العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية وجمهورية جنوة في عهد الموحدين
إن التاريخ الدولي لأية دولة من الدول هومظهر من مظاهر رقيها ونموها، ومؤشر على هدوئها وانسجامها لأن التواصل الخارجي لا يتم إلا إذا كانت الأوضاع الداخلية مستقرة وآمنة.
والمغرب بحكم مسقطه الجغرافي كانت له علاقات دولية مبكرة تضرب في جذور التاريخ، وهذا ما يؤكده عبد الهادي التازي إذ يقول: "ترجع بداية ممارسة المغرب لعلاقته الدولية إلى وقت مبكر جدا، أي إلى العصور التي سبقت ظهور السيد المسيح، فقد تكونت في المغرب بمعناه الكامل في عهد المؤرخين مجموعة من القبائل كان لها مع الذين وردوا عليها سواء من الشرق أوالشمال علاقات عهدها التاريخ على نحوما عهد اتصال تلك القبائل بعضها بعضا." والتاريخ الدبلوماسي المغربي هوتاريخ عميق ومميز وتذكر المصادر حتى ممثلي الدول الأخرى المعتمدين في البلاط المغربي كانوا يدونون تقارير خاصة ويبعثونها إلى بلادهم، وأضحت تلك التقارير فيما بعد وثائق هامة في التاريخ الدولي.
وتجدر الإشارة إلى حتى تحرير التاريخ الدبلوماسي للمغرب أمر صعب، والصعوبة تأتي من حتى الذين يتوفرون على لغة عربية سليمة قد لا يتوفرون على لغة خارجية مناسبة تساعدهم على الاستفادة، كما حتى الذين يعالجون الموضوع بلغة خارجية قد لا يعهدون من العربية ما يمكنهم من الحكم على الأمور كما يجب، وهلُمَّ. يوجد عند المؤرخ ابن صاحب الصلاة، والمراكشي وابن أبي غرس، وابن خلدون والقلقشندي مثلا عدد من المقاطع المهملة في المصادر الأوربية، وفي لقاء ذلك تضم المجاميع الأجنبية روائع أهملتها المصادر العربية، إلى غير ذلك فالذين استوعبوا الحديث عن علاقات المغرب بالعالم المسيحي أهملوا تماما صلة المغرب بالعالم الإسلامي وصلاته بالمشرق العربي، وفي موازاة ذلك أهمل الذين تحدثوا عن صلتنا بالمشرق، أهملوا تماما صلاتنا بالعالم المسيحي."
والصعوبة نلمسها أيضا في ندرة المصادر التي تناولت الحديث عن صلات المغرب بالدول الخارجية فيما يخص فترة ما قبل الفتح والعهد الإدريسي.
إن مسقط المغرب الحساس والاستراتيجي كبوابة مشرعة على البحر الأبيض المتوسط جعله محط أنظار الدول المتوسطية التي تسعى لتوسيع مصالحها والتوغل في القارة الإفريقية.
ونسجل أول اتصال بين المغرب ممثلا في الدولة الموحدية آنذاك مع جمهورية بيزة تلته مجموعة محاورات مع جمهورية جنوة سنة 547هـ-548هـ/ 1153م، خرجت بأول اتفاقية مهمة بين الدولتين تضم عددا من المحاور والعقود التجارية تعلق بتجارة الجنويين في تونس و[[طرابلس] وسبتة، سلا وبجاية وفي بلدان أخرى من إفريقيا، وترمي هذه الاتفاقية التي أبرمها عبد المومن الخليفة الموحدي وبين قادة جنوة، على حفظ السلام بين البلدين وضمان علاقات طيبة، وقد كانت هذه الاتفاقية شفوية ولكنها احترمت، فكانت الأساطيل الموحدية تغض الطرف عن مهاجمة السفن الجنوية ويسجل التاريخ نماذج لهذا الاحترام خاصة في حادثة تصادم ثماني سفن موحدية مع سفينة جنوية في منطقة كالياري (سردينية)، وانتهى هذا الحصار بمجردأن عهد الأسطول الموحدي حتى السفينة من جنوة.
وقد توطدت الصلات واكتسبت طابعا آخر حينما أنشئت سفارة بين البلدين في أعقاب فتح مدينة "المهدية" وتحريرها من الغزوالصقلي. فكانت جنوة أول مدينة ساحلية تقوم بتجديد اتفاقيتها الدبلوماسية والتجارية وتنص الاتفاقية على ضمان حرية التجارة برا وبحرا وحماية للتجار الجنويين، كانت هذه المعاهدة لمدة 15 عاما تؤدي جنوة بمقتضاها 8/ من وارداتها على السواحل المغربية خاصة سبتة التي كانت المحور الرئيسي للتجارة الخارجية.
ومن الجدير بالذكر أنه منذ القرن 12، تكونت في جمهورية جنوة طائفة من الشركات التجارية وشركات النقل لإرسال البضائع للسواحل المغربية وقد انخرط في هذه الشركات عدد ضخم من التجار وملاك السفن ورؤوس الأموال وكانت المعادن وخاصة النحاس من بين أبرز السلع المستوردة.
وكان الجنويون يتمتعون بامتيازات مهمة عن طريق معاهدات عام 544هـ/1149م، وعام 556هـ/1161م حتى مع إمارة مرسية وبلنسية، التي كان الخليفة عبد المومن قد أعرض عنها قبل حتى يضمها إلى حكمه عام 567هـ /1172م.
لقد تميز العصر الموحدي بكونه المحطة المزدهرة في العلاقات الدبلوماسية المغربية الجنوية التي ضمت مظاهر عديدة ومجالات مختلفة، أهمها المجال التربوي ومحوره البحري، وبغض النظر عن بعض الصدمات الطفيفة بين البلدين في هذه الفترة، فيمكن الحكم على هذه العلاقة الدبلوماسية بالممتازة في ظل السياسة المرنة والذكية للبلدين.
المصادر
- فاتحة رامي. "العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية وجمهورية جنوة -عهد الموحدين". مسقط أصدقاء المغرب.