علي بن المديني

عليُّ بنُ المديني 161 – 234هـ مِنْ أَعْلَامِ المُحَدِّثِين، هوعلي بنُ عبدِ اللهِ بنِ جعفر بنِ نجيح بنِ بكر بن سعد، هكذا نسبه الخطيب في تاريخ بغداد .

كنيتهُ ونسبتهُ

كنيته أبوالحسن ، واشتهر بابن المديني – بفتح الميم – وكسر الدال – نسبة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم والنسبة إليها بهذه الصيغة قليلة وأكثر ما ينسب إليها المدني بدون ياء، وإنما نسب إليها لأن أصله منها كما ذكر ذلك البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن الأثير في اللباب .

وكانت ولادته ونشأته بالبصرة، ولهذا ينسب إليها فينطق له : البصري، وينطق له : السعدي من بني سعد بن بكر نسبة إليهم نسبة ولاء وهومولى عروة بن عطية السعدي كما في تهذيب الأسماء واللغات للنووي .

ولادتهُ

ولد ابن المديني 161هـ نقله الخطيب في تاريخه عن علي بن أحمد بن النضر ونطق الخطيب : " كان مولده بالبصرة "، وكذا أرخه المضىي في تذكرة الحفاظ وابن السبكي في طبقات الشافعية.

ابنُ المديني من بيتِ فهمٍ

الإمام ابن المديني أحد أعلام المحدثين الذين اشتهروا بحفظ الحديث وفهم علله، وأبوه وجدّه من حملة الحديث ونقلته، فأبوه عبد الله محدث مشهور روى عن غير واحد من مشيخة مالك بن أنس، وجده جعفر بن نجيح روى عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ذكر ذلك الخطيب في تاريخه .

ممن روى عنهم

سمع الحديث من كثير من المحدثين فرواه عن أبيه ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وابن علية ، وأبي ضمرة ، وبشر بن المفضل ، وحاتم بن وردان ، وخالد بن الحارث ، وبشر بن السري ، وأزهر بن سعد السمان ، وحرمي بن عمارة ، وحسان بن إبراهيم ، وشبابة ، وسعيد بن عامر ، وأبي أسامة ، ويحيى بن سعيد القطان ، ويزيد بن زريع ، وهشيم بن بشير ، ومعاذ بن معاذ ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وعبد الله بن وهب ، وعبد العزيز العمى ، والفضل بن عنبسة ، وفضيل بن سليمان ، وغندر ، ومحمد بن طلحة التيمي ، ومرحوم بن عبد العزيز ، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، ومعن بن عيسى ، وأبي النضر ، وهشام بن يوسف ، وعبد الرزاق ، ويوسف بن يعقوب الماجشون ، وأبي صفوان الأموي ، وجعفر بن سليمان ، وعبد العزيز الدراوردي ، ومعتمر بن سليمان ، وجرير بن عبد الحميد ، والوليد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الوهاب الثقفي ، وأبي الوليد الطيالسي ، وغيرهم ، وخط عن الشافعي كتاب الرسالة وحملها إلى عبد الرحمن ابن مهدي فأعجب بها ذكره أبوإسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء ص 103.

ممن رووا عنه

روى عنه البخاري ، وأبوداود ، والذهلي ، وإبراهيم بن الحارث البغدادي ، والحسن بن علي الخلال ، وأبومزاحم سباع بن النضر ، وأبوبكر عبد القدوس الحبحباني ، وأبوبكر بن أبي عتاب الأعين ، ومحمد ابن عمروبن نبهان الثقفي ، وإبراهيم الجوزجاني ، وحميد بن زنجويه ، وأبوداود الحراني ، ومحمد بن عبد الله ابن عبد العظيم ، ومحمد بن جعفر بن الإمام ، وهلال بن العلاء الرقي ، وعباس بن عبد العظيم العنبري ، وروى عنه سفيان بن عيينة ، ومعاذ بن معاذ وهما من شيوخه ، وأحمد بن حنبل ، وعثمان بن أبي شيبة ، وهما من أقرانه ، وابنه عبد الله بن علي ، وأحمد بن منصور ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، وحنبل بن إسحاق ، وصالح جزرة ، وأبوقلابة ، وأبوحاتم والصاغاني ، والفضل بن سهل الأعرج ، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة ، ويعقوب بن شيبة ، وأبوشعيب الحراني ، وأبوالحسين بن البراء ، وصالح بن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن علي بن الفضل المديني فستقة ، وأبوخليفة الجمحي ، ومحمد بن يونس الكديمي ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وأبويعلى الموصلي ، والبغوي ، وعبد الله بن محمد بن الحسن المحرر ، وآخر الذين رووا عنه موتا عبد الله بن محمد بن أيوب المحرر ، وأقدمهم شيخه سفيان بن عيينة ، وبين وفاتيهما مائة وثمان وعشرون سنة ذكره الخطيب وهذا من أمثلة السابق واللاحق .

من خرج حديثه

خرج حديثه البخاري في سليمه ، وروى عنه فيه ثلاثمائة وثلاثة أحاديث نقل ذلك الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب ، وخرج حديثه أبوداود في سننه ، وقد روى عنه البخاري وأبوداود بدون واسطة ، وروى عنه أبوداود أيضا بواسطة ، وخرج حديثه الترمذي والنسائي في سننهما وابن ماجة في التفسير رووا عنه بواسطة .

ثناء الأئمة عليه

وكان علي بن المديني موضع تقدير كبار المحدثين أثنوا عليه في حفظه وفي فهمه وتبحره وبصره في علل الحديث وأثنوا عليه بوجه عام .

فمن الثناء عليه بوجه عام:

نطق أبوحاتم الرازي : " وكان أحمد لا يسمه إنما يكنيه تبجيلا له " نطق : "وما سمعت أحمد سماه قط ".
وقد بلغ مبلغا عظيما نطق فيه عباس العنبري : " كان الناس يخطون قيامه سقطوده ولباسه وكل شيء يقول ويعمل " .
ونطق البخاري : " ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني " .
ونطق النسائي : " كأن الله خلق علي بن المديني لهذا الشأن " .
ونطق النووي : " وأجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره " .
ونطق المضىي في ميزان الاعتدال : " وأما علي بن المدين فإليه المنتهى في فهم علل الحديث النبوي مع كمال الفهم بنقد الرجال وسعة الحفظ والتبحر في هذا الشأن بل لعله فرد زمانه في معناه " .
ونطق ابن حجر في تقريب التهذيب : " ثقة ثبت إمام " .

حفظهُ

وكان علي بن المديني من الحفاظ المبرزين نطق فيه المضىي : " حافظ العصر وقدوة أرباب هذا الشأن " ، ونطق ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة : " الحافظ المبرز " ، ونطق الخطيب في تاريخه : " هوأحد أئمة الحديث في عصره والمقدم على حفاظ وقته " .

فهمهُ

ومن ثناء الأئمة عليه في فهمه قول عبد الرحمن بن مهدي : " ابن المديني أفهم الناس " . وقول أبي عبيد القاسم بن سلام : " انتهى الفهم إلى أربعة : أبوبكر بن أبي شيبة أسردهم له ، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه ، وعلي بن المديني أفهمهم به ، ويحيى بن معين أخطهم له " .

بصرهُ بعللِ الحديثِ

ومن ثناء الأئمة عليه وإشادتهم بمعهدته التامة بعلل الحديث :

قول أبي حاتم : " كان ابن المديني فهما في الناس في فهم الحديث والعلل".
ونطق ابن حجر في التقريب : " أفهم أهل عصره بالحديث وعلله " .
ونطق المضىي في ا لميزان : " إليه المنتهى في فهم علل الحديث النبوي " .
ونطق ابن الأثير في اللباب : " وكان من أفهم أهل زمانه بعلل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
ونطق أبوداود : " ابن المديني أفهم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل " .
وفي تارخ الخطيب: سئل الفرهياني عن يحيى بن معين وعلي وأحمد وأبي خيثمة فنطق : " أما علي فأفهمهم بالحديث والعلل، ويحيى أفهمهم بالرجال، وأحمد بالفقه، وأبوخيثمة من النبلاء " .
ونطق صالح بن محمد : " أفهم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني ، وأفقههم في الحديث أحمد ابن حنبل، وأمهرهم في الحديث سليمان الشاذكوني ".

دخولهُ في محنةِ القولِ بخلقِ القرآنِ وأثرُ ذلك وكيف انتهى أمره

وكان علي بن المديني رحمه الله ممن ولج في محنة القول بخلق القرآن دخول الخائف على نفسه ولم يصبر كما صبر الإمام أحمد بن حنبل وغيره ، بل هاب الإرهاب والقمع الذي حصل لمن لم يوافق نادىة القول بخلق القرآن إلى ما يريدون ومن أجل ذلك لم يروعنه بعض المحدثين كالإمام مسلم .

ولكنه تاب وأناب واتضح من قوله وقول غيره حتى دخوله لم يكن عن عقيدة ، وإنما كان خوفا على النفس . وقد صرح بذلك عن نفسه وصرح به غيره ، وقد أورد المضىي علي بن المديني في كتابه الميزان لكون العقيلي أورده في كتاب الضعفاء وأنحى باللوم على العقيلي لذلك وذب عن هذا الإمام وأشاد بذكره والثناء عليه نطق في كتابه الميزان ( 3/138) : " أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء ، فبئس ما خلق ، فنطق : جنح إلى ابن أبي دؤاد والجهمية وحديثه مستقيم إذا شاء الله"، ثم ذكر المضىي بعض ثناء الأئمة عليه ثم نطق : " وقد بدت منه هفوة ثم تاب منها وهذا أبوعبد الله البخاري – وناهيك به – قد شحن سليمه بحديث علي بن المديني ونطق : ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن الديني ، ولوهجر حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وذكر أناسا آخرين سماهم ، لغلقنا الباب وانبتر الخطاب ، ولماتت الآثار ، واستولت الزنادقة ، ولخرج الدجال ، أفما لك عقل يا عقيلي أتدري فيمن تتحدث ، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم ولنزيف ما قيل فيهم كأنك لا تدري حتى جميع واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك فهذا مما لا يرتاب فيه محدث " .

ونطق المضىي في الميزان أيضا : " كان ابن المديني خوافا متاقيا في مسألة القرآن مع أنه كان حريصا على إظهار الخير فقد نطق ابن أبي خيثمة في تاريخه : سمعت يحيى بن معين يقول : كان ابن المديني إذا قدم علينا أظهر السنة وإذا ورد البصرة أظهر التشيع ثم نطق المضىي: قلت : كان ذلك بالبصرة ليؤلفهم على حب علي رضي الله عنه، فإنهم عثمانية ". انتهى .

ونطق الحافظ ابن حجر في التقريب: " عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه "، ونطق المضىي في تذكرة الحفاظ بعد حتى ذكر كثيرا من ثناء الأئمة عليه : " قلت مناقب هذا الإمام جمة لوما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة خلق القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفر من يقول بخلق القرآن، فالله يرحمه ويغفر له ". انتهى .

وقد اتى عنه الثناء على الإمام أحمد في صبره في المحنة ونطق : " إذا الله أعز هذا الدين برجلين، أبوبكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة ".

ونطق ابن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل : " وهجر أبوغرسة الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة وكان أبي يروي عنه لنزوعه عما كان منه " .

وفي تاريخ بغداد حتى عباس العنبري روى عنه أنه نطق : " قوي أحمد على السوط وأنا لا أقوى " ونطق ابن عمار : " ما أجاب إلى ما أجاب ديانة إلا خوفا "، ونطق ابن السبكي في طبقات الشافعية : " وكان علي بن المديني ممن أجاب إلى القول بخلق القرآن في المحنة فنقم ذلك عليه وزيد عليه في القول، والسليم عندنا أنه إنما أجاب خشية السيف " نطق ابن عدي : "سمعت مسددا ابن أبي يوسف الفلوسي يقول : قلت لابن المديني : مثلك في فهمك يجيب إلى ما أجبت إليه . فنطق يا أبا يوسف : ما أهون عليك السيف "، وعنه : " خفت حتى أقتل ولوضربت سوطا واحدا لمت " .

إلى غير ذلك نجد حتى ابن المديني رحمه الله ولج في المحنة خائفا على نفسه لا معتقدا صحة ذلك كما صرح بذلك عن نفسه وصرح غيره كما في النقول المذكورة وإن دخوله هذا أثر في إعراض بعض المحدثين عن الرواية عنه ولما كان قد تاب واعتذر بأن الذي حمله على الدخول الخوف على نفسه لم يلتفت إلى ما سلف منه كثير من المحدثين فرووا عنه وعلى رأسهم الإمام البخاري الذي شحن سليمه بالرواية عنه وبلغ جملة ما رواه عنه في السليم ثلاثمائة وثلاثة أحاديث .

شيوخهُ يستفيدون منه

وكما كان ابن المديني يستفيد من شيوخه فهم أيضا يستفيدون منه وقد صرح بعضهم بذلك .

نطق شيخه يحيى بن سعيد القطان : " كنا نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا " .
ونطق سفيان بن عيينة : " يلومونني على حب علي، والله كنت أتفهم منه أكثر مما يتفهم مني " .

آثارهُ

ألف ابن المديني في الحديث مصنفات كثيرة العدد جليلة القدر .

نطق النووي في تهذيب الأسماء واللغات : " وكان علي أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق في كثير منها" .

وقد أورد الحاكم أبوعبد الله في كتابه فهم علوم الحديث – ص 89 – فهرست مؤلفاته نقله عن شيخه محمد بن صالح الهاشمي نطق : " سمعت الشريف القاضي أبا الحسن محمد بن صالح الهاشمي قاضي القضاة يقول: هذه أسامي مصنفات علي بن المديني :

كتاب الأسامي والكنى - ثمانية أجزاء .
كتاب الضعفاء – عشرة أجزاء .
كتاب المدلسين – خمسة أجزاء .
كتاب أول من نظر في الرجال وفحص عنهم – جزء .
كتاب الطبقات : عشرة أجزاء .
كتاب من روى عن رجل لم يره – جزء .
كتاب علل المسند – ثلاثون جزءا .
كتاب العلل لإسماعيل القاضي – أربعة عشر جزءا .
كتاب علل حديث ابن عيينة - ثلاثة عشر جزءا .
كتاب من لا يجنح بحديثه ولا يسقط – جزءان .
كتاب الكنى – خمسة أجزاء .
كتاب الوهم والخطأ: خمسة أجزاء .
كتاب قبائل العرب – عشرة أجزاء .
كتاب من هبط من الصحابة سائر البلدان – خمسة أجزاء .
كتاب التاريخ – عشرة أجزاء .
كتاب العرض على المحدث – جزءان .
كتاب من وقع ثم عاد عنه – جزءان .
كتاب يحيى وعبد الرحمن في الرجال – خمسة أجزاء .
كتاب سؤلاته يحيى – جزءان .
كتاب الثقات والمثبتين – عشرة أجزاء .
كتاب اختلاف الحديث – خمسة أجزاء .
كتاب الأسامي الشاذة – ثلاثة أجزاء .
كتاب الأشربة – ثلاثة أجزاء .
كتاب تفسير غريب الحديث – خمسة أجزاء .
كتاب الإخوة والأخوات – خمسة أجزاء .
كتاب من يعهد باسم دون اسم أبيه – جزءان .
كتاب من يعهد باللقب – جزء .
كتاب العلل المفرقة – ثلاثون جزءا .
كتاب مذاهب المحدثين – جزءان .

هكذا سردها الحاكم، وبعد فراغه من سياقه نطق : "إنما اقتصرنا على فهرست مصنفاته في هذا الموضع ليستدل به على تبحره وتقدمه وكماله". انتهى .

وفاته

نطق البخاري : " توفي علي بن المديني ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين". ونطق الحارث بن أبي أسامة وغير واحد : " توفي بسر من رأى في ذي القعدة"، وكانت وفاته في يوم الاثنين 234هـ كما في التاريخ الكبير للبخاري .