مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في فرنسا، بدأت الأضواء تسلط على الكثير من الملفات والقضايا التي لطالما كانت في طي التعتيم والكتمان. وكان آخر هذه القضايا، إثارة التجاوزات والخروقات التي ارتكبتها طيلة سنوات دور رعاية المسنين التابعة مجموعة "أوربي"، وذلك دون التعرض للمحاسبة أو العقاب.

وتعهدت في هذا الإطار الجهات الرسمية، بفتح تحقيق في الأمر وتتبع القضية والكشف عن كافة المخالفات، والتي تعد من أهمها سوء معاملة المسنين الذي وصف بالعنف "المسكوت عنه".

وفي هذا الإطار قالت وزيرة الدولة المكلفة بسياسة المسنين، بريجيت بورجينون، في تصريح إعلامي لمحطة "فرانس انتر" الإذاعية قائلة : "سنقوم باستجواب المجموعة بأكملها". وتعهدت بأنها ستقوم "بالضرب بقوة"، حسب تعبيرها.

وأما على الجهة المقابلة، فقد أصرت المجموعة على نفي الادعاءات الموجهة إليها، باعتبارها مجرد "أكاذيب متحيزة"، على حد تعبيرها، وأقالت في الأثناء مديرها التنفيذي.

دور رعاية المسنين.. انتهاكات جسيمة

أكدت العديد من التقارير الاستقصائية، أن مجموعة "أوربي" لدور رعاية المسنيين في فرنسا، قد قدمت على مر السنين، مصلحتها الربحية على رفاهية المسنين ورعايتهم.

حيث وظفت الدور عدداً صغيراً من الموظفين والعاملين لديها، الذين لم يكن بإمكانهم توفير الرعاية والاهتمام الكافي للمسنين الذين هم تحت رعايتها.

وكشفت العديد من الشهادات أن الكثير منهم كان يضطر إلى الانتظار كثيراً، حتى يتوفر من يهتم به من العاملين، في الوقت الذي يعد فيه أغلبهم عاجزاً عن القيام بأي شيء وحده.

كما ادعت في السياق ذاته، العديد من التقارير، أن هذه الأماكن كانت تفتقر أيضاً إلى النظافة ويمكن أن تشتم روائح كريهة منذ الدخول إلى ممرات بعضها. وتنتشر الفضلات في أرجائها.

وأفاد تحقيق سلط الضوء بدوره في 400 صفحة على التجاوزات التي تقع في دور رعاية المسنين، تحت عنوان "Les Fossoyeurs " ، بأن أغلب المقيمين في هذه الدور يشكون أيضاً من الطعام المحدود والسيئ، كما أنه في العادة يعاني أغلبهم من الزهايمر أو أمراض مختلفة، تجعل بعضهم يكونون عنيفين وعدوانيين، فأصبحوا بالتالي عرضة لسوء معاملة الممرضين وعمال الرعاية، الذين كان عددهم أقل بكثير من التعامل مع هذه الضغوطات.

ولم يضطر ذلك كله بالرغم من سوئه، مجموعة "أوربي" إلى الزيادة في عدد طاقمها لتوفير الرعاية الللازمة، حيث إنها غلبت الربح والمصلحة المادية على مصلحة المسنين.

لقد كان الوضع مأساوياً ومؤسفاً، كما وصفه مسؤولون وحقوقيون، وكان يستدعي تحركاً سريعاً لوضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة التي تقع في حق فئة هشة من المجتمع الفرنسي.

أوربي تصر على الإنكار

بمجرد صدور تحقيق "Les Fossoyeurs" الذي فجر جدلاً إعلامياً ساخناً ودفع السلطات الرسمية إلى فتح تحقيق في الأمر، أعلن مجلس إدارة "أوربي" إقالة مديره التنفيذي إيف لو ماسن، الذي سرعان ما بدأ ببيع أسهم، تحسباً لأصداء وتداعيات الفضيحة، وعين مكانه فيليب شارييه مديراً تنفيذياً لـ"أوربي".

وبمجرد استلامه المنصب الجديد، جرى استدعاء شارييه، من قبل الوزيرة المنتدبة للحكم الذاتي للمسنين، بريجيت بورغينيون، لحضور جلسة استماع يوم الثلاثاء 1 فبراير/شباط الجاري. وأعربت الوزيرة عن أسفها وغضبها من كواليس الجلسة قائلة " أوربي لا تزال تواصل الإنكار، حتى إن المدير الجديد لديه تفسيرات لكل شيء، ولديه دليل على كل شيء". وأكدت بورغينيون أن الأجهزة الرسمية ستواصل التحقيق في القضية.

وعلى ضوء تزامن هذه القضية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فقد أصبح هذا الملف بدوره موضوع تنافس بين العديد من التيارات والمرشحين، الذين أبدوا عزمهم على محاسبة المتورطين في ممارسة سوء معاملة المسنين أو التعتيم عليه.

كما شددت المنظمات الحقوقية، والعديد من الوسائط الإعلامية، على ضرورة محاسبة "أوربي" فيما ترتكبه من خروقات في حق فئة ضعيفة من المجتمع، لا تملك في الواقع من يدافع عنها أو يهتم بأمرها.

TRT عربي