الشيخ عبد المجيد المغربي (و. 1866 - ت. 1934)، هوعالم من فهماء طرابلس، لبنان.

النشأة

هوالشيخ عبد المجيد بن محمود عزيز المغربي. ولد عام 1866 م. في أسرة عهدت بالفهم والتديّن؛ فوالده كان قاضياً شرعياً، وجدّه لأمه هومفتي طرابلس في زمانه الشيخ الإمام حسن بن يوسف بن مصطفى كرامي. والمغربي نسبة إلى موطن الأسرة تاريخياً أي المغرب العربي والتي وفد جدّها الأعلى في طرابلس السيد محمد التونسي الحسني إلى المدينة في القرن التاسع الهجري، وهوابن مفتي الديار التونسية في عصره، والمنتهي نسباً بالحسن بن علي بن أبي طالب.

تعليمه

تلقّى عبد المجيد علومه الأولى في كتاتيب طرابلس الشام والتي كانت في منتهى التخلف والبدائية من حيث الإمكانات والتجهيزات والوسائل... ثم التحق بالمدرسة الوطنية التي أنشأها المفكر الشيخ حسين الجسر، وفيها تفهم العلوم الشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية، بالإضافة إلى شتّى العلوم العصرية... ولا سيما منها اللغات: الفرنسية والهجرية والفارسية، والعربية. وما كان ذلك ليحصل في غير المدرسة "الوطنية" في المدينة، إذ كان التعليم الرسمي مقتصراً على تدريس اللغة الهجرية بشكل أساسي وعلى الفترة الابتدائية فقط. وربما لأن المدرسة الوطنية بدأت تلعب دورها في العملية التربوية بطرابلس وتنشئة أبنائها فقد قام الأتراك بإغلاق هذه المدرسة وتشريد طلابها. فالتحق عبد المجيد المغربي بالمدرسة السلطانية ببيروت متتلمذاً على نخبة من مفكري العصر ومن بينهم: الشيخ أحمد عباس الأزهري، والإمام محمد عبده الذي كان منفياً من مصر لمقاومته الاحتلال الانكليزي.. فأخذ عنه فهم التوحيد وأملى عليه وعلى أقرانه "رسالة التوحيد" بالإضافة إلى دروس أخرى في الفقه والأصول والتفسير، وغير ذلك.

عندما عاد الشيخ محمد عبده إلى مصر، عاد عبد المجيد إلى طرابلس ليلتحق بالمدرسة "الرجبية" التي كان قد افتتحها الشيخ حسين الجسر نفسه بعد إغلاق "الوطنية". وفي الرجبية قرأ الجسر متون النحووالصرف، وفهم الوضع، والمقولات العشر، وغيرها... وكان من بين زملائه المفكر العلامة محمد رشيد رضا، وكانا معاً من أبرز الطلاب المتفوّقين في تلك الفترة.

إلى ذلك فقد حظي المغربي بعناية والده الذي لقّنه حاشية ابن عابدين والأشباه والنظائر، وملتقى الأبحر، وجامع الفصلين، ومجلة الأحكام العدلية وشروحها، وبدائع الصنائع، فكان كثير القراءة في هذه الخط والمراجع إلى غير ذلك من العلوم كفهم الحديث النبوي وفهم التفسير، وعلوم العربية، وفهم الفلك وتطبيقاته، وفهم الفرائض ومسائله.

ثم إنه لازم دروس محدث الديار الشامية أبي المحاسن القاوقجي الذي أجازه ولقّنه الذكر وألبسه الخرقة الصوفية وسلك على يديه الطريقة الشاذلية ، وانتهى به إلى نيل شهادة في العلوم الشرعية وفهم الحديث النبوي والتي كانت تعادل في ذلك الوقت شهادة "العالمية" الأزهرية. وكان الشيخ المغربي قد تلقّى أيضاً جملة من المتون، كمتن السنوسية للإمام السنوسي، ومتن جوهرة التوحيد للإمام اللقّاني، ومتن الأجرومية لابن أجروم، وبعض المسائل المنتقاة في فروع الفقه الحنفي، وشروحات في المعلقات السبع، ومقامات الحريري، وغيرها.. حتى صار من أوائل المتفقّهين في الفقه الحنفي، والذين تشدّ إليهم الرحال في شتّى العلوم والمعارف.

عمله

عيّن الشيخ المغربي أميناً للفتوى في مدينته طرابلس، ثم تولّى مركز الإفتاء في قائممقامية جبلة من سورية: وتولّى بعدها حاكمية منطقة صافيتا من سورية أيضاً، واستطاع وهوفي هذا المنصب من إخماد فتنة كبيرة في هذه المنطقة بحكمة منبترة النظير.. كما يقول يوسف الحكيم في كتابه: سورية والعهد العثماني.

الحياة السياسية

من جهة أخرى، لم يكن العلامة المغربي يتعاطى العمل السياسي في هذه الفترة، منصرفاً إلى الفهم والتفهم والكتابة والتأليف، محتفظاً بعلاقة عادية مع السلطات الهجرية الحاكمة فمنحه السلطان عبد الحميد الوسام المجيدي المذهّب مع لباس الخرقة المقصّبة تقديراً لكتابه: "المنهل الفائض في فهم الفرائض". وهوالكتاب الذي نطق فيه العلامة محمد أبوزهرا، أستاذ فهم الشريع في جامعة القاهرة: "هوأفضل ما خط في هذا الفهم الصعب المتعلق بالميراث والهجرات".

وإذا كان بعض الدارسين قد رأى حتى الشيخ عبد المجيد كان من المعادين لسياسة السلطان عبد الحميد ونظام حكمه، بينما رأى البعض الآخر أنه كان من المناصرين للدولة وسلطانها، فإننا نرى، ربطاً للظروف المحيطة يوم ذاك، حتى عبد المجيد المغربي لم يكن راضياً جميع الرضا عن سياسة السلطان ونظامه الذي تغلغلت فيه الحركة الشعوبية العنصرية التي كان يقودها جماعة الاتحاد والترقي.. ولكنه، في الوقت نفسه، لم يكن ليحمل سقف المعارضة للسلطان عبد الحميد وهويرى بأم العين التغلغل الاستعماري الأوروبي في الوطن العربي ونوايا الغربيين في بلاد الشام بعد احتلاله للمغرب العربي ومصر والسودان.. شأنه في ذلك شأن العروبيين الذين كانوا حذرين لخطر يداهمهم من جهتين: حركة التتريك من جهة، والمخططات الاستعمارية الغربية من جهة أخرى. واما مدحه للسطان في بدايات بعض خطه المطبوعة في تلك الفترة، فلا يعدوكونه أمراً بروتوكولياً تفرضه الرقابة الرسمية على المطبوعات إذا كان لهذا الكتاب حتى يبصر النور.. وهووإن كان لا يعارض بشكل علني وفاعل لكي لا يقدّم خدمة لأعداء الدولة من الأوروبيين، فإن معارضته تلك خرجت إلى أعلى مستوياتها، بدون مسايرة أومواربة، عندما استولى الاتحادييون على السلطة بالكامل وخلعوا السلطان عبد الحميد عام 1909 م وانتهجوا سياسة التتريك للعرب سياسة رسمية للدولة. جهر العلامة المغربي بمعارضته الشديدة دفاعاً عن الهوية العربية وعن تراث العرب وحضارتهم ولغتهم بسيل من الكتابات والنشاطات المتعددة والمتنوعة.. مما حمل الأتراك على زجّه في السجن لمدة سنة كاملة.. رغم المسقط الشعبي والديني والفهمي الذي كان يتمتع به.. غير أنه لم يتراجع عن مواقفه وآرائه التي دلّت لاحقاً على صوابيتها وعمقها عندما انهارت الدولة التي حذّر مراراً من انهيارها.. وعندما احتل الفرنسيون والانكليز العراق وبلاد الشام واقتسموا الوطن العربي فيما بينهم في نهاية الحرب العالمية الأولى.. وهوما كان المغربي يخافه ويحذر منه أيضاً.

ما كاد الانتداب الفرنسي يحكم قبضته على سورية ولبنان حتى انتفض المغربي في وجه المستعمرين الجدد، وتكشف لنا الوثائق والأخبار أنه كان على صلة وثيقة بالحركات الوطنية والعروبية المجاهدة، وعلى تواصل دائم ومستمر مع جميع العروبيين المجاهدين.. بل إذا له مركز الصدارة بين هؤلاء ومنهم من أبناء مدينته: الزعيم عبد الحميد كرامي، والدكتور عبد اللطيف البيسار، وسعد المنلا، وعثمان سلطان، والشيخ شفيق مولوي، والسيد ايراهيم السندروسي الحسيني، وغيرهم. ومما يشير على علوّ مكانته وأهميتها هوحتى العروبيين الوطنييين وكل حركات المقاومة وفصائلها يومذاك، انتدبه جميع هؤلاء، وبالإجماع، لتمثيل طرابلس وشمالي لبنان في المؤتمر السوري العام الذي انعقد في دمشق في أوائل العشرينات من القرن الماضي ونادى باستقلال العرب ووحدتهم وبالملك فيصل ابن الحسين ملكاً على سورية وسائر بلاد الشام. بالإضافة إلى ذلك، فقد نشط المغربي نشاطاً بارزاً في التوعية الشعبية والتعبئة العامة في لقاءة الانتداب الفرنسي.. مما جعل الفرنسيين يضعونه في خانة المقاومين الخطرين علة وجودهم وسلطانهم.. الأمر الذي حدا بالمندوب السامي الفرنسي الجنرال "ترابو" إلى تجريده من مناصبه التي كان يشغلها، استناداً إلى خطاب وطني ألقاه المغربي في جمعية نهضة المعارف في مدينة طرابلس، واعتُبِر فيه أنه متصلب في مواقفه السياسية والوطنية.

لم تكن إجراءات الفرنسيين ومضايقاتهم لتردع المغربي عن المثابرة في متابعة النضال والجهاد بمختلف الوسائل والإمكانيات المتاحة، استعداداً وإعداداً ليوم الحرية المنشود.. هذا اليوم الذي وضعه هدفاً ثابتاً في كتاباته النثرية والشعرية وفي تأييده لمختلف الانتفاضات والثورات التي تلاحقت في مختلف بلاد الشام في لقاءة الحركة الصهيونية والاستعمارين: الفرنسي والانكليزي. ظل هذا دأبه مقاوماً ومعانداً في قول حدثة الحق لا ينحني أمام إغراء ولا ينثني أمام تهديد أووعيد.. إلى حتى وافته المنية في السابع من نيسان من العام 1934 م. فشيّع في موكب مهيب إلى مثواه الأخير في مقبرة باب الرمل بعد حتى هجر بصماته علة ملامح طرابلس وخطّها الملتزم بنهج الإيمان والعروبة.. وبعد حتى سلّم الراية لثُلة من تلاميذه الذين تابعوا الطريق.. ولا يزالون.

آثاره

هجر العلامة المغربي وراءه عشرات الخط والمؤلفات والمباحث في شتّى الحقول: الدينية والأدبية واللغوية، وأهمها:

• المنهل الفائض في فهم الفرائض.
• البرهان في فهم العقائد أوالبرهان من عقائد الإيمان.
• المطالع الجمالية في أحكام النفقات السقمية.
• شرح حديث: "من يُرِد الله به خيراً يفقّهه في الدين".
• رسالة وضع اليد في دعوى العقار.
• طلعة البدر على غالية النشر.
• حاشية على الدرّ المنتقى في شرح الملتقى. وهوفي الفقه الحنفي.
• حاشية على المعلقات السبع.
• الفوائد المجيدية في شرح المقصورة الدريدية.
• حاشية على متن الإظهار في النحو.
• حاشية على متن الأجرومية.
• مختصر كتاب المواقف في فهم الكلام.
• شرح العقائد السنوسية.
• شرح كفاية الصبيان لشيخه القاوقجي.
• نيل الأماني على هداية الدجاني.
• ديوان شعر ملتزم. مخطوط. لا يزال بحوزة حفيده المحامي فؤاد الطرابلسي.

بالإضافة إلى الكثير من الخطب والرسائل والموضوعات المتناثرة في مختلف وسائل الإعلام في تلك الفترة.

المصادر والمراجع

• مسقط مشروع إحياء التراث الوثائقي والثقافي لمدينة طرابلس .
• الحكيم، يوسف: سورية في العهد العثماني., الطبعة الثانية، بيروت، دار النهار، 1980 م.
• الزركلي، خير الدين: الأعلام. الطبعة الثانية عشرة، دار الفهم للملايين، بيروت، 1997 م.
• طرابلسي، فؤاد: حجّة الفقهاء. جريدة التمدن، طرابلس/لبنان، الجمعة 5/12/2003.
• نوفل، عبد الله: تراجم فهماء طرابلس وأدبائها. مخطة السائح، طرابلس، 1984 م.