معركة بيلان

عودة للموسوعة

معركة بيلان

معركة بيلان (29 يوليو1832) هي الجولة الثالثة في الحرب المصرية العثمانية في عهد محمد علي باشا.

خلفية

قضى إبراهيم باشا وجنوده ليلتهم في المواقع التي كانت تحتلها بالأمس جنود الهجر ، وفي التاسع من يوليوولج حمص على رأس شجعانه ، وقصد بهم حلب . فبلغ حماه في العاشر من يوليووكان رجاله يلتقطون الأسرى وقد ارتضى معظمهم الإندماج تحت رايته . هذا فضلا عن المدافع والعتاد . وفي حماه عثر على خيرات الطعام الوفيرة التي كدستها القيادة العثمانية ، لأنهم رأوا جعل حماه قاعدة لعملياتهم ، وقد سارع إبراهيم في مطاردته للعدوليحرمه من التجمع وإعادة ترتيب صفوفه ، فكان يسير بقواته في الساعات الأولى من النهار ومن ثم يمنحهم الراحة . وقد تقدموا سريعا فاحتلوا ماهنيكه يوم 11 ومعار ونعمان في يوم 12 وتل سلطان يوم 13 وزيتان يوم 15 .

وهنا يحسن حتى نعرض أعمال السردار حسين باشا مذ هجرناه بعد إصدار أوامره لقائده محمد باشا . فإنه تقدم على رأس قسم من الجيش بين اسكندرونه وأنطاكية . كان من بينه 800 خيال و700 جمل تحمل الذخيرة مميما صوب حمص . وكان يظن أنه سيسبق إبراهيم باشا ويملي عليه المعركة فالتقى في طريقه بفلول جيش محمد علي باشا وعهد نبأ هزيمة حمص . وعلى ذلك ارتد إلى حلب ليتخذها قاعدة حربية .

وطلب حسين من أعيانها حتى يمدوه بالمؤونة والرجال ولكن كان أهلها قد بغضوا الحكم الهجري وأشفقوا على مدينتهم حتى يحل بها الخراب ، فأبوا حتى يدخل أحد من جنوده إلى مدينتهم ، ولم يسمحوا إلا للجنود الجرحى والسقمى بالدخول ، ثم أغلقوا أبوابها ...

احتفظ حسين باشا بالهدوء ونطق مداعبا الذين حوله . إذا جوادي لا أستيطع إرغامه على استهلك الماء . فقد صمم على حتى يرتوي من ماء النيل ...

وقبالة عناد الحلبيين اضطر السردار إلى مبارحة مدينتهم يوم 14 يوليوقاصدا اسكندرونة حيث كان يرسوالأسطول العثماني ، فاصبح تحت عاملين ، هل يعود إلى بيلان (جنوبي اسكندرونة) أم ينطلق نحوالشمال ويحصن نفسه بالقرب من مضيق طوروس المفتاح الشمالي ،يا ترى؟ . وأخيرا قر قراره على اتخاذ مكان حصين لدى مضيق بيلان وساعدته طبيعة الأرض على الامتناع بها .

أما إبراهيم باشا فقد وصل حلب يوم 17 يوليوواضطر للإقامة فيها عدة أيام لتستريح جنوده ، وينفضوا عن أنفسهم متاعب القتال والوباء ، الذي تفشى في بعض صفوفهم ، نتيجة لما خلفه الأتراك وراءهم . وقد أفاد من بقائه هناك ، بعد حتى أوضح للأهالي من جميع الملل أهداف أبيه من قتال الباب العالي . فانضموا إليه بعد حتى تبدت نواياه ، وسمعوا خطباء المساجد يخطبون باسم خليفة المسلمين . وفي أثناء إقامته اتىته وفود من أورفا وديار بكر تعلن خضوع المدينتين لحكم محمد علي .

وفي 25 يوليوخرج من حلب مبتغيا أنطاكية ، وقسم قواته إلى شعبتين : أحدهما تولف من غير النظاميين اتخذوا طريقهم إلى أنطاكية مباشرة وثانيتهما قواته النظامية عبروا مضيق كليس للالتفاف شمال أنطاكية والاستيلاء عليها من الخلف .

وفي يوم 28 وصل إلى قبلة أنطاكية ، وحدثت عدة مناوشات بين البدووبضع مئين من الهجر ، ثم ولج المدينة وكان حسين باشا قد أعرب أنه سيدافع عنها لكنه لم يعمل .


وقف إبراهيم أمام جبل أمانوس ، وهومن شعاب جبال طوروس أوامتداد لها شاهق العلو، يرتفع نحو1.800 متر ، يجتازه مضيق بيلان الذي يصل بين سهلي أنطاكية وخليج اسكندرونة ، أويفصل بين سوريا وكيليكيا ، وهوالممر الذي اجتازه جميع قادة العالم العسكريين لفتح الشرق ، من مصريين وآشوريين وفرس وأغريق ورومان وعرب وفرنج وهجر وسواهم . واليوم يدنومنه قائدنا إبراهيم ليجتازه وليس عليه ذلك بعسير . هذا اليوم هوصباح 29 يوليو


مواقع الجيش الهجري الدفاعية

كان الجيش الهجري مؤلفا من نحو45000 من المقاتلين من جميع الأسلحة ، و160 مدفعا بقيادة حسين باشا ، يرابط في مواقع منيعة – اتخذ مواقعه على قمم جبال بيلان . فاحتشد المشاة وتؤلف من خمس أورط فوق هضبة ، يصل طرفه الأيمن (ميمنة الجيش) إلى طريق وعر يخترق جبال أمانوس آتيا من خان قرموط إلى بيلان ، وطرفه الأيسر (حيث القلب) إلى الطريق الوسط الواصل في أنطاكية إلى بيلان ويؤلف من 14 أورط مشاة . أما ميسرة الجيش (5 أورط) فكانت ترابط على امتداد ذلك الخط فيما يلي هذا الطريق ، تعلوها بعض المدافع الموضوعة على أكمة قريب من الطريق . وأقام الهجر أمام صفوف المشاة بعض الموانع والبلانقات وزعوا خلالها المدافع . وفي واد ضيق ببتر الطريق جنوبي بيلان كان آلايان من خيالتهم .

وكانت مؤخرة الهجر المؤلفة معظمها من المشاة موزعة في خط واحد على قمة أمانوس ، إلى غير ذلك ترى من أول نظرة حتى حسين باشا لم يكن موفقا في وضع خطة دفاعه . فقد اتبع الأسلوب الخطي في توزيع قواته وأهمل العمق ، الذي يسهل عليه القيام بالمناورة ، على مقياس كبير .

خطة الجيش المصري

عسكر الجيش المصري في السهل المنبسط ، تحت مضيق بيلان ، غربي الطريق الواصل من كليس وأنطاكية ، واتخذ المشاة مواقعهم في الصفوف الأمامية ، وخلفهم الخيالة والمدفعية في الوسط ، وخلف هذه الصفوف مهمات الجيش وعتاده .

كشف إبراهيم باشا مواقع الهجر على جبل بيلان ، فوجدها منيعة ، يصعب على قواته حتى تنال منها فوزا . وفي مساء يوم 28 جمع مجلسا من ضباطه لوضع قرارهم النهائي في الخطة التي ستنفذ . فرأى بعضهم تأجيل الهجوم على المضيق إلى بعد الغد ، ورأى الآخرون القيام بهجومهم يوم الغد ليحرموا العدومن تعزيز مراكزه أووصول إمدادات إليه من اسكندرونة .

ومن محاسن الصدف ، حتى يقع المستشار الفني لحسين باشا في قبضة إبراهيم باشا ، وهوالكابتن الفرنسي (Thevenin) بعد الاستيلاء على حلب ، فحرم الأتراك من معاونته . وينتهي قرار المجلس إلى الأخذ بخطة الهجوم ، في اليوم التالي (صباح يوم 29 يوليو) ، والقيام بحركة التفاف حول ميسرة الهجر من الجنب ، تمهيدا للإحاطة بها ، ثم احتلال بعض المرتفعات المتسلطة على القلب . ويجعل المشاة الأتراك هدفا لنيران المدافع المصرية ، وفي الوقت نفسه يرسل جزءا من قواته للإحاطة بميمنة الأتراك – وكانت خطته صورة لما اتبعه في معركة حمص – وكانت خطة الإلتفاف تتطلب القوات الآتية : أربعة آلايات مشاة ثلاثة آلايات خيالة أربعة بطرايات مدفعية ميدان وفي مصدر آخر 2 مدفع أبوس

وأخذ إبراهيم باشا على كاهله قيادة هذه الوحدات ، لأهمية دورها المطلوب تطبيقه .

وأمر أمير آلاي حسن بك المناسترلي بالإستعداد للهجوم المباشر على قلب وميمنة الأتراك والتقدم عن طريق بيلان أنطاكية ، على رأس الآلاي 14 وبطارية مدفعية – فتقدم إلى الطريق واحتل المسقط المطلوب بينما تبعه الآلاي الخياة الخامس كقوة احتياطية له في هجومه على ميمنة الجيش الهجري .

أما اللواء الثاني الخيالة ، والآلاي السادس الرماحين المدرعين ، فطلب منهم العمل بين القوتين الآنفتين ، ومساعدة إحداهما لدى الضرورة ، بنيماقد يكون الآلاي 18 المشاة وبطارية ميدان في الإحتياط

حركات الجيش المصري قبيل بدء القتال

وقبل ابتداء الواقعة اتخذ ابراهيم باشا المواقع الاتية للجيش المصري:

18 تحركت اجنود الحرس والالاي الثامن من المشاة من مواقها الاولى (نمرة 3و4) ووصلت الى المواقع 18 وراء الاكمة.
19 اجتمعت كتائب من الفرسان ببطن الوادي غربي الطريق الذاهب الى بيلان بالمسقط نمرة 19.
20 المدفعية الاحتياطية وراء الفرسان، الالاي الثامن عشر نمرةخمسة يتبع الالاي الثامن والحرس.
21 الالاي الثالث عشر من المشاة نمرةستة يتجه نحوالطريق الذاهب من انطاكية الى بيلان ويحتل المسقط نمرة 21 على الطريق.
22 الالاي الخامس من الفرسان نمرةتسعة يتبع الالاي الثالث عشر ويحتشد خلف المسقط 21 ليكون له بمثابة الاحتياطي في هجومهن على ميمنة الهجر. بطارية من المدافع تتبع الالاي الثالث عشر الى المسقط 21.
23 نقلت مهمات الجيش الى المسقط 23 تحميها فصيلتان من العرب.

حركات القتال

زحف جنود الحرس والالاي الثامن من المسقط نمرة 18 الى منبع نهير صغير للاحاطة بميسرة الهجر 13-14 ، وهاجموا الميسرة من الامام ومن جنب واستولى الرماة المصريون على المدافع الهجرية المنصوبة على الاكمة 17، ووصل المصريوالى المرتفعات نمرة 24، وتحت تاثير الهجوم ارتدت ميسرة الهجر بغير نظام الى بيلان، وكانت في انسحابها هدفا لنيران المصريين، فحلت بها الخسائر الجسيمة.

ونرى على الخريطة تقدم الالاي الثامن عشر وفريق من الالاي الثامن من المسقط 18 الى المسقط 25 لمهاجمة قلب الجيش الهجري مع فرسانة وقت احاطة جنود الحرس والالاي الثامن بميسرتههم ، وانسحاب الفرسان الهجر من المسقط 15 و16 وتشتت ضمهم، ثم ارتداد قلب الجيش الهجري بغير نظام وتشتته في الجبال.

وترى زحف الالاي الثالث عشر من المشاة على ميمنة الهجر، فقد تحرك ومعه عدد من المدافع الى المسقط 26، ووصل الرماة الى الاكمة 27 تمهيدا لزحف بقية الجند، ولكن الهجر لم يصمدوا للقتال بعد ما فهموا بما حل بالميسرة، فتقهقروا في الجبال وتخلوا عن معاقلهم كما تخلى بقية الهجر عن مواقعهم على طول الخط وبذلك انتهت الواقعة.


المعركة

لما شاهدت القيادة الهجرية تقدم الشعبتين (القولين) المصريتين حتى أمرت بفتح النيران الشديدة على طريق تقدمهما فغمرتهما القذائف بعنف . وفي الحال ردت عليها مدفعية البطاريتين المصرية التي في القول اليمين بنيران محكمة للغاية وشديدة التأثير – وفتحت فصيلتان من القناصة تشكيلها بسرعة من الحرس واخترقت غابة صغيرة وأقحمت الجبهة برصاصها السريع . وبعد قليل التحق بالفصيلتين أورطة من الحرس ومعهما أبوسين واستمروا في هجومهم الموفق ونجحوا في إسكات الميسرة الهجرية ، واستمر وصول بقية آلاي حرس بسرعة مع أفراد الآلاي السابق في أمواج تدريجية متتالية . وفي نفس الوقت كان الهجوم الجبهي بقيادة المناسترلي سائرا على مايرام ونجحت البطارية التي تحت قيادته في إنزال الخسائر الجسيمة بالأتراك . وهنا انحرف الآلاي 13 المشاة إلى غرب الطريق (أنطاكية) وهاجم ميمنة العدو. وأخذ الآلاي 18 مكانه في الهجوم الخفيف ضد قوات القلب .

وفي اللحظة التي انتهى فيها آلاي الحرس من تحقيق أهدافه الأولى ، تهيأ للإلتفاف بميسرة العدوفلم ينتظر حسين باشا اللطمة التي كانت مسددة نحوه – وعمل على التقهقر السريع نحوبيلان . وانتهز الفرصة القناصة المصريين فهجموا على بطارية هجرية (6 مدافع) كانت قد هجرت وحدها بدون المشاة تحرسها وصعد الجنود عليها وأسكتوها . وحاولت آلايات الخيالة الهجرية القيام بحركة تقدم إلى الأمام فصدتها نيران الحرس ، الشيء الذي جعلها تسرع نحوبيلان بغير نظام وقد تبددت جموعهم .

إلى غير ذلك أخلى الطريق إلى بيلان من قوات الأعداء ...

وبعد حتى ارتدت ميسرة الهجر ، وصل المصريون في تقدمهم إلى طريق بيلان نفسها ، وتخرج مركز قلب الجيش الهجري ، وأدركت قيادته حتى خط الرجعة إلى بيلان أصبح مقطوعا بوصول المصريين إلى الطريق . فلاذ العدوبالفرار ، وتخلى عما بقى له من المواقع ، وتشتت وحداته في الجبال .

وكان الآلاي الثالث عشر قد قام بمهمته خير قيام ضد ميمنة الهجر ، ووصل رماتهم ومعهم مدفعيتهم إلى أكمة قريبة من أقصى الميمنة . ولما رأى العدوما حل بالميسرة ، تخلوا أيضا عن مركزهم وتقهقروا نحوالجبال .

نتيجة المعركة

باستيلاء المصريين على مواقع الأتراك انتهت معركة بيلان بهزيمة تامة ، بعد قتال عنيف دام نحوثلاث ساعات . إلى غير ذلك فاز إبراهيم بالنصر ، لأن تطبيقه للخطة كان دقيقا ورائعا . وأعاد حسين باشا السردار أمام بيلان موقف سلفه القائد محمد باشا قبالة حمص .

وكان نشاط إبراهيم باشا في المعركة ، التي قام بها باديا في جميع حركة من حركات الجند والضباط ، فاستحق ثناء والده وإعجاب مواطنيه .

قضى الجيش المصري ليلة 29 يوليوفي مواقع الأتراك ما عدا أورطتين أمرتا بدخول بيلان وانفصل منهما بلوكان وفصيلة خيالة مدرعة لاستكشاف الطريق إلى اسكندرونة .

وفي يوم 30 يوليواحتل إبراهيم باشا بيلان . أما الخيالة فقد سلكت طريق اسكندرونة بقيادة عباس باشا حلمي . حيث عثروا على كميات مكدسة من الغنائم و14 مدفعا وأصناف التعيين التي تكفي الجنود أربعة أشهر .

والتى تردد حسين باشا في تدميرها . وكان وصول فلوله إلى اسكندرونة ، بعد قيام سفن الأسطول العثماني بدقائق .

احتل إبراهيم باشا ميناء اسكندرونة ، واندفعت الخيالة إلى باياس آسرة نحو1400 هجري وسُلمت له أنطاكية واللاذقية والسويدية . أما حسين فقد أسرع نحوادنه بعد اجتياز مضيق طوروس على رأس شراذم لا يفخر أي قائد في الدنيا حتىقد يكونوا جنوده .

وعقب راحة قصيرة الأجل ، احتل جنود إبراهيم باشا ادنه وطوروس ، وكانت الأولى مفتاح الزحف على الأناضول . وبعد أيام كان الفهم المصري يخفق على أورفا وعينتاب ومرعش وقيصرية .

وبعد هذا النصر ،أي الطرق السياسية يسلكها محمد علي !؟

ومن الواضح أنه كانت قبالته طريقان : إما حتى يعلن الاستقلال ويأمر ابنه حتى يستمر في الزحف للقضاء على جيوش السلطان الهاربة فيضطر الخصم إلى التسليم والاعتراف بالأمر الواقع ، أوحتى يأمر ابنه بالوقوف أملا حتى ينال هدنة عن طريق تدخل الدول . ولم يخل أحد الطريقين من أخطار .

وستبين لنا مسيرة الحوادث ما سيكون بعد معركة بيلان .

احتل إبراهيم باشا طرسوس ، ثم ولج أدنة في 31 يوليوسنة 1832 ، وفيها تلقى القائد من والده أمرا بالتوقف ، فقد بلغ الغاية التي كان يسعى إليها ، أي الوصول الى آخر حدود البلدان العربية . ولكنه أوفد آلايين إلى أورفة وقوة من فرسان العرب لمراقبة الطريق من أرضروم وسيواس وديار بكر فاحتلت القوة مرعش كما أوفد قوة إلى نهر الفرات لحماية جناحه الأيمن وبقي إبراهيم في خطة الدفاع منتظرا أوامر أبيه إلى 21 ديسمبر سنة 1832 .

زحف الجيش المصري في الاناضول

اجتاز المصريون بعد واقعة بيلان حدود سوريه الشمالية، ودخلوا ولاية ادنه من بلاد الاناضول، وعبروا نهري حيحون وسيحون واحتلوا ادنه وطرطوس،واخذ ابراهيم باشا يوطد مركزه وينظم الولايات التي فتحها قبل ان يزحف بجيشه الى الامام، واحتشد معظم الجيش في مدينة ادنه ذا كانت مفتاح الزحف على الاناضول وكانت ايضا صلة المواصلات بطريق البحر بين مصر والجيش المصري، وانفذ ابراهيم باشا كتائب من جنده فاحتلوا اورفا، وعينتاب ومرعش وقيصرية.

لم تنكسر عزيمة السلطان محمود امام الهزائم التي حاقت بجيشه، واعد جيشا جديدا عهد بقيادته الى الصدر الاعظم محمد رشيد باشا، وكان هذا الجيش مؤلفا من 53 الف مقاتل، هم خليط من اجناس السلطنة العثمانية لا تربطهم رابطة ولا تجمعهم غاية، فلا غرور ان يفقد الجيش اهم عامل لقوته المعنوية وخاصة اذا كان الجيش الذي يقاتله قويا بوحدته متماسك الصفوف معتزا بقيادته.

كان رشيد باشا من خيرة قواد هجريا، لكنه دون ابراهيم باشا في الكفاية والمران، وقد اشهجر معه من قبل في حرب الموره وخاصة امام مدينة مسيولونجي، ومن تهكم الاقدار ان هذين القائدين اللذين اشهجرا معا في ميدان القتال زمنا ما وكانا يدافعان عن غاية واحدة، صارا عدوين لدودين يعمل جميع منهما ليسحق الاخر.

احتشد الجيش الهجري في الاستانة، وعرضه السلطان محمود بنفسه ليبث في قلوب رجاله روح الشجاعة والاقدام، وزوده ببعض الالايات المشاة النظاميين وعدد وافر من المدافع.

ثم تقدم رشيد باشا بهذا الجيش العرمرم في بطاح الاناضول، ليلتقي الجيش المصري، وكان ابراهيم باشا يواصل زحفه في الاناضول، فانفذ قوة من الجند احتلت مضيق كولك من مضايق جبال طوروس، واقصت عنه الهجر، وباحتلال هذا المضيق ذللت عقبة من اكبر العقبات التي تعترض الجيش المصري في زحفه على الاناضول، ثم اعترضتهم عقبة اخرى وهي واد منيع يلي المضيق كان الهجر ممتنعين به بالقر بمن مدينة شفت خان فانفذ ابراهيم باشا قوة اخرى من الجند بقيادة سليم بك الحجازي وابراهيم اغا الجوخدار فهاجموا الهجر في الوادي ونشبت معركة انتهت بانسحاب الهجر بعد ان فقدوا 200 قتيل وثلثمائة اسير، وكذلك امتنع الهجر في اولوقشلاق وهاجمهم فيها المصريون واجلوا عنها، وبعد هزيمة الهجر في اولوقشلاق جلوا ايضا عن هرقلة اركلي فانفتح الطريق امام الجيش المصري ومضى في زحفه حتى بلغ قونية التي اخلاها الهجر من غير قتال، فاتخذها ابراهيم باشا قاعدة عسكرية واخذ يتاهب لملاقاة الجيش الهجري ويدرب جنوده على التمرينات في المواقع التي تسقط نشوب القتال فيها، فكان ذلك دليلا على نفاذ بصريته وبعد نظره وبراعته في القيادة، ولئن كان جيشه اقل عددا من الجيش الهجري اذ بلغ نحوالف مقاتل منهم الف من العرب (البدو) المصريين الا انه يمتاز بحسن النظام وكفاية القيادة والمران على القتال في المعارك الكثيرة التي خاض غمارها، ولا غروان بعثت الفوزات التي احرزها في نفوس الجنود روح الامل والثقة ، فكانت هذه الروح من اقوى اسباب النصر والظفر.


خسائر الطرفين

قتل نحو2500 هجري وجرح وأسر منهم نحوألفين ، وغنم المصريون حوالي 25 مدفعا وكثيرا من الذخيرة والعتاد . ولم تتجاوز خسائر المصريين 20 قتيلا .


موقف إنجلترا من نجاح إبراهيم باشا

وإلى هنا كانت السياسة الإنجليزية أمام النجاح المصري غامضة . وأمامها سبيلان أولهما حتى تدع محمد علي يؤسس دولة عربية قوية لصد التيار السلافي الروسي ، والسبيل الثاني حتى تحتفظ بهجريا وتقويها لتظل هي الحاجز بينما تهدم الإمبراطورية المصرية الناشئة ، لأنها إذا عاشت أصبحت حاجزا قويا على طريق الهند .

فأي السبيلين تتجه إليه سياسة الإنجليز،يا ترى؟ لقد فضلوا الوقوف في منتصف الطريق فلا تقاوم محمد علي ولا تظاهر السلطان خوفا من روسيا . أما سياسة إبراهيم باشا فهي أخذ الأمور بالقوة وإيقاف الدول أمام الأمر الواقع .

لذلك كان يستأذن والده بالزحف على قونية ، ثم الآستانة ، ويرجوه في حتى يحمل خطباء المساجد على إلقاء الخطبة باسمه . فخط محمد علي إلى ابنه في الثامن من شهر سبتمبر يقول : "تقول لي في كتابك أنك ترغب حتى تسك المعدن وهوحام . وإنك ترغب حتى يخطب باسمي في جميع المساجد والمعابد – فافهم يا ولدي أنا لم نصل إلى مركزنا الذي نشغله الآن إلا بقوة الوداعة وخفض الجانب فإنه يكفيني حتى أحمل اسم (محمد علي) خالصا من جميع رتبة وزينة فهوأكبر لي من جميع ألقاب السلطنة والملك لأن هذا الاسم وحده وهوالذي خولني الشرف الذي يجللني الآن . فكيف أستطيع يا ولدي حتى أهجره إلى سواه – لا ياولدي إني أحفظ اسمي (محمد علي) وأنت يا ابني تحفظ اسمك (إبراهيم) وفى وعليك رحمة الله وبركاته" .

أما فرنسا فقد أبلغت الباب العالي حتى إصراره على القتال لا يوصله إلى نتيجة لضعف قوته دون قوة محمد علي التي تتزايد بحرا وبرا .

انظر أيضا

  • الحملة المصرية على سوريا 1831

المصادر

  1. ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف.
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:16:29
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, معارك محمد علي, معارك ابراهيم باشا, معارك الحرب المصرية العثمانية, معارك مصر, 1832

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بالعاصمة الخرطوم .. اشتباكات بالمدفعية الثقيلة بين الجيش و الدعم السريع

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:23:23
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

بتقنية اللمس الصوتي .. نظارات ذكية تعزز الرؤية للمكفوفين

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:23:28
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

مصر تستعد لاستقبال 7000 أجنبي سيتم إجلاؤهم من غزة عبر معبر رفح السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:24:16
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

الرياض تستضيف مؤتمر الأكاديمية العلمية للطب التجميلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:24:12
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

من أجل هذا: جبهة مدنية ديمقراطية تعقد مجامع القلوب والعقول

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:23:19
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

وزارة التضامن تقدم مقترحاتها لتعديل مدونة الأسرة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:24:49
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

السودان أمام منعرج خطير!

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:23:21
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

أكادير.. انطلاق فعاليات المعرض الإفريقي للتجارة الإلكترونية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:24:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

قابلة للتجديد .. تمديد حالة الطوارئ بولاية سودانية لـ «3» أشهر

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:23:25
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 58%

في عملية نموذجية.. سلطات الفنيدق تطهر غابات "بليونش" من المهاجرين السريين

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:23:30
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 82%

الأردن ترسل طائرة مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:24:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

في حربهم ضد إسرائيل .. رئيس كوريا الشمالية يأمر بدعم الفلسطينيين

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:23:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

وزارة التضامن تقدم مقترحاتها لتعديل مدونة الأسرة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-02 12:24:56
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

تحميل تطبيق المنصة العربية