الراهب بحيرى أوالراهب سرجس (سريانية: ܒܚܝܪܐ)، كان راهباً إبيونياً، نسطورياً، وربما نصورياً غنوصياً عربياً، الذي تنبأ، حسب التنطقيد الإسلامية، بنبوة محمد عندما كان صغيراً. اسمه مشتق من السيرانية bḥīrā، وتعني "الممتحن والمختار من قبل الرب".

نسبه

ورد حتى اسمه بَحيرى أوبَحيرا، وسَرجِس من قبيلة عبد القيس، وأيضا بُحيرى أوبُحيرا وأكثر المراجع المتأخرة، والتسمية الأخيرة متأخرة تماماً ومن الممكن أنها كذلك كي يعطى لحدثة غير عربية وزن مألوف ومعروف في اللغة العربية، ولم يذكر البعض اسمه كالطبري والترمذي.

أمّا معنى حدثة بحيرا بالآرامية فهوبخيرة، أي المصطفى والمختار وعليه، تكون بخيرا صفة للراهب سرجيوس، ثمّ حلّت محل اسمه في المصادر الإسلامية.

وقد ذكر أيضاً بالحبري أي العالم اليهودي من مدينة تيماء وبالراهب والسرياني أوالنسطوري من أتباع آريوس الذي كان له إطلاع على فهم الهيئة والنجوم، وكان يرفض الألوهية للمسيح وقضية التثليث، ويعترف بوحدانية الله؛ ولهذا السبب طرد من كنيسة برّية الشام، وثم من طور سيناء فاضطر للجوء إلى دير في بُصرى، حيث التقى هناك بالنبي (ص) .

من المنظور الإسلامي

تبشيره بالنبوة ولقاؤه محمد

وردت رواية لقاء بحيرا بالنبي محمد في المصادر بصورة مختلفة، وتتحدث إحداها عن اللقاء على النحوالتالي:

خرج أبوطالب في إحدى السنوات تاجراً إلى الشام وبالتحديد مدينة بصرى التجارية آنذاك، فخرج معه النبي محمد، وكان في بصرى من أرض الشام صومعة وكان فيها راهب مسيحي باسم بحيرى، وكان المسيحيون يعتقدون حتى عنده فهم المسيحية يتوارثونه جيلاً بعد جيل.

فلما كان الركب قريباً من الصومعة، لفت انتباه بحيرى- وهوفي صومعته - حتى رسول الله قد أظلته غمامة من بين الركب، ونزلوا في ظل شجرة قريباً منه، فأظلت الغمامة الشجرة، وتدلت أغصانها على رسول الله .

لما رأى بحيرى حتى الغمامة كيف من الممكن أن بسطت ظلها على محمد، والركب هبط من صومعته، وصنع لهم طعاماً كثيراً، ثم أوفد إليهم فنطق: يا معشر قريش! إني قد صنعت لكم طعاماً، فأحبّ حتى تحضروه كلكم كبيركم وصغيركم حركم وعبدكم؛ فأنتم ضيف، وقد أحببت حتى أكرمكم، وأصنع لكم طعاماً تأكلون منه.

فاجتمعوا إليه وتخلف محمد من بين القوم في رحال القوم تحت الشجرة، فنطق بحيرى: يا معشر قريش! لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي.

نطقوا له: يا بحيرى! ما تخلف عنك أحد ينبغي له حتى يأتيك، إلا غلام أحدث القوم سناً تخلف في رحالهم، فنطق: ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقام إليه رجل منهم فاحتضنه حتى أجلسه مع القوم. فلما رآه بحيرى جعل ينظر إليه بشدة، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرى.

توجه بحيرى إلى محمد:

ونطق له: يا غلام! أسألك بحق اللات والعزى الا ما أبلغتني عما أسألك عنه.

فنطق محمد: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئاً قط كبغضهما!

فنطق بحيرى: فبالله إلا ما أبلغتني عما أسألك عنه.

فنطق له: سلني عما بدا لك.

فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره، وجعل محمد يخبره، فكان يوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته. ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.

عندما فرغ بحيرى من الكلام مع محمد أقبل إلى أبي طالب:

فنطق له: ما هذا الغلام منك؟

نطق أبوطالب: ابني.

نطق بحيرى: ما بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام حتىقد يكون أبوه حيا!

نطق: فإنه ابن أخي.

نطق: فما عمل أبوه.

نطق: توفي وأمه حبلى به.

نطق: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهو، فوالله لئن رأوه وعهدوا منه ما عهدت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده.

فلما فرغ عمه من تجارته خرج به حتى أقدمه مكة.

الشبهات الواردة حول الرواية

وردت شكوك حول رواية لقاء الرسول وبحيرا بالأخص عندما يتم مقارنة تاريخ الحادثة وسن أبي بكر وبلال اللذين يصغران عن النبي ولا يستطيعان التكفل بحمايته، حيث عد هذا الجزء من الإضافات اللاحقة ودليلاً على حتى الرواية بأكملها موضوعة ومن المحتمل في رأي البعض الآخر حتى تكون هذه الحادثة قد أضيفت في ما بعد لإثبات قرب أبي بكر من الرسول، وتفضيله على بقية الصحابة.

وهناك مصادر تروي لقاء بحيرا مع محد في أثناء سفره برفقة أبي بكر إلى الشام في شبابهما، ثم رويت أحداث شبيهة بما اتى في الرواية الأولى. كان بحيرة يرى الرسول وهويرتاح تحت شجرة كثيراً ما كان النبي عيسى يتفيأ ظلالها، فيعهده ويتنبأ بنبوته. في جميع الأحوال، إذا سند هذه الرواية التي نقلها ابن مندة ، ضعيف ينتهي بابن عباس وإذا كانت هذه الرحلة قد حصلت عملاً تكون حتما الرحلة الثانية للرسول.

صار هذا اللقاء لا سيما في الآثار الجدلية للمسيحيين من جملتها لتئوفانس القسطنطيني ذريعة في أيدي الخصوم الذين ذكروه، لكي يشككوا في رسالة النبي، ويقولوا إذا التعاليم الإسلامية ما هي إلا مجموعة من الأخبار والروايات والعقائد التي سمعها عبر أسفاره المتتالية من الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين ( فهذه القضية وكذلك انتهاء الروايات كافة بأبي موسى الأشعري، الذي تأخر إسلامه سبع سنوات، أضعفت اعتبار الرواية، إضافة إلى ذلك لم يشر أحد الصحابة إلى هذه الحادثة سواه.

أصبحت المعلومات القليلة والمتناثرة وغير المسندة حول هوية بحيرى وحياته موضع شك، حتى حتى البعض عده شخصية أسطورية غامضة يحيط بها الإبهام. مع ذلك كله، فإن معظم كتّاب السيرة منذ القديم ومؤرخوتاريخ الإسلام وحياة الرسول قبلوا الحادثة بشكل عام، ويزيد من إمكانية حدوثها وشهرتها لدى "أصحاب المغازي".

التنبؤ بخلافة أبي بكر

اتى اسم بحيرى في رحلة الرسول التجارية إلى الشام برفقة ميسرة، غلام خديجة عليها السلام في 16 ذي الحجة من العام الخامس والعشرين بعد عام الفيل، وفي خلال هذا اللقاء لم يتنبأ بحيرى بنبوة الرسول فقط مع تفاصيل مشابهة، ولكنه تنبأ بخلافة أبي بكر أيضاً مع الشبه المذكور في محتوى الحوار ومحل الحادثة، وقد ذكر ابن سعد والسيوطي حتى اسم الراهب "نسطور"، وأشار الطبري إلى هذه الرحلة، لكنه لم يذكر اسم الراهب، كما غاب اسم بحيرا ودوره ولقاؤه بالرسول تماما عن رواية محمد بن عبد الله بن عمر حول هذه الرحلة.

ذكر اسم بحيرى ضمن مجموعة الرجال الثمانية من أهل الشام الذين عادوا مع جعفر من الحبشة بعد غزوة خيبر، وإذا كان هذا الشخص موجوداً عملاً بينهم، فمن المؤكد أنه غير الراهب بحيرا، وقد صرّح ابن حجر العسقلاني ( 1328 هـ ) وابن الأثير بهذا المعنى أيضاً.

من المنظور المسيحي

ما اتى حول بحيرى في النصوص المسيحية فهوالتالي: أنه بعد نزول الوحي، ومشاهدة خديجة عليها السلام ما أصاب الرسول من اضطراب، مضىت إلى هذا الراهب للاستفسار عن ذلك، فطمأنها إلى أنّ الوحي قد تنزل عليه، وهدّأها.

كما اتىت روايات مفصلة عن بحيرا في مكاشفات بحيرا التي دونها آشوعيب في القرنينخمسة و6 هـ/ 11 و12 م، بشكلها الحالي. وفي هذه الروايات حديث عن لقاء سرجيوس بحيرا بالرسول في جبل سيناء، وعن محاورته محمدا الشاب في يثرب، وادّعاء حتى هذه الرسول.

في عصر الحروب الصليبية ترجمت نصوص متعلقة ببحيرا باللاتينينة، ولكن حتى قبل هذا التاريخ أيضاً، هناك شواهد تاريخية متوفرة في الأشعار والنصوص التي تشير إلى معادة الرسول والإسلام.

كان الهدف الأصلي من وراء هذه النصوص حتى ينسب فهم الرسول على العكس مما يذكره القرآن، ويراه المسلمون إلى تعاليم رجل حكيم.

المراجع

• Maulana Muhammad Ali (2002), The Holy Qur'an: Arabic Text with English Translation and Commentary, New Addition, Ahmadiyya Anjuman Isha’ at Islam Lahore Inc., Ohio, USA.
• Osman Kartal (2009), The Prophet’s Scribe Athena Press, London (a novel)
• B. Roggema, The Legend of Sergius Baḥīrā. Eastern Christian Apologetics and Apocalyptic in Response to Islam (The History of Christian-Muslim Relations. Texts and Studies 9; 2008) (includes editions, translations and further references).
• K. Szilágyi, Muhammad and the Monk: The Making of the Christian Baḥīrā Legend, Jerusalem Studies in Arabic and Islam 34 (2008), in press.
• Abel, A. (1935) “L'Apocalypse de Bahira et la notion islamique du Mahdi” Annuaire de l'Institut de Philologie et d'Histoire Orientale III, 1-12. Alija Ramos, M.
• Griffith, S. H. (1995). "The legend of the Monk Bahira; the Cult of the Cross and lconoclasm". In P. Canivet & J-P. Rey (eds.). . 79. Oriens Christianus. pp. 146–174. ISSN 0340-6407. OCLC 1642167.CS1 maint: uses editors parameter (link)
• Griffith, S. H. (January 2000). "Disputing with Islam in Syriac: The Case of the Monk of Bêt Hãlê and a Muslim Emir". Hugoye: Journal of Syriac Studies. 3 (1). Archived from the original on 2006-07-16.

المصادر