الخِذْلَان لغةً:

الخِذلان (بكسر الخاء لا بضمها كما يُخطئ بها الكثيرون) مصدر خَذَل يَخْذُل خَذْلًا وخِذْلَانًا، وهوهجرك نُصْرة أخيك وعَوْنَه، والخَاذِل: ضدُّ النَّاصر،والتَّخْذِيل: حَمْل الرَّجل على خِذْلَان صاحبه، وتَثْبِيطُه عن نُصْرَته، وأصل هذه المادة يدلُّ على تَرْك الشَّيء والقُعود عنه.

وخِذْلَان الله تعالى للعبد: ألَّا يعصمه مِن السَّيِّئة، فيقع فيها. .

والخِذْلَان اصطلاحًا:

نطق الرَّاغب: (الخِذْلَان: هجر مَن يُظنُّ به حتى ينصرَ نصرَتَه).

ونطق النَّوويُّ: (نطق الفهماء: الخَذْل: هجر الإعانة والنَّصر).

ونطق الشوكانيُّ: (الخَذْل: هجر الإغاثة) .

الخذلان في الشرع

ذمُّ الخِذْلَان في القرآن الكريم

• نطق تعالى (في سورة الإسراء):  لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا  .

نطق ابن كثير: (مَّخْذُولاً لأنَّ الرَّبَّ تعالى لا ينصرك، بل يَكِلُك إلى الذي عبدت معه، وهولا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا؛ لأنَّ مالك الضرِّ والنَّفع هوالله وحده لا شريك له).

• نطق تعالى (في سورة الشمس):  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا  .

(نطق ابن زيد: جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إيَّاها للتَّقوى، وخِذْلَانه إيَّاها للفجور.

• نطق تعالى (في سورة القيامة):  كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ  وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ  .

نطق الغزَّالي: (فعبَّر عن المخذولين بقوله تعالى: ((كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ)) .

• نطق تعالى (في سورة الفرقان):  وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا  لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا  .

نطق ابن كثير: (يخذله عن الحقِّ، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه).

ذمُّ الخِذْلَان والنهي عنه في السُّنَّة النبوية

• عن أبي هريرة نطق: نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخوالمسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره)).

نطق النَّوويُّ: (وأمَّا: لا يَخْذُله. فنطق الفهماء: الخَذْل: هجر الإعانة والنَّصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ).

• وعن معاوية بن قرة نطق: سمعت النَّبيَّ يقول: ((لا يزال مِن أمَّتي أمَّة قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)).

نطق ملا علي القاري: (... ((مَن خَذَلهم)) أي: مَن هجر عونهم ونصرهم، بل ضرَّ نفسه، وظلم عليها بإساءتها).

• وعن أنس نطق: نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالـمًا أومظلومًا)). نطقوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالـمًا،يا ترى؟ نطق: ((تأخذ فوق يديه)).

ذم الخذلان في أقوال الفهماء

• عن أنس أنَّ أبا طلحة نطق: (غشينا ونحن في مصافِّنا يوم أحد، حدَّث أنَّه كان فيمن غشيه النُّعاس يومئذ، نطق: فجعل سيفي يسقط مِن يدي وآخذه، ويسقط مِن يدي وآخذه، والطَّائفة الأخرى -المنافقون- ليس لهم همٌّ إلَّا أنفسهم، أجبن قوم، وأرغبه وأخذله للحقِّ).

• نطق الغزَّالي: (فمهما سقط العبد في ذنب، فصار الذَّنب نقدًا، والتَّوبة نسيئة، كان هذا مِن علامات الخِذْلَان)

• ونطق أبوعبيدة معمر بن المثنى: (مرَّ قيس بن زهير ببلاد غطفان، فرأى ثروةً وعددًا، فكَرِه ذلك، فقيل له: أيسوؤك ما يسرُّ النَّاس،يا ترى؟ نطق: إنَّك لا تدري أنَّ مع النِّعمة والثَّروة التَّحاسد والتَّخاذل، وأنَّ مع القلَّة التَّحاشد والتَّناصر).

• ونطق الماوردي: (نطق بعض البلغاء: المخْذُول مَن كانت له إلى اللِّئام حاجة).

• قيل لمحمد بن كعب القرظي: ما علامة الخِذْلَان ،يا ترى؟ نطق: (أن يستقبح الرَّجل ما كان عنده حسنًا، ويستحسن ما كان عنده قبيحًا).
• ونطق الزمخشري: (الخِذْلان مسامرة الأماني، والتَّوفيق رفض التَّواني) .

آثار الخِذْلَان

1- انتشاره بين الناس:

نطق صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ)).

2- ضعف الإيمان:

نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).

3- سبب للهزيمة:

• نطق تعالى (في سورة الأنفال):  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ  

صور الخِذْلَان

1- خِذْلان المظلوم:

وقد عدَّها الهيتمي مِن الكبائر، ونطق: (الكبيرة السَّادسة والسَّابعة والثَّامنة والتَّاسعة والأربعون والخمسون بعد الثَّلاثمائة: ظُلْم السَّلاطين والأمراء والقضاة وغيرهم مسلمًا أوذِمِّيًّا بنحوأكل مال أوضرب أوشتم أوغير ذلك، وخِذلان المظلوم مع القُدْرَة على نصرته، والدُّخول على الظَّلَمة مع الرِّضا بظلمهم وإعانتهم على الظُّلم والسِّعَاية إليهم بباطل).

2- الخِذْلَان في الجهاد:

خِذْلَان المسلمين في الجهاد وعدم نصرتهم صفة مِن صفات المنافقين، نطق الله تعالى فيهم (في سورة آل عمران):  وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ  الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  .

وروى الطَّبريُّ بإسناده مرسلًا نطق: ((خرج رسول الله يعني: حين خرج إلى أحدٍ في ألف رجل مِن أصحابه، حتى إذا كانوا بالشَّوط -بين أحدٍ والمدينة- انخذل عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث النَّاس، فنطق: أطاعهم فخرج وعصاني، والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيُّها النَّاس،يا ترى؟ فرجع بمن اتَّبعه مِن النَّاس مِن قومه مِن أهل النِّفاق وأهل الرِّيَب، واتبعهم عبد الله بن عمروبن حرام أخوبني سلمة، يقول: يا قوم أذكِّركم الله حتى تخذلوا نبيَّكم وقومكم عندما جاء مِن عدوِّهم. فنطقوا: لونفهم أنَّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنَّا لا نرى حتىقد يكون قتال. فلمَّا استعصوا عليه، وأبوا إلَّا الانصراف عنهم، نطق: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم، ومضى رسول الله )).

3- خذلان الأخ لأخيه عند الحاجة:

نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخوالمسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره)) .

أسباب الخِذْلَان

1. ضعف الإيمان والاستعانة بغير الله.

1. طاعة الكافرين والمنافقين: نطق تعالى (في سورة آل عمران):  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ  
2. هجر التآخي: نطق الماورديُّ: (نطقت الحكماء: مَن لم يرغب بثلاث بُلِيَ بستٍّ: مَن لم يرغب في الإخوان بُلِيَ بالعداوة والخِذْلَان ..).
3. طاعة الظَّالمين: نطق تعالى (في سورة هود):  وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ  .
4. السعي وراء الدنيا وكراهية الموت.
5. العُجْـبُ: فيتكل المرء على ميزاته وينسى التوكل على الله، وقد نطق -جلَّ وعلا-(في سورة التوبة):  لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ  
6. عدم سداد الرَّأي والجُبْن: نطق ابن القيِّم: (وصحَّة الرَّأي لقاح الشَّجَاعَة، فإذا اجتمعا كان النَّصر والظَّفر، وإن قعدا فالخُذْلَان والخيبة).
7. عدم الرِّضا بالقضاء والقدر: نطق الماورديُّ: (معاند القَدَر مَخْذُولٌ).
8. بتر الأرحام: نطق الماورديُّ: (تعاطف الأرحام، وحميَّة القرابة يبعثان على التَّناصر والألفة، ويمنعان من التَّخاذل والفُرْقة).
9. التَّعلُّق بغير الله عزوجل: نطق ابن القيِّم: (فأعظم النَّاس خِذْلَانًا مَن تعلَّق بغير الله، فإنَّ ما فاته مِن مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم ممَّا حصل له ممَّن تعلَّق به، وهومعرَّضٌ للزَّوال والفوات. ومثل المتعلِّق بغير الله، كمثل المستظلِّ مِن الحرِّ والبرد ببيت العنكبوت، وأوهن البيوت).
10. القرب مِن السِّفْلَة والبعد عن ذوي الأحساب والمروءات: نطق الأبشيهيُّ: (مَن قرَّب السِّفْلَة واطَّرح ذوي الأحساب والمروءات استحقَّ الخُذْلَان).
11. التفرق والاختلاف في الدِّين، نطق تعالى (في سورة الأنفال):  وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ  .

حِكَم وأشعار عن الخِذْلان

• نطقوا: ((مَن فاز بفلان فاز بالسَّهم الأخيب.)) ~(تنطق لمِن يَخْذُل في وقت الحاجة).

• ونطق زيد الخيل :

• ونطق الشَّاعر:

حُكم الخِذْلَان

خِذْلَان المسلم لأخيه المسلم حرامٌ شرعًا، وذلك مثل حتى يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البَطْش به، فلا يدفعه، أويراه وهويرتكب مخالفة شرعيَّة ولا ينهاه، وقد عدَّه ابن حجر الهيتمي من الكبائر.

نطق المناوي: (خِذْلَان المؤمن حرامٌ شديد التَّحريم دنيويًّا كان مثل: حتى يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البطش به، فلا يدفعه، أوأخرويًّا: كأن يَقْدِر على نُصْحِه مِن غيِّه -بنحووعظٍ-، فيهجر).

لكن ينبغي تقييد وجوب نصرته وتحريم خذلانه بما إذا لم يكن هناك عذر شرعي، نطق النَّوويُّ: (نطق الفهماء: الخِذْل: هجر الإعانة والنَّصر، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ).

المراجع