البيرة (مدينة فلسطينية)

عودة للموسوعة

البيرة (مدينة فلسطينية)

هل ترغب مشروب البيرة أوالجعّة؟

البيرة
الكتابة بـOther
 • Arabic البيرة
 • Also spelled al-Bira (unofficial)
شعار بلدية البيرة
محافظة رام الله والبيرة
الحكم
 • النوع مدينة
 • Head of Municipality عمر حميل
المساحة
 • الزمام 22٬406 dunams (22٫4 كم² or 8٫6 ميل²)
التعداد(2006)
 • الزمام 38٬802
معنى الاسم "البئر"
المسقط الإلكتروني www.al-bireh.org

البيرة هي مدينة فلسطينية ملاصقة لمدينة رام الله وتتداخل مباني المدينتين مع بعض بحيث تظهران كمدينة واحدة. يسكن المدينة 44,000 نسمة وترتفع عن سطح البحر 884 مترا. تبلغ مساحتها 22045 دونم (22.045 كم). تقع مستعمرة پسگوت على جبل الطويل إلى الجانب الشرقي من المدينة. يوجد في المدينة مخطة عامة تحوي فيما يقارب العشرين ألف كتاب.

مستوطنة پسگوت الإسرائيلية على جبل الطويل في البيرة (2004)

مدينة البيرة

تقع مدينة البيرة وشقيقتها التوأم رام الله في سلسلة جبال فلسطين الوسطى وتبعدان 16 وقع عن القدس باتجاه الشمال، تتمتع المدينتان بمناخ معتدل جعلهما مركزاً لجذب المصطافين، تتمتع مدينة البيرة، وهي الأقدم والأكبر بين المدينتين، بمسقط استراتيجي هام على تقاطع الطرق، التجارية الرئيسية تقع مدينة البيـرة على الشريان الرئيسي الذي يربط شمال فلسطين بجنوبها فهي على الطريق الرئيسي الموصل بين مدينة نابلس والقدس على بعد تسعة أميال فقط من مدينة القدس الخالدة وهي الطريق الواصل بين الغور والسهل الساحلي الفلسطيني والطريق الجبلي الواصل بين الشمال فلسطين وجنوبها هذا بالإضافة إلى مسقط المدينة الهام، يعود الفضل في استيطان البيرة إلى توفر المياه فيها من عيونها المتنوعة، وخاصة عين البيرة المعروفة "بالعين"، الواقعة على طريق القدس- نابلس الرئيسي، لأهمية هذه العين بني أهل البيرة قربها خاناً مازالت آثاره ماثلة للعيان حتى اليوم في البلدة القديمة وهويعود للفترة الصليبية، وبنوا في الفترة الإسلامية المبكرة مسجدين بالقرب من الخان مازالا مستخدمين حتى اليوم، يعهد الأول منهما باسم الجامع العمري، وهوالجامع الملاصق لكنيسة العائلة المقدسة وسط البلدة القديمة، وجامع العين الواقع على عين شارع القدس- نابلس بالقرب من مبنى البلدية الحالي لقد تغير مركز مدينة البيرة من عصر إلى آخر، ويبدوحتى أقدم مسقط استوطنة أهل البيرة هومنطقة الإرسال، ثم انتقل مركز المدينة بعد ذلك إلى تل النصبة، ثم إلى عين أم الشرايط، ثم إلى مسقط البلدة القديمة الحالي، والآن توسعت حدود المدينة فضمت جميع هذه المناطق هناك عدة بلدات تحمل اسم البيرة في فلسطين احداهما تقع شمالي بيسان، وأخرى في منطقة الخليل وثالثة قرب صفد، ورابعة في منطقة بئر السبع، ولكن بيرة القدس تظل أهمها وأكبرها وأشهرها جميعا.ً

يعتقد حتى الأسم البيرة مشتق من الأصل الكنعاني (بيئرون) ويعني (الآبار) نسبة إلى العيون الكثيرة المنتشرة في المدينة وأهمها عين البيرة، والعيون الأخرى الكثيرة مثل عين القصعة وعين أم الشرايط، وعين جنان، وعين الملك وغيرها وربما كان الأسم من الأصل الآرامي (بيرتا) ويعني القلعة أوالحصن نسبة إلى تل النصبة الأثري.


تاريخ مدينة البيرة

يعود تاريخ مدينة البيرة الكنعانية إلى القرن الخامس والثلاثين قبل الميلاد (حوالي سنة 3500 ق.م) ومنذ ذلك الحين وعلى مدى أكثر من خمسة آلاف سنة بقيت البيرة مأهولة بالسكان، ورد ذكر البيرة في العهد القديم أكثر من مرة باسم بيئروت، وذلك في سيرة جميع من النبي هارون أخي النبي موسى عليهما السلام، وسيرة احتلال بني إسرائيل لفلسطين زمن يوشع بن نون، ولكن المدينة لم تعتبر مقدسة لدى اليهود ولذلك لم تنضم إلى الممالك اليهودية التي نشأت في فلسطين في العهد الحديدي المتأخر عهدت البيرة في العهد الروماني باسم بيرية، وأصبحت مدينة مهمة في هذه الفترة وخاصة في بداية العهد المسيحي، وينطق حتى السيدة مريم العذراء وخطيبها يوسف النجار فقدوا المسيح بها وهوطفل في الثانية عشرة من عمره في طريق عودتهم من القدس إلى الناصرة، حيث شيد في المكان كنيسة بيزنطية مازالت أثارها ماثلة حتى اليوم وسط البلدة القديمة، عهدت هذه الكنيسة باسم كنيسة العائلة المقدسة بعد الفتح الإسلامي لعبت البيرة دوراً مميزاً على مسرح الأحداث في فلسطين ويعتقد حتى عمر بن الخطاب قد حل بها في طريقة من المدينة المنورة إلى القدس لاستلام مفاتيح القدس من البيزنطيين، وقد أقيم سنة 1195م في المكان الذي ينطق حتى عمر صلي فيه مسجداً يعهد بالمسجد العمري، وهومازال قائماً ومستخدماً حتى اليوم وهوملاصق للكنيسة البيزنطية، وقد أعيد تجديده عام 1995م في الفترة الصليبية كانت البيرة قرية مهمة لقربها من القدس خاصة بعد استيلاء الصليبين على القدس سنة 1099م حيث أصبحت مركزاً للمقاومة الإسلامية ضد الصليبين، وبعد احتلال الصليبين لها أوقفها الصليبيون هي و21 قرية فلسطينية أخرى من منطقة القدس على كنيسة القيامة، وكانت المدينة وكنيستها البيزنطية التي تم تجديدها وتنظيفها في الفترة الأخيرة مركزاً لفرسان القديس يوحنا القادمين من إنجلتراعندما حرر صلاح الدين الأيوبي فلسطين استولي على البيرة ودمر المستوطنة الصليبية فيها سنة 1187م وينطق حتى عدد الصليبين الذين استسلموا له في البيرة بلغ 50000 أسير، إلى غير ذلك تعربت المدينة من جديدفي العهد العثماني 1517-1918م كانت البيرة مركزاً سياسياً وإدارياً مهماً ومركز قضاء، سكنها المتصرف العثماني وكان فيها طابور عسكري عهد بطابور البيرة تشكل من أبنائها، وكان له دور في الدفاع عن عكا أثناء حملة الصليبين في أواخر القرن 18م في عهد الانتداب البريطاني ألحقت البيرة بقضاء رام الله، واستمر الحال كذلك خلال الفترة من 1919-1994، بعد دخول السلطة الوطنية الفلسطينية إليها عام 1994 أصبحت البيرة مع توأمتها رام الله مركزاً لمحافظة رام الله والبيرة.

الآثار العربيـة

تعود هذه الآثار إلى ما قبل الغزواليهودي بقيادة يشوع بن نون وهي الكهوف التي كان ينزل اليها من عل بدرج وفيها شبه محاريب وكلها منحوت بدقة وقد وجدت بها عظام بشرية كما وجدت بها اسرجة وأدوات أخرى, يوجد ثلاثة أوأربع آثار لا تزال بارزة للعيان على جانب الطريق الممتدة من الشرق إلى الغرب أمام بيت السيد "مطـر فرهود" مختار المدينة سابقا, وآخر بالقرب من الطرق شمالي دار "عوض حسين أبوعليص" وهناك آبار كثيرة وكبيرة تعود إلى اليبوسيين وهي تنتشر في جميع أنحاء المدينة وتوجد من هذه الآبار زهاء عشرة في راس الطاحونة وفي حديقة البلدية. وأكثر من عشرة أبار في النتاريش. كما توجد آبار أخرى منتشرة في المدينة.

الآثار اليهوديـة

لا توجد لليهود آثار تذكر سوى المعاصر التي كانوا يعصرون فيها العنب لصنع الخمر, فقد وجدت لهم آثار في تل النصبة على طريق القدس فوق المكان المعروف " مصنع الخمارات".

الآثار الرومـانية

ثلاث برك تقع كلها جنوبي نبع الماء " قرب الجامع القديم " .


الآثار الإسلامية

الجامع القديم الذي يقوم على نبع الماء " الطريق العام " وأبنية قديمة كثيرة عفت معالمها العليا. ولم يبق سوى إلا أسسها وأضرحة المجاهدين والأتقياء التي تنتشر في جميع أنحاء البيرة ومنها: الشيخ نجم, الشيخ عبد الله, الشيخ مجاهد, الشيخ شيبان، أم خليـل، البطمـة، والشيخ يوسف.


الآثار الصليبيـة

الكنيسة التي لا تزال أسسها قائمة في وسط المدينة ثم الخـان وهوطراز البناء الروماني, وهناك اختلاف في الرأي فمنهم من يقول انه اثر روماني ومنهم من يقول انه اثر صليبي وقد كان مربطا لخيول فرسان القديس يوحنا. وقد وجدت في مدينة البيرة أبنية قديمة عريقة في القدم ولم يهتم أحد بنسبتها أوإلى من قام بإشادتها. كذلك وجدت في البيرة بتر نقدية كثيرة تعود إلى اليونان والعرب واليهود.

عائلات المدينـة

تقسم العائلات إلى قسمين: قسم سابق، وقسم وفد على الآخر, أما العائلات العربية السابقة لسكنى المدينة فهي الزعاربة, الجبرة, الغزاونة واليعاقبة. وقد وفد حسـين وأبناؤه على هذه العائلات في القرن السابع عشر الميلادي سنة ١٠٠٧ هجري. وحسـين هذا كان من سكان الحجاز الذين استوطنوا الشوبك أثناء الزحوف الإسلامية الأولى. ولما تعاظم أمر حسين وأبناؤه في البيرة اشتد خطره على العشائر التي استضافته وسقطت بين الطرفين عدة معارك أدت إلى رحيل بعض العائلات الأصلية. كما أدت إلى تكتل من تظل من العائلات إلى حتى أصبحت حمائل البيرة على الشكل التالي:

  1. العـابد ومنها عوائل حماد ، عطـا ، أبوحسـان ، عطـا الله ، احسينه وعائلة أبوسلامة من الغزاونة السكان الأصليين.
  2. الطويـل ومنها عوائل أبونايفة ، بحـور ، ناصر ، جادالله ، نادىس ، عميرة ، اتيم ، ابوخلف ، عامر ، مزيد ، زايد ، خلف ، عوض الله ، ابزيع ، عبد الرسول ، ابوتينة ، وعائلات أبوعباس والنسـر من الزعارنة واتيم زاغنيم من الغزاونة.
  3. القرعـان ومنها عوائل أبوعيد ، جبر ، شبلي ، عيسى ، اسعد ، عبد الفتاح ، أبوشحاده ، صرصور ، أبوموسى غنيم ، وتنضم إليها عائلة جاد الله.
  4. القـراقرة ومنها عوائل عويس ، حميده ، أبوعاصي ، الشلاوه ، المالكية ، وعائلة أبوعبيــد من الغزاونة السكان الأصليين.
  5. الحمـايل وتتألف من الجبرة واليعاقبة ولهذه الحمولة تنتسب عائلات عبد الوهاب ، صمرين ، قاهوق ، أبوحموده ، درويش ، واطريش.
  6. الرفيـدي وهي تنتسب إلى نصـارى نجـران. نزحت إلى البيرة من رفيديا بالقرب من مدينة نابلس, قدم جد عائلة الرفيدي إلى البيرة حائكا, ثم نال خطوة عند أهل البيرة نظرا للخدمات التي كان يقدمها لمشايخ البيرة خصوصا ما كان متصلا منها بالكتابة وقد كانت هذه العائلة تتقرب لحامولة الطويل.

الاغتراب في البيرة

تأثرت مدينة البيرة بهجرة أبنائها والاغتراب عنها, فمنهم من هجروا زوجاتهم وأولادهم بدون رعاية وهجروا أراضيهم ومزارعهم بدون عناية وأخذ ابن البيرة الذي يهاجر يسحب أقاربه وأصدقائه وهكذا. إلا حتى أهل البيرة ظلوا مرتبطين بمسقط رأسهم, فهم يقيمون المشاريع الكثيرة في جميع المجالات لتطويره وتقدمه وعلى الأخص الناحية الفهمية فشيدوا المدارس الكثيرة فالمدرسة الهاشمية صرح هائل يكادقد يكون جامعة والبيرة الجديدة ومدرسة المغتربين وبنات البيرة الثانوية ومدرسة بنت الازور للإناث ومدرسة بنات البيرة الابتدائية للبنات والمدرسة الأردنية وغيرها من المدارس الخاصة. كما شيدوا المباني للمشاريع الاقتصادية التجارية والزراعية والصناعية التي يشهد لها, والتي تعود بالخير والنفع العميم على مدينتهم الخالدة. وهم لا يغيبون عنها طويلا فزيارتهم لبلدتهم مستمرة كما حتى النادر منهم من يبيع أرضه. والمغتربون منهم نجحوا واثروا وتفهموا تعليما عاليا كما انهم قلما يبيعون أراضيهم فهم يتمسكون بها كثيرا ويقدسونها ويبادرون إلى المشاركة في جميع مشروع تحتاجه مدينتهم ويعقدون جميع سنة مؤتمرا يتدبرون أمورهم وأمور وطنهم ويتخذون القرارات اللازمة وهم مخلصون جميع الإخلاص لعروبتهم ويتمسكون بها ويعتزون رغم انهم في الاغتراب.

في المائة عام الأخيرة صدر الكثير من الخط ومئات الموضوعات في الولايات المتحدة عن موضوع الهجرة السورية وخصوصا اللبنانية إلى الولايات المتحدة. الغالبية الساحقة من هذه الأعمال صدرت باللغة الإنجليزية، وركزت، بالأساس، على دوافع الهجرة وظروفها، وعملية تكيف واندماج المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة، وموضوع الهوية، متجاهلة أثار الهجرة والشتات على المجتمع الأم.

ونعالج هنا أثرين مهمين للهجرة من بلدة البيرة الفلسطينية للولايات المتحدة على المجتمع المحلي : الأول، التغير الذي طرأ على ملكية الأراضي خلال عهد الانتداب. تَمَـثل هذا التغيير، الجذري بمختلف المقاييس، في انتنطق جزء مهم من الأرض، من خلال عمليات الشراء والبيع، من أيدي الفلاحين المقيمين من سكان البلدة، فقراء كانوا أم ميسوري الحال، إلى أيدي الذين هاجروا للولايات المتحدة وحققوا فيها نجاحاً ملحوظاً، جاز لهم بادخار فائض مالي استثمروه في الوطن الأم في مجال الأرض والعقارات. أما الثاني، فمرتبط بالآثار العميقة والمباشرة والسريعة لهذا التغيير على الحراك الاجتماعي وبروز زعامة محلية جديدة.

الإطار الزمني لهذه الدراسة محدد بحوالي نصف قرن من الزمان، من عام 1909، عندما غادر أول مهاجر من البيرة للولايات المتحدة، حتى نكبة فلسطين عام 1948. وتغطي هذه الفترة موجتين من موجات الهجرة تفصل بينهما الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي شلت، مؤقتا، حركة الهجرة والسفر من فلسطين للولايات المتحدة وبالعكس.

إلى أي حد يمكن تعميم استنتاجات هذه الدراسة على بقاع أخرى من فلسطين ؟

لا شك بأن التنوع في القرى والبلدات الفلسطينية يمنع التعميم بشكل آلي على جميع قرى وبلدات فلسطين التي مرت بتجربة الهجرة المبكرة للأمريكيتين، بدءا من بلدة بيت لحم ومحيطها، منذ سبعينيات القرن التاسع عشر. فلكل بلدة أوقرية ظروفها وخصائصها المتميزة (عدد السكان، الاقتصاد، مستوى ونوعية التعليم، بداية الهجرة ووجهتها، الهجريبة الطائفية، طبيعة العلاقة مع مركز إقليمي) وهي عناصر متفاعلة تؤثر في تجربه الهجرة، وتفرز في جميع مكان ديناميات خاصة به. وفي الوقت نفسه لا يمكن حتى نغفل حقيقة وجود عناصر مشهجرة وأثار متشابهة، خصوصا في مناطق أتيحت لنا دراستها كرام الله .

وسنرى خلال الدراسة، وإن كان عرضاً، كيف من الممكن أن تأثرت رام الله، خلال نفس الفترة الزمنية المبحوثة، ببعض الآثار والاتجاهات التي ظهرت في البيرة. وكلي أملُ حتى تكون هذه الدراسة، وهي مجرد جزء سهل من عمل مستمر منذ عام 1995عن تاريخ البيرة وتاريخ أهلها، لبنة في مدماك المحاولات الحديثة التي تبذل لكتابة التاريخ الاجتماعي الحديث لفلسطين، ولإدخال الفلسطينيين العاديين في هذا التاريخ، والتي أخذها على عواتقهم جميع من الراحل الكسندر شولش، روز ماري صايغ، تيد سويدنبرغ، وبشارة دوماني.


تعتمد هذه الدراسة بالأساس على الأوراق الشخصية لعدة عائلات بيراوية، وأهمها المجموعة الخاصة بالشقيقين علي وعبد الله جودة خلف من حمولة الطويل، ومجموعة الشقيقين عثمان وصالح العطا من حمولة الحمايل.

وهما مجموعتان غنيتان تضمان ما لا يقل على 100 وثيقة ومعاملة وحجة أرض وفواتير ومعاملات مالية متنوعة، تبدأ من عام 1880 وحتى عام 1946. كما اعتمدت على عشرات من اللقاءات الشفوية التي سجلناها بين 1989-2008 مع عدد من أبناء المدينة المعمرين، بما فيها لقاءات أجريناها في نيويورك وفرجينيا وواشنطن وفلوريدا ونورث كارولينا وكاليفورنيا. كما استندت الدراسة إلى مجموعة متنوعة من المصادر؛ أولية كالصحف، وثانوية منها الخط والدراسات التي طرقت موضوع ملكية الأراضي والهجرة السورية للأمريكيتين، أي الهجرة من البلاد التي كانت تشكل الفضاء الجغرافي والثقافي لما كان يطلق عليه مصطلح " بلاد الشام".

ورغم حتى هذه الدراسة ما كان لها حتى تستكمل بدون هذه الأوراق العائلية، فإن استخدامها لمصادر متنوعة يُظهر مرة أخرى أفضليته في كتابة تاريخ أكثر صدقاً وواقعية.

مقارنة بالكثير من المصادر لدراسة التاريخ الاجتماعي (شفهية كانت أومكتوبة، رسمية أوخاصة)، فإنني أعتقد حتى الأوراق العائلية المتنوعة (عقود وحجج بيع وشراء الأرض، وصولات الضرائب، عقود الزواج، أوراق المعاملات التجارية..الخ) أقل عرضة للانحياز أوالتزوير، أوإسقاط الحاضر على الماضي، كما هوحال الكثير من المصادر الثانوية المكتوبة أواللقاءات الشفوية أوأوراق السير الذاتية إذ ظلت هذه الأوراق عبر السنين، على ما هي عليه دون تحريف أوتعديل.

ولعل هذا يشرح تعاظم أهمية هذه الأوراق كمصدر في أبحاث التاريخ الاجتماعي، خصوصا في حالة فلسطين، التي تميزت وما تزال بعدم الاستقرار السياسي، وبمصادرة وتدمير المصادر المكتوبة، بما في ذلك الأوراق العائلية، وقلة الوعي بأهمية الوثائق والتوثيق، وغياب مؤسسات دولة تأخذ تحت جناحها عملية الحفاظ على الإرث الشفهي والمكتوب.

وقد وثقت في منطق سابق كيف من الممكن أن دمر ونهب وضاع كثير من الأوراق العائلية والشخصية (كجزء من المصادر المكتوبة) نتيجة الأوضاع السياسية المتقلبة في فلسطين.

وإذا كان هناك من تساؤلات توجه لهذا النوع من الوثائق فهي لا تتعلق بصدق وأهمية مثل هذه الأوراق التي تقع بين يدي الباحث، فهذه – كما قلنا - ليست موضع خلاف أوجدال، وإنما بحجم ونوعية المواد الذي تمثلها الأوراق المتاحة بين أيدينا، والتي تخص عائلة ما، من إجمالي الأوراق التي تخص نفس العائلة ،يا ترى؟ فهناك أوراق ضاعت، وهناك أوراق تُحجب عن الباحثين نتيجة لتحفظ مالكي هذه الأوراق على عرض أوراق لعائلاتهم قد تحكي قصص غير مرغوب فيها. وكلا العاملين يحددان مساحة ومجال الفهم، ويضعان الباحث في دائرة "الانتقائية" المفروضة عليه فرضا، ونحن نفهم حتى الانتقائية هي إحدى السلبيات الرئيسية لأي درس فهمي.


هيكل الدراسة

هذه الدراسة مقسمة لعدة أبواب : مدخل سريع حول العقبات المنهجية المتعلقة بدراسة الأرض وملكيتها في منطقة رام الله، وهي صالحة للتعميم على مجمل الحالة الفلسطينية؛ تعريف بالسيرة الشخصية لأصحاب هذه الأوراق العائلية : الشقيقين عبد الله وعلي جودة خلف الطويل والشقيقين عثمان وصالح العطا؛ الهجرة للولايات المتحدة والتغيرات التي طرأت على ملكية الأرض نتيجة لها؛ أثر هذا التغير على الاقتصاد السياسي للمدينة وانعكاساته على بروز زعامة جديدة أطاحت بالزعامة التقليدية القديمة.

عقبات وملاحظات منهجية على موضوع الأرض:

يعالج الباحث التحولات في ملكية الأرض في عهد الانتداب، وهوعهد قصير نسبياً رغم التحولات الجذرية التي نجمت عنه، فهومضطر إلى إجراء مقارنة مع ما كان عليه وضع الأرض في الأيام الأخيرة للعهد الذي سبقه (العهد العثماني)، الأمر الذي يضعه في لقاءة الكثير من العقبات المنهجية والفنية.

وأهم هذه العقبات والمشاكل:

- طبيعة حجج البيع والمشاكل المتعلقة بتسجيل الأراضي ومعاملاتها : فتنظيم أمور بيع وانتنطق الأرض، بما في ذلك وثائق البيع، لم تستقر إلا في فترة متقدمة من عهد الانتداب. فكثير من معاملات حجج البيع التي فحصناها في السنوات التي تلت احتلال فلسطين (1917-1918) حافظت على نفس مثالب حجج البيع في العهد العثماني، مثل غياب تحديد مسقط ومساحة البترة بدقة.

كما حتى كثيرا من الأراضي لم تكن مسجلة بالطابو. على أي حال، تخلوا حجج البيع الخاصة بعلي وعبد الله جودة خلف، وصالح وعثمان العطا، والتي خطت في السنوات الأخيرة من العهد العثماني وبداية عهد الانتداب، من تحديد مساحة بترة الأرض على الإطلاق.

كما حتى تحديد المسقط في هذه الحجج كان يتم من خلال حدود أرض الجيران التي قد تكون هي نفسها موضع نزاع أوغموض وهناك كثير من الحجج التي تتضمن تعبير "وشهرتها تغني عن ذكر حدودها". وفقط في المراحل اللاحقة من عهد الانتداب أصبحت مساحة الأرض تُحدد بدقة في معاملات البيع، عندما أنجزت سلطات الانتداب عملية مسح معظم أراضي فلسطين، وحددت نقاط التثليث، التي سمحت برسم خرائط دقيقة، ووحدت عمليات وإجراءات الإنضمام، وحطمت بلا رجعة وجذرياً نظام المشاع .

وهي إجراءات كان هدفها الحقيقي، وإن غير المعلن، تسهيل عملية انتنطق الأرض لليهود وتحسين جباية الضرائب.

- الكتابة بالعامية واختلاف دلالات المقاييس : معظم الحجج في نهاية العهد العثماني وبداية عهد الإنتداب خطت بالعامية وهذا يضيف عبئاً على الباحث الذي يجد صعوبة في ضبط دلالات بعض الألفاظ، خصوصاً في ظل غياب قاموس مقارنة للعامية.

وفي هذا السياق هناك تباين واختلاف في دلالات المصطلحات المحلية الدارجة على السنة السكان والخاصة بمساحة بتر الأرض مثل: الحاكورة، الفدان، الحبلة، المارس، الحريقة، الخلة (خلت)، المعاديد...الخ

- معضلة العملات المستخدمة في عمليات الشراء والبيع : تعدد العملات السائدة في فلسطين وعدم اسقرار ثمن صرفها، يصعب على الباحث إجراء المقارنة والتقييم لأسعار الأراضي ومعدل ارتفاعها.

فالاختراق الغربي السياسي والاقتصادي والثقافي للدولة العثمانية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتراجع الثقة في العملة العثمانية بسبب غش نسب المضى اوالفضة المستخدمة في النقود المعدنية، جاز بتدوال عملات اجنبية مختلفة فإضافة إلى الليرة العثمانية المضى، أوالعصملية، والتي عهدت أيضاً بالمجيدية نسبة للسلطان عبد المجيد، شاع تداول الليرة الانجليزية المضى، والليرة الفرنسية المضى.

وبعد سقوط فلسطين 1917-1918 ظل التعامل بالليرة المضىية الإنجليزية ساريا في بعض صفقات الأرض. لكن العملة المصرية بمختلف أنواعها، المضىية والفضية والنكلية والورق، أصبحت العملة الرسمية في فلسطين ابتداء من 1 شباط 1921 حتى صدرت العملة الفلسطينية عام 1927، والتي كانت العملة الرسمية في شرق الأردن أيضاً حتى عام 1949.

إلى غير ذلك خَفَ التعامل بالعملة المصرية إلى حتى حُرِم التعامل بها كعملة قانونية في فلسطين بعد يوم الحادي والثلاثين من شهر آذار 1929.

- المشاكل الخاصة بأسماء المواقع : فهناك تغير ملحوظ في أسماء المواقع مع تقلب الزمان، الأمر الذي يُصعب متابعة وتحديد مواقع بتر الأرض.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فما يعهد اليوم في البيرة بمنطقة "البالوع" كان اسمها الشائع حتى الأربعينيات "مكب المية".

وما كان يطلق عليه اسم أرض "البقيع" يعهد حالياً باسم "الميدان" (لأنه في فترة الانتداب استخدم ميداناً لسباق الخيل).

ومشكلة الأسماء ليست خاصة بالفترة العثمانية فحسب، بل هي ظاهرة مستمرة حتى اليوم، ولا هي مقتصرة على أسماء المواقع والمناطق، بل هي ظاهرة عامة تضم أسماء المعالم والميادين والحارات...الخ.

وليس هناك اليوم إلا بضعة معمرين من ابناء البيرة ممن يعهدون أسماء أومواقع الحارات القديمة كحارة الزيد أوحارة الهِري أوحارة الشراقة، التي استبدلت بأسماء جديدة، ودرست معالمها القديمة بشكل شبه تام حيث قامت مكانها أحياء وشوارع جديدة.

وظاهرة عدم احترام المسميات القديمة ناجمة عن ضعف الوعي بأهمية الحفاظ على الأسماء التاريخية خصوصاً في المجتمعات المحلية؛ أوانعكاس لدور وظيفي أووقع جديد؛ أوبروز شخصية ما طغى اسمها على اسم المكان القديم.

وعلى سبيل المثال، فإن عين زليخة (على جبل قرطيس) سميت باسم امرأة اسمها زليخة تفانت في العناية بالأرض التي من حولها فاختفى الأسم القديم للعين؛ أولأسباب أيدولوجية أووطنية، وعلى سبيل المثال فقد دُشن المسجد الرئيسي في البيرة في مطلع الستينيات باسم جامع البيرة الكبير، وبعد وفاة عبد الناصر عام 1970 قرر رئيس المجلس البلدي في حينه إطلاق اسم مسجد جمال عبد الناصر عليه.

وفي السنوات الأخيرة وبعد بروز حركة حماس أطلق عليه الإسلاميون مسجد سيد قطب

(نلاحظ الارتباك الناتج اليوم من تداول الناس للتسميات الثلاث لنفس المسجد، وإن ظل اسم مسجد عبد الناصر هوالطاغي).

- تذبذب أسماء الأفراد، وانقطاع وتغير أسماء العائلات : وهوأمر يُصعب على الباحث تتبع ملكية الأرض وترسُّم تاريخ عائلاتها. تظهر معضلة أسماء العائلات حتى في المدن , وقد ساهم وقوع فلسطين تحت أنظمة سياسية مختلفة في زيادة حدة هذه الأزمة.

وعلى سبيل المثال، فإن إسرائيل فرضت منذ احتلال عام 1967 تسجيل اسم الحمولة كأسم عائلي أخير، من أجل تحديد وتصنيف السكان كي تسهّل عملية الرقابة والسيطرة، وفي محاولة منها لإحياء النعرات والعصبيات بين الناس (فرق تسد).

والغريب أننا لا نجد في وثائق المحكمة الشرعية في القدس في القرن التاسع عشر، والخاصة بمعاملات البيرة، أي استخدام لاسم الحمولة كاسم أخير للشخص أولتحديد عائلته. ولا تقتصر معضلة الأسماء في البيرة على أسماء العائلات، بل وتمتد إلى أسماء الأفراد أنفسهم التي خالطتها الألقاب، أوإلى اختلاف اسم العائلة لأشقاء من نفس الأسرة، وهوما يضفي الكثير من الصعوبات.

بيد أنه لا مكان في هذه الدراسة القصيرة للخوض في هذا الموضوع الذي تخالطه الطرافة، والذي يلقي الضوء على جانب مهم من العلاقات الاجتماعية والبيئة الثقافية المحلية.

- معضلة الوصول للوثائق في مراكز الأبحاث والدوائر الحكومية أوالمجالس البلدية الخاصة بالأرض ومعاملاتها : فمعظم هذه المؤسسات تمنع فحص أرشيفها، أوتقيد، أوتحدد، أوتعقد عملية الاستفادة من هذه الوثائق، أوتفرض قيود صارمة على التصوير.


المهاجرون الجدد والزعامة في البيرة

عندما احتل البريطانيون البيرة كان هناك بالأساس زعيمان للبيرة : رشيد العلي (ويطلق عليه أيضاً اسم رشيد الإبراهيم أورشيد الفوز) مختار البيرة وزعيم حمولة أوعائلة القرعان، وهي الحمولة الأكبر عددأ في البيرة، وعامر محمد العامر، مختار البيرة الثاني وزعيم عائلة الطويل المهمة.

وبالاضافة إليهم كان هناك زعماء العائلات الأصغر، مثل المختار حسن الحسين زعيم عائلة الحمايل، والحاج أمين غنيم وجيه عائلة الغزاونة الصغيرة والتي انضوت تحت جناح عائلة الطويل.

كانت الزعامة في البيرة ترتكز على مكانة اجتماعية موروثة أبا عن جد، وعزوة قوية "مسنود الظهر" عبر عائلة كبيرة وتحالف مع عائلات صف اليمن والقيس الرئيسية، وعلاقة الجيدة مع الإدارة والسلطة العثمانية وممثليها، والتي تتجسد غالباً في حصوله على المخترة.

أما القاعدة الاقتصادية لهذه الزعامة فكان من أبرز عناصرها ملكية الأرض ورعوات الغنم الكبيرة، التي كانت تسمح بممارسة مظاهر الزعامة (اللباس والهندام الجيد والنظيف، الكرم والانفاق على المضافات والولائم).

حدد ألبرت حوراني في منطقته الرائعة " سياسة الأعيان" مقومات زعامة المدن :

- مكانة اجتماعية مرموقة في الغالب موروثة.

- وضع اقتصادي جيد يسمح بالعناية بمظاهر هذه المكانة، وبتنطقيد وعادات المجتمع الفلسطيني الذي يعطي للضيافة والكرم للغريب والأعوان منزلة خاصة.

- القدرة على التوسط بين عامة الناس وبين السلطة السائدة.

من الضروري هنا التنويه إلى حتى المكانة الاجتماعية كعنصر حراك اجتماعي وزعامة ليست مقصورة على المجتمعات العربية، ولا هي بالضرورة قائمة فقط على التفوق المالي.

وقد أثبت عالما الاجتماع الفرنسي بيير بوررديووجان كلود مؤلفا كتاب "الورثة les Héritiers " (1964)، ومن خلال درس عميق استمر سنين طويلة، حتى النظام التعليمي في المدارس والجامعات الفرنسية يعمل كجهاز انتقاء وتفرقة اجتماعية لصالح الطبقات العليا على حساب الفئات المتوسطة، وبشكل اكبر على حساب الفئات الشعبية.

حيث لاحظا حتى الطلاب "اللامعين" الحاصلين على أعلى الشهادات المطلوبة، والذين يتفهمون في المؤسسات التعليمية الأحمل مكانة، وأخيراً الذين يستطيعون الوصول إلى مواقع السلطة، وبنسبة عالية وساحقة - وهذا ليس بالصدفة - تنتمي إلى فئات تتمتع بمكانة وامتيازات اجتماعية، مرتبطة بولادتهم ونشأتهم في أوساط ميسورة.... وباختصار فان هؤلاء الورثة لا يعتمدون على القوة الاقتصادية فقط - ولكن أيضا، وربما أكثر، على الجانب الثقافي والمكانة.

عموماً يظهر لنا حتى المقومات الخاصة بمكانة الزعامة الحضرية التي أشار إليها حوراني في منطقته عن أعيان بلاد الشام وبورديوعن الطبقات الاجتماعية في فرنسا، كانت تنطبق أيضا آنذاك على الزعامة المحلية في فلسطين.

فبعد فترة قصيرة من الاحتلال البريطاني تعرض أبرز زعيمين للبلدة رشيد العلي (القرعان) وعامر محمد العامر (الطويل) إلى عملية ابعاد إلى مصر , فقد أبدى عامر ورشيد العلي، وبشكل علني وشجاع، ولاءهما للسلطة العثمانية القديمة ورفضهما لسلطة الاحتلال أمام رونالد ستورس حاكم القدس البريطاني الذي كان في زيارة للبيرة , وتحول موقف الاثنين أمام ستورس إلى أسطورة :

" لما ولج الانجليز البيرة استدعوا المخاتير رشيد العلي وعامر وسئلوهم: كيف من الممكن أن شايفين العيشة،يا ترى؟ [مقارنة مع العثمانيين] نطقوا له : الحذوة الي في بسطار الجندي العثماني، بتشرف الملك جورج.... فنفاهم الى كامب فايد في مصر"

لكن احمد الشمسة الذي كان عمره 14 عاماً عندما جاء الواقعة يعطي صورة أكثر واقعية لما حدث، رغم تأكيده وغيره على عملية الإبعاد :

" جميع البلد مع الأتراك، ما عدا الأردن هذول الشرفا [ الهاشميون] ويلا إحنا هان كلنا غايتنا هجريا. يعني لحد لما دخلوا الإنجليز، أجا حاكم لوا اسمه ستورس تحت ايد المندوب[ المندوب السامي]. مخاتير بقاش بلدية إسعا، ودى [أوفد في طلب] ورا جميع المنطقة تيجي تعمل له عرابة باب الشركة [شركة النجاح]، يم صاحيها تماما. لما أجا صافين عرابا، قلهم بدكم اتقولوا لي انوه [من هو] اللي ببغض الأتراك وبحب الإنجليز، كلهم رموا روسهم[اطرقوا رؤوسهم وصمتوا] يعني اختيارية بلدنا والقضاء كله. رشيد العلي أبوسعيد الرشيد هذا حمل إصبعه، نطق له: تعال شوبتقول،يا ترى؟ نطق له: بقول أنا بكرهكم وبحب الأتراك. نطق له: ليش،يا ترى؟ نطق له ديني، ممضىي، مبدأي، انتم عدوين عليّ، كيف من الممكن أن بدي احبكم. طبل على ظهره ستورس، طبل على ظهر رشيد العلي، شكره يعني. "

يتعارض موقف رشيد العلي وعامر مع الروايتين البريطانية والرواية العربية القومية اللتين تبنيتا فكرة كره "العرب" للاتراك العثمانيين والثورة ضدهم إلى جانب الحلفاء. وبالتأكيد فإن موقف الاثنين يعبر بشكل أصدق عن مشاعر الأغلبية الصامتة في فلسطين آنذاك (الأغلبية الفلاحية المسلمة) وهوموقف سيحن إليه بدرجات مختلفة من التمايز، الشرفاء الذين انخدعوا بطلاوة لسان البريطانين وصدقوا وعودهم، ليكتشفوا أنهم استبدلوا الرمضاء بالنار.

من ناحية أخرى تلقى ظاهرة ابعاد الاثنين – وهي ظاهرة تكررت على نطاق واسع، وإن لا كنا نجدها إلا بعد استحضار ونبش الذاكرة الشفوية - الأضواء على حقيقة مجهولة، وهي عملية إبعاد زعامات وطنية محلية في فلسطين في اعقاب الاحتلال البريطاني لفلسطين نتيجة استمرار ولائها للنظام القديم. كما توضح عملية التدخل البريطاني المباشر للتحكم في بروز ونشوء وتثبيت الزعامات ليس على المستوى الوطني فحسب بل وحتى على المستوى المحلي. وهي عملية ستستمر في العهد الأردني، وستأخذ أبعادا غير مسبوقة تحت الاحتلال الاسرائيلي.

عندما أبعد الزعيمين شهدت البيرة، ولمدة قصيرة، "زعامة" انتنطقية يمكن حتى نستعير بنوع من التجاوز والتبسيط مصطلح تكنوقراطية لوصفها، حيث استلم إدارة شؤون البلد إبراهيم حنا الرفيدي، وهووجيه من عائلة مسيحية صغيرة وفدت إلى البيرة على الأغلب في القرن التاسع عشر قادمة من رفيديا (نابلس) بعد سيرة "دم"، واستجارت وأطنبت على أهل البيرة الذين كانوا أبدوا استعداداً لقبولها بعد رفض رام الله لذلك، فأصبحت تحت جناح حمولة الطويل، وجزءاً لا يتجزأ منها. (تعتبر سيرة آل الرفيدي ولجوئها للبيرة، وصعود نجم إبراهيم حنا الرفيدي أحد الفصول المهمة لفهم العلاقات المسيحية/الاسلامية في جبل القدس).

كان إبراهيم الذي توفي دون انجاب أولاد قد نال احترام أغلبية سكان القرية المسلمين، فقد كان دمثاً ومتفهما مقارنة بالأغلبية الساحقة من أقرانه الأميين. كما تميز بخطه الجميل الذي سَطَرَ به جزءا كبير من الوثائق والمعاملات العقارية في حينه (معاملات شراء وبيع ورهن الأرض، ومعاملات الإرث والزواج، الخ..) والتي كانت تعقد بين السكان. وبغض النظر عن التناقضات بين الروايات الشفهية التي تقول حتى ابراهيم عُين بعد اختياره من قبل وشيوخ البلدة، أوحتى تعيينه اتى بمبادرة السلطات البريطانية، فإن هذا التعيين استند إلى الاحترام الذي كان يحظى به لدى الطرفين (السكان والادارة البريطانية) وكفترة انتنطقية وكحل وسط بين المصالح والقوى العائلية والشخصية المتنافسة.

بعد عدة سنوات من النفي في مصر عاد رشيد العلي وعامر.... ورغم استقبالهما استقبال الأبطال فإن عملية الإبعاد أدت إلى التأثير على مكانتهما. فقد فقدا المخترة فأصبحا عاجزين عن القيام بدور الوسيط بين السكان والسلطة، وهوأحد مقومات الزعامة كما قلنا. كما حتى عملية الإبعاد عمقت من تردي وضعهما الاقتصادي الذي كان قد تراجع أصلاً نتيجة صعود القوة الاقتصادية الجديدة القادمة من أمريكا.

فما هي قيمة عشرات الدونمات التي كانوا يمتلكوها عندما أصبح أغنياء المهاجرين قادرين على شراء المئات في صفقة واحدة،يا ترى؟ وما هي قيمة رعوات الغنم الكبيرة أمام سيولة الدولارات الخضراء التي كانت تؤهل لأغنياء المهاجرين شراء عشرة أمثالها إذا أرادوا ؟ وكم هي حقيرة فرس رشيد العلي الأصيلة التي كان في ما مضى يتباهى بها في البيرة والقضاء أمام السيارات الفارهة للأغنياء من المهاجرين ،يا ترى؟

سيموت عامر مقهوراً بعد وقت قصير من عودته من المنفى إثر مقتل أحد اتباعه بضربة حجر في شجار على يد احد أنصار عبد الله جودة خلف، ممثل القوة الصاعدة الجديدة ورمزها. لقد عثر نفسه، للمرة الأولى، عاجزاً بلا حول أوقوة أمام انحياز السلطة البريطانية لصالح الزعامة الجديدة الممثلة بعبد الله جودة خلف الذي أجاد فن نسج العلاقات العامة وسياسة "إطعام الفم لتستحي العين". وما هي أيام على هذه الحادثة إلا ومات عامر مجلوطاً.... أما رشيد العلي فسينتهي به الأمر في نهاية حياته كعزيز قوم ذُل : مجرد حراث فقير.

من الآن فصاعدا (مطلع العشرينيات) وحتى نهاية الفترة المدروسة (نهاية الأربعينيات) أديرت شؤون البلد من قبل المهاجرين، وخصوصا من قبل عبد الله جودة خلف، الذي أصبح بمساعدة ودعم أخيه علي - وبغض النظر عن مسقطه الرسمي الذي تأرجح هبوطا وصعودا - الزعيم الرئيسي للبلدة خلال 35 عاما. وهوأول رئيس مجلس محلي في البيرة في العشرينيات، وأول رئيس مجلس بلدي (كانون ثاني 1952).

وبين هاتين الفترتين سيشغل عدة مرات منصب رئيس المجلس المحلي.

وهذه الظاهرة لن تقتصر على عبد الله جودة خلف.... فكل رئيس مجلس محلي أوقروي (ولاحقاً بلدي) يظهر على الساحة منذ 1920 وحتى عام 2005 سيكون مهاجرأ سابقاً للولايات المتحدة (عبد الله جودة خلف ، عيد الموسى، عيسى لصرصور، عقل محمود) أوابن لمهاجر سابق (وديع محيسن، عبد الجواد صالح ، وليد مصطفى). أما في رام الله فقد كان الياس عودة الدبيني أول رئيس بلدية لها (نيسان 1910) بفضل مال ونفوذ شقيقه يوسف عودة، أول مهاجر من رام الله وعراب الهجرة الذي نظم أول شبكة تهريب لتهجير الرجال من رام الله والبيرة، والذي طالما دعت عليه نساء البيرة في أغانيهن الحزينة عن أزقابلن وأبنائهن الرجال الذين لم يعودوا.


خلاصة

عهد حديث يطوي عهد قديم

أدت الهجرة إلى الولايات المتحدة من البيرة وقراها إلى تغيير جذري غير مسبوق في ملكية الأرض، وإلى ارتفاعٍ في معدل الحراك الاجتماعي لم يشهد له المجتمع المحلي مثيلاً من قبل. وكان من مظاهر هذا الحراك ظهور نوع حديث من الزعامة المحلية مختلفة تماماً في طبيعتها عن الزعامة المحلية التقليدية السابقة، وإحداث تفاوت طبقي كبير في مجتمعٍ كانت التفاوتات فيه قبل الهجرة محدودة. كما حتى الحراك الاجتماعي السريع الذي أحدثته الهجرة كسر الحواجز، إذ أصبحت الثروة عاملاً كافياً لاكتساب مكانة تؤهل صاحبها للصعود إلى قمة الهرم الاجتماعي.

ورغم تغير الزعامة فإن ذلك لم يعن فقدان الزعامات القديمة فقدت لاحترامها بين الناس، فكما وصفت جريدة "الدفاع" ستتحول جنازة رشيد العلي ومأتمه في كانون ثاني 1937 إلى مناسبة حزن كبير على مستوى القضاء , فقد لف جثمانه المحمول على الاكتاف بالفهم العربي وسيشارك في جنازته قائمقام رام الله والشخصيات من المجلس الإسلامي الأعلى ومندوب عن سماحة الحاج آمين الحسيني وستقوم نساء البيرة، ومنهن من مزق ثيابه في إشارة للحزن العميق، بعقد سبعة حلقات ندب ، غير حتى هذا الحماس والحزن كان مجرد ترنيمة وداع لفترة انطوت بلا رجعة ولا يريد حتى يتذكرها أحد بعد الآن.

فبعد حتى ووري التراب كان قبره البسيط المبني من الطوب الذي أقيم على ما يظهر بعد سنين يحمل تاريخاً يشير خطأً إلى وفاته قبل عشر سنين، وعلى مقربة من قبره المغمور انتصبت قبور حجرية شديدة الفخامة بنيت على النمط الأمريكي لمغتربين ناجحين.

ورغم صمت القبور الموحش فإنها كانت تحكي بصراحة وآسى سيرة التحولات الجديدة.

  • المادة مأخوذة من كتاب : أوراق عائلية؛ دراسات في التاريخ المعاصر لفلسطين، الصادر حديثا جدا عن مؤسسة الدراسات المقدسية.

والكتاب حصيلة أعمال مؤتمر (المصادر الأرشيفية والتاريخ الاجتماعي في فلسطين)، الذي عقد في جامعة بيرزيت، تموز 2008.

مدن شقيقة

  • ينگزتاون، اوهايو.
  • فورت لودرديل، فلوريدا
  • جنڤيلييه، فرنسا

انظر أيضا

  • List of Arab towns and villages depopulated during the 1948 Arab-Israeli War

المصادر

وصلات خارجية

  • Al-Bireh Municipality Website
  • تعداد البيرة
تاريخ النشر: 2020-06-04 16:53:32
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, Articles with short description, محافظة رام الله والبيرة, مدن الضفة الغربية, تاريخ فلسطين, هجرة, مدن فلسطين, مدن عربية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

البيت الأبيض يرحّب بمنافسي نتنياهو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:42
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 99%

انخفاض أسعار النفط في ظل مخاوف حول الاقتصاد الصيني

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:25
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 90%

الصين تحدد 5% بالمئة هدفا للنمو الاقتصادي في 2024

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:07
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 95%

جيف بيزوس يتصدر قائمة أغنى رجال العالم على حساب إيلون ماسك

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:28
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 100%

البنتاغون يرد على أنباء استخدامه مقاتلات "إف-35" في أوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:37
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 99%

قانون جديد لمعاقبة حراس المرمى الذين يتعمدون إضاعة الوقت

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:39
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 97%

قتلى وجرحى جراء القصف الإسرائيلي الأخير لعدة مناطق في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:36
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 90%

موسكو تحذر ألمانيا من أي تعدّ على الصحفيين الروس

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:22
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 95%

تصريح جديد من مدرب باريس سان جيرمان يثير الجدل حول مستقبل مبابي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:38
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 86%

الأمم المتحدة: تضاؤل فرص عودة السوريين في الأردن لبلادهم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:23
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 94%

هزة أرضية بقوة 5.5 درجة في إيران

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:32
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 88%

عطل مفاجئ يضرب أكبر شبكة في مصر ويعطل خدمات الاتصال والإنترنت

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:21
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 90%

السجن 16 عاما لمسرب وثائق البنتاغون

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:30
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 95%

إسرائيل تنفي رفض بايدن مكالمة من نتنياهو بعد مجزرة "شارع الرشيد"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:29
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 91%

إعدام 834 شخصا على الأقل في إيران خلال العام 2023

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:06
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 98%

نجمة كرة القدم الاسترالية كير تدفع ببراءتها من تهمة اهانة عنصرية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 09:07:05
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 85%

تحميل تطبيق المنصة العربية