العادات الإجتماعية في مصر القديمة

عودة للموسوعة

العادات الإجتماعية في مصر القديمة

كانت مصر القديمة حضارة ذات تقدم كبير وخاصة من الناحية الإجتماعية والأخلاقية فقد كان مستوى الرقي لم يضم فقط الطبقة العليا وإنما أيضا إمتد إلى طبقة الشعب العادية ولنأت بشئ من التفصيل لبعض الصفات الأخلاقية الشخصية ونوعية الألعاب التي كانوا يلهون بها والمظهر الخارجي للرجال والنساء ونوعية الأصباغ والأدهان التي كانوا يستخدمونها سواء لزنة أوللطب أوحتى للطقوس الدينية ، وكذلك الملابس والحلي التي كانوا يستعمولنها. إذا شئنا حتى نستعيد في مخيلتنا صورة من الأخلاق الشخصية للمصريين الأقدمين ، وجدنا حتى ليس من السهل حتى نفرق بين هذه الأخلاق كما نقرأ عنها في آدابهم وبين ما كان يحدث في الحياة الواقعية. فما أكثر ما نقرأ عنه من العواطف النبيلة في كتاباتهم. من ذلك ما خطه أحد الشعراء ينصح مواطنيه:


أطعم الخبز لمن لا حقل له.

وإهجر ورائك ذكراً طيبا يبقى أبد الدهر.


وكثيراً ما يسدي بعض الكبار إلى أبنائهم نصائح حميدة ، ففي المتحف البريطاني بردية تعهد بإسم : "حكمة أمنحوتب" (حوالي 950 ق.م) وهي تُعِد أحد الطلاب لتولي منصب عام بطائفة من النواهي لا يبعد قط حتى كان لها أثر في واضع "أمثال سليمان" أوواضعيها:


لا تطمع في ذراع من الأرض،

ولا تعتد على حدود أرملة...،

وإحرث الحقل حتى تجد حاجاتك ،

وخذ خبزك من بيدرك ،

وإن قدحا من الحب يعطيكه الله

لخير من خمسة آلاف تنالها بالعدوان...،

وإن الفقر بيد الله

لخير من الغنى في المخازن؛

وإن الرغيف والقلب مبتهج

لخير من الغنى مع الشقاء...").

على حتى ما تحويه هذه الآداب من دلائل التقوى والصلاح لم يحل دون المطامع البشرية. ولم يكن المصريون الأقدمون إلا خلقاً ، لهم ما لسائر الخلق من مطامح. لقد وصف أفلاطون الآثينيين بأنهم محبون للفهم، والمصريين بأنهم محبون للثروة. ولعل في هذا الوصف كثيراً من المغالاة دفعته إليها النعرة الوطنية، ولكنا لا نعدوالحقيقة إذا قلنا حتى المصريين هم أمريكيوا العالم القديم. فهوقوم مولعون بضخامة الحجم ، يحبون المباني الفخمة الكبيرة ، وهم مجدون نشيطون جماعون للثروة ، عمليون حتى في خرافاتهم الكثيرة عن الدار الآخرة. وهم أشد الأمم الماضية إستمساكا بالقيم ، لم تتبدل حالهم رغم ما طرأ عليهم من أحداث ؛ وظل فنانوهم يقلدون ما جرى به العهد القديم تقليدا كأنه أمر من أوامر الدين ، إذا نظرنا إلى آثارهم بدا أنهم قوم واقعيون لا يعنون بالسخافات التي لا صلة لها بالأمور الدينية. ولا يقدرون الحياة تقديرا أساسه العاطفة ، يقتلون وضميرهم مستريح لأنهم لم يعملوا ما يخالف الطبيعة البشرية. ولقد كان الجندي المصري يبتر يمين العدووالمقتول أوعورته ويأتي بها إلى المحرر المختص ليسجل له عمله هذا في صحيفة حسناته. وفقد الناس في عهد الأسر المتأخرة عاداتهم وصفاتهم الحربية لطول ما أخلدوا إلى الأمن في الداخل وإلى السلام فيما عدا الحروب البعيدة عن ديارهم ؛ وكانت نتيجة هذا حتى فئة قليلة من جنود الرومان إستطاعت حتى تسيطر على مصر كلها.

ولما كان أكثر ما نعهده عن المصريين مستمدا من الآثار التي كشفت في مقابرهم أوالنقوش التي على جدران هياكلهم ، فقد خدعتنا هذه المصادفة المحضة فبالغنا فيما كانوا يتصفون به من جد ووقار. والحق حتى بعض ما خلفوه من تماثيل ونقوش ، ومن قصص هزلية عن آلهتهم، ليشهد بأنهم كانوا على جانب غير قليل من المرح والفكاهة ، وقد كان لهم كثير من الألعاب والمباريات العامة والخاصة مثل الداما والنرد ، وكانوا يقدمون اللعب والدمى لأطفالهم كالبلي والكرة والنطاطة والخذروف ، وكانوا يعقدون مباريات في المصارعة والملاكمة وصراع الثيران ، وكان خدمهم يمسحون لهم في أعيادهم ونزهتهم أجسامهم بالزيوت. وكانوا يضعون على رؤوسهم أكاليل الزهر ويسقون الخمور تقدم لهم الهدايا، ونستطيع إستنادا إلى ما لدينا من رسومهم الملونة وتماثيلهم حتى نصورهم خلقا أقوياء الأجسام ، مفتولي العضلات ، عريضي المناكب ، مستدقي الخصور ، ممتلئي الشفاه، منبسطي الأقدام لإعتيادهم الحفاء. وهذه الرسوم والتماثيل تمثل الطبقات العليا النحيفة القوام ، طويلة في هيبة ، ذات وجوه بيضاء وجباه منحدرة منتظمة، وأنوف طويلة مصفحة، وعيون نجل ، وكانت بشرتهم بيضاء وقت مولدهم (تشهد بأنهم من أصل آسيوي لا إفريقي)، ولكنها سرعان ما تلفحها شمس مصر فتسمر. وقد جرى العهد بين الفنانين المصريين على حتى يرسموا الرجال حمرا والنساء صفروات ؛ ولربما كان هذان اللونان مجرد طرازين من الزينة للرجال والنساء. هذا شأن الطبقات العليا ، أما الرجال من عامة الشعب فكان يمثل بالصورة التي نراها في تمثال شيخ البلد ، قصير القامة ، ممتلئ الجسم ، كاسي القصب ، وذلك لطول كده وطعامه غير المتزن. وكانت ملامحه خشنة، وكان أفطس الأنف أخشمه، ذكيا ولكنه خشن الطباع. ولربما كان الشعب وحكمه من سلالتين مختلفتين ، شأنهم في هذا شأن كثير من الشعوب: فلعل الحكام كانوا من أصل آسيوي وعامة الشعب من أصل إفريقي. وكان شعرهم أسود، أحجن في بعض الأحيان، وقلما كان قَطَطاً. وكان النساء يقصصن شعورهن كأحسن ما يقصصنه في هذه الأيام؛ وكان الرجال يحلقون لحاهم ويخفون شواربهم ويزينون أنفسهم بشعور مستعارة فخمة.

وكثيرا ما كانوا يقصون شعر رأسهم ليسهل عليهم لبس هذه الشعور المستعارة. وحتى زوجة الملك نفسها كانت تقص شعرها كله ليسهل عليها لبس التاج والشعر الملكي المستعار (كما ترى هذا في صورة تي أم إخناتون). وكان من المراسم التي لا يستطيع الملك الخروج عليها حتى يلبس أكبر ضفيرة مستعارة. وكانوا يستعينون بفنون التجميل على إصلاح عيوب أجسامهم جميع منهم حسب موارده. فكانوا يحمرون أوجههم وشفاههم ، ويلونون أظافرهم ، ويدهنون أعضاء أجسامهم بالزيت ، وحتى تماثيل المصريات كانت تكحل عيونها. وكان ذوواليسار منهم يضعون في قبور موتاهم سبعة أنواع من الأدهان ونوعين من الصبغة الحمراء. وقد وجدت بين آثارهم كميات كبيرة من أدوات الزينة ، والمرايا ، والمواسي ، وأدوات تجعيد الشعر ، ودبابيسه، والأمشاط ، وصناديق الأدهان ، والصحاف والملاعق- مصنوعة من الخشب ، أوالعاج ، أوالمرمر ، أوالبرونز ، ذات أشكال جميلة تتفق والأغراض التي تستخدم فيها. ولا تزال بعض أصباغ العيون باقية في أنابيبها إلى يومنا هذا ، وليس الكحل الذي تستعمله النساء في هذه الأيام لتزيين حواجبهن ووجوههن إلا صورة أخرى من الزيت الذي كان المصريون يستخدمونه في غابر الأيام. وقد وصلت إلينا هذه العادة عن طريق العرب ، وإشتق من اسمه العربي الكحل لفظ الكحول الذي نستخدمه الآن. وكانت العطور على إختلاف أنواعها تستخدم لتعطير الجسم والثياب ، كما كانت المنازل تبخر بالبخور والمر.

وسارت ملابسهم في جميع مراحل التطور من عرى البدائيين إلى أفخم ملابس عصر الإمبراطورية. ففي أول الأمر كان الأطفال ذكورا وإناثا يظلون حتى الثالثة عشرة من عمرهم عراة الأجسام إلا من الأقراط والقلائد. غير حتى البنات كن يظهرن شيئاً من الخفر الخليق بهن فيتمنطقن بمنطقة من الخرز في أوساطهن. وكان الخدم والزراع يقتصرون على بترة من القماش تستر عوراتهم. فلما كان عهد الدولة القديمة كان الأحرار من الرجال والنساء يسيرون وأجسامهم عارية من فوق السرة ، مغطى ما تحتها إلى الركبة بإزار قصير ضيق من الكتان الأبيض. ولما كان الحياء وليد العادة لا الطبيعة فإن هذه الثياب البسيطة كانت ترضي ضمير هؤلاء القوم ، كما كان الإنجليز في العصر الفكتوري يرتضون النُّقبة (الجونيلا) والخصار أوثياب السهرة التي يلبسها الرجال من الأمريكيين في هذه الأيام. وما أصدق القول المأثور: "ليست فضائلنا إلا معاني تخلعها الأيام على الأفعال والعادات". وحتى القساوسة أنفسهم في عصر الأسر المصرية الأولى كانوا يكتفون بستر عوراتهم كما نشاهد ذلك في تمثال رنوفر. فلما زادت الثروة كثرت الملابس ، فأضافت الدولة الوسطى إزارا ثانيا فوق الإزار الأول وأكبر منه ، وأضافت الدولة الحديثة غطاء للصدر ودثارا للكتفين كان يلبس من حين إلى حين. وكان سائقوالمركبات وسائسوالخيل يرتدون حللاً فخمة كاملة ويعدون في الشوارع بحللهم هذه ليفسحوا الطريق لمركبات أسيادهم. ونبذت النساء المئزر الضيق في عصور الرخاء المتأخرة وإستبدلن به ثوباً فضفاضاً ينزل من الكتفين ويربط بمشبك تحت الثدي الأيمن. وظهرت الأثواب المطرزة ذات الأهداب المتنوعة التي لا يحصى عديدها ، وتسربت الأنماط والطرز الحديثة إلى البيوت تسرب الأفاعي لتفسد على أصحابها جنة العري البدائية. وكان الرجال والنساء سواء في الشغف بالحلي والزينة ، فكانوا يحلون بالجواهر أعناقهم، وصدورهم، وأذرعهم ، ومعاصمهم ، وأرساغهم. ولما عم الرخاء البلاد وزاد ثراء أهلها بما اتىها من خراج أملاكها في آسيا ، ومن مكاسب تجارة بلاد البحر الأبيض المتوسط ، وأصبح التحلي بالجواهر مطلباً يهواه جميع المصريين ، ولم يعد ميزة للطبقات الموسرة ؛ فكان لكل محرر وتاجر خاتمه المصنوع من الفضة أوالمضى ، ولكل رجل خاتم في إصبعه، ولكل امرأة قلادة تزينها. وكانت هذه القلائد من أنماط لا حصر لها كما يشير على ذلك ما نراه منها اليوم في المتاحف؛ فمنها ما لا يزيد طوله على بوصتين أوثلاث بوصات ، ومنها ما يبلغ طوله خمسة أقدام ؛ ومنها ما سميك ثقيل ، ومنها ما يضارع "أجمل مخرمات مدينة البندقية خفة وليناً". وأضحت الأقراط في عهد الأسرة الثامنة عشرة حلية لا غنى عنها. فكان لا بد لكل إنسان حتى تخرق أذنه لتحلى بقرط ، ولم تختص بالأقراط النساء والبنات بل كان يتحلى بها أيضا الأولاد والرجال. وكان الرجال والنساء على السواء يزينون أجسامهم بالأساور والخواتم والأنواط والقلائد من الخرز والحجارة الثمينة. وملاك القول حتى نساء مصر القديمة لن يتفهمن منا شيئا عن أدهان الشعر والوجه والجواهر لوأنهن بعثن بيننا في هذه الأيام.


المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)


تاريخ النشر: 2020-06-04 04:18:50
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, قدماء المصريين

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

محمد سليمان عبدالمالك: تحويل عمل أدبى إلى مسلسل ليس «مخاطرة»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:42
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

توقيف ألماني مبحوث عنه دوليا بمطار طنجة الدولي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:24
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 83%

رابط الاستعلام عن نتيجة قرعة حج السياحة ٢٠٢٣

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:48
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

توجيه مهم من وزير التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:49
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

إجراء الفحص الطبي لـ176 ألفا من راغبي الزواج خلال شهرين

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:22
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

كهربا وتاو يقودان هجوم الأهلى أمام الرجاء فى دورى أبطال إفريقيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:44
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

الموعد الرسمي لإجازة عيد العمال 2023 للقطاع العام والخاص

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:48
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

موعد مباراة برشلونة اليوم في الليجا بالتوقيت الصيفي 2023 

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:53
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

ميلان يخطف تعادلا صعبا مع روما بالدوري الإيطالي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:54
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

الركراكي يسعى لضم 4 أسماء تنشط بالخليج لتشكيلة الأسود

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:27
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 75%

بعد نجاح موسم عيد الفطر.. أفلام جديدة فى مايو

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:42
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

مواعيد عمل البنوك بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-29 21:20:47
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

تحميل تطبيق المنصة العربية