حدائق النور (بالفرنسية: Les jardins de lumière)، هي رواية لعام 1991، تأليف المحرر اللبناني الفرنسي أمين معلوف. تدور الرواية حول المفكر الديني ماني، مؤسس المانوية، هذا الفارس الحالم بالمساواة بين البشر والطامح إلى عالم خال من الحقد والحرب والبغضاء، عالم يدعوإلى نبذ السلطة بكل أشكالها والانغماس في عالم الفن، الرسام الذي يخط بريشته لوحات تدعوإلى الحب ويدعوأتباعه إلى التسامح بآلات الموسيقى بدلا من الحرب، يحاول التوفيق بين الإمبراطورية الساسانية الفارسية والإمبراطورية الرومانية فيكون مصيره الموت في النهاية.

أحداث الرواية

في حدائق النور يخط أمين معلوف سيرة خاصة، لنبي عاش في القرن الثاني في بلاد ما بين النهرين، لكنها تتجاوز ذلك لتؤرخ لزمن يتواصل، يزداد فيه العطش إلى التسامح والجمال بقدر ما تتسع مساحة الدمار. إذا الجزء الأعظم من تاريخ البشرية كان ولا يزال تاريخ صراع، لكنه أيضا تاريخ نبوءات، وماني، الذي يحكي الكتاب سيرته أوما تظل من سيرته بعد عصور من الكذب والنسيان، واحد من أنبياء الجمال والتسامح والحب.

أدهش ماني جمال الكون، لكن دهشته لم تكن لتجعله يتخلى عن رزانة الحكيم ووثوقيته لصالح تشكك الفيلسوف أوخيالية الفنان .كانت نبوءته دعوة لاكتشاف الجمال الكامن في الإنسان ومحيطه الواسع، لهذا كان يشجع "المختارين" ممن اتبعوا دعوته [يَرفُض حدثة أتباع] إلى ممارسة الفنون:"إن الشرارة الإلهية موجودة فينا جميعا... وعلى جميع أحد حتى يغذوها بالجمال والفهم، وبهذا تتمكن من التألق."، وبالإضافة إلى كونه طبيبا بارعا، كان ماني أحسن رسامي عهده والمؤسس الأول للرسم الشرقي، وحين شاء شاهبور امبراطور الشرق وقتذاك حتى يخلد صورته جريا على تنطقيد الأسرة الإمبراطورية فإنه لم يختر غيره لهذه المهمة:

"-تقضي عاداتنا منذ القدم بأن يطلب جميع ملك من أمهر رسامي عهده حتى يرسم له صورته. وقد قيل لي بأنه أنت أيها الطبيب البابلي. أفتكون يدك لا تزال ثابثة؟

-تظل يدي طائعة.

-لقد أحضرت إلى هنا الكتاب الذي يضم صور أسلافي لترى أي طريقة ينبغي حتى تتبع.

-لي طريقتي الخاصة في الرسم.

-ظننت أني سمعت حتى يدك طائعة؟

-رأسي يرسم ويدي تطيع."

وكان عميق الإحساس بالموسيقى؛ يَعتبر أنه في فجر الكون كانت المخلوقات جميعها تسبح في نغم علوي قبل حتى ينسينا إياه سديم الخلق. نطق مخاطبا رازاف عازف القيصر: " غير حتى عودا مدوزنا مع روح الفنان قادر على بعث تلك النغمات الأصيلة...". كان ماني فنانا موغلا في العظمة، وربما أخطأ طريقه نحوالنبوءة.

كانت سماحة ماني إنسانية في عمقها، فما يهمه هوالإله الذي بداخل الإنسان والذي يقويه هذا الأخير بالجمال والفهم، فمصير العالم بيد البشر. قوتان أساسيتان في رأيه تحكمان الكون: قوة "ملك حدائق النور" و"قوة سيد الظلمات". لم يَخلق أحدهما الآخر ولا يملك أحدهما مصير الآخر والإنسان في الأخير هوالطرف الحاسم:"لقد عهد ب"الخلق" إلى الإنسان. وإليه يرجع قبل أي كان حتى يجعل الظلمات تتقهقر."، وما كان يجعله منفتحا على جميع الأديان ،حتى الوثنية منها، هوإيمانه بالإنسان، لم يكن يراعي لاختلاف المعتقَد مادام المعتقِد هونفسه." إذا لكل شعب تنطقيد دونت في شرائعه ونسبها للمشيئة الربانية".

وبالإمكان القول أنه في إصراره على الإنسان وعلى الجمال فيه، كان ماني قد تجاوز بأزمان عديدة دعوات النهضة الأوربية والفلسفات المعاصرة، ولوحتى هذه طرحت المسألة بشكل مختلف فيه خلومن نزعة الزهد وتحرر من الباطنية المفرطة. كان بهذا المعنى تقدميا إلى حدود بعيدة، متجاوزا عصره ، ولا نعتقد على العموم حتى هذه الخصلة الأخيرة محمودة بالنسبة ل"نبي"، إذ لربما كان هذا- كما تساءل المحرر- أحد مسببات إخفاق دعوته. لقد عُذب ثم اغتال مصلوبا.

اختار ماني حياة الزهد. ولم يتخذ امرأة ولوحتى علاقته ب"ديناغ" لم تكن واضحة حتى لمناصريه تبعا للمحرر. وكان يحمل موقفا إيجابيا من النساء عكس دعوات عديدة أخرى، "إن الشرارة الإلهية موجودة فينا جميعا... إنها ليست ذكرا ولا أنثى". وقد كان مرافقه الأكثر قربا إليه امرأة هومن طلبها من هرمز ابن الإمبراطور، ووارث العرش بعده، دون مسببات مباح بها. الإلتباس العاطفي حين يتعلق الأمر بحياة نبي هوأمر مثير. ومن بين مناصري ماني كانت هنالك كثرة من النساء، منهن من حرقن مع كتاباته لما رفضن البصق على اسمه. وحين استشهد على الصليب، رحن في بادرة جميلة يقبلن شفتيه تباعا.

رفض ماني حتىقد يكون نبي الإمبراطور وأن تسفك باسمه الدماء ولولقاء تحول ديانته إلى دين البلاد الرسمي بتبني "ملك الملوك" له.ولم يعط رأيا في الحرب حين كان العاهل يستجدي توأمه السماوي. لكنه سعى دائما إلى التدخل لصالح السلام حتى اصطدم مباشرة بالقصر. وفي الوقت الذي كانت فيه جيوش الإمبراطور تحارب، كان هوينشر دعوته مناديا بالجمال والسلام. اعتقَدَ دائما حتى أمور الأرض ليست ما يعنيه بل الأمور الأخرى الأبدية والكاملة. كان يبتعد عن ممارسة السياسة في حين يمارس يدري أولا يدري (تلك السياسة التي يرفضها القصر والتي لم يكن عصره ناضجا لها ماديا. يقول الإمبراطور شاهبور مخاطبا ماني:" إذا حبي لك أشد من حبي لولدي أنفسهما. وما دمت حيا فما من يد ستنال منك، لا يدي ولا أية يد غيرها. ولكن لما تصر على الحديث عن إلغاء الطبقات؟". يدعوماني إذن للمساواة، ويحملها إلى مستويات فوق مادية لكن للواقع مرآته التي تعهد جيدا منطق الإنعكاسات. وما أثار حفيظة الملاكين ميسوري الحال هوالمساواة المادية التي كان يصلهم حَرها وهي لا تزال فكرة في مهد. لكن هذه الدعوة لم تكن صدى لتحولات اجتماعية عميقة في واقع الشرق ولا كان لها صوت سياسي ليشكل امتدادا لإرهاصات تحول مفترض، كانت "خالصة". لهذا لم تكتمل. لم تنضج في صهد الحياة. تماما لأنها كانت بالحاجة إلى الكثير من الواقع..فالجمال الذي كان ينشده ماني كان محتاجا إلى محاربين بنفس حاجته إلى حكماء. لكن ماني لم يفكر هكذا . وحتى لوعمل فهل كان سيسعفه ظرفه التاريخي،يا ترى؟ لقد كان ماني بمنطق أمير مكيافيلي، نبيا أعزلا وجميع الأنبياء العزل أخفقوا في حين انتصرت دعوات الأنبياء المسلحين.

كان ماني نبيا قريبا من الأرض. كان الوحي قريبا منه، يأتيه إلا من توأمه أوصنوه الذي رآه أول مرة على صفحة ماء في بستان النخيل . هل سيكون مجرد حذلقة حتى نقول حتى وحيه يأتيه من نفسه، كما تجيء المبدع لحظات توهجه وقوته،يا ترى؟ ألا نستطيع حتى نقول حتى لحظات الإبداع عند ماني أولنقل لحظات الإلهام كانت بالقوة التي جعلته يسمي إلهامه وحيا ويقتنع بذلك. ألم نفترض بداية أنه قد يحدث بالأساس فنانا موغلا في العظمة والإبداعية إلى حد أخطأ طريقه إلى النبوءة،يا ترى؟ ألم تكن قدرته الشخصية تحديدا على استحضار بواطنه والتمكن منها هوما جعل دعوته تنصب على قوة الإنسان الباطنية،يا ترى؟ المهم هنا هوأنه كان مخلصا لما نطقه بشأن "النور" .فنبوءته كانت بداخله، تخرج إليه حين تشاء أوحين يحتاجها وتشاء، وكانت هي نوره الوهاج. حين يُسأل ماني ويُطلب منه حتى يعطي رأي صنوه السماوي كان يأخذ وقتا -يختلف جميع مرة- في انتظار وحيه ، وكأنه يُلهَم بالمعنى السالف الذكر. كانت نبوءته الإنسان وكان وحيه منه؛ هوالإنسان . إذا انسجاما أثيرا يحكم تاريخ وأفكار ماني.

ابتدأت معاناة ماني مع المتطرفين من خلال تجربة " الناصريين" الذين يكثر ذكرهم في الكتاب باسم "أصحاب الملابس البيضاء".كانوا يعتكفون في بستان نخيل بعيدا عن "المدائن" عاصمة الشرق في ذاك العهد ، لا تربطهم بالخارج إلا بعض العلاقات الإقتصادية البدائية المتمثلة في بيع محاصيلهم الزراعية لتوفير العيش في ظل حياة التقشف. معتبرين الناس خارجا كفرة وزناديق، وكان الرهبان الرسميون يبادلونهم التهم ذاتها. قضى ماني في هذا البستان سنين طفولته ومراهقته، قارئا نهما لما يسمح بقراءته، متأملا عميقا لنفسه وما حوله.حتى اتىه "الوحي" في بدايات شبابه.وظل ينتظر إذنَ "توأمه السماوي" ليعلن نَبذَه لمِلة أصحاب الملابس البيضاء بالتخلص من ثوبه القديم الأبيض واستبداله بلباس مختلف رسم عليه زهورا ملونة.وخرج من البستان محملا بلعنات رفاقه القدامى.

التجربة الثانية هي مع رهابنة القيصر الذين استقبلوا كلام ماني منذ بداية دعوته بنفس التهم التي حُمِّلها وهويخطوأولى خطواته خارج البستان. لكن ماني لم يكن يتبادل التهم مع أحد لأنه يحاور "نور" الناس وليس "ظلماتهم".

انظر أيضاً

• 1991 في الأدب
• أدب فرنسي معاصر
• روايات أمين معلوف

المصادر