العدالة الثقافية والحق في المعرفة


تؤكد المادة (48) من الدستور “على حق المواطن فى الثقافة، والتزام الدولة بكفالته ودعمه وإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لكل فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي أو غير ذلك. وتولى الدولة اهتماما خاصا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجا”. وهذا النص الصريح يضمن ما يمكن أن نسميه “العدالة الثقافية”. وحتى نكون منصفين، فإن الدولة المصرية من خلال مؤسساتها كالهيئة المصرية العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمركز القومى للترجمة، ودار الوثائق القومية وغيرها لها دور لا يمكن تجاهله فى الارتقاء بالثقافة وأتاحتها على مدار سنوات طويلة. ومازالت هذه الهيئات تعمل على نشر الثقافة وتقديم أعمال بحثية وأدبية وتراثية وترجمات ذات قيمة. ولكن هناك ملاحظات يجب أن تقال لأنها قد تؤثر سلبا على مبدأ “العدالة الثقافية”، ومنها ما يمكن أن نصفه بأنه، شكلا من أشكال التمييز، وفق النص الدستورى المذكور.

أولا: هناك مشكلة مزمنة منذ عقود، وقد أشار إليها باحثون وكتاب كثر، وهى عدم عدالة التوزيع الثقافى بين المحافظات وحتى داخل المحافظة الواحدة، فالصعيد والريف والمحافظات الحدودية محرومة من فرص الوصول إلى الإنتاج الثقافي والفكرى، سواء تعلق الأمر بالمكتبات أو منافذ البيع، أو حتى التوزيع من خلال باعة الصحف، وثمة مناطق تعانى من فقر معرفى فعلى، ليس لأن قاطينها لا يرغبون، ولكن بسبب الإقصاء والحرمان من منافذ المعرفة. وقد يفترض البعض أن الإنترنت بات بشكل منفذا بديلا للمعرفة، ولكن هذا غير صحيح، وربما يكون العكس صحيح، بمعنى أن الفقر المعرفي الواقعى ينجم عنه فقر معرفى افتراضي.

ثانيا: توجد مشكلة راهنة، وهى الارتفاع المفاجئ فى أسعار كتب وإصدارات الهيئات الحكومية التي ظلت لسنوات طويلة بمثابة نافذة المعرفة لقطاعات عريضة، ففيما عدا هيئة قصور الثقافة إلى الآنعلى الأقل، من الملاحظ ارتفاع كبير فى أسعار الإصدارات الجديدة للمركز القومى للترجمة والهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو ما يعنى، أن الكتاب لن يعد فى متناول الجميع، وخاصة فئات الشباب وحتى الطبقة الوسطى. والمتوقع أن الكثير من الإصدارات لن تجد طريقها إلى القارئ وسوف تسكن المخازن. وبالطبع فإن المسألة تتعلق بالميزانيات المخصصة لهذه الهيئات والتى تشمل ليس فقط النشر والتوزيع ولكن مرتبات وخلافه، ولكن تظل إتاحة الموارد الثقافية مسئولية على عاتق الدولة، وهي من الأمور التي تستحق الدعم من أجل الاستثمار فى البشر.

ثالثا: قد نتفهم ارتفاع أسعار المطبوعات نتيجة نقص الميزانية أو عدم الوفاء الدولة لتعهداتها في مجال النشر الثقافي، أو حتى نتيجة تراجع الإقبال على الكتاب، ولكن ما يصعب تفهمه هو أنه في الوقت الذي يتم فيه رفع سعر الكتاب، يتم حرمان القراء من هامش التخفيض الذي كانت تتيحه بعض الجهات مثل المركز القومي للترجمة. والأهم هو الإبقاء على استثناءات لفئات دون غيرها، فنجد في الهيئة العامة للكتاب، والمركز القومى للترجمة امتيازات لبعض الفئات، في الحصول على تخفيضات تصل إلى النصف. وحتى بين الفئات التى ربما يكون مبررا أن تحصل على تخفيضات مثل الباحثين والطلاب فإن الأمر لا يخلو من تمييز، فمن له الحق هم من الفئات المنتمية لمؤسسات حكومية فقط، فالباحث أو الطالب فى الجامعات الخاصة، التى أصبحت أكثر من الجامعات الحكومية، ليس له نفس الحق. ناهيك عن الباحثين في مؤسسات المجتمع المدنى أو المؤسسات الخاصة، وهم كثر وفى احتياج لمصادر المعرفة. فما هو المعيار الذي بموجبه تحظى فئة بهذه الفرص دون غيرها من الفئات؟

في الحقيقة أن المسألة لا تتعلق بالجانب المادي، وإن كان مهما للغالبية العظمى من القراء، ولكن بالجانب النفسي والاجتماعي، فثمة أشكال متعددة من الامتيازات التى يحظى بها البعض لأسباب اجتماعية أو مهنية أو حتى بدون سبب واضح، ولكن الاستثناءات والامتيازات تكون غير مبررة عندما تأتي من قبل مؤسسات تخاطب العقل، فالكتاب لا يجب أن يكون سلعة أو خدمة من قبل مؤسسات الدولة، ولكن حق وفق النص الدستوري المذكور.

تاريخ الخبر: 2022-02-14 09:21:10
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية