تدفن معها، نطقت: وكانت لا تطهر من حيضها، إلا جعلت في طهرها ملحًا، وأوصت به حتى يجعل في غسلها حين ماتت.

الشورى في غزوة خيبر

تقدم النبي محمد حتى اختار لمعسكره منزلاً، فأتاه حُبَاب بن المنذر، فنطق : يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله، أم هوالرأي في الحرب ،يا ترى؟ نطق : "بل هوالرأي" فنطق : يا رسول الله، إذا هذا المنزل قريب جدًا من حصن نَطَاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضًا هذا بين النخلات، ومكان غائر، وأرض وخيمة، لوأمرت بمكان خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكرًا، نطق: "الرأي ما أشرت"، ثم تحول إلى مكان آخر.

انظر أيضا

مشاع الفهم فيه ميديا متعلقة بموضوع Battle of Khaybar.

• السيرة النبوية كيف من الممكن أن نبني دولة قوية
• غزوة بني قينقاع

المراجع