لم يصدمني المرض ولكن… (٢)
لم يصدمني المرض ولكن… (٢)
لم يصدمني المرض فعلا مع خطورته, ربما لأني بلغت من العمر أجمله وأصبحت من المعمرين, وحققت بعض الإنجازات في حياتي أعتز بها. ووقعت في حوار مع الخالق العظيم, جل جلاله, شعرت أن حياتي كانت يمكن أن تنتهي عند هذا القدر, بدلا من المرض والعمليات الجراحية, وتقطيع أجزاء من جسمي و.. و.. و.. قلت للخالق العظيم.. ألم يكف هذا العمر مع هذا الجهد وأنا أتحاور مع الخالق العظيم, فقد تفضل وخلق لنا عقلا مستنيرا حتي يستطع أن يكون هاديا لنا في حياتنا, وهذه إرادته, له المجد, واعتقد أن حبه للإنسان الذي خلقه هو الذي جعله يخلق له هذا العقل العظيم الذي ساعده كثيرا في حياته.
ثم قلت لنفسي وهل أعطي لنفسي الحق في التدخل في إرادة الخالق العظيم, وأنا المخلوق البسيط الضعيف؟ وهو خالق الكون والعالم وكل الدنيا؟ ثم قالت لي نفسي.. أنت تفعل ذلك وتجرؤ لأنك تعرف أنه يحبك ويريد لك حياة سعيدة, ألم يفرق بينك وبين كل المخلوقات الأخري بهذا العقل الرشيد الذي استطاع به أن يعمرالعالم ويحقق الحضارة التي تتمتع بها.
ألسنا نقول إن الله محبة فعلا؟
وتذكرت في هذه اللحظات, صديق عمري أبو الفلسفة سقراط, الذي ساهم في تطور عقلي وتقدم فكري منذ كنت صبيا أدرس مادة الفلسفة في المرحلة الثانوية والذي جعلني أفكر جيدا وأحترم فكر كل إنسان مهما اختلف مع فكري, لأن الإنسان يحترم لكونه إنسانا أولا. وشعرت أنني بالغت في حبي للخالق العظيم, وأنني كان يجب علي أن أخضع لمشيئته أولا فهو الخالق العظيم ومشيئته الفيصل مهما كان حبي له وإيماني بإرادته هو النهاية.. وشعرت أن ما كتبته في المقال السابق وهو تجرؤ زايد علي حبي له. فهو الخالق العظيم وهو الذي يحدد الأعمار…
… ثم قلت لنفسي: ربما الخالق العظيم القدير يريد لي عمرا آخر وحياة أخري, ومن هنا فليس من حقي أن أتدخل في ذلك فهو الخالق العظيم له كل المجد والقوة والعظمة. لتكن إرادتك يارب الكون. وسلمت إرادتي لله خالقي ليتصرف في حياتي كما يشاء فهو خالقي وما يختاره لي أفضل بلا شك.
وبدأ التفاؤل يتسرب إلي نفسي والأمل في إجراء العملية بنجاح يداعبني, وظهرت مشكلة جديدة طلب الأطباء تأجيل إجراء العملية أكثر من مرة, وفي المرة الأخيرة أجل إجراء العملية شهرا كاملا!!.
كانت تأجيل إجراء العملية شهرا كاملا صدمة كبيرة لي, فأنا أعاني من وجود مرض سرطاني خبيث في جسدي وتأجيل إجراء العملية يعني إعطاء المرض فرصة كبيرة في الانتشار والموت. واتصل صديقي الدكتور وسيم السيسي بي وهو متخصص في المسالك البولية وعرض علي القيام بإجراء العملية الجراحية كلها كاملة هدية منه لي دون أي أجر واهتم بعض زملائي في الإذاعة والصحافة وكتبوا كلاما مهما عن تأجيل إجراء العملية وخطورة ذلك علي انتشار المرض وتعريض شخصي للموت. وحركت كتاباتهم المياه الراكدة واتصلت بي رئاسة مجلس الوزراء وسألوني عن المشكلة وظروفها وماذا أريد؟ولم يتركوني فعلا بعد ذلك إلا بعد أن تحدد موعد العملية, واستطاع مجلس الوزراء أن يسرع إجراء العملية عشرة أيام وهو إنجاز بلا شك.. أقول لم يصدمني المرض ولكن تأجيل العملية كان يزعجني, مع عدم وجود فصيلة الدم الخاص بي, وهو نوع نادر فصيلة O, وعرضت زوجتي شراء أكياس دم من الخارج لكن المستشفي العسكري رفض الشراء فهم لا يشترون الدم. سلمت نفسي للأطباء تماما وخضعت للإجراءات الطبية والعلاجية الضرورية وتحملت الكثير, شكشكت أخذ عينات الدم المتواصلة, لدرجة أنني خفت أن لا يكون عندي دم بعد ذلك, رسم القلب, قياس نسبة السكر في الدم, قياس الحرارة, مد الجسم بالفيتامينات والمضادات الحيوية وغيرها عن طريق (الكولونا) المثبتة في الشرايين. وقياس نسبة المواد السائلة في الجسم, ومعرفة حركة القلب ونبضاته عن طريق عصا عمودية, وغير ذلك.
شعرت أنه لا وقت للنوم, فكيف أجد وقتا للنوم وأنا في هذه المعمعة, وإن شئت فقل المعركة؟!
بدأ الجميع يستعدون لإجراء العملية فعلا بعد التأجيل أكثر من مرة, وفي المرة قبل الأخيرة أحضروا ملابس العملية وتناولت كل الدواء والاستعداد التام. لكن جاء التأجيل مهما لأن هناك سيولة في الدم, وصرح لي الأطباء.. أننا لا نريد أن نضحي بك فأنت عزيز علينا وهناك سيولة في الدم ويجب تأجيل العملية فعلا حتي نقضي علي هذه السيولة.
واضطررت للم كل ملابسي وإعداد حقيبتي للعودة للمرة الرابعة للبيت دون إجراء العملية الجراحية مما زاد القلق والأرق وتكلفت سيارة الأجرة في الرحلة المكوكية من البيت إلي المستشفي والعكس أكثر من ألف جنيه ونيف. ومع ذلك كان سبب تأجيل العملية الأخير وجيها, فليس من الممكن إجراء عملية جراحية كبيرة لمريض يعاني من سيولة الدم. أيام قليلة مكثتها في البيت بين الحيرة والأمل والخوف ولوعة الانتظار, وأخيرا جاءني تليفون من إدارة المستشفي يقول المستشفي ينتظرك يوم الخميس 24 أغسطس صباحا والعملية ستجري صباح السبت 26 أغسطس إن شاء الله. وتبددت الحيرة, وبدأ الأمل, وشعرت أن دعوات المحبين من الأحباب والأصدقاء والأقارب وصلواتهم, وصور القديسين والملائكة التي تكتظ بها حقيبتي الصغيرة, ومنهم صديق عمري وحبيب قلبي القديس البابا كيرلس السادس, والأنبا إغريغوريوس, والبابا شنودة الثالث وغيرهم أفادتني كثيرا, وها أنا أتقدم لإجراء العملية دون خوف أو قلق, وهذا الجيش من المحبين والملائكة والقديسين لابد أن تكون نتيجته الشفاء بيد الله القدير الشافي….
نستكمل في اللقاء القادم
========
وهل أعطي لنفسي الحق في التدخل في إرادة الخالق العظيم, وأنا المخلوق البسيط الضعيف؟