أمننة (علاقات دولية)

عودة للموسوعة

يشير مفهوم الأمننة أوإضفاء الطابع الأمني في العلاقات الدولية إلى قيام الجهات الحكومية بتحويل شتى المواضيع إلى قضايا «أمنية»، وهي نسخة متطرفة من عملية التسييس تسمح بإتخاذ إجراءات استثنائية بدعوى الحفاظ على الأمن. ولا تمثل القضية «المؤمننة» قضية ضرورية لبقاء الدولة بضرورة الحال، بل بالأحرى قضية تمكن أحدهم من تصويرها على أنها معضلة وجودية.

يؤكد واضعي نظريات الأمننة على حتى المواضيع المؤمننة بنجاح تحظى بكميات مفرطة من الاهتمام والموارد مقارنةً بالمواضيع غير المؤمننة التي قد تتسبب في ضرر أكبر للإنسان. من أبرز الأمثلة على ذلك قضية الإرهاب التي تُعامل باعتبارها أولوية قصوى في المناقشات الأمنية، وذلك على الرغم من حتى احتمال وفاة الناس نتيجة لحوادث السيارات أوالأمراض التي يمكن منعها أكبر بكثير من احتمال الوقوع ضحية للإرهاب. تهدف دراسات الأمننة إلى فهم الآتي: «من الذي يؤمنن (العنصر المؤمنن)،يا ترى؟ وماذا يؤمنن (التهديدات المؤمننة)،يا ترى؟ لصالح من أوماذا (الشيء الذي ينبغي حمايته)،يا ترى؟ ولماذا،يا ترى؟ وبأي نتيجة،يا ترى؟ وتحت أي ظروف؟».

الأصل

يرتبط مفهوم الأمننة بمدرسة كوبنهاغن في العلاقات الدولية، ويُنظر إلى هذا الأسلوب باعتباره توليفة من النظرية البنائية والواقعية السياسية الكلاسيكية. صاغ أولي فيفر هذا المصطلح لأول مرة في عام 1993، وأصبح لفظًا شائعًا في أوساط الدراسات البنائية للعلاقات الدولية.

التعريف

تتألف الأمننة من تصور أمني موجه نحوالعمليات، وذلك على نقيض الأسلوب المادي في دراسات الأمن الكلاسيكية. إذ تهتم الأساليب الكلاسيكية بالجوانب المادية للتهديدات بما يضم توزيع القوة، والقدرات العسكرية، والقطبية. بينما هجرز الأمننة على مدى نجاح الطرف الفعال في تحويل قضية معينة إلى قضية أمنية لتبرير اللجوء إلى إجراءات استثنائية.

إلى جانب ذلك، ينبغي حتى يتقبل الجمهور عملية الأمننة أولًا حتى تكون ناجحة، وذلك بغض النظر عما إذا كان موضوع المشكلة يمثل تهديدًا حقيقيًا أم لا. فكما يقول تيري براسبينينغ-بالزاك: «الأمننة هي ممارسة محكومة بقواعد، لا يعتمد نجاحها بالضرورة على وجود خطر حقيقي، بل على براعة المحاور الاستطرادية  في إضفاء الصبغة الأمنية على أحداث معينة». قد يتخذ الجمهور أشكالًا متعددة مثل الجمهور التقني، والبيروقراطي، وعامة الناس، وصناع السياسات. وقد تؤدي الجماهير المتنوعة أدوارًا مختلفة بناءً على مدى رضاها عن عملية الأمننة. ناقش بول روتلك الفكرة بالتفصيل.

باعتبارها عملية

تتضمن عمليات الأمننة أربع مكونات:

  • الفاعل أوالعنصر المؤمنن: الكيان المسؤول عن أمننة القضايا عن طريق العمل أوالخطاب.
  • تهديد وجودي: الشيء (أوالنموذج) الذي قد يتسبب في ضرر ما.
  • كائن مرجعي: الشيء (أوالنموذج) المُهدد بالخطر ويجب حمايته.
  • جمهور: مجموعة من البشر يحاول الفاعل حتى يقنعهم بخطورة القضية المذكورة.

أمننة القضايا بنجاح لا تعني بالضرورة حتى تلك القضية ذات أهمية حيوية لبقاء دولة معينة، بل حتى أحدهم نجح في تصوير تلك القضية على أنها معضلة وجودية. ورغم ذلك يرى المحرر أوريل أبولوف حتى الدراسات التجريبية عن الأمننة لا تهتم بالشكل الكافي بالمجتمعات المُحاطة بشكوك وجودية عن بقائها. وكمثال على ذلك، ذكر أبولوف ما يُعهد بـ«الشيطان الديموغرافي» في إسرائيل (أي المواطنين من عرب إسرائيل). إذ يرى أبولوف حتى مثل تلك المجتمعات منغمسة في ما يطلق عليه «الأمننة العميقة»، حيث تتعامل النقاشات العامة مع تلك الفئة من الناس على أنهم يشكلون تهديدًا محتملًا طويل الأمد يعرض بقاء الأمة أوالدولة نفسها للخطر. ورغم ذلك تعتمد القدرة على أمننة موضوع معين بشكل فعال على كلٍ من وضع الفاعل، ومدى تشابه تلك القضية مع قضايا أخرى تمثل تهديدات وجودية من وجهة نظر عامة الناس.

تأثيرها على المجتمع

يرى واضعي نظريات الأمننة حتى المواضيع المؤمننة بنجاح تحظى باهتمام وموارد زائدة مقارنةً بالمواضيع الأخرى غير المؤمننة، وحتى وإن كانت تتسبب بضرر أكبر.

«تتسبب حوادث الطرق في 150,000 حالة وفاة سنويًا في المتوسط على نطاق 56 ولاية... يميل الناس إلى اعتبار حوادث الطرق أمرًا مُسلمًا به ولا يتكبدون عناء أمننة تلك المشكلة بالمطالبة بإجراءات استثنائية. وهي لا تعدوكونها مجرد معضلة ينبغي التعامل معها في نظر السياسيين والتنظيمات القانونية. يميل الناس إلى الاهتمام بحالات الوفاة الفردية فقط... بينما تسببت الأعمال الإرهابية على مستوى العالم بأكمله في 5,312 حالة وفاة سنويًا في الفترة 1994–2004، أي أقل من 5% من عدد وفيات حوادث الطرق في البلدان المشاركة في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا وحدها. وبالرغم من ذلك، تتعامل النقاشات الأمنية مع قضية الإرهاب باعتبارها أولوية قصوى».

إذا تمكن أحدهم من أمننة موضوع معين بنجاح، فقد ينجح كذلك في تشريع استخدام وسائل استثنائية لحل المشكلة المُتصورة. قد تضم تلك الوسائل إعلان حالة طوارئ أوفرض القوانين العهدية، وتعبئة الجيوش أومهاجمة دولة أخرى. علاوة على ذلك، يُنظر إلى المواضيع التي تُوصف بأنها قضايا أمنية باعتبارها مواضيع غير قابلة للنقاش السياسي أوالأكاديمي. يتعامل واضعي نظريات الأمننة مع الأمننة في إطار نظرية بول روباعتبارها عملية سلبية تعرقل العملية الديموقراطية وتنتقص من دور الرقابة المُكلفة بمساءلة النخبة السياسية.

القطاعات المتأثرة

حدد كلٌ من باري بوزان، وأولي فيفر، وياب دي فيلدا خمسة قطاعات سياسية مُعرضة لعملية الأمننة في كتاب «الأمن: إطار حديث للتحليل»، وهي:

  • الأمن العسكري
  • الأمن السياسي
  • الأمن الاقتصادي
  • الأمن المجتمعي
  • الأمن البيئي

قد تنطوي عملية الأمننة على قطاع واحد أوأكثر من بين تلك القطاعات. ففي حالة غزوالعراق عام 2003 يرى البعض حتى النزاع متعلق بالأمننة العسكرية؛ إذ حتى أسلحة الدمار الكامل كانت أحد أبرز مسببات هذه الحرب. ولكن تلك الحرب كانت متعلقة أيضًا بمشكلة مجتمعية مؤمننة، ألا وهي معضلة حقوق الإنسان في ظل حكم صدام حسين.

من أحد الأمثلة الأخرى على القطاعات المؤمننة: مشاكل الهجرةواللجوء القائمة في الولايات المتحدة وأوروبا. إذ يرى الكثير من الناس حتى خطر تسلل الإرهابيين عن طريق الهجرة هودافع قوي لفرض رقابة حدودية صارمة. وفي تلك الحالة خطفت المخاوف الأمنية  الأنظار عن العوامل الاقتصادية التي كانت دائمًا ما تلعب دورًا مهمًا في الهجرة الدولية، وذلك بسبب سهولة أمننة قضية الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر. وإلى جانب خطر الإرهاب تتعرض بعض القضايا الأخرى التي تخص المهاجرين (مثل الموطن الأصلي، والشتات، والنزوح، والمواطنة) إلى الأمننة.

باعتبارها تكتيك

نظرًا إلى حتى القضايا المؤمننة تحظى باهتمام وموارد زائدة مقارنةً بالقضايا غير المؤمننة، يقترح بعض الاستراتيجيين السياسيين أنه يمكن جذب المزيد من الاهتمام والنفوذ نحوقضايا السياسة العامة الحالية إذا تمكن مؤيدي تلك القضايا من أمننتها بنجاح.

على سبيل المثال، قد يحظى أنصار استكشاف الفضاء بدعم الدولة إذا تمكنوا من إقناع الجهات الحكومية بالفوائد التي قد تثمر عنها اقتراحاتهم من الناحية الأمنية عوضًا عن الناحية الفهمية؛ أي إبراز أهمية الاستكشاف الفضائي في حماية الإنسان من التهديدات الوجودية التي تلوح في الأفق مثل النيازك، وذلك عوضًا عن إبراز دوره في تقدم الفهم الفهمية.

يُعد التهديد الوجودي المتمثل في التغير المناخي مثالًا آخر على أحد القضايا المؤمننة.

النقد وردود الأفعال

تعرضت الأمننة بصفتها أحد مدارس العلاقات الدولية إلى النقد نظرًا لقلة منافعها العملية. عملى خلاف مدارس العلاقات الدولية الأخرى، مثل الليبرالية أوالواقعية التي تزودنا بإطار عمل أوأساس يمكن من خلاله فهم كيفية إدارة الدبلوماسية الليبرالية، يرى النقاد حتى الأمننة أقرب إلى ملاحظة مثيرة للاهتمام منها إلى نظرية يمكن استخدامها بطريقة عملية من قبل الجهات السياسية. يرى النقاد حتى توضيح اللاعقلانية المرتبطة بالقضايا المؤمننة لا يجدي نفعًا في تغيير الديناميات السياسية، فطالما ظلت القضية مؤمننة بنجاح فسيستمر السياسيون في التعامل معها بالطرق التي تقتضيها الأمننة.

مراجع

  1. ^ Barry Buzan, Ole Wæver, and Jaap de Wilde, Security: A New Framework for Analysis (Boulder: Lynne Rienner Publishers, 1998), p. 25.
  2. ^ Barry Buzan, Ole Wæver, and Jaap de Wilde, Security: A New Framework for Analysis (Boulder: Lynne Rienner Publishers, 1998), p. 32.
  3. ^ Michael C. Williams, Words, Images, Enemies, Securitization and International Politics, International Studies Quarterly 2003(47):512.
  4. ^ Balzacq, Thierry (2005). "The Three Faces of Securitization: Political Agency, Audience and Context". European Journal of International Relations. 11 (2): 171–201. doi:10.1177/1354066105052960.
  5. ^ Roe, Paul (Dec 1, 2008). "Actor, Audience(s) and Emergency Measures: Securitization and the UK's Decision to Invade Iraq". Security Dialogue (باللغة الإنجليزية). 39 (6): 615–635. doi:10.1177/0967010608098212. ISSN 0967-0106.
  6. ^ Abulof, Uriel (2014). "Deep Securitization and Israel's "Demographic Demon"". International Political Sociology. 8 (4): 396. doi:10.1111/ips.12070.
  7. ^ Andrej Zwitter & Jaap de Wilde "Prismatic Security Expanding the Copenhagen School to the Local Level", Department of International Relations and International Organization (IRIO), University of Groningen. نسخة محفوظة 24 سبتمبر 2018 على مسقط واي باك مشين.
  8. ^ Roe, Paul (8 June 2012). "Is securitization a 'negative' concept? Revisiting the normative debate over normal versus extraordinary politics". Security Dialogue (باللغة الإنجليزية). 43 (3): 249–266. doi:10.1177/0967010612443723. ISSN 0967-0106.
  9. ^ Thomas Faist. 2005. “The Migration-Security Nexus: International Migration and Security.” In: Migration, Citizenship and Ethnos: Incorporation Regimes in Germany, Western Europe and North America, edited by Y. Michal Bodemann and Gökce Yurdakul, pp. 103–120. New York: Palgrave Macmillan; Fiona B. Adamson. 2006. “Crossing Borders: International Migration and National Security.” International Security 31 (1): 165-99.
  10. ^ Jef Huysmans. 2006. The Politics of Insecurity: Fear, Migration and Asylum in the EU. London: Routledge; Alison Gerard. 2014. The Securitization of Migration and Refugee Women. New York: Routledge.
  11. ^ Daniel Naujoks. 2015. “The securitization of dual citizenship. National security concerns and the making of the Overseas Citizenship of India.” Diaspora Studiesثمانية (1), pp. 18–36.
تاريخ النشر: 2020-06-01 19:17:18
التصنيفات: أمن دولي, بنائية, دراسات أمنية, نظرية العلاقات الدولية, صفحات بها مراجع بالإنجليزية (en), قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات يتيمة منذ ديسمبر 2019, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة علاقات دولية/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«هيومن رايتس» تتهم حرس الحدود السعودي بقتل مئات المهاجرين الإثيوبيين

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:23:46
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 64%

3 مبادرات رئيسية في استراتيجية "كاوست" الجديدة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:24:41
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

بن ساحة وملالة يوقعان: حمزة سالم يعود لاتحاد بسكرة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:25:43
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

القبض على مقيم لترويجه 4.9 كلجم من الشبو بالشرقية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:24:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

سكيكدة: مصطافون يطالبون بتمديد ساعات عمل الناقلين

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:25:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

مسؤول إغاثة دولي يطلق نداءً بشأن السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:23:44
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

8600  طالب وطالبة ينضمون إلى فصول الموهوبين في 150 مدرسة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:24:36
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

الحقيل يوافق على تأسيس شركة أمانة نجران للاستثمار السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:24:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

النيجر من رمضاء فرنسا إلى نار فاغنر

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:23:48
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

بالحجة والدليل.. إطلالة على المواقف المتناقضة للنظام الجزائري

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:23:41
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 75%

صرف 104 ملايين ريال مستحقات الدفعة الـ13لمزارعي القمح المحلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:24:44
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

مانع باق على رأس الرديف : إدارة السنافر تضبط سفرية تونس

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:26:03
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

5 آلاف طفل استفادوا من المخطط الأزرق: تزويد مناطق نائية بمسابح متنقلة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:25:23
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

دراسة: الطقس الحار يخفض ساعات النوم السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:24:45
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 70%

التربص ينطلق غدا بمشاركة 28 لاعبا: سونلغاز تستجيب لطلب مدرب الوفاق

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-21 12:25:39
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

تحميل تطبيق المنصة العربية