أرثوذكسية مشرقية

عودة للموسوعة

أرثوذكسية مشرقية

من سلسلة منطقات عن
المسيحية

الأسس والعقائد
يسوع المسيح
الثالوث الأقدس (الأب ، الابن ، الروح القدس)
كرستولوجيا· الكتاب المقدس·
فهم اللاهوت المسيحي. قانون الإيمان
تلاميذ المسيح· الكنيسة· ملكوت الله· إنجيل
تاريخ المسيحية· الخط الزمني

الكتاب المقدس
العهد القديم· العهد الجديد
الوصايا· عظة الجبل
الولادة· قيامة يسوع· الإرسالية الكبرى
الوحي· الأسفار· القانون· أبوكريفا
التفسير· السبعينية· الترجمات

الثيولوجيا المسيحية
تاريخ الثيولوجيا· الدفاع
الخلق· سقوط الإنسان· الميثاق· الشريعة
النعم· الإيمان· الغفران· الخلاص
تقديس· تأله· العبادة
فهم الكنيسة· الأسرار المقدسة· الأخرويات

التاريخ
المبكرة· المجامع المسكونية· العقائد
الانشقاق· الحملات الصليبية· الإصلاح البروتستانتي

مسيحية شرقية
أرثوذكسية شرقية· أرثوذكسية مشرقية
مسيحية سريانية· كاثوليكية شرقية

مسيحية غربية
كاثوليكية غربية · بروتستانتية
كالفينية · معمدانية · لوثرية
أنگليكانية· تجديدية العماد
إنجيلية · ميثودية . مورمونية
أصولية · ليبرالية · خمسينية
كنيسة الوحدة · . شهود يهوه
فهم مسيحي . توحيدية . الأدفنتست
مواضيع مسيحية
الفرق· حركات· محاولات التوحيد المسيحية
موعظة· الصلاة· موسيقى
ليتورجيا· افخارستيا· الرهبنة· تقويم· الرموز· الفن

شخصيات مهمة
رسل المسيح الاثنا عشر. الرسول بولس
آباء الكنيسة. قسطنطين. أثناسيوس· أوغسطينوس
انسيلم· الأكويني· بالاماس· ويكليف
لوثر· كالفن· جون ويزلي

بوابة المسيحية

    

المسيحية المشرقية هومصطلح يدلل به على العقيدة التي تؤمن بها كنائس مسيحية أرثوذوكسية شرقية، والتي لا تعترف إلا بشرعية المجامع المسكونية الثلاث الأولى (نيقية ، قسطنطينية ، أفسس) ، وتعهد برفضها القاطع للعقيدة التي أقرها مجمع خلقيدونية. وتعهد هذه الكنائس أيضا بالكنائس الشرقية القديمة ولكن يجب التمييز بينها وبين الكنائس الشرقية الأرثوذوكسية التقليدية.

وتأتي في مقدمة تلك الكنائس الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، والتي لعب رجالتها الدور الأبرز في تحديد الخطوط العريضة لعقيدة هذه الكنائس.


الكنائس الشرقية القديمة

  • كنيسة الأقباط الأرثوذوكس ومركزها في مصر، ويتبع لها:
    • الكنيسة البريطانية الأرثوذوكسية في المملكة المتحدة.
    • الكنيسة الفرنسية الأرثوذوكسية في فرنسا.
  • كنيسة التوحيد الأرثوذوكسية الإثيوبية
  • كنيسة التوحيد الأرثوذوكسية الأريتيرية
  • كنسية السريان الأرثوذوكس ومركزها في سوريا، ويتبع لها:
    • كنيسة مالانكارا اليعقوبية السريانية الأرثوذوكسية في الهند.
  • الكنيسة الهندية الأرثوذوكسية، وتعهد أيضا بكنيسة مالانكارا السريانية الأرثوذوكسية.
  • الكنيسة الرسولية الأرمنية وتقسم إلى:
    • الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية كيليكية
    • الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية القسطنطينية
    • الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية أورشليم


القضية الارثوذكسية

تٌعتبر الرعية العربية الأرثوذكسية في بلاد الشام عامة وفي الأردن وفلسطين خاصة، الأكثر عدداً بين العرب المسيحيين، بل فقد كانت في وقت ما تٌشكل أكثر من 99% من العرب المسيحيين الذين تعود أصولهم إلى الغساسنة والمناذرة والتغالبة في الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وهم عرب أقحاح.

بالنسبة للأردن وفلسطين، فقد إبتدأت الكنيسة المقدسية على يد الأسقف يعقوب الرسول إبن يوسف النجار الذي إستشهد في العام 62م على يد اليهود وخلفه شقيقه سمعان الذي إستشهد أيضاً على يد اليهود، وتعاقب على رئاسة أسقفية القدس والأراضي المقدسة (التي تحولت لاحقاً إلى بطريركية) العشرات من الأساقفة والبطاركة غالبيتهم الساحقة كانت من العرب أهل البلاد، ونذكر منهم البطريرك إيليا النجدي الذي رأس الكرسي البطريركي عام 494م والبطريرك صفرونيوس الدمشقي الذي رأس الكرسي البطريركي عام 634م الذي إستقبل الخليفة عمر بن الخطاب، والبطريرك يوحنا الذي رأس الكرسي البطريركي عام 705م والذي منع الصلاة في الكنائس بأي لغة غير العربية. هذا بالإضافة إلى جميع من البطريرك إيليا الثاني عام 750م والبطريرك الطبيب توما عام 786م والبطريرك المقدسي إيليا عام 868م والبطريرك من قيسارية أغانيوس عام 983م والبطريرك مرقس عام 1174م والبطريرك يواكيم عام 1431م والبطريرك مرقص الثالث عام 1501م وأخيراً البطريرك عطالله الذي رٌسم بطريركاً عربياً عام 1516م وكلهم عرب.

ولا بد لنا من التوقف عند حروب الفرنجة أوما إصطُلح على تسميته (الحروب الصليبية) والصليب منهم ومن حروبهم براء، إذ كان للفرنجة (الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية وهي غير الكنيسة الأرثوذكسية) أهدافاً اقتصادية استعمارية ألبسوها لبوساً دينياً، كما كان من الأهداف المعلنة إخضاع الكنيسة الأرثوذكسية المشرقية.

إحتل الفرنجة بيت المقدس عام 1099م وقتلوا العرب الأرثوذكس كما قتلوا العرب المسلمين ونًًًصّبوا البطاركة اللاتين على القدس وإحتلوا دار البطريركية الأرثوذكسية في القدس وطردوا البطاركة الأرثوذكس إلى القسطنطينية وإستولوا على كنيسة القيامة والكثير من الكنائس والأديرة العربية الأرثوذكسية.

فتح صلاح الدين مدينة القدس عام 1187م بعد حتى حكمها الفرنجة مدة 88 عاماً ولقي معاونة وتأييداً كبيراً من الأرثوذكس العرب بل إنهم حاربوا في جيش صلاح الدين الأيوبي ومنهم القائد الكبير عيسى العوّام.

إذن، فمما لا ريب فيه أنّ الرئاسة الروحية للكنيسة الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين ظلت عربية حتى القرن السادس عشر، أما الرعية (أبناء الكنيسة) فهم عربٌ منذ البدء وحتى يومنا الحاضر.

وبإستنطقة البطريرك العربي عطا الله عام 1534م إنتهى عهد البطاركة العرب في البطريركية الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين حيث أُنتخب البطريرك الجديد -جرمانوس اليوناني- الذي كان يجيد اللغة العربية التي درسها في مصر إجادة تامة وظل بطريركاً لحوالي 45 عاماً، وقد حصر خلالها الرئاسة الروحية بالعنصر اليوناني بتنصيب يوناني بدل جميع أسقف عرب متوفي، وبعد تقدم العمر به، قام برسم البطريرك اليوناني الشاب صفرونيوس عام 1579 خليفة له الذي حاول الرجالات العرب الأرثوذكس الحيلولة دون تنصيبه وباءت محاولاتهم بالفشل. إذا المحاولات والإجتماعات عام 1579 يمكن إعتبارها الإرهاصات الأولى للنهضة والقضية الأرثوذكسية.


خلف صفرونيوس اليوناني (وهوغير صفرونيوس العربي) بطريركاً يونانياً آخر هوثيوفانس عام 1608م، فإحتج الكهنة وأبناء الرعية العرب ولكن السلطان العثماني إبراهيم دعم البطريرك فسجن بعضهم ونفى آخرين، ووضع ثيوفانس قانوناً ظالماً إستمراراًً لنهج جرمانوس وصفرونيوس وهو(بأنه لا يسمح لأي من أبناء الكنيسة المقدسية الأرثوذكسية الوطنية بالوصول إلى أية درجة من الدرجات الأكليروسية أوالرهبانية).

وضع البطريرك اليوناني ذوسيثيوس الذي نُصب عام 1669م القانون الأساسي(لأخوية القبر المقدس) الذي يحظر قبول أي عربي أرثوذكسي من فلسطين وشرق الأردن في عضويتها وإنتخاب بطريرك أومطران من غير رجالها). هذا القانون العنصري المجحف ما زال سارياً حتى اليوم مع إستثناءات إسترضائية.

إستمر تعاقب البطاركة والمطارنه اليونان حتى نهاية القرن التاسع عشر حين عزل المجمع المقدس البطريرك كيرلس بحجة علاقته بروسيا الأرثوذكسية وتأييده لها واستبدل بالبطريرك بروكوبيوس الثاني عام 1873م.

تأسست (الجمعية الأرثوذكسية الوطنية) وأوفدت وفداً إلى الأستانة عاصمة العثمانيين للإحتجاج على عزل أخوية القبر المقدس للبطريرك وبترت الجمعية وجماهيرها جميع علاقة لها مع أخوية القبر المقدس وسحبت إعترافها بالبطريرك ونسجت علاقات متميزة مع روسيا وظلت تمارس الضغوط على البطريركية ونجحت أخيراً بعزل البطريرك اليوناني بروكوبيوس.

أخذت الأمور منحى المد والجزر لحين صدور (قانون البطريركية الرومية الأورشليمية) عن السلطة العثمانية عام 1875م الذي قابله العرب الأرثوذكس بمزيد من المطالب.

أثمر احتجاج الرعية العربية الأرثوذكسية وجهود الجمعية الأرثوذكسية الوطنية والضغط المتواصل، فأضيفت مادة جديدة على مواد قانون البطريركية وأُلفت (نظارة عليا) برئاسة البطريرك نصفها من الرهبان اليونان والكهنة العرب والنصف الآخر من الفهمانيين العرب ومهمتها الإدارة المشهجرة. كما نجحت الجمعية بالسماح لأبناء الرعية العرب بدخول سلك الرهبنة في سائر أنحاء فلسطين والأردن وإتاحة الفرصة لهم للوصول لأعلى درجات الكهنوت.

وبعد وفاة البطريرك اياروثيوس -الذي تم في عهده تحقيق بعض المطالب وإضافتها على قانون البطريركية العثماني- نُصب البطريرك نيقوذيموس عام 1782م والذي أنشأ مدرسة مار متري ودكاكين وأبنية متعددة في باب الخليل وفي حي الدباغة في القدس. توفي البطريرك نيقوذيموس الذي أتهم بمحاباة الرعية العربية وبالعلاقات المتميزة مع الروس وقد تعرض لمحاولة إغتيال فاشلة بإطلاق النار عليه من أحد رجال الدين اليونان عام 1890م. اتى البطريرك اليوناني جراسيموس فأعاد أبناء الرعية العرب مطالبته بتطبيق ما تم الإتفاق عليه وما إلتزم به البطريركان السابقان فأجابهم :

"إن منشور البطريرك اياروثيوس قد دُفن معه"

ثم اتى البطريرك اليوناني ذاميانوس عام 1897م.

عام 1908م، صدر الدستور العثماني/الهجري ومن أبرز بنوده إنتخاب مجالس مليّة في مناطق السلطنة كافة وانتخبت أبرز المجالس وأكبرها في مدينة القدس حيث قام المجلس بالتفاوض مع البطريرك اليوناني (دميانوس) وتم التوصل لتحقيق جزء معقول من المطالب الشرعية لأبناء الرعية العرب من أهمها تأليف (مجلس مختلط) مكون من أبناء الرعية الوطنيين ورجال الدين اليونان.

بالرغم من حتى التسوية لم تحقق مطالب أبناء الرعية العرب إلا حتى (المجمع المقدس) المكون من المطارنة ورجال الدين اليونان إنقلب على هذا الإتفاق بل تمادى متهماً البطريرك اليوناني بمحاباة العرب فعزلوه ( وما أشبه اليوم بالأمس حين إنقلب المجمع المقدس اليوناني على البطريرك المعزول إيرينيوس قبل ثلاث سنوات).

لم يرضَ أبناء الرعية العرب الوطنيون بالإنقلاب وثاروا وشهدت مدن فلسطين كافة مظاهرات رفضت تصرفات المجمع المقدس اليوناني، وألف وفد رفيع المستوى من الشخصيات والزعماء توجه إلى (الأستانة) مطالباً بعدم عزل البطريرك.

إستمرت المظاهرات واستولى العرب الأرثوذكس على دار البطريركية المقدسية وإمتدت الإنتفاضة لجميع المناطق وتمت السيطرة على جميع الأديرة عام 1909م، كما حصلت إشتباكات عنيفة مع القوى الأمنية العثمانية مما أدى إلى إستشهاد أربعة شبان عرب أرثوذكسيين مقدسيين يعتبرون شهداء القضية الوطنية الأرثوذكسية، كما تم إبعاد الكثير من زعماء الحركة الوطنية الأرثوذكسية إلى بيروت (مركز الولاية) آنذاك.

تم التوصل إلى تشكيل (المجلس المختلط) السالف الذكر نتيجة هذه المقاومة المستمرة والتضحيات، وعقد أول إجتماعاته عام 1910م وأعيد البطريرك داميانوس إلى مسقطه رغماً عن (المجمع المقدس) اليوناني وإستمر المجلس ثلاثة أعوام وأصدر قرارات لم ينفذ أي منها لتحايل دميانوس نفسه على جميع القرارات.

بعد إحتلال بريطانيا لفلسطين والقدس عام 1917م استوعب المجمع المقدس اليوناني إمكانية عزل البطريرك داميانوس مرة أخرى بدعم من الإنجليز. فإتصل بالحكومة اليونانية متهماً البطريرك (بأنه يصبغ البطريركية يصبغة أرثوذكسية عامة ويغيّر من صبغتها اليونانية التي إتصفت بها منذ القدم الأمر الذي يمس حقوق أمتنا التقية القديمة ويعود عليها بالخراب).


المؤتمر العربي الأرثوذكسي الأول – حيفا 1923

في الظروف الصعبة التي كانت سائدة آنذاك والمتمثلة بإحتلال بريطانيا لفلسطين والأردن والسيطرة اليونانية على الرئاسة الروحية، قامت سلطة الإنتداب بواسطة مندوبها السامي بإصدار (قانون البطريركية الأرثوذكسية لعام 1921) والذي لم يراعي حقوق الرعية العربية فكان محبطاً ومخالفاً لآمالها الوطنية.

عام 1923 تداعت لمدينة حيفا الفلسطينية الوفود الممثلة لمدن وقرى فلسطين والأردن كافة حيث شاركت وفود من القدس، يافا، بيت لحم، الناصرة، رام الله، غزة، عكا وقضاؤها، نابلس، العفولة، عبلين، الرامة، كفر كنا، جنين، عيلبون، الزبابدة، كفر ياسيف، الرملة،عابود، بيت ساحور، بير زيت وجفنا والطيبة وطولكرم وبيسان وكذلك وفود الأردن من الحصن وتوابعها والسلط وتوابعها والكرك وتوابعها ومأدبا وعُقد (المؤتمر العربي الأرثوذكسي الأول) وأُنتخب السيد إسكندر كساب رئيساً وتمخض المؤتمر عن تشكيل لجنة تطبيقية عليا والكثير من القررات التي تضم:-

- تشكيل مجلس مختلط ثلثاه من الفهمانيين الوطنيين وثلثه من الأكليروس (رجال الدين).

- فتح مدرسة أكليريكية وإفساح المجال لأبناء الرعية من الإرتقاء الى أعلى درجات الكهنوت.

- فتح مدارس في مناطق الأردن وفلسطين كافة.

- المطالبة بإنتخاب مجالس ملية محلية في جميع المدن والقرى الأردنية والفلسطينية.

- المطالبة بفصل فوري لكل رئيس ديني لا يعهد لغة الشعب.

- حتى لا تتم سيامة أي شماس أوكاهن دون موافقة المجالس المليّة.

- لا يحق للبطريرك تمثيل الملة الأرثوذكسية إلا بموافقة المجلس المختلط.

كما صدر القسم الأرثوذكسي : "إننا نقسم بالله العظيم وبصليب سيدنا يسوع المسيح الكريم وبإنجيله المقدس حتى نحافظ بكل قوانا على قرارات المؤتمر الأرثوذكسي العربي الأول كافة التي سجلت وقائعه، وأن لا ننحاز إلى الأعداء المناهضين لهذه النهضة. وإن خالفنا هذا العهد نكون مسؤولين بين يدي الله ونشهده على ذلك".


لجنة برترام - يونگ

نتيجة لإستمرار الخلافات بين البطريرك اليوناني داميانوس والمجمع المقدس اليوناني ومع إستمرار إعتراضات وإحتجاجات أبناء الرعية العرب واللجنة التطبيقية المنبثقة عن المؤتمر الأرثوذكسي، شكّل المندوب السامي البريطاني لجنة خاصة لدراسة الموضوع برئاسة كبير القضاة أنطون برترام ومساعده يونج عام 1925. خرجت بنتائج أهمها إذا الأرثوذكس ضحية تطور تاريخي بعكس الوضع الممتاز الذي يجب حتىقد يكونوا عليه حيث هم سكان البلاد الأصليين موطن إنطلاقة الدين المسيحي، وتضيف اللجنة بأن أخوية القبر المقدس قد صبغت البطريركية بصبغة يونانية خلال الحكم العثماني الذي إمتد 400 عام وهم يعتبرون بطريركية القدس وديعة بين أيدي الأمة اليونانية. ويعتبرون أنفسهم حامية يونانية أمامية دون النظر إلى مسؤولياتهم تجاه الأرثوذكس العرب.

وتوصي اللجنة بضرورة إزالة الآثار السلبية التي أحاطت بالعرب الأرثوذكس وتعديل القوانين بحيث تمنح العرب الأرثوذكس مزيداً من المشاركة في الإدارة، وأن يتمتع العرب بأغلبية الثلثين في (المجلس المختلط) والسماح بإلتحاق الأرثوذكس العرب بأخوية القبر المقدس وإصلاح المحاكم الكنسية وتعديل قوانين إنتخاب البطريرك.

وأخيراً قدمت اللجنة البريطانية مسودة قانون حديث للبطريركية ليحل محل القانون العثماني الساري آنذاك.

بالطبع، رفض اليونان جميع توصيات اللجنة بما فيها القانون وادّعوا حتى هناك وضعاً قائماً لا يمكن تغييره إطلاقاً، وأن حكومة فلسطين البريطانية (الإنتداب) ليس من حقها فرض أي قانون جديد.

أما العرب الأرثوذكس فقد طالبوا بتطبيق هذه التوصيات موضع التطبيق إضافةً لمطالبهم التي تمخض عنها المؤتمر الأرثوذكسي الأول في حيفا. واتخذت الأمور منحىً جديداً بوفاة البطريرك دميانوس عام 1931م ورفض العرب الأرثوذكس إنتخاب بطريرك حديث إلا بعد تلبية حقوقهم التي طالبوا فيها مراراً وتكراراً.

المؤتمر العربي الأرثوذكسي الثاني – يافا 1931

ولتثبيت هذه الحقوق والمطالب فقد تم عقد المؤتمر العربي الأرثوذكسي الثاني في يافا عام 1931م بحضور المندوبين الممثلين لمدن وقرى فلسطين والأردن كافة وانتُخبت لجنة تطبيقية برئاسة السيد يعقوب فراج حيث تم التأكيد على جميع الحقوق والمطالب التي صدرت عن المؤتمر الأرثوذكسي العربي الأول إضافةً إلى التوصيات التالية:-

- بما حتى إنتخاب بطريرك عربي في الوقت الحالي (رغم أنه من أعز أماني العرب الأرثوذكس) لا يمكن تحقيقه عملينا السعي لتحقيق ذلك في المستقبل.

- حمل إحتجاج شديد اللهجة للمندوب السامي البريطاني لتدخل القنصل اليوناني السافر في شؤون البطريركية والأماكن المقدسة.

- مقاطعة الإنتخابات للبطريرك وعدم الإعتراف بأي بطريرك يتم إنتخابه إلا بعد تحقيق الرعية لكامل حقوقها.


وبذلك توقف إنتخاب البطريرك حتى عام 1935م عندما قامت سلطات الإنتداب البريطاني بإصدار قانون البطريركية الأرثوذكسية رقم 25/1935، وظل موقف اللجنة التطبيقية على حاله برفض المشاركة في إنتخاب البطريرك ومطالبة الكهنة العرب بالإلتزام بقرار المقاطعة وعدم مشاركتهم بالإنتخابات. قدمت جميعة النهضة العربية الأرثوذكسية في الأردن ممثلة برئيسها الشيخ عودة القسوس مذكرة للأمير عبدالله بن الحسين بالمطالب نفسها.

قامت سلطات الإنتداب البريطانية بالتنكر لجميع تعهداتها ووعودها كعادتها وأصدرت قانوناً جديداً حمل رقم 26/1935 مُنعت بموجبه اللجنة التطبيقية من تقديم إعتراضات لدى المحاكم، تم إنتخاب البطريرك اليوناني تيموثاوس، وتصاعدت الإحتجاجات والمطالب بعدم الإعتراف بالبطريرك وعدم ذكر إسمه بالصلوات والمطالبة بإغلاق الكنائس.

هادن البطريرك الرعية العربية وشُكلت لجنة مشهجرة للوصول إلى حل ودي وثبت حتى هدف المباحثات إنتزاع الإعتراف دون تقديم أي لقاء. إستمرت الإحتجاجات ومقاطعة البطريرك وجميع الإحتفالات الدينية مما إستدعى تعليق المندوب السامي إنتخاب البطريرك وأُلفت لجنة لبحث المشكلة مكونة من أعضاء من اللجنة التطبيقية من الأردن وفلسطين ورجال دين يونان.

ثبت فشل الإجتماعات الذريع فوجدتها السلطات البريطانية فرصة وأصدرت قانوناً جديداً عام 1941 مغيبة الرعية العربية الأرثوذكسية وإعترفت بالبطريرك وإستمر العرب الأرثوذكس بالإعتراض والإحتجاج.


المؤتمر العربي الأرثوذكسي الثالث – القدس 1944

تُوجت الإحتجاجات عام 1944 بعقد (المؤتمر الأرثوذكسي العربي الثالث) في القدس، الذي أكد على جميع مطالب الرعية الأرثوذكسية الواردة بالمؤتمرات السابقة ورفض القانون الصادر عن سلطات الإحتلال البريطاني، وأُنتخبت لجنة تطبيقية جديدة برئاسة السيد عيسى العيسى.


المؤتمر العربي الأرثوذكسي الرابع – القدس 1956

بقي الوضع على ما عليه حتى حلول النكبة الكبرى عام 1948م والوحدة بين الأردن وفلسطين عام 1950م. أخذت الأمور تتأرجح بين أعطى وجزر حتى وفاة البطريرك تيماثاوس حيث عُقد المؤتمر الأرثوذكسي العربي الرابع عام 1956م في القدس، وهوأول مؤتمر يعقد بعد وحدة الضفتين تحت الحكم العربي الهاشمي وبوجود موقف رسمي وشعبي عام متضامن بالكامل مع مطالب العرب الأرثوذكس واعتبار القضية الأرثوذكسية جزءاً لا يتجزأ من القضية العربية الوطنية، فصدرت التوصيات التي تتفق مع جميع التوصيات والقرارات السابقة، وشُكلت لجنة تطبيقية جديدة برئاسة السيد أنطون عطالله فُوضت بالسعي لإصدار تشريع يحل محل التشريعات السابقة العثمانية والبريطانية بحيث تكفل هذه التشريعات تحقيق مطالب الرعية العربية وإقرار حقوقها التاريخية.

نجحت اللجنة التطبيقية بالتعاون مع حكومة السيد سليمان النابلسي بإصدار قانون 1957 بإسم (قانون البطريركية الأرثوذكسية) أُقر من مجلس النواب ثم مجلس الأعيان لكنه سُحب -قبل إستكمال المراحل الدستورية- من قبل حكومة سمير الرفاعي واستُبدل بقانون آخر حمل رقم 27/1958.


وللتاريخ، فإن قانون 1957 الذي أُقر من قبل الحكومة التي ترأسها النابلسي قد كان قانوناً متوازناً أعاد الحقوق إلى مستحقيه. ومن يقرأ الأسباب الموجبة التي تقدمت بها الحكومة يجد حتى هذه الحكومة قد فهمت الوضع التاريخي وجذور القضية الأرثوذكسية حيث نطقت:(تعتبر الحكومة الأردنية حتى الوقت قد حان لوضع حد لهذا النزاع الطويل ومنح الطائفة العربية حقوقها الطبيعية العادلة).

تقدم رئيس اللجنة التطبيقية آنذاك بمذكرة طويلة للحكومة الأردنية وضح فيها المحاذير من إقرار هذا القانون (قانون 27/1958) لكن أحداً لم يهتم.


رغم حتى قانون 27/1958 لا يلبي طموحات وحقوق الرعية العربية إلا حتى رجال الدين اليونان لم يطبقوا هذا القانون بشكل تام منذ صدوره عام 1958 وحتى اليوم.

أُنتخب البطريرك اليوناني فينيذكتوس الذي إضطر لتطبيق أجزاء من قانون 27/1958 فشكّل مجلس مختلط أُنتخب عام 1962 كما أُنتخبت المجالس المحلية في المدن الأردنية / الفلسطينية عام 1966 واتى عام 1967 وأحتُلت جميع فلسطين والقدس فوجد البطريرك الفرصة سانحة لتجميد نشاط المجلس المختلط والمجالس المحلية.

بقي الوضع على ما عليه خصوصاً بإستمرار الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين -داخل الخط الأخضر وكذلك الضفة الغربية والقدس وغزة - حتى وفاة البطريرك فينيذكتوس عام 1980. دعت أخوية القبر المقدس إلى إنتخاب بطريرك حديث فهب رجالات الأرثوذكس العرب في الأردن وفلسطين للتصدي للموضوع ورفضوا إجراء الإنتخابات وطالبوا بضرورة تحقيق مطالب أبناء الرعية العرب خصوصاً إيقاف تسرب الأراضي والأوقاف الأرثوذكسية إلى اليهود، والكشف عن الصفقات السرية وإبطالها بعد فهم الكثير من الصفقات التي تمت بالتأجير لمدة (99) عاماً.

رغم هذه المواقف والإعتراضات منحت الحكومة الأردنية الكثير من الرهبان اليونان الجنسية الأردنية ليتم إنتخاب البطريرك رغم أنف الرعية العرب وأصبح (ذيوذوروس) بطريركاً للكنيسة المقدسية الأرثوذكسية، الذي كان قد قدّم تعهدات ووعود كثيرة للرعية الأرثوذكسية العربية أهمها عدم بيع أوتأجير أي شبر من أملاك البطريركية إضافةً إلى تسهيل إنخراط الأرثوذكس العرب في سلك الرهبنة وأخوية القبرالمقدس وإِشراك الرعية الأرثوذكسية في إتخاذ القرارات.

تشكلت لجنة مشهجرة للبحث في تطبيق هذه الإلتزامات لكن دون جدوى حيث إستمر التعنت اليوناني وتسرب الأراضي وبقي الحال على ما عليه رغم إعتراض الرعية العربية ومحاولاتهم الكثيرة لمنع تسرب الأراضي.

توالت المعلومات عن بيوعات وتأجيرات طويلة الأمد للعدوالصهيوني، منها الإستيلاء على دير مار يوحنا وإقامة إسكانات يهودية على الأراضي الأرثوذكسية بيافا إضافةً إلى تسريب مئات الدونمات من أراضي مار إلياس قرب القدس لوزارة الإسكان اليهودية وقضايا عديدة أخر مماثلة.


المؤتمر العربي الأرثوذكسي الخامس – عمان 1992

واصلت الرعية الطلب من البطريرك ضرورة عقد المجلس المختلط لكن ذلك لم يتحقق مما إستدعى قيام لجنة المبادرة العربية الأرثوذكسية – القدس بالدعوة لعقد (المؤتمر الأرثوذكسي العام الخامس) في عمان عام 1992.

عُقد المؤتمر بحضور الممثلين والمندوبين من جميع المدن والقرى الأردنية والفلسطينية بشقيها (داخل الخط الأخضر وفي القدس والضفة وغزة) وإتخذ المؤتمر شعاراً له هو(من أجل نهضة أرثوذكسية شاملة).

شُكل مجلس مركزي أرثوذكسي في الأردن وفلسطين اعتُبر ممثلاً شرعياً لأبناء الرعية العرب الأرثوذكس في مواقع البطريركية كافة، إضافة لتشكيل لجنة تطبيقية عليا برئاسة الدكتور رؤوف أبوجابر.

أعاد المؤتمر الأرثوذكسي الخامس التذكير بالمطالب والحقوق المسلوبة كافة ومن أهمها عدم التفريط بحقوق البطريركية أوتأجير ممتلكاتها إضافةً لضرورة التحسين المستمر للكنائس والمدارس والمحاكم مع السماح لأبناء الرعية العرب بدخول سلك الرهبنة والتأكيد على الوحدة الوطنية المسيحية والإسلامية.

إستمرت الضغوط الشعبية والمحاولات الأرثوذكسية العربية لكنها لم تحقق النجاح المطلوب، إذ عمد البطريرك إلى المهادنة حيناً والمجابهة حيناً آخر، واستغل التناقضات بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية (السلطة لاحقاً) وأخذ يعمل على نسج علاقات مشبوهة مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

إزدادت الأمور سوءاً على خلفية إستمرار تسرب وبيع الأراضي لليهود والإهمال المستمر للأمور الكنسية والروحية كافة مما أدى عدم إحداث نهضة روحية أرثوذكسية.

عام 1999 توفي البطريرك (ذيوذوروس) وتم إنتخاب بطريرك يوناني آخر هو(إيرينيوس) بعد حملة إنتخابية هابطة بينه وبين المرشح الآخر ثيموثاوس مما أدى إلى حدوث شرخ كبير داخل أخوية القبر المقدس اليونانية.

رغم وعد البطريرك المنتخب إيرينيوس الرعية العربية بالتغيير وإجراء الإصلاحات وتلبية الكثير من المطالب، إلا أنه إبتعد عن الرعية كأسلافه جميعاً وتفرغ للمهاترات الداخلية وتصفية الحسابات الإنتخابية بين رجال الدين اليونان أنفسهم وبعض العرب المرتبطين بهذا المرشح أوذاك.

نشرت جريدة معاريڤ (الإسرائيلية) أنباءً لصفقات باب الخليل في القدس بخصوص بيوعات / تأجير 99 عاماً لأماكن مهمة هي فندق السان جون / سوق الدباغة وفندق أمبريال/ساحة عمر بن الخطاب وفندق بترا.

ثار أبناء الرعية العرب عند ذيوع أنباء التأجير وشهدت الأردن وفلسطين إعتصامات وعقدت مهرجانات. بدأت خيوط القضية تتضح بعد تشكيل لجنة تحقيق قانونية منبثقة عن السلطة الوطنية الفلسطينية إستمرت شهوراً توصلت بعدها لإستنتاجات كثيرة أهمها حتى البيوعات/التأجير تمت بواسطة رجل يوناني متزوج يهودية إسمه بابديموس –لديه وكالة من البطريرك- قام بعقد عملية البيع/التأجير وقبض العربون. إمتدت الإحتجاجات ورُفعت مطالب للبطريرك بضرورة إلغاء الصفقات. وبسبب الضغط الشعبي والحكومي وضعف البطريرك إضطر المجمع المقدس وأخوية القبر المقدس (ضمن الخلافات السابقة) التضحية بالبطريرك وتنحيته وساد إعتقاد بأن الرعية خلعت البطريرك وبهذا حققت إنتصاراً لا بد لها من جني ثماره وتحقيق المطالب الشعبية.

أكد البطريرك الجديد ثيوفولوس والمجمع المقدس اليوناني مراراً وتكراراً بأن عزل وتنحية إيرينيوس لم يتم بسبب صفقة باب الخليل في القدس وأكدوا حتى البطريرك والمجمع يعاملان الجميع بتساوٍ بغض النظر عن العرق أواللغة أوالجنس. إذاً لا مانع من البيع أوالتأجير لليهود.

إستمرت الضغوط الشعبية مما نادى الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية إلى إلزام المرشحين الجدد للمسقط البطريركي خاصةً الفائز منهم بالكثير من التعهدات والإلتزامات.

سقط المرشحون الإلتزامات كافة للحكومتين الأردنية والفلسطينية ومن أهمها قيام المرشح الفائز (البطريرك لاحقاً) بكل الإجراءات القانونية لإلغاء صفقات باب الخليل وتطبيق القانون الأردني رقم 27/1958 والتعهد بدعوة المجلس المختلط للإنعقاد خلال شهر واحد من تاريخ إنتخابه والقيام بجرد ومسح هندسي لأملاك البطريركية كافة وعدم منح وكالات إلا بموافقة المجلس المختلط الذي يضم ممثلين عن أبناء الرعية العرب.

إنتخب المجمع المقدس اليوناني بالإجماع البطريرك ثيوفولوس عام 2005، وبدأ أبناء الرعية والمؤسسات الأرثوذكسية كافة مطالبته بتطبيق تعهداته المعلنة والمسقطة.

نكث البطريرك كالمعتاد بعهوده كافة ولم يقم بأي إجراء قانوني لإستعادة عقارات باب الخليل في القدس، أودعوة المجلس المختلط بإبداء حججاً واهية وأدلى بفتوات قانونية –غير ذات صلة- رابطاً عدم وفائه بعهوده بعدم حصوله على الإعتراف الإسرائيلي. حيث إتخذت الحكومة الصهيونية موقف الإبتزاز المزدوج للبطريرك المعزول والبطريرك المنتخب وتأخرت بمنح الإعتراف لحين حصولها على لقاء.

تنادى ممثلوالرعية الأرثوذكسية العربية في الأردن وفلسطين وداخل الخط الأخضر بتاريخ 2/5/2007 لعقد إجتماع جامع في عمان شارك فيه رجال الدين العرب "المطران عطالله حنا والأرشمندريت خريستوفوروس عطالله والأرشمندريت ميليتيوس بصل" والعشرات من المؤسسات الأرثوذكسية ذات التمثيل الكبير والوجود القعلي على الأرض وأكد المجتمعون على المطالب التاريخية للحركة الأرثوذكسية –المطالب نفسها منذ مئات السنين- كما طالبوا الحكومتين الأردنية والفلسطينية بسحب إعترافهما بالبطريرك وعدم التعامل معه وعدم منح أي بطريرك قادم الثقة إلا بعد تطبيق المطالب والتعهدات كافة، فإستجابت الحكومة الأردنية وسحبت الإعتراف بالبطريرك ثيوفولوس حتى ينفذ جميع ما تعهد وإلتزم به.

الضغوط اليونانية والأمريكية المتواصلة وسياسة التفرقة التي إتبعها البطريرك ومحاولته وبعض معاونيه إظهار الرعية بأنها منقسمة، إستدعت إعادة إعتراف الحكومة الأردنية بالبطريرك اليوناني ثيوفولوس.

بعد سنتين من إنتخابه حصل البطريرك ثيوفولوس على إعتراف العدوالصهيوني وُسربت محاضر إجتماعاته مع اللجان الوزارية الإسرائيلية وفيها تصريحات خطيرة منها الإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس والبطريركية وتعهده بتطبيق الصفقات العالقة لصالح المستوطنين اليهود وقول محاميه إذا الإسرائيليين هم الأسياد، كما وُضحت الكثير من الحقائق وتوالت معلومات بتسريب أراضي داخل فلسطين مثل قضية الشماعة والتنازل عن أملاك البطريركية في أمريكا الشمالية.

مما يؤسف له حالياً حتى البطريرك (وبسبب حسن نية بعض أبناء الرعية ولأسباب أخرى وأجندات خارجية وداخلية) قد إجتذب مجموعة من المؤيدين، الذين يحاولون دون جدوى الدفاع عنه مع إصرارهم على محاولة تفريغ القضية الأرثوذكسية من مضمونها الوطني النهضوي والتعامل معها وكأنها قضية أبناء الرعية العربية الأرثوذكسية فقط مع الفهم بأن هذه القضية تخص أبناء الأمة جميعاً فيما يتعلق بالمحافظة على الأملاك والأوقاف العربية الأرثوذكسية ووقف تهويدها وتسريبها إلى الجماعات الإستيطانية الصهيونية.


الجمعية الأرثوذكسية والمجلس المركزي الأرثوذكسي في الأردن وفلسطين وجميع المؤسسات والفعاليات الأرثوذكسية الرسمية والشعبية ما زالت محافظة على مواقفها ومطالبها وحقوقها، ولن تتنازل قيد أنملة عن الحقوق التاريخية التي ناضل وجاهد الآباء والأجداد في سبيلها منذ عام 1534م -عند إستيلاء جرمانوس على هذه البطريركية الوطنية المشرقية - لا يمكن التنازل عنها وهي غير قابلة للتفاوض.

عقد أخيراً في عمان بتاريخ 28/1/2008 مؤتمر موسع جامع حضره ما يزيد عن 200 شخصية أرثوذكسية من الأردن وفلسطين وداخل الخط الأخضر ممثلين للجمعيات العاملة،الأندية، الإتحادات ولجان المناطق من محافظات المملكة كافة، وقد أكد الحاضرون على الثوابت والمطالب وأن الأوقاف الأرثوذكسية ملك للأمة لا تباع وهي خط أحمر، كما أكدوا على عمق العيش المشهجر المسيحي الإسلامي وطالبوبالنهضة الأرثوذكسية وضرورة دعوة البطريرك للمجلس المختلط للإنعقاد الفوري كما طالبوه بتطبيق تعهداته كافة.

خلاصات وإستنتاجات وتوصيات

بعد إستعراض ودراسة هذا الملخص والتسلسل التاريخي للكنيسة الأرثوذكسية وواقعها الحالي وبعد تتبع الإنتفاضات النهضوية العربية الأرثوذكسية طوال 500 عام، لا بد لنا من إستخلاص نتائج وحقائق ودلالات أهمها:

1- مفهوم الكنيسة بحسب العقيدة الأرثوذكسية هومجموع المؤمنين من رعية وإكليروس (رجال دين) مما يعني حتى هذه الكنيسة ذات صبغة تماثل الغالبية العظمى من مكوناتها وهم العرب الأرثوذكس الذين يمثلون أكثر من 99%. لذا فإن الحديث عن تعريب الكنيسة في غير محله، لأن الكنيسة المقدسية عربية أساساً.

وبما حتى الدين المسيحي دين جامع وأممي للإنسانية جمعاء فإن الكنيسة المقدسية الأرثوذكسية مفتوحة بشكل تام لأي قوميات أخرى مثل اليونان والروس وغيرهم. والأرثوذكس العرب لمقد يكونوا أبداً عنصريين فقد رحبوا بجميع القوميات وقبلوهم بشكل تام إلا حتى الآخرين هم الذين تعاملوا مع العرب بعنصرية وما زالوا يمارسون العنصرية ويتعالون في تعاملهم إلى يومنا هذا.

إن الحديث عن هوية الكنيسة يطال الرئاسة الروحية لا الرعية العربية ويبين التاريخ الأرثوذكسي حتى الرئاسة الروحية للكنيسة الأرثوذكسية المقدسية كانت عربية منذ العصور الأولى للمسيحية وحتى القرن السادس عشر عندما نُصب اليوناني جرماونس بطريركاً وعمل على صبغ الرئاسة الروحية بالصبغة اليونانية وإستمر الوضع من يومها وحتى يومنا الحاضر.

2- أبناء الرعبة العرب الأرثوذكس لم يتوقفوا عن النضال والمقاومة ومحاولات النهضة منذ إستيلاء جرمانوس على الرئاسة وحتى وقتنا الحاضر. فقد إنتفضوا عدة مرات وتواصلت إحتجاجاتهم الشعبية طيلة الخمسة قرون الماضية وقدموا الشهداء على مذبح قضيتهم العادلة، ولم يهن أبناء الرعية ولم يستكينوا بل إستمر بالنضال والكفاح جيلاً بعد جيل وهم على إستعداد لمواصلة الكفاح والجهاد.

3- طيلة القرون الخمسة الماضية تشكلت قيادات شرعية عربية أرثوذكسية قادت الشعب وحاولت الحصول على الحقوق أوبعضها، وعززت القيادات وجودها بمؤتمرات أرثوذكسية جامعة مع وجود القلة القليلة المرتبطة بالرئاسة الروحية اليونانية لأسباب عدة ظلت معزولة وغير مؤثرة لأنها رفضت شعبياً لإرتباطاتها المشبوهة.

إستخدمت القيادات الأرثوذكسية على مر التاريخ جميع الإمكانيات المتاحة سواء كانت دبلوماسية، سياسية، إنتفاضات شعبية أم مقاومة مدنية بالمجابهة حيناً والتفاوض أحياناً أُخر فشهدت الحركة الأرثوذكسية بعض النجاحات المحدودة، ولم تتحقق الإنجازات الكبرى المطلوبة لأسباب مختلفة مرتبطة بالسياقات التاريخية والسلطات السياسية الحاكمة على مر العصور المتعاقبة.


4- خلال ألـ 500 سنة المنصرمة شهدنا تحالفات معلنة وسرية بين السلطات المتنوعة التي لفت فلسطين والأردن وبين الرئاسة الروحية اليونانية حيث كان التحالف دائماً ضد مصالح وحقوق أبناء الرعية العرب وقمع إنتفاضاتهم المتكررة.

يتضح ذلك جلياً خلال الحكم العثماني (الإسلامي) والحكم البريطاني (المسيحي) والإحتلال الصهيوني (اليهودي). بينما خلال سيادة السلطة السياسية العربية كان أبناء الرعية العرب أقرب ماقد يكونون لتحقيق آمالهم والحصول على مطالبهم وحكومة سليمان النابلسي عام 1957م أبلغ مرشد على ما نقول.

لذا فإن حل القضية الأرثوذكسية وتحقيق أماني ومطالب أبناء الرعية لن يتحقق بشكل تام إلا بتحقق السيادة العربية على فلسطين والقدس. فالإرتباط أساسي بين القضية الأرثوذكسية والقضية الوطنية العربية لأن القضية الأرثوذكسية قضية وطنية بإمتياز.

5- إذا المتتبع للإنتفاضات المتكررة والمؤتمرات الأرثوذكسية المتتابعة وتوصياتها يجد حتى المطالب والحقوق نفسها لم تتغير منذ 500 عام وتضم: الحفاظ على الأوقاف الأرثوذكسية ورفض بيعها أوتأجيرها بإعتبارها ميراثاً عربياً أرثوذكسياً وخطاً أحمر لا يحق لأي كان تجاوزه، والمطالبة المستمرة بالنهضة الروحية الأرثوذكسية والسماح بدخول العرب سلك الرهبنة والمشاركة في الإدارة عبر المجلس المختلط للحد من الفساد.


المطالب التي بدأت في القرن السادس عشر هي نفسها التي ذكرت في المؤتمر الأرثوذكسي الخامس عام 1993 في عمان وهي نفسها قرارات مؤتمر عمان في أيار 2007 والمؤتمر الموسع في كانون الثاني 2008 المنعقد في عمان وهي الحد الأدنى الذي يقبل به الأرثوذكس العرب وهي مطالب جماعية غير قابلة للتصرف ولا يحق لأي كان التنازل عنها أوعن أي جزء منها فهي حقوق تاريخية لا تزول بالتقادم أولأي سبب آخر وهي قائمة إلى أبد الآبدين.

6- عدم تحقيق المطالب وإحقاق الحقوق رغم النضال الطويل للرعية العربية لا يعني بأي حال التخلي عنها أوالإستكانة للأمر الواقع وقبول الذل والمهانة والخضوع للعنصرية. فقد رفض أبناء الرعية العرب الأرثوذكس المهانة والظلم طوال 500 عام وسيستمرون بالنضال ورفض التسويات المذلة رغم حتى الأوضاع الآنية قد تبدوغير مواتية لتحقيق الإنجازات الكاملة.

إن مواصلة النضال وإستمرار الصراع ورفض الإستكانة يُبقي الباب مفتوحاً للأجيال القادمة لتحقيق جميع هذه المطالب وإقرار الحقوق الطبيعية فإن توقف النضال فستمعن الرئاسة الروحية في تماديها وفي تصرفاتها المشبوهة روحياً ووطنياً، لذا فالنضال مستمر على الأقل لضبط الأوضاع الآنية وفتح نوافذ الأمل للمستقبل.

كما حتى تحقيق المطالب العربية الأرثوذكسية مرتبط بشكل عضوي وجوهري بقضايا الأمة العربية الكبرى فالقضية الأرثوذكسية الوطنية لن تحل نهائياً إلا بحل القضية العربية.

7- العرب المسيحيون والمسلمون أبناء أمة واحدة وأبناء وطن واحد، وقد ثبت ذلك بموقف المسلمين العرب خلال الأحداث المهمة الخاصة بالقضية الأرثوذكسية طوال 500 عام، فبدءاً من الجمعيات الإسلامية المسيحية في القرن العشرين في فلسطين، ثم المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس ومواقف جلالة الملك عبدالله الأول ابن الحسين المعظم وسماحة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني والرئيس الشهيد ياسر عهدات إضافةً إلى المواقف الحالية لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، والمؤتمر القومي العربي والمؤتمر العربي الإسلامي والقوى والأحزاب الأردنية كافة ومؤسسات المجتمع المدني، والقوى والفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية.

فإن هذه المواقف تؤيد بشكل تام ومطلق جميع المطالب العربية الأرثوذكسية وتعتبر القضية الأرثوذكسية جزءاً من القضية الوطنية.

لذا فإن جميع أبناء الأمة وقواها الحية وحكوماتنا الوطنية مدعوة لتقديم كافة أشكال الدعم كافة كذلك المساندة والمشاركة حيثما يلزم لتحقيق بعض التوازن ضمن معادلة التوازن المختلة لصالح الرئاسة الروحية اليونانية المعتمدة على الدعم الصهيوني والأمريكي المباشر.

تأخرت العدالة مئات السنين رغم وضوح القضية الأرثوذكسية وعدالتها، ولكن إرادة الشعوب الحية وإصرارها على نيل حقوقها ومنطق التاريخ ينبئنا بأنه لا بد لليل حتى ينجلي ولا بد للقيد حتى ينكسر.

يقول السيد المسيح "من له أذنان للسمع فليسمع".


المراجع

· خلاصة تاريخ كنيسة أورشليم الأرثوذكسية، تأليف شحادة خوري ونقولا خوري.

· طائفة الروم الأرثوذكس عبر التاريخ، تأليف حنا عيسى ملك.

· فلسطين عبر ستين عاماً، تأليف إميل الغوري.

· نظرة تاريخية في أخوية القبر المقدس اليونانية، تأليف الأسقف رفائيل هواويني

· نبذة عن تاريخ القضية الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين بين عام 1925 – 1992 "د.رؤوف أبوجابر"

· تقرير لجنة برترام – يونغ البريطانية.

· مقررات المؤتمرات الأرثوذكسية ووثائق مختلفة مثبتة.

المصادر

  1. ^ م. إميل الغوري (2009-12-04). "تاريخ القضية الأرثوذكسية: نضال مُستمر منذ 500 عام". كنعان النشرة الإلكترونية. Retrieved 2009-12-05.
الكنائس الأرثوذكسية المشرقية   تحرير
كنيسة الإسكندرية والكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس - كنيسة انطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس - الكنيسة الأرمنية الرسولية الأرثوذكسية - كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية - كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترية - الكنيسة الهندية الأرثوذكسية
كنائس شبه مستقلة

كنيسة مالانكارا اليعقوبية السريانية الأرثوذكسية - الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية كيليكية - الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية القسطنطينية - الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية أورشليم - الكنيسة البريطانية الأرثوذكسية - الكنيسة الفرنسية القبطية الأرثوذكسية

تاريخ النشر: 2020-06-04 07:05:27
التصنيفات: بذرة مسيحية, طوائف مسيحية, مسيحية شرقية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

نايف أكرد يعتلي صدارة الدوري الانجليزي مؤقتا

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:23:25
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 71%

كيف انجو من الحنين ورصاص الحزن

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:23:18
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

كندا تعدُ قانوناً يلزم الشركات الرقمية بالدفع لوسائل الإعلام

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:25:04
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

توقيف شخصين أحدهما إفريقي في عمليتين امنيتين لمكافحة المخدرات

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:25:10
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

بعد "إغلاق" وهبي لقنوات الحوار.. المحامون يستعدون للتصعيد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:25:54
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 58%

البرهان: اتفاق بين الجيش والشعب على دحر التمرد - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:23:53
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

سفيان البقالي يحطم الرقم القياسي لملتقى "شيامن" بالدوري الماسي

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:23:23
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 72%

لسعات عقرب وحادث خطير يصاحب مهرجان "ونانة" في يومه الأول

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:23:31
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 85%

بعد "إغلاق" وهبي لقنوات الحوار.. المحامون يستعدون للتصعيد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-02 15:25:50
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية