الحرب الأخيرة بين الروم والفرس
قامت حروب طويلة متعددة بين الفرس (الفرثيون ومن بعدهم الساسانيون) وبين الرومان (وورثتهم البيزنطيين). لكن الحرب الأخيرة كانت الأعنف لأن كلاهما كاد يقضي على الطرف الآخر، وكل ذلك في بضع سنين فقط.
فوز الفرس
قام كسرى الثاني (590-628) en:Khosrau II بإِسْتِغْلال نزاع على السلطة في الإمبراطوريةِ البيزنطية وانطلق مع جيوشه باحتلال تام للأراضي البيزنطية ضد ملك الروم فوكاس en:Phocas. فقد كان حلم كسرى الثاني هوإعادة حدود الإمبراطورية الأخمينية السابقة.
بدأت الحرب عام 602م. وفي عام 608 وصلت جيوش الفرس في آسيا الصغرى إلى كريسبوليس اللقاءة للقسطنطنية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية (أي في الجانب الآسيوي)، وفي نفس الوقت تقدمت قبائل الآفار والسلاف المتحالفين مع الفرس في البلقان لتطوق القسطنطنية من الجانب الآخر (الأوربي)، وغزت جيوش تلك القبائل كذلك عامة البلقان ووصلت إلى أثينا. وقد وسع الفرس رقعة ممتلكاتهم في الشام وأرمينيا. وفي عام 613 وصلت جيوشهم إلى دمشق. وانتصر الفرس في عدة معارك منها معركة حاسمة في سهل حوران بين مدينتي بصرى وأذرعات (درعا اليوم)، وأخرى عند البحر الميت.
ثم في العام التالي 614 زحف جيش القائد الفارسي شهرباراز en:Shahrbaraz إلى إيلياء (القدس). حيث حاصرها الفرس حوالي 20 يوماً، ثم دخلوها عنوة وجعلوها نهبا للحرائق. وقتل اليهود (حلفاء الفرس التقليديين) عدداً كبيراً من النصارى يقدره بعض المؤرخين بـ57 ألف. ودمر الفرس كنيسة القيامة واستولوا على الصليب المقدس (الذي يعتقد النصارى حتى إلههم صلب عليه) ونقلوه الي عاصمتهم المدائن. وكان لسقوط بيت المقدس في أيدي الفرس صدمة كبيرة بين النصارى. فهذه كانت أول مرة تقع فيها هذه المدينة المقدسة بأيدي غير مسيحية.
ثم تقدم إلى مصر، فسقطت الاسكندرية في أيديهم سنة 619، وترتب على ذلك انقطاع القمح عن القسطنطينية وازدياد سوء الأحوال الاقتصادية.
وخلال تلك الفترة تقريباً هبط قول الله تعالى في القرآن: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ سورة الروم. وبحلول سنة 622 م كانت الإمبراطورية البيزنطية على حافة الإنهيارِ وحدودِ الإمبراطوريةِ الأخميدية السابقة على كُلّ الجبهات احتلها الساسانيون ما عدا أجزاء من الأناضول. ولم يبق للروم إلا أثينا وجزائر البحر المتوسط (قبرص وصقلية) وشريط ساحلي في شمال إفريقيا (قرطاجة). انهارت معنويات الروم، وازداد الصراع الداخلي بينهم، وتسقط الناس سقوط دولتهم سريعاً، إذ بدى من المحال حتى يستطيعوا المقاومة.
فوز الروم
تولي هرقل السلطة
عام 622 م (يعني السنة الأولى للهجرة)، حصل انقلاب عسكري حيث تمكن هرقل (610-641) en:Heraclius حاكم قرطاجة من الاستيلاء على القسطنطنية وأعاد تنظيم الجيش. أبدى هرقل شجاعة ومهارة كبيرة في لقاءة الخطر الفارسي. فبدلاً من منازلة جيوش الفرس المتوغلة في أراضي الامبراطورية، قام بالاتفاف عليهم ومهاجمتهم في عقر دارهم في البلاد الفارسية. إذ تحالف مع الخزر الهجر، وهجر العاصمة المحاصرة القسطنطينية وهاجم بلاد فارس مِنْ المؤخّرةِ عن طريق الإبحار من البحر الأسود، فاستولى على أذربيجان (ميديا) سنة 624، حيث قام بتدمير أكبر معبد نار مجوسي (انتقاماً لتخريب كنيسة القيامة في القدس).
وفي هذه الأثناء ظَهرَ شكَّ متبادلَ بين الملك كسرى الثاني وقائد جيشه شهرباراز. وقام الوكلاءُ البيزنطيون بتسريب رسائل مزيفة للجنرال شهراباراز تظهر بأنّ الملك كسرى الثاني كَانَ يُخطّطُ لإعدامه. فخاف الجنرالَ شهرباراز على حياته وبَقي محايداً أثناء هذه الفترةِ الحرجةِ. وخسرت بلاد فارس بذلك خدماتَ إحدى أكبر جيوشِها وإحدى أفضل جنرالاتِها. إضافةً إلى ذلك، توفي بشكل مفاجئ شاهين وسباهبود العظيم قادة الجيش الساساني والذي كان تحت سيطرته بلاد القوقاز وبلاد الأناضول. وهذا ما رَجَّحَ كفّة الميزان لمصلحة البيزنطيين، وأوصل الملك كسرى الثاني إلى حالةِ الكآبةِ.
وبمساعدةِ الخزر وقوَّات هجرية أخرى، استغل الإمبراطور البيزنطي هرقل غياب قادة الجيش الساساني ورِبح عِدّة إنتصارات مُدَمّرة للفرس بعد 15 عاماً من حربهم للبيزنطيين. حملة الملك هرقل تَتوّجتْ في معركةِ نينوى، حيث انتصر الملك هرقل في كانون الأول عام 627 (بدون مساعدة الخزر الذي تَركوه) فوزاً ساحقاً على الجيش الفارسي بقيادة راهزاد. وهذه المعركة الحاسمة قد قررت مصير الصراع بين الطرفين.
هلاك كسرى
ووصل خبر هذه المعركة إلى المسلمين عام 628 بعد حتى انصرفوا من مكة عاقدين صلح الحديبية. ثم أوفد رسول الله (ص) عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى الثاني يدعوه للإسلام. فغضب كسرى غضباً شديداً، فجذب الرسالة من يد محرره وجعل يمزقها دون حتى يفهم ما فيها وهويصيح: أيخط لي بهذا، وهوعبدي؟!! ثم أمر بعبد الله بن حذافة حتى يخرج من مجلسه فأخرج. فلما قدم عبد الله على نبي الله (ص) أبلغه بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب، فنادى على الفرس حتى يمزقوا جميع ممزق.
أما كسرى فقد خط إلى باذان نائبه على اليمن: حتى ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين من عندك، ومرهما حتى يأتياني به. خرج الرجلان رسالة باذان إلى رسول الله (ص) فلما قرأ كتاب صاحبهم، أبلغهم حتى الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه؛ فقتله في شهر كذا وكذا ليلة كذا وكذا من الليل؛ بعد ما مضى من الليل. فانطلقوا فأبلغوا باذان. فنطق: لئن كان ما نطقه محمد حقاً فهونبي، وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيا. فلم يلبث حتى قدم عليه كتاب شيرويه en:Kavadh II ابن كسرى يخبره بقتله لأبيه في تلك الليلة، واستيلاءه على عرشه. فأعرب باذان إسلامه، وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن. وأسلم كذلك العرب في البحرين وخرجوا عن طاعة كسرى. وأسلمت بعض قبائل العرب في العراق مثل بني شيبان.
عقد الصلح
زحف هرقل خلال العراق، حيث وصلته أخبارَ إغتيالِ الملك كسرى الثاني. ثم تحالف مع الأحباش عام 629 وانتصر مجدداً على الفرس وصار قريباً من المدائن. وعندها رآى شيرويه حتى من الأفضل حتى يعقد الصلح مع هرقل. وبمقتضاه استردت بيزنطة جميع ما كان لها من البلاد التي كانت قد سقطت في أيدي الفرس، بما في ذلك أملاكهم في بلاد الجزيرة الفراتية والشام ومصر.
ما بعد الحرب
سار هرقل حافياً إلى القدس حاملاً ما يسمى بالصليب المقدس عام 630. وهذه هي سنة لقاءه مع أبي سفيان (رضي الله عنه) لما وصلته رسالة محمد (ص). وبعد رجوع هرقل إلى القسطنطنية استقبله أهلها استقبال الأبطال، وحمل له الشعب أغصان الزيتون ورتلوا المزامير وهتفوا باسمه.
على حتى فرحة هرقل لم تدم طويلاً. إذ لم تمض إلا برهة من الزمن وإذا به يقابل جيوش المسلمين. وبعد معركة اليرموك، حسم مصير بلاد الشام، ثم لم تلبث مصر حتى فتحت كذلك، ثم شمال إفريقيا.
مراجع
- الموسوعة البريطانية
- http://www.angelfire.com/nt/Gilgamesh/sasanian.html
- "سيرة الحضارة" لـول ديورانت
[[تصنيف:الامبراطورية البيزنطية
- ^ أخرجه البخاري في سليمه رقم 4072 مختصراً
- ^ ذكره الطبري في تاريخه في سيرة مطولة