هانز هارتونگ

عودة للموسوعة

هانز هارتونگ

هانز هارتونگ
هانز هارتونگ.

هانز هارتونگ Hans Hartung (21 سبتمبر 1904 -سبعة ديسمبر 1989)، هورسام ألماني-فرنسي، اشتهر بأسلوبه التجريدي وخطوطه السوداء وإيقاعاتها المؤثرة، وقربها من فن الخط، وبروزها في أغلب الأحيان فوق خلفية أحادية اللون.

حياته

ولد هانز هارتونگ في في لايپتسگ في كنف أسرة من الأطباء محبة للفنون، وبعد دراسته بين عامي 1915- 1926 في ثانوية درسدن، ثم الفلسفة وتاريخ الفن في جامعة لايپتسگ ومدرسة الفنون الجميلة تتلمذ على يد ماكس دورنر في ميونخ. تأثر في بداياته بتعبيرية إميل نولده وأوسكار كوكوشكا، ثم بالتكعيبية، وأعمال كاندينسكي التجريدية، ولكنه سرعان ما راح يبحث عن أسلوب خاص به، فقام بين عامي 1924- 1930 بأسفار عدة إلى جميع من إيطاليا والبلاد الواطئة (هولندا) وفرنسا وبلجيكا طلباً للفهم والاطلاع، متردداً إبانها بلا انقطاع على المتاحف وصالات العرض. وإلى هذه الآونة يعود تاريخ لوحاته التجريدية الأولى، وفيها بدا مستقلاً عن مدرسة الباوهاوس وقريباً من المدرسة التعبيرية، وبها أقام معرضه الأول في قاعة عرض كول بدرسدن عام 1931، حيث عرض مجموعة من اللوحات المتضمنة بعض العناصر التكعيبية التي انصرف عنها لاحقاً ليقف نفسه على إنجاز لوحات تجريدية خالصة.

تزوج هارتونگ المصوِّرة أنا-إيڤا برگمان، ثم رحل للعيش في باليار بمينورك بين عامي 1932-1934 منجزاً في أثناء إقامته لوحات بعنوان «بقع حبر»، وبعد إقامة قصيرة في ستوكهولم عاد إلى برلين حين صعود النازية وسطوع نجمها، فعانى من جراء ذلك الشقاء مادياً ومعنوياً وضاقت به السبل ولاسيما حين وسمت النازية الفن الذي يخصه ويعنيه بالفن المنحط ولكنه ظل صامداً يتصدى للنازية: «لا أريد حتى أستسلم بل إني لا أستطيع حتى أستسلم. قد أخضع حيناً للمهادنة والتسويات المشينة، ولكني سأعمل على خلق تصوير يتطابق وذوق العصر، لأعود من ثم إلى ألمانيا وأقاوم هتلر، ولكني إذا استسلمت الآن أكون قد تخليت عن جميع شيء». وما إذا بلغت معاناته في عام 1935 حداً لا يطاق حتى قرَّ عزمه على الهرب من ألمانيا نهائياً للإقامة في باريس التي تجاهلت بدورها أعماله على الرغم من قبولها لها وعرضها في صالات عدة، وعلى الرغم من اشتراكه عام 1937 في المعرض العالمي «لعبة التنس» Jeu de Paume - الذي أقيم في باريس - بمجموعة من اللوحات المتسلسلة بعنوان «بقع حبر»، وإسهامه - وهوالمعروف بتصديه للنازية منذ البداية - في معرض مناهض للنازية أقيم في برلنگتون، بلندن عام 1938. وفي العام نفسه ألغت سفارة الرايخ جواز سفره، ثم هجرته زوجته أنّا- إيڤا، فتزوج مصوِّرة أخرى أيضاً، ثم انضم عشية إعلان الحرب عام 1939 إلى قائمة المتطوعين لمقاومة الهتلرية، وفي عام 1940، وعقب الهزيمة أمام الجيوش الهتلرية تخفى في وادي اللوت مقيماً عند أسرة النحات كاتالان غونزاليز، ليهرب من ثم إلى إسبانيا التي توارى فيها سبعة أشهر، ومنها عبر إلى شمالي إفريقيا ليلتحق من حديث بفيلق المحاربين الأجانب، وفي نوڤمبر إبان الهجوم على بلفورت جرح جرحاً بليغاً أدى إلى بتر ساقه.


بعد الحرب العالمية الثانية

دشنت نهاية الحرب العالمية الثانية لهارتونگ فترة جديدة كلياً، ففي عام 1945 حصل على الجنسية الفرنسية، ورجعت إليه زوجته أنّا- إيڤا التي بقيت معه ولازمته حتى وفاته، وتقلد الميدالية الحربية، وصليب الحرب، ووسام الشرف، وأقيمت لأعماله معارض عدة منها: في قاعة عرض ليديا كونتي بباريس في مارس عام 1947، وفبراير عام 1948، ويوليوعام 1949، وفي إرْلَنْگن بكولونيا وفي برن عام 1953.

وقد تم الاعتراف بهارتونگ مفهماً من مفهمي التعبيرية التجريدية الكبار منذ معرضه الشخصي الأول في قاعة عرض ليديا كونتي، فعمل جاهداً على الاحتفاظ بهذه المكانة عبر تقلبات (الموضة) والسوق (الاقتصاد). وفي هذا المعرض تجلى مفهومه في تمثيل الواقع: «على التعبير الحر والخالص حتى يرتقي بالواقع»، وطريقته التي تقوم في جوهرها على التلوين بالفرشاة بحيوية وفعالية شديدة، وعلى السرعة في عملية الخلق والابتكار، وكان هذا بالنسبة إليه «ضرورة روحية». إذا تجريداته لا تصوِّر، وإنما تتحدث بعيداً عن جميع ضرب من ضروب العقدية (الدوگماتية)، وقد ارتبط فن هارتونگ بالخطوط وآثارها ، وبالتعبير عن الذات المتحررة، وبابتكاره علامات غرافية، وربطه سرعة الحركة والدافع النفسي بأقصى ما في التكوين من دقة، فإن كان ثمة ما يدعى كلاسية معاصرة فإن هارتونگ واحدٌ من كبار كلاسيي التصوير التجريدي. إذا في إنتاجه تماسكاً استثنائياً: «ابتدأتُ التصوير في حداثتي… ففي الخامسة عشرة والسادسة عشرة كنت أرسم بظاهر الفرشاة أشكالاً لا تمت إلى الواقع بأي صلة، وفيها كانت بقعة الفرشاة بذاتها تحمل معنى ما». وكان هارتونگ ينسخ أحياناً بعض أعمال الماضي مثل لوحة «الثالث من مايو» لگويا مع إلغاء تدريجي للأشكال الواقعية التي لا يبقى منها في آخر المطاف إلا البقع والخطوط، وهذا في الحقيقة نمط حديث في الفكر التصويري. وكان هارتونگ قد انصت في عام 1925 إلى محاضرة لكاندينسكي فتبين له ثراء التجريد، ومع ذلك لم يلجأ مطلقاً إلى أي ضرب من ضروب الترميز: «ليس للترميز أي معنى في التصوير سواء أمثلثاً كان هذا الرمز أم زهرة». أراد هارتونگ استبطان التصوير «إن الواقع أوتمثيله يقف حائلاً أمام التعبير الحر والصافي»، وقد أقنعتْه دراساته في فهم البصريات (أن إدراك العالم بالنظر خدّاع كفاية)، فلابد من تجاوز هذا الواقع والنظر إلى ما وراءه.

كان هارتونگ منذ عام 1933 يسم أعماله بحرف (T) عنوان سهل يضيف إليه سنة إنجاز العمل ورقمه التسلسلي، وكان يرود ويتقصى ويكتشف ضمن حدوده الذاتية ما في الفن اللاتشخيصي الغريزي من إمكانات، وكان يرى «أن حركة المصور تقتات من تام كيانه، ومن تجربته في العالم والحياة، وعليه فإن الحاسم والمهم في التصوير هوالسرعة الآنية في الإنجاز، والتسليم المتواصل لما يصنعه الفنان».

تجريد على اللوح، لهانز هارتونگ.

اتسمت أعمال هارتونگ حتى عام 1951 بالتمرد والفوضوية، ثم اتسمت بالسكونية وجنحت نحوالاستقرار أكثر، ثم صارت خطوطه بدءاً من عام 1959 تأخذ شكل كبة من الخيوط المرنة، وراح يضاعف إنتاجه في الطباعة الحجرية والحفر، وقد قدَّم في هذا المجال مع الطبّاع جان پونز سلسلة رائعة من المطبوعات على الحجر، ثم أولى اهتماماً بالتصوير الضوئي، واستخدمه أحياناً في لوحاته وأقام معرضه الضوئي الأول عام 1977 في مركز نوروا بأراس، كما أنجز بعض الأعمال باستخدام الطبشور الملون (باستيل).

ومع تنوع إنتاجه ومواده بقيت السرعة في حركة الفرشاة وفي إنجاز العمل يحتلان المقام الأول، إذ استشعر هارتونگ - وقد اقتحم عالم قدراته وإمكاناته - حتى السرعة «ضرورة روحية». وفي عام1961 لجأ هارتونگ إلى طريقة الحفر أوالنقش في الألوان وهي طازجة وندية: «إلى غير ذلك ينفذ الضوء عبر المادة» ثم يأتي دور اللوحات الكبيرة التي غابت عنها الخطوط أوتكاد، لتشوبها ضبابية قاتمة.

أما أعمال الثمانينات (القرن العشرين) فكانت أميل إلى الأشكال النباتية والمائية، لتتفجر من ثم في لوحات كونية أورانية تستحضر إلى الذاكرة حنين هارتونگ المقيم إلى فهم النجوم.

احتل هارتونگ بوصفه رائداً للتجريد الغنائي مكاناً وسطاً بين التصوير الحدوثي، ومدرسة باريس la peinture du geste، وتكمن أهمية تعبيره الراقي باللون الأسود في أنه جعل هذا اللون لوناً رئيساً في عمله الفني، وفرضه من ثم مدة طويلة على جميع قطاعات التصوير التشبيهي والتجريدي على السواء.

خطه

ألف هارتونگ خطاً عدة منها: «هرقل، الصاعقة تقود العالم» (1977)، و«هرقل، تحول النار الأول» (1984). وتلقى جوائز كثيرة أهمها جائزة گوگنگهايم عام 1956، والجائزة العالمية الكبرى في بينالي البندقية عام 1960.

في الفن

وقد قدمه المخرج ألان رينيه عام 1947 في فيلم وثائقي تسجيلي، وألف موسيقاه أنطوان دوهامل، وخط عنه أيضاً الشاعر ومحرر المسرح والمذيع الفرنسي المعروف جان تارديو.


انظر أيضاً

  • Tachisme
  • مدرسة باريس
  • L'Art Informel
  • Union des Artistes Allemandes Libres

هوامش

  1. ^ فائق دحدوح. "هارتونغ (هانز ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2012-04-19.

المصادر

  • La mort de Hans Hartung Le peintre, pionnier puis classique de l'" abstraction ", est mort, vendrediثمانية décembre, à l'âge de quatre-vingt-cinq ans, Le Monde. Lundi 11 décembre 1989, p. 1. accessed on October 8, 2006.
  • Müller-Yao, Marguerite Hui: Der Einfluß der Kunst der chinesischen Kalligraphie auf die westliche informelle Malerei, Diss. Bonn, Köln 1985. ISBN 3-88375-051-4
  • Müller-Yao, Marguerite: Informelle Malerei und chinesische Kalligrafie, in: Informel, Begegnung und Wandel, (hrsg von Heinz Althöfer, Schriftenreihe des Museums am Ostwall; Bd. 2), Dortmund 2002, ISBN 3-611-01062-6
  • Rolf Wedewer: Die Malerei des Informel. Weltverlust und Ich-Behauptung, Deutscher Kunstverlag, München, 2007. ISBN 3422065601

وصلات خارجية

  • Hans-Hartung.com
  • Hans Hartung - Britannica.com
  • Hans Hartung - List of Works in Museum Collections
  • The Artists.org - Hans Hartung
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:17:26
التصنيفات: Articles which use infobox templates with no data rows, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, Pages using infobox artist with unknown parameters, Persondata templates without short description parameter, مواليد 1904, مواليد 1989, فنانون تعبيريون تجريديون, تكعيبية, رسامون فرنسيون, رسامون ألمان, رسامو الحداثة, أشخاص من لايپتسگ, مدرسة باريس, فنانون من باريس, جنود الفيلق الأجنبي الفرنسي, حائزو صليب الحرب (فرنسا), عسكريون فرنسيون في الحرب العالمية الثانية, أعضاء أكاديمية الفنون الجميلة الفرنسية, أعضاء رتبة ماكسميليان الباڤارية للعلوم والفن, Art Informel and Tachisme painters

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

القبض على شاب يستغل صفحة باسم مستعار لابتزاز و تهديد فتيات بخنشلة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-01 18:23:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

العثور على أميرة قطرية سابقة ميتة في منزلها بماربيا الإسبانية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-01 18:23:22
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 77%

بالفيديو: تصريحات "لقجع" حول زمن الفساد في الـ "كاف" تثير جنون المصري "ميدو"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-01 18:23:19
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 81%

سارق عجل وراء القضبان في وادي الماء بباتنة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-01 18:23:35
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

وزير العدل: المحاكم شهدت الفترة الماضية تطويرات عديدة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-01 18:24:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 56%

البيت الأبيض: الصواريخ التي ستحصل عليها أوكرانيا ليست لضرب روسيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-01 18:24:11
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

الأرصاد: توقعات بتجاوز درجات الحرارة 46 مْ على شمال الشرقية عاجل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-01 18:24:10
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية