نَستَكمِل بنِعمة الله دِراسة “لُبش” ثيئوتوكية السَّبت المُسَمَّى “الشيرات”.

“الشِيرات” موسيقياً :

تدور أفكار ثيئوتوكية السبت مع الشِيرات الأولى والثانية (لبش السبت) حول تَحِيَّة الملاك غبريال للعذراء مريم، وبعض الإشارات والرموز في العهد القديم التي تحققت فيها عندما وَلَدَت الله الكلمة وصارت أماً لله.

أما من الناحية الموسيقية فتتكون “الشيرات” في قالبها الموسيقي إلى ثلاث أفكار، وكل فِكرة تُصاغ بقالب وأسلوب موسيقي خاص، الفكرة الأولى تشمل الأربعة أرباع الأولى من الشيرات وتكون بأسلوب “الميليسما” (كل حرف لفظي يقابله العديد من النغمات)، ثم تَكمُل بقية أرباع الشيرات الأولى باسلوب أقرب إلى “النيوماتيك”(كل حرف لفظي يقابله ثلاث أوأربع نغمات)، ثم يَكمُل اللحن في الشيرات الثانية كلها ليكون بأسلوب “السيلاباتيك” أو (الدمج) وفيها (كل حرف أو حرفين لفظيين تقابلهم نغمة واحدة)، وكل فِكرة موسيقية لها إحساسها وسرعتها المُمَيِّزة لها.

والشيرات في فكرتها الموسيقية الأولى التي تمتاز بطول النغمات تتطابق مع كل من لحن “تين أويه إنسوك” الذي يقال بعد الهوس الثالث في تسبحة نصف الليل، كذلك تتطابق نغماتها مع باقي “الألباش الواطس” التي تقال بعد “الثيئوتوكيات” أيام الأربعاء والخميس والجمعة.

القالِب الموسيقي للفكرة الأولى الطويلة :

الجزء الأول فيه: “شيرى ثي إثميه إن إهموت، تي بارثينوس إن أتثوليب” (السلام لك يا ممتلئة نعمة، العذراء غير الدنسة) له جُمَل موسيقية معينة، والجزء الثاني يعتبر تِكرار لنفس الجُمَل اللحنية مع إختلاف الكلمات: “بي كيميليون إتسوتب إنتى تي إيكوميني تيرس” (الإناء المختار لكل المسكونة)،وبهذا تنتهي الفكرة الأولى الموسيقية والتي تشمل الربع الأول كله ونسميه هنا (A1) ، ثم تأتي الأرباع الثلاثة اللاحقة بنفس الفكرة الأولى الطويلة ويكون أسمائهم (A4),(A3),(A2) وبذلك تنتهي الفكرة الأولى بالقالب الموسيقي الأول في هذا اللحن.

وهذه الفكرة تُبنَى على مقام (البياتي) على إيقاع رباعي بسرعة متوسطة (حوالي 110 نبضة في الدقيقة)، وهذه السرعة المتوسطة مع هذا المقام الموسيقي تساعد على إحساس البهجة المُغَلَّفَة بالوَقار ومناسبة للأفكار العميقة التي يتكلم عنها هذا اللحن.

وهنا أحب أن أوضح ملاحظة معينة، وهي أن الكنيسة قد أعطت للأرباع الأولى في “الشِيرات” أهمية خاصة، عن طريق استخدام أسلوب (الميليسما)، أولاً: لتوضيح عِظَم كلمات الملاك وبشارته للسيدة العذراء (السلام لك يا ممتلئة نعمة)، فالامتلاء من النعمة في حالة العذراء يَجمَع كل ما اكتسبَتهُ العذراء من كرامة كوالدة الإله، واستحقت أن تتحقق فيها كل رموز وإشارات العهد القديم، وهذا ما يُفَصِّلهُويشرحهُ موضوع “الشيرات” في كل الأرباع، فبسبب حَبَلِها لله الكلمة غير المتجسد صارت ممتلئة نعمة، وصارت كل الإشارات والرموز تُشير إليها، كما كان الهيكل يتجلى فيه رب الأرباب، وكان التابوت يمثل حلول الله، وكان قِسط المَنّيُمَثل خُبز الحياة، فكما كان حلول الله في هذه الأمور كذلك صارت والدة الإله هي السماء الثانية التي حملته في أحشائها الطاهرة.

ربط الكلمات بالنغمات في الفكرة الأولى (A):

أما من حيث ربط الكلمات باللحن في هذه الفكرة الطويلة،فنجد أن اللحن يبدأ بحالة من الوقار لا تخلو من إحساس الفرح والحركة بسبب البشارة المفرحة عندما جاء الملاك إلى العذراء مريم، ثم نجد أن اللحن يتجه تدريجياً إلى العلو في النغمات عندما يصل إلى كلمة “إن إهموت” (النعمة)، حتي يصل إلى الذروة في كلمة “بارثينوس” (العذراء)، ومن الطبيعي أن يُعَبِّر عن الكرامة العظيمة التي نالتها العذراء،وتستمر النغمات حتى وصولها إلى (خلية موسيقية) تتكرر ثلاث مرات في صورة تأكيد عند كلمة “إن أتثوليب” (غير الدنسة)، وهنا نتذكر كلمات الكتاب حينما قال: “وإذ كان يوسف خطيبها باراً ولم يُرِد أن يُشَهِّر بها قرر أن يتركها سراً، وبينما كان يفكر في الأمر إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم يقول: يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ عروسك إلى بيتك؛ لأن الذي هي حُبلى به إنما هو من الروح القدس” (مت1: 19، 20)، وهنا تُوَضِّح النغمات أن العذراء غير دنسة، بل هي في مُنتهى الطُهر والنقاء والطهارة، فهي عذراء فعلاً ولكنها حُبلى وكان هذا بدون زَرع بشر والذي فيها هو الله الكلمة المتجسد بفعل الروح القدس.

ومعنى هذا أن الفكرة الموسيقية الأولى تحمل داخلها فكرتان،فكرة العلو التدريجي الذي يعبر عن الكرامة والمجد، وفكرة التكرار الذي يُمَثِّل تأكيد حقيقة معينة، وهذه المعاني تنطبق أيضا على الأجزاء الأخرى في هذه الفكرة، وسوف أتركك عزيزي القارىء تتأمل في معاني الكلمات من خلال هذه الأفكار الموسيقية في باقي أجزاء الفكرة بالترتيب:

“إتسوتب إنتى تي إي كوميني تيرس” (الإناء المختار – لكل المسكونة)، “إبشوشو – إنتى بارثينيا” (فخر – البتولية)، “بي إشفوت – إنتى بي ناهتي” (قضيب – الإيمان)، “بين سوتير- إن أغاثوس” (مخلصنا – الصالح) “إنتيف أولي إن ناي خيسي إيفول هارون – إن تيف سيمني نان إنتيف هيريني” (يرفع عنا هذه الأتعاب – ويقرر لنا سلامه)، ” تي ليخنيا إن كاثاروس – ثي إيتاسفاي بي إكروم إنتى تي ميثنوتي” (المنارة النقية – الحاملة نار اللاهوت)، وقد كان واضع اللحن موفَقاً إلى حد كبير في تركيب اللحن بنفس أفكاره على الكلمات المتغيرة، خاصة في استخدامه لأسلوب الميليسما الذي يسمح بالتأمل في هذه الكلمات البلاغية العميقة.

وبهذا نكون قد مَرَرنا على الفكرة الموسيقية الأولى في هذا اللحن الجميل، على أن نَستَكمِل باقي الدِراسة في المرة القادمة بإذن المسيح.

ملاحظة: تم الاستعانة بالنوتة الموسيقية تدوين قُدس أبينا الرَّاهب إبرآم الجَورجي.

لينك اللَّحن بصوت المُعلم الكبير جاد لويس