أبومحمد عبد الله بن عبد الله الترجمان الميورقي (1355 - 1423)، ولد في ميورقة في 1355 كان قسا نصرانيا اسمه إنسلم تورميدا، أسلم وألف كتاب تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب وغيره وكان وزيرا في تونس وتوفي فيها سنة 1423.

سيرة إسلامه

روى عبد الله الترجمان سيرة إسلامه في الفصل الأول من كتابه تحفة الأريب:

افهموا رحمكم الله حتى أصلي من مدينة ميورقة أعادها الله للإسلام، وهي مدينة كبيرة على البحر بين جبلين يشقهما واد صغير وهي مدينة متجر ولها مرستان ترسي بهما السفن الكبار للمتاجر الجليلة، والمدينة في جزيرة تسمى باسم المدينة ميورقة وأكثر ثمارها زيتون وتين ويحمل منها عام خصابة زيتونها أكثر من عشرين ألف بتية زيت لبلاد مصر والإسكندرية وبجزيرة ميورقة المذكور أزيد من مائة وعشرين حصنا مسورة عامرة وبها عيون كثيرة تشق جميع جهاتها وتصب في البحر وكان والدي محسوبا من أهل حاضرة ميورقة ولم يكن له ولد غيري ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى مفهم من القسيسين قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين ثم أخذت في تفهم لغة الإنجيل وفهم المنطق في ست سنين ثم ارتحلت من بلد ميورقة إلى مدينة لاردة من أرض القطلان وهي مدينة الفهم عند النصارى في ذلك القطر ولها واد كبير يشقها ورأيت التبر مختلطا برملها إلا أنه صح عند جميع أهل ذلك القطر حتى النفقة في تحصيله لا تفي بقدر فائدته فلذلك هجر وبهذه المدينة فاكهة كثيرة ورأيت الفلاحين بها يقسمون الخوخة على أربعة أفلاق ويمقرونها في الشمس وكذلك يمقرون القرع والجزز فإذا أرادوا أكله في الشتاء نقعوه في الماء وطبخوه كأنه طري في أوانه.

وبهذه المدينة تجتمع طلبة الفهم من النصارى وينتهون إلى ألف رجل أوألف وخمسمائة رجل ولا يحكم بينهم إلا القسيس الذي يقرون عليه، وأكثر غلات أوطانها الزعفران. فقرأت فيها فهم الطبيعات والنجامة مدة ست سنين ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل وألقنه ملازما لذلك مدة أربع سنين. ثم ارتحلت إلى مدينة بلونية من أرض الأبزدية وهي مدينة كبيرة جدا بنيانها بالآجر الجيد لعدم معادن الحجر عندهم ولكن لكل مفهم من أهل صناعة الآجر طابع يخصه وعليهم أمين مقدم يحتسب عليهم في طيب طين الآجر وطبخه فإذا انفلج أوتفرك منه شيء غرم الذي صنعه قيمته وعوقب بالضرب.

وهذه مدينة فهم عند جميع أهل ذلك القطر، ويجتمع بها جميع عام من الآفاق أكثر من ألفي رجل يطلبون الفهم ولا يلبسون إلا الملف الذي هوصباغ الله، ولوقد يكون طالب الفهم منهم سلطانا أوابن سلطان فلا يلبس إلا ذلك ليمتاز به الطلبة من غيرهم. ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرون عليه. فسكنت بها، وبها كنيسة لقسيس كبير السن عندهم بها كبير القدر اسمه نقلاومرتيل وكانت منزلته فيهم بالفهم والدين والزهد رفيعة جدا انفرد بهما في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية فكانت الأسئلة في دينهم ترد عليه من الآفاق من جهة الملوك وغيرهم وصحبة الأسئلة من الهدايا الضخمة ما الغاية في بابه ويرغبون بالتبرك به وفي قبوله لهداياهم ويتشرفون بذلك فقرأت على هذا القسيس فهم أصول دين النصرانية وأحكامه ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرني من أفضل خواصه وانتهيت في خدمتي له وتقربي إلى حتى دفع لي مفاتيح سكنه وخزائن مأكله ومشربه وبقي جميع ذلك كله على يدي ولم يستثن من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلوفيه بنفسه، الظاهر أنه بيت خزائن أمواله التي كانت تهدى إليه والله أفهم.

فلازمته على ما ذكرت من القراءة عليه والخدمة له عشرا ثم أصابه سقم يوما من الدهر فتخلف عن حضور مجلس قراءته وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون في مسائل من الفهم إلى حتى أفضى بهم الكلام إلى قوله عز وجل على لسان نبيه عيسى عليه السلام «إنه يأتي من بعدي نبي اسمه البارقليط» فبحثوا في تعيين هذا النبي من هومن الأنبياء ونطق جميع واحد منهم بحسب فهمه وفهمه فعظم بينهم في ذلك منطقهم وكثر جدالهم ثم انصرفوا من غير تحصيل فائدة في تلك المسألة. فأتيت مسكن الشيخ صاحب الدرس المذكور فنطق لي: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم،يا ترى؟ فأبلغته باختلاف القوم في اسم البارقليط وأن فلانا قد أجاب بكذا وفلانا بكذا وسردت له أجوبتهم. فنطق لي: وبماذا أجبت،يا ترى؟ فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسير الإنجيل. فنطق لي: ما قصرت وقربت وفلان أخطأ وكاد فلان حتى يقارب ولكن الحق خلاف هذا كله لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يفهمه إلا الفهماء الراسخون في الفهم وأنتم لم يحصل لكم من الفهم إلا القليل. فبادرت إلى قدميه أقبلهما وقلت له: يا سيدي قد فهمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد ولي في خدمتك عشر سنين حصلت عنك فيها جملة من العلوم لا أحصيها فلعل من جميل إحسانكم حتى تمنوا علي بفهم هذا الاسم الشريف. فبكى الشيخ ونطق: يا ولدي والله إنك لتعز علي كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي، وإن في فهم هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكن أخاف عليك حتى تظهر ذلك فيقتلك عامة النصارى في الحين. فقلت له: يا سيدي والله العظيم وحق الإنجيل ومن اتى به لا أتحدث بشيء مما تسر إلي إلا عن أمرك. فنطق لي: يا ولدي إني سألتك في أول قدومك إلي عن بلدك وهل هوقريب من المسلمين وهل يقرونكم أوتقرونهم لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام، فافهم يا ولدي حتى البارقليط هواسم من أسماء نبيهم محمد وعليه هبط الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام وأبلغ أنه سينزل هذا الكتاب عليه وأن دينه دين الحق وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل.

قلت: يا سيدي وما تقول في دين هؤلاء النصارى،يا ترى؟ فنطق لي: يا ولدي لوحتى النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله. فقلت: يا سيدي وكيف الخلاص من هذا الأمر،يا ترى؟ فنطق: يا ولدي بالدخول في دين الإسلام. فقلت له: وهل ينجوالداخل فيه،يا ترى؟ فنطق لي: نعم ينجوفي الدنيا والآخرة. فقلت له: يا سيدي إذا العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يفهم فإذا فهمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه،يا ترى؟ فنطق لي: يا ولدي إذا الله لم يطلعني على حقيقة ما أبلغتك من فضل دين الإسلام وشرف دين الإسلام إلا بعد كبر سني ووهن عظمي ولا عذر لنا فيه بل حجة الله علينا قائمة ولوهداني الله لذلك وأنا في سنك لهجرت جميع شيء ودخلت في الحق وحب الدنيا رأس جميع خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من حملة الجاه والقدر والعز والشرف وكثرة عرض الدنيا، ولوأني ظهر علي شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلني العامة في أسرع وقت.

وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين وأقول لهم إني جئتكم مسلما فيقولون لي قد نفعت نفسك بالدخول في دين الحق فلا تمنّ علينا في دين خلصت به نفسك من عذاب الله فأبقى بينهم شيخا كبيرا فقيرا ابن تسعين سنة لا أفقه لسانهم ولا يعهدون حقي فأموت بينهم بالجوع. وأنا والحمد لله على دين عيسى وما اتى به يفهم الله ذلك مني. فقلت له: يا سيدي أفتأذن لي حتى أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل في دينهم،يا ترى؟ فنطق لي: إذا كنت عاقلا طالبا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن فاكتمه لغاية جهدك وإن ظهر عليك منه شيء لقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك ولا ينفعك حتى تنقل ذلك عني فإني أجحده وقولي مصدق عليك وقولك غير مصدق علي وأنا بريء من دمك إذا فهت بشيء من هذا. فقلت: يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم لهذا.

وعاهدته بما أرضاه ثم أخذت في مسببات الرحلة وودعته فنادى لي بخير وزودني بخمسين دينارا مضىا وركبت البحر منصرفا إلى بلاد مدينة ميورقة فأقمت بها ستة أشهر ثم سافرت منها إلى مدينة صقلية فأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركبا يتوجه إلى أرض المسلمين. فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس فسافرت فيه من صقلية فأقلعنا عن قرب مغيب الشفق فوردنا مرسى تونس قرب الزوال.

فلما نزلت بديوان تونس وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى أتوا بمركوب وحملوني معهم إلى بلادهم وصحبتهم بعض التجار الحاضرين أيضا بتونس. فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطنة أحد يحفظ لسان النصارى، وكان السلطان إذ ذاك مولانا أبا العباس أحمد، فذكروا لي النصارى حتى بدار السلطنة المذكورة رجلا فاضلا من أكبر خدامه اسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه ومن خواصه. ففرحت بذلك فرحا شديدا وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي لدخولي في الإسلام فسرّ بذلك الرجل سرورا عظيما بأنقد يكون تمام هذا الخير على يديه.

ثم ركب فرسه واحتملني معه لدار السلطان فدخل عليه وأبلغه بحديثي واستأذنه علي فأذن لي، فمثلت بين يديه فأول ما سألني عن عمري فقلت له خمسة وثلاثون عاما. ثم سألني كذلك عما قرأت من العلوم فأبلغته فنطق: قدمت قدوم خير فأسلم على بركة الله تعالى. فقلت للترجمان وهوالطبيب المذكور: قل لمولانا السلطان إنه لا يخرج أحد من دينه إلا ويكثر أهله القول فيه والطعن عليه، فأرغب من إحسانكم حتى تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأخيارهم وتسألوهم عني وتسمع ما يقولون في جنابي وحينئذ أسلم إذا شاء الله. فنطق لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت كما طلب عبد الله ابن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم. فأوفد إلى خيار النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما ولج النصارى عليه نطق لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب،يا ترى؟ نطقوا: يا مولانا هذا عالم كبير في ديننا ونطق مشائخهم ما رأينا أعلى منه درجة في الفهم والدين في ديننا. فنطق لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم،يا ترى؟ فنطقوا: نعوذ بالله من ذلك، هوما يعمل هذا أبدا. فلما سمع ما عند النصارى بعث إلي فحضرت بين يديه وتشهدت بشهادتي الحق بمحضر النصارى فكبوا على وجوههم ونطقوا ما حمله على هذا إلا حب التزويج فإن القسيس عندنا لا يتزوج، فخرجوا مكروبين محزونين.

فرتب لي السلطان ربع دينار في جميع يوم في دار المختص وزوجني بنت الحاج محمد الصفار فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار مضىا وكسوة جيدة كاملة فابتنيت بها وولد لي منها ولد سميته محمدا على وجه التبرك باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما.