الورق

الورق في اللغة (بكسر الراء والإسكان) هي الدراهم من الفضة، والتورق طلب الورق أي الدراهم. وفي الاصطلاح الفقهي التورق هوشراء سلعة ليبيعها إلى آخر غير بائعها الأول للحصول على النقد. مثال ذك ان يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها لآخر نقداً ليحصل على ثمنها الحال لرغبته في الحصول على النقد. فان باعها إلى نفس بائعها الأول فهي العينة الممنوعة، اما ان باعها إلى طرف ثالث فهي التورق.

حكم التورق

إختلف الفهماء المسلمين في حكم التورق على قولين كما يلي :

القول الأول : التورق جائز

وهوقول الجماهير من أهل الفهم من المالكية والشافعية والأحناف، وهورواية عن أحمد بأن هذه المعاملة جائزة

مضى جمهور الفقهاء إلى جواز شراء الرجل سلعة بالاجل وبيعها إلى غير بائعها نقداً وغرضه الحصول على النقود، وحدثة التورق من عبارات الحنابلة. أما المذاهب الأخرى فيعرض فقهاءها إلى التورق عند الحديث عن العينة فيفرقون بينها وهي ممنوعة وبين التورق وهوجائز عند جمهورهم. واستدلوا على القول بالجواز بالكتاب والسنة والقياس. اما الكتاب فقوله تعالى: "وأحل الله البيع" إذ يشير ذلك على إباحة جميع بيع إلا مادل مرشد معتبر على حرمته ولا مرشد هنا على حرمة التورق وقد أثبت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ان الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على حرمته. ومن السنة على الأحاديث في البيع وهي في نفس المعنى. اما القياس فلان البيع توافرت فيه أركانه وشروطه وخلا من المفسدات كالغرر والجهالة والربا ونحوذلك. وقد تضافرت الفتاوى المعاصرة على جواز هذا البيع أيضاً، منها قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورة مؤتمره الخامسة عشرة (رجب 1419هـ) حيث قرر جواز التورق، وكذا هيئة كبار الفهماء في المملكة العربية السعودية واللجنة الدائمة فيها، كما أفتى بجوازه المفتى العام للمملكة العربية السعودية السابق الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله (مجموع فتاوى ومنطقات متنوعة ج19 ص93) والمفتي العام الأسبق سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (فتوى رقم 1569 المنشورة في المجلد السابع من فتاوى ورسائل).

القول الثاني : التورق حرام

وهوالرواية الثانية عن أحمد، وهذه الرواية رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .

نطق ابن القيم: راجع الناس شيخنا ابن تيمية مراجعة شديدة في هذه المسألة وهوحاسم حازم فيها، وكان يقول: هي ربا والأدلة على التحريم ما يلي:

الدليل الأول: على التحريم

حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه نطق: نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، وجه الدلالة من هذا الحديث: حتى الرجل كان ينوي مبادلة مال بمال، فأصبح صرفاً نسيئة بنقص، وهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نطق: (لا تبيعوا غائباً بناجز إلا يداً بيد)، فكانت الصورة صورة صرف، مائة نسيئة وليست نقداً بثمانين نقداً، فالذي اقتنى السلعة وباعها، نيته ليس الانتفاع بالسلعة إنما يريد الصرف فقط، فنيته سيولة المال، فكأنه أخذ المائة ألف وصرفها بثمانين نسيئة، أي: ولج في الربا مرتين، فالنسيئة ربا، وربا النسيئة هوالأصل الذي حرمه الشرع، فلذلك يحرم عليه؛ لأنه يصرف المائة بالثمانين أوالثمانين بالمائة دون التقابض في المجلس.

الدليل الثاني: على التحريم

لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما عن رجل يريد حتى يشتري السلعة ويبيعها ليستفيد بسيولة المال، فنطق له: هي دراهم بدراهم بينهما حرير، أي: أنه صنفها من ناحية الصرف، وهذا أثر عن ابن عباس ولا مخالف له.

الدليل الثالث: على التحريم

ورد عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه أنه نطق: التورق هوأصل الربا؛ فإن الله تعالى حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود، ويكون جلياً في هذه الصورة.

فهذه هي الأدلة التي استدل بها ابن القيم التي تنهى عن مماثلة اليهود في المعاملات الظاهرية والباطنية ثم ذيلها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم، فأذابوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها)، حرم عليهم أكل الشحوم، فنطقوا: ما أكلناها وما ولج في المعدة منها شيء، لكنهم أكلوا ثمنها فاعتبرهم الله جل في علاه، أنهم قد أكلوها مع أنهم ما أكلوها حقيقة، إنما أكلوا ثمنها، عاملهم بما في نيتهم، فأصبحوا كالأكلة، وأخذهم الله جل وعلا بما عملوا.

كلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- في المسألة

مضى شيخ الإسلام ابن تيمية وكذا تلميذه ابن القيم إلى عدم جواز التورق مع ان المشهور عند الحنابلة الجواز. وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله لقوله هذا مستندين الأول انه من بيع المضطر وقد ورد النهي عن بيع المضطر، والثاني انه حيلة على الربا.أ- القول بان التورق من بيع المضطر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وللحديث روايات اقواها مارواه أبوداوود باسناده عن شيخ من بني تميم نطق: خطبنا علي رضي الله عنه نطق نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل ان تدرك. ورواه البيهقي عن شيخ من بني تميم عن علي نطق سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك نطق تعالى: "ولا تنسوا الفضل بينكم". يعز الاشرار ويستذل الاخيار وما يمنع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر ومن بيع الغرر وعد بيع الثمرة قبل ان تطعم". وليس للمعترض على التورق حجة فيما ذكره ابن تيمية لسببين: الأول لضعف اسناد هذه الأحاديث فهي لا تنهض حجته للقول بالمنع. نطق الخطاب في معالم السنن "في استناده رجل مجهول (ص677 ج3). ونطق ابن حزم في المحلى "لواستند هذا الخبران لقلنا بهما مسرعين ولكنهما رسلان ولا يجوز القول في الدين بالمرسل" (المحلى). والثاني : ان المعنى الذي من أجله منع بيع المضطر لا يظهر في التورق وبخاصة في تطبيقاته المصرفية. نطق الخطابي في معنى بيع المضطر: "بيع المضطرقد يكون على وجهين احدهما ان يضطر إلى العقد عن طريق الإكراه عليه فلا ينعقد العقد والثاني ان يضطر إلى البيع لدين أومؤنة ترهقه فيبيع مافي يده بالوكس من اجل الضرورة فسبيله من حيث المرؤه ان لا يهجر حتى يبيع ماله ولكن يعان ويقترض ويستمهي إلى الميسرة حتىقد يكون فيه بلاغ فان عقد البيع على هذا الوجه صح ولم يفسخ". ب- ان التورق حيلة على الربا : نطق ابن العثيم رحمه الله في اعلام المسقطين "وكان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق وروجع فيه مراراً وانا حاضر فلم يرخص فيها ونطق: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها..." (اعلام المسقطين ج3 ص22). فابن تيمية يراه حيلة على الربا وهومن الممكن كان كذلك في زمن ابن تيمية ولك الآن –ان كان حيلة- هوحيلة للهروب من الربا. ونحن لوطبقنا عليه كلام ابن تيمية رحمه الله في الحيل لوجدنا القول بان التورق المصرفي المعاصر حيلة على الربا غير سديد. يقول رحمه الله في مسألة الحيلة في الفتاوى ج29 ص 447 "وأصل هذا الباب ان الاعمال بالنيات وانما لكل امرء ما نوى فان كان قد نوى ما احله الله فلا بأس وان نوى ما حرم الله وتوصل إليه بحيلة فان له ما نوى" فلا تكون حيلة إلا ان ينوي محرماً يتوصل إليه بالتحايل. والمتورق ليس نيته ارتكاب الحرام بل نيته اجتناب الحرا كيف من الممكن أن لا والحرام مشرعة ابوابه امامه وهوأقل كلفة ونفقة ثم يهجره ويأخذ بالتورق لاجتناب الحرام. ويضيف رحمه الله في ابواب الحيل ص 241 "وكذلك إذا اتفقنا على معاملة ربوية ثم اتيا صاحب حانوت..." فهذا مرشد على حتى المحتال يقصد الحرام ثم يلبس بلباس المباح". ويقول رحمه الله "هذه المعاملة وامثالها التي يقصد بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة" (438) وجلي ان ليس هومقصد همها.

اعتراضات ودفعها

قصد المشتري انما هوالحصول على النقود. الجواب ان ذلك لا تأثير له على صحة المعاملة إذ ان التورق كسائر العقود الأخرى المطلوب فيه تحقق صورته الشرعية اما نية العاقد فلا أثر لها فالنوايا لا يفهمها إلا الله عزوجل. فيحرم البيع إذا لم تتحقق الصورة الشرعية ويجوز بتحققها. يشهد لذلك ما ورد في سليمي البخاري ومسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم رجلاً على خيبر فاتىه بتمر جنيب (والجنيب هوالطيب، والجمع هوالردئ) فنطق له "أكل تمر خيبر هكذ" نطق يا رسول الله انا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فنطق له عليه الصلاة والسلام "لا تعمل بع الجمع ثم ابتع بالدراهم جنيباً". إذ ان مبادلة التمر بالتمر يشترط فيها التساوي لان التمر من الأموال الربوية التي وردت في حديث الاصناف الستة. فانظر كيف من الممكن أن ان تغير صورة العقد نقله من الحرمة إلى الحل مع ان الغرض والقصد في كلا الحاليين واحد.

كيفية تطبيق عمليات التورق في البنوك

يقوم البنك بشراء كمية من السلع لنفسه (جملة) ثم يبيعها إلى عملائه (تجزئةً) وعندما يتقدم العميل إلى البنك فانه يطلب شراء كمية محددة من سلعة يملكها البنك وقت البيع وموجودة في مستونادىت مخصصة لتلك السلعة. وهوبيع على الوصف ومعلوم انه يجوز بيع السلعة على الوصف أوعلى رؤية متقدمة فإذا قبضها المشتري واتىت على خلاف الوصف كان بالخيار ان شاء قبل وان شاء رد، وان اتىت على الوصف لزم البيع. فإذا قبل البنك الطلب باعه كمية من السلعة المتفق على بيعاً مؤجلاً بثمن مقسط ولما كانت السلع موجودة في مستونادىت في أماكن متفرقة لزم ان ينص في عقد البيع على اشتراط مكان وفاء البنك بالسلعة للعميل. بمجرد حصول الإيجاب والقبول بين البنك والعميل تصبح السلعة ملكاً لذلك العميل المشتري وهي سلعة معينة وليست "قفيزة من صبره". فإذا كانت في مستونادىت منظمة كان لها رقم تسلسلي بحيث يتعين في عقد الشراء ما سقط عليه البيع، ويجوز له التصرف فيها بالبيع إلى طرف ثالث. وهوعندئذٍ مخير ان شاء احتفظ بها في ملكه ودفع مصاريف التخزين لصاحب المستودع، وان شاء قبضها في مكان الوفاء بحسب ما اشترط البائع في العقد وهومسقط المستودع وتصرف بها. وإذا رغب ان يوكل البنك بان يبيعها على طرف ثالث بالثمن الجاري في السوق وان يقبض ثمنها نيابة عنه وان يودع ذلك الثمن في حسابه فله ان يعمل ذلك لان مثل هذه الوكالة جائز لا بأس به.

هل الوكالة بالبيع في التورق جائزة

الجواب ان توكيل العميل البنك ببيع البضاعة المملوكة له إلى طرف ثالث أمر جائز، على أصل جواز التوكيل من جائز التصرف. والقول بجواز هذه الوكالة ليس جديداً بل ورد في فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي العام الأسبق للمملكة العربية السعودية، حيث سئل رحمه الله عن رجل اقتنى من تاجر سلعة بالأجل يريد التورق ووكله ببيعها في الحراج وقبض الثمن نيابة عنه فأجاز ذلك رحمه الله وقد ورد نص الفتوى المذكورة في المجلد السابع من فتاوى ورسائل لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص64). نخلص من جميع ذلك ان التورق إذا جرى بالطريقة السليمة فهووسيلة لحصول من يحتاج إلى النقد حصوله على السيولة دون الوقوع في الربا المحرم إذ التورق داخل في باب البيع وليس القرض.

المراجع

http://www.islamifn.com/maaeer/tawrug.htm

تاريخ النشر: 2020-06-02 00:29:28
التصنيفات: بنوك, فقه إسلامي, مقالات بدون مصدر منذ فبراير 2016, جميع المقالات بدون مصدر, مقالات بدون مصدر منذ 2016, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, مقالات يتيمة منذ مارس 2015, جميع المقالات اليتيمة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رئيس الوزراء الأوكراني: الهجوم المضاد قد يبدأ في الصيف

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-12 00:17:30
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 85%

مسؤول إيراني: تحصيل المستحقات المترتبة على العراق في غضون أشهر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-12 00:17:33
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 86%

سرطان الثدي: نساء كفيفات يساعدن في تشخيص الإصابة بالمرض في الهند

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-12 00:17:10
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 86%

دونيتسك تعرض على قوات كييف في أرتيوموفسك الاستسلام

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-12 00:17:35
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

بيع حذاء رياضي لمايكل جوردان برقم قياسي بلغ 2.2 مليوني دولار

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-12 00:17:21
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 90%

رسميا/ تعيين سليمان البرهمي رئيسا للجنة التحكيم

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-04-12 00:16:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

دوري أبطال أوروبا: إنتر يضع قدما في نصف النهائي

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-12 00:17:19
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية