كلام عن النصب و"نَشْل" الأفكار: أحمد خالد توفيق.. جعل الشباب يقرأون "قصصًا مسروقة" وخزعبلات

يعرف خالد توفيق، أنه كان متهمًا طوال الوقت بسرقة الروايات والأعمال الأدبية، ورغم ذلك استمر في اقتباس الأعمال الغربية وتقليدها، وإعادة إنتاجها بقدرة مدهشة على الاستمرار في الشيء لنفيه. خطة في منتهى الذكاء!

احترف نشر أدب الرعب، في وقت لم يكن ذلك النوع من الأدب موجودًا، لكنه كان يستهلك تيمات وأفكار وردت بالأفلام والروايات الإنجليزية والمترجمة للإنجليزية، ويمصّرها ويكتبها بالعربية وفي أجواء مصرية، فلا يرى القارئ أنه اقتبس الرواية أو المقولة، بل ينسبها له مباشرة.

وبالنسة إلى أدب الرعب، كان العرّاب - كما تسميه جحافل المريدين - يقدم في قصصه ورواياته طقوسًا وثقافات غربية للرعب، لكونه أدبًا مقتبسًا من أفلام وروايات غربية، وكان الأسهل عليه أن يؤلف رعبًا مستوحى من الثقافة المصرية كما فعل آخرون، وفي حوار معه في كتاب "بيست سيلر" للكاتب سامح فايز، قدم لذلك تبريرًا غير منطقي لعدم صناعته أدب رعب من ثقافتنا المصرية والعربية، وهو: "رفضت ذلك لأنني وجدت مثلا أن الحديث عن الجن سوف يُفسّر تفسيرات أخرى، ففي رواية جونتنامو للكاتب يوسف زيدان حكى أحد شخوص العمل داخل الزنزانة أنه رأى جنيًا، فرد عليهم أحد المساجين نافيًا مسألة ظهور الجن في الزنزانة، فوجدهم في خطبة الجمعة يتحدثون عن أن منكر الجن يُستتاب وإن لم يتب قطعت رقبته وبدأ الجميع في السجن يتجنّبونه لأنه أنكر وجود الجن، بينما هو أنكر وجوده في الزنزانة، فلم أرد أن أصطدم بذلك الجانب، أما الكلام عن الزومبي والفمباير فهي ثقافة أخرى والتجوال بداخلها أكثر أريحية". 

جانب من كتاب "حكايات عن القراءة"
 

ويعترف خالد توفيق، أنه "يشتغل على أفكار أعجبته"، وبجملة أخرى "يعيد إنتاجها". وخجل المحاور من ذلك الاتهام، فقال له: "اشتغال على أعمال أخرى وليس سرقة بالمعنى الحرفي" ليُفاجأ برده: "هذه تهمة لا أنكرها، أن أجد فكرة فأشتغل عليها، فهناك تيمة من الممكن أن تستحوذ على إعجابي فأشتغل عليها، المهم أن تكون المعالجة خاصة بأحمد خالد توفيق، يوتوبيا مثلا خليط من تيمات خيال علمي متعددة مثل تيمة (ما بعد المحرقة) و(المسابقات التليفزيونية ما بعد المستقبل).. هل معنى ذلك أنها مسروقة؟ 

جانب من كتاب "حكايات عن القراءة"
 

يضع خالد توفيق في هذا الحوار أساسًا للاستيلاء على التيمات والأفكار، ويسن قانونًا آخر لتحديد السرقة الأدبية، فيوسّع دوائر الاقتباس باعتبارها "شيئًا عاديًا"، ويشبه سرقة فكرة وبعض الأحداث بـ"تقديم مصاص الدماء في رواية أو مسلسل". يقول: "لو فتحنا الباب لهذه التهمة، فأي قصة فيها مصاص الدماء مسروقة من برام ستوكر أول من كتبها".

جانب من كتاب "حكايات عن القراءة"
 

في حوارات ومقالات ومساحات مختلفة، يضع خالد توفيق أسسًا للسرقات والاقتباس الأدبي، ويمنحه مسميات أخرى أخف وطأة، ففي كتاب "اللغز وراء السطور"، أسماه "التقمص"، وهو أن يكون الكاتب نصّابًا. آه، يرى "خالد" أن النصب أحد سمات الكاتب، ويشرح النصب قائلًا: "تعني أنه يستطيع محاكاة الكتابة عن عوالم أخرى لا تمت له". ويشرح أن  "النصب موهبة أخرى من مواهب الأديب، فعليه أن يخلق جوا زائفًا محكم التفاصيل يقنع القارئ، وبالنسبة لنوعية أدب البوب الذي أكتبه للشباب، حيث يكن أن تدور الاحداث في أي مكان في العالم كان علي أن أتعلم النصب في أقوى صورة له". 

ولكن كيف استخدم خالد توفيق "النصب" في سرقة مقولات وروايات رائجة؟

كان خالد توفيق، في وقت سابق، متهمًا بسرقة فكرة من مسلسل أجنبي، واجهوه طويلًا بالاتهام الذي لم يسلمْ منه، وربما لبقائه في طنطا بعيدًا عن الصراعات وأجواء القاهرة الحافلة بالمعارك الأدبية التي لا يتحمّلها قلبه الضعيف، نجا منها. وكيْ يتخلّص من الاتهام بسرقة فكرة من مسلسل، لجأ إلى “تخريجة” تاريخية، لا يصدقها عقل، فقال: "حين بحثت في المسألة وجدت أن تاريخ إنتاج المسلسل لاحق على تاريخ بداية كتابتي بخمس سنوات".

المعتاد أن يقول الكاتب ساخرًا من متهميه، أن روايته أو قصته صدرت قبل إذاعة المسلسل الذي يتهمونه بسرقته أو اقتباس فكرة منه، لكن دفع الاتهام بأن المسلسل كان لاحقًا لبدئه في الكتابة (وليس النشر) بخمس سنوات، فهنا يفترض خالد توفيق أنه قديس، يقول كلامًا منزلًا من السماء، يجب تصديقه والإيمان به، ويراهن على قطعان قرائه ومحبيه ومريديه الذين يملكون استعدادًا هائلًا لتصديقه مهما قال كلامًا غير منطقي وغير مترابط، وسنّ سننًا لم نسمعْ بها من قبل، ليس فقط لأنه سابق عصره، بل لأحد أحدًا لم يجرؤ على قولها قبله.

يزيد توفيق على ذلك، بالتشكيك في منطق من يتهمّونه بالسرقة بحسبة بسيطة لا تدخل على أحد، فيقول:"ثم إن هناك تناقضًا في المسألة، فكيف نتهم بسرقة أعمال هي في بلادها قوية ثم نتهم أيضًا أن أعمالنا ضعيفة: طب ما اللي هيسرق هيسرق العمل محكم مش مفكك". يتّبع توفيق، طوال حياته وفي أغلب مناوراته، أسلوبًا وحيدًا قديمًا وتقليديًا في المعارك، هو التشكيك في منطق الآخر، ونواياه، وتشويهه كي لا يصير مُصدّقًا مهما كانت حُججه منطقية، وذلك بوضع افتراضات تبدو منطقية، وكأن الفكرة كانت “حلوة” في دماغ خالد، ولكن حين قالها، لم تعد “حلوة” أبدًا ولا منطقية، ربما كان سارق الفكرة غير موهوب، فالسرقة أيضًا تحتاج موهبة كالتي يمتلكها خالد، كي تُصبح "مُقنَّعة" ومترابطة وجذابة، وربما حاول السارق أن يحذف من الفكرة الرئيسية كثيرًا كي ينجوَ بسرقته، وربما كان خياله فقيرًا فلم ينجح في تعريبها وتمصيرها بما يكفي لتصبح قوية، فالقوة لا تنبع من الأفكار بل من المعالجات وطرق الكتابة والعرض.

جانب من كتاب "حكايات عن القراءة"
 

وبناءً على ما قاله خالد، يمكن أن نسألَ: لماذا كانت أسطورة رعب المستنقعات مفككة وضعيفة إلى هذا الحد؟

أشهر القصص المقتبسة لأحمد خالد توفيق، هي "أسطورة رعب المستنقعات"، التي قُدمت للشباب، ومن يقرأها يتذكر فورًا فيلم "Evil dead" التي تحكي عن مجموعة شباب في كوخ في الغابة، وجدوا كتابًا به 7 كلمات إذا نُطقت بصوت مرتفع تستجيب روح شريرة من المستنقعات، تتلبس الموتى وتعيدهم للحياة في صورة شريرة مرعبة.

في قصة خالد توفيق تحوّل الكتاب إلى مفكرة، وجدها مجموعة شباب بغابة، واستمرّت حتى نهاية كما الفيلم بالضبط.. وهكذا تحول الكثير من الأفلام إلى قصص وروايات لخالد توفيق.

أسطورة رعب المستنقعات

ووراء تلك القدرة.. كانت ترقد موهبة كامنة في السطور، طوّعت للنصب على القراء والكتاب والواقع الأدبي المصري والشباب.. فـ"جعل الشباب يقرأون قصصًا مسروقة".

Evil dead
تاريخ الخبر: 2022-04-04 00:21:06
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية