"الاستثنائى".. عمر خيرت يعترف: تعلمت البيانو من والدى وعشت متمردًا.. وحلمت بالتلحين لأم كلثوم

مراحل حياته تشبه درجات السُلّم الموسيقى، فقد صعد عليها من الأسفل حتى ارتقى إلى أعلى درجات الصفاء والتجلى الفنى، أخلص للمزيكا ومنحها من روحه، فأبدع لنا أجمل الألحان التى تطرب الآذان، وتريح الأجسام من القلق والتوتر.

إنه عمر خيرت، الموسيقار الكبير الذى اختارته جائزة الشيخ زايد للكتاب شخصية العام الثقافية، لدوره الكبير فى إمتاع الجمهور العربى بأعذب الألحان وأجمل المعزوفات.

فى السطور التالية نستعرض مراحل من حياته ومسيرته الفنية، استنادًا إلى كتابه «المتمرد.. سيرة حياة عمر خيرت»، الذى حرره الكاتب الصحفى محمد الشماع، والذى يرصد خلاله سيرته الذاتية. 

دو

فى ١١ نوفمبر ١٩٤٨، كانت الصرخة الأولى للرضيع عمر خيرت، وكان يومًا مليئًا بالأحداث الفنية، ففيه صدر فيلما «عنبر» و«بنت حظ»، وصدر كتاب «مولد فيلم» وهو أول كتاب يشرح مراحل صناعة الفيلم.

والفن لدى عمر خيرت لم يكن اختياريًا، كأنه جين متأصل داخل دمائه، فقد ولد لعائلة فنية، الجد الأكبر فيها كان خطاطًا وفد إلى مصر عام ١٨٥٠، وعمه كان الموسيقار أبوبكر خيرت، كما عاش فى بيت فنى وتربى على كل ما هو فنى.

يحكى عمر خيرت فى كتابه عن تلك العائلة، بقوله: «أبى تزوج من السيدة عقيلة إبراهيم حمودة، وكانت والدتها نعمات بنت محمود باشا طاهر (ألبانى)، أما والدها فكان إبراهيم حمودة عمر مرزوق، وهو تونسى من مدينة جربة».

ويتابع: «غادرت منزل شارع خيرت وأنا طفل ٦ سنوات تقريبًا، لكنى أذكر كل تفاصيله بشكل دقيق، من خلال الأحداث الجميلة التى عشتها فى طوابقه، ومدخله الرائع ذى الفسقية حيث كنت ألعب أنا وأشقائى فى حوش البيت، لدرجة أننى أتذكر أننا أقمنا فيه أول مسرحية من خشبة وستار، ودعونا الكثير من أهل الشارع ليشاهدوها».

رى

على الرغم من عمل والده موظفًا بوزارة الأوقاف، فإن الموسيقى كانت شيئًا أساسيًا فى حياة الأسرة، كان الوالد حريصًا على أن يعزف على البيانو كل صباح، والولد الصغير عمر يراقب عزف والده. وكان الأب يوجّه ابنه فى الموسيقى وكأنه يدس النغم فى أذنيه، ويحكى عن ذلك بقوله: «أستطيع القول إن أبى هو الذى جذب انتباهى للموسيقى، حيث كنت أقف إلى جواره طفلًا فى الخامسة من عمرى وهو يعزف مقطوعات لكبار الموسيقيين العالميين مثل شوبان وبيتهوفن، علقت فى ذهنى كل هذه المقطوعات وحاولت أن أعزفها».

وأحب الولد الصغير الموسيقى، وظل يقلد والده فى العزف، حتى جاء اليوم الذى أعلن للكل عن موهبته، فيقول: «بدأت وقتها محاولات اللعب بأصابعى على البيانو، كانت المفاجأة أن كل من بالمنزل استمعوا إلىّ، وأدركوا أننى أستطيع فى هذا العمر المبكر أن أعزف لعتاولة الموسيقى العالمية، ولأبى ولعمى الموسيقار أبوبكر خيرت، وأدركوا جميعًا أننى فى هذه السن أستطيع العزف على الآلة المحببة لنا جميعًا، البيانو، وبدقة مبهرة».

مى

أبوبكر خيرت، عم الصبى، كان مثله الأعلى، وكان ينظر إليه وهو يعزف فى الأوبرا ويتخيل نفسه وهو يمسك بعصا المايسترو ويطوحها فى الهواء.

ويحكى «عمر» عن ذلك بقوله: «عمى أبوبكر كان المثل الأعلى لى منذ صغرى، وعندما كنت أشاهد حفلاته فى الأوبرا كنت أتمنى أن أكون مثله، لم يكن مثلًا أعلى لى فى الفنون والموسيقى فقط، بل كإنسان أيضًا، أستطيع القول إننى سلكت نفس الطريق تقريبًا إنما بأسلوبى الخاص».

فا

كانت فرقة «ريد جيتس»، التى انضم إليها «عمر» للعزف على الدرامز، مثار إعجاب حقيقى له، ومثالًا على تمرده على الآلة التى أحبها عمه وهى البيانو، وحتى على حلمه فى أن يكون حارس مرمى.

ودخل الكونسرفتوار، وهناك التقى الفنان عزت أبوعزف والفنان وجدى فرنسيس، وأثمرت صداقتهم عن تكوين فرقة Les petits chats، وانضم إليهم فريدى رزق عازفًا على الجيتار.

وكانت الموسيقى تشبه أصحابها، متمردة على السائد، وراح عمر خيرت يعزف معهم على الدرامز، وليس البيانو، لسبب بسيط يعبّر عنه بقوله: «لأن مدرس البيانو الذى كنت أدرس على يديه كان يحظر علىّ العزف على البيانو إلا فى الأعمال الكلاسيكية».

ويتحدث عن نجاحات الفرقة، قائلًا: «قدمنا حفلًا تاريخيًا فى أوتيل عجمى بالاس، يومها شعرت بأننا نقدم ثورة موسيقية، وبعد صيف ٦٧ التحق بالفرقة عازف الجيتار الشهير عمر خورشيد، ونشأت بيننا علاقة صداقة وطدها الزمن».

صول

فى أواخر السبعينيات كانت فاتن حمامة فى عز مجدها، وكان عمر خيرت مغرمًا بها، وكان يقابلها وعائلتها دائمًا عن طريق صداقته بكمال القريعى، زوج نادية ذوالفقار ابنة سيدة الشاشة العربية.

وحدث أن دعاه «القريعى» لحفل عيد زواج الدكتور محمد عبدالوهاب وفاتن حمامة بفندق «هيلتون»، وطلب منه العزف على البيانو، وعزف بشكل رائع، وتحدثت معه على إثر ذلك فاتن حمامة وصارحته برغبتها فى العمل معه، فألّف موسيقى برنامج «قطرات الندى» وكانت سيدة الشاشة تلقى خلاله أشعار الكبار.

يحكى: «فى عام ١٩٨٣ وضعت الموسيقى التصويرية لمسرحية (فوت علينا بكرة) إخراج سعد أردش، وافتتح بها مسرح الطليعة، ثم كانت المفاجأة المدوية إذ طلبتنى السيدة فاتن لكى أضع الموسيقى التصويرية لفيلم (ليلة القبض على فاطمة) إخراج هنرى بركات، وكان الفيلم عودة لسيدة الشاشة بعد توقف خمس سنوات، وكان مثل القنبلة».

ويتابع: «طُرح اسم عمر خيرت على التتر، وكانت العظمة فى أن الجمهور طلب موسيقى الفيلم، فطُرحت فى شرائط كاسيت تحمل صورة فاتن حمامة».

كما وضع الموسيقى التصويرية لفيلم «الخادمة»، قصة نجيب محفوظ وسيناريو مصطفى محرم، وبعد ذلك وضع موسيقى «بحر الأوهام» و«خلى بالك من عقلك»، وبدأ يعزف تلك الموسيقى فى حفلاته.

لا

وضع عمر خيرت الموسيقى التصويرية لمسلسل «غوايش»، وهو المسلسل الذى أحبه الجمهور، وفى عام ١٩٨٨ قدّم موسيقى لـ«باليه النيل»، وبعدها قدم المشروع الأهم «العرافة والعطور الساحرة» لراقصة الباليه الكندية الشهيرة ديانا كالنتى، واعتز به للغاية.

وراح «خيرت» ينتشر أكثر، ليضع موسيقى الكثير من أفلام شريف عرفة ويوسف شاهين وأعمال يحيى الفخرانى الدرامية، وكان العمل الأهم بالنسبة له هو مسلسل «الجماعة» لوحيد حامد، ويحكى عن ذلك بقوله: «لم أكتفِ بتسليم الموسيقى فقط لكننى كنت مشغولًا بتركيب موسيقى كل حلقة بمفردها، وجميل أن الموسيقى ساعدت فى توصيل رسالة العمل للجمهور، وأعتبرها بمثابة موسيقى لتسعة أفلام دفعة واحدة، والمسلسل من أهم الأعمال التاريخية فى الدراما المصرية، فنحن قبل الجماعة لم نكن نعرف شيئًا عن الإخوان».

سى

يكشف كواليس تكليفه بتقديم موسيقى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، حيث تلقى اتصالًا من الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس السابق، ليخبره بتكليفه بالأمر.

يقول: «كنت سعيدًا لأن الافتتاح الأول للقناة كان بموسيقى الموسيقار الإيطالى فيردى، وسعادتى كانت كبيرة بأن موسيقيًا مصريًا سيقدم الحفل، وأتصور أن القيادة المصرية أرادت القول للعالم إننا نملك فنانين لا يقلون عنكم، وكان تكريمًا عظيمًا لى من بلدى مصر».

ويحكى أيضًا عن سعادته بإشادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بعزفه فى حفل «قادرون باختلاف»، قائلًا: «تقدير الرئيس عبدالفتاح السيسى لى فى حفل (قادرون باختلاف)، الذى عزفت فيه أواخر ٢٠١٥، من بين أهم الأشياء التى حدثت فى حياتى».

ويضيف: «حققت فيه حلم العازف أحمد هانى من ذوى الهمم، الذى تمنى أن يعزف أمامى، وكلمات الرئيس: (بشكر المايسترو العظيم عمر خيرت والله دايمًا بتسعدنا وتشرفنا)، وسام على صدرى».

ويواصل: «كان نفسى ألحن لأم كلثوم وحليم وأحضر حفلًا للموسيقار الألمانى جون ويليامز، وأفتقد أصدقاء طفولتى، وقبل أى حفل أقرأ الفاتحة والمعوذتين، ومستحيل أن أعتزل الفن لأنه أجمل مسئولية أحملها فوق رأسى».

تاريخ الخبر: 2023-06-06 21:21:44
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:24:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:24
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية